جرة قلم : كتاب يضيء طريقا للأمل
الثلاثاء / 27 / رجب / 1443 هـ - 19:17 - الثلاثاء 1 مارس 2022 19:17
«على قيد الأمل» كتاب قصصي واقعي للممرضة القانونية جليلة النعمانية، يشكل إضافة للمكتبة الإنسانية، وذلك في ما يتعلق بتوثيق حياة أشخاص غير متخيلين، أو ليسوا من ورق (حسب عبارة رونالد بارت الشهيرة، في معرض حديثه عن الشخصيات الروائية)، وإنما حقيقيون معاصرون لنا، لم تمر حياتهم بسلام، بل كانت سلسلة من دراما صامتة مؤلمة، بكل تفاصيلها الاجتماعية والطبية. الأمر الذي استلزم -من الكاتبة المعاينة للأحداث والشاعرة بها- نقل تجاربهم بغرض الاستفادة والتعريف، ولم لا؛ أيضا بغرض التضامن الكامل بلا نقاش.
الأمر يتعلق هنا بتجارب ضحايا داء نقص المناعة المكتسب، مع إيراد جدول طبي بعد كل تجربة، يصحح الأخطاء الشائعة الكثيرة عن هذا الفيروس وتفاعلاته الطبية والاجتماعية، وأولها وسمة بالإيدز، وهو ليس كذلك إلا في مراحله المتقدمة كما سنرى.
بين الصحفي والأدبي:
وإن كانت الكاتبة قد صرحت في مقدمة كتابها بأنها ستستخدم لغتين «اللغة الإعلامية بمباشرتها ووضوحها، والأدبية التي تحاول رسم صورة بيانية كلما أسعفها الموقف الذي تحاول محاكاته وتصويره»، ولكنها التزمت باللغة الإعلامية التوضيحية، وهذا جاء لصالح الكتاب من أجل بلوغ هدفه المنشود، لكننا نجد الأدب في مستوى آخر غير مستوى اللغة التي حافظت على طابعها التواصلي المباشر، حيث إنه من الصعب المجاورة بين لغتين تحملان طابعين منفصلين: الأدب يعتمد على البلاغة والتجنيح بينما الصحافة تعتمد الخبرية والإفصاح. فالمستوى الأدبي نجده في مكان آخر غير اللغة، أو في مكانين مختلفين، الأول هو وحدة الأسلوب، حيث انتهجت الكاتبة أسلوبًا يعتمد البوح، وهو أسلوب نجده حتى في بعض كتب الأدب، خطي في زمنه لا يعتمد على القطع وإنما على الانثيال المتدفق من البداية وحتى النهاية. الملاحظة الأدبية الأخرى التي نجدها في الكتاب هي اعتماده على ضمير المخاطب، وهنا يأتي دور تقمص الشخصيات، حيث قامت الكاتبة بتقمص كل شخصية والحديث بلسانها، مع توضيح أنها نتاج معايشة طبية مع هؤلاء الضحايا اللذين أسعفهم الأمل.
ملاحظة على العنوان:
بالتركيز على العنوان نجد أنه يجمع بين متضادين جاءا في صيغتي الإضافة وهما (الأمل والقيد) وربما عنوان مثل هذا يستقيم كثيرًا مع الهدف المعلن للكتاب «قصص واقعية تحكي ولادة أمل من رحم الألم» فالأمل في هذا العنوان مقيد، والطبيعي ألا يكون الأمل أملا إلا مع الفسحة. مع الفهم أن أجواء القصص وأحداثها (أو في معظمها على الأقل) تدور حول أشخاص فقدوا الأمل في بداية إصاباتهم، ثم وجدوه في النهاية. ربما لو كان العنوان مثلا (من القيد إلى الأمل) ستكون دلالته أكثر ضبطا، وبالتالي ستعكس بصورة أوفى موضوعات القصص.
أجواء القصص وفضاءاتها:
تتوزع في المجموعة حياة أكثر من ثلاثين شخصية أصيبت بداء فقد المناعة المكتسب (hiv) وترفض الكاتبة أن تسميه باسمه المعروف خطأ «الإيدز»، وهو أن مرض الإيدز الذي لم يكن سوى الحالة المتقدمة لداء فقد المناعة المكتسب، وفي بدايته لم يحمل هذا الاسم إلا خطأ. وهذه القصص الواقعية جاءت كما ذكرت سابقا بضمير المخاطِب الذي يوجه نجواه وبوحه إلى قارئ أو سامع محتمل. وهنا تتقمص الكاتبة حياته وتتحدث بلسانه وتنوب عنه، وقد جمعت بذلك الكاتبة بين ظروفه الإكلينيكية والاجتماعية، ومن الواضح نظرًا لأن الأحداث واقعية حقيقية كما صرحت الكاتبة في مقدمتها، فإن المرضى كانوا على وعي بضرورة نقل تجاربهم إلى القراء وذلك لأغراض توعوية، إلى جانب أن الكتاب -وهذا مهم جدًا- استطاع أن يزيح الكثير من الغموض عن هذا المرض الشبحي. بل سنكتشف من خلال القصص الكثيرة، أن الضحايا فيه كانوا غفلا، وخاصة النساء منهن، وكأن العناية الإلهية كانت رفقية بالكثير منهن حين تجاوزن المرض، بل بعضهن استطاع «بسبب هذا المرض» أن يشق حياة جديدة ويتزوج ويكون له أبناء أصحاء. بل سنجد في الكتاب قصصًا لأناس كانوا على حافة اليأس والانهيار وذلك بسبب السمعة السيئة التي ترافق هذا المرض اجتماعيًا وكذلك السمعة الصحية السيئة التي ترافقه طبيًا، حيث إن المعرفة النمطية عنه تذهب إلى أنه مرض قاتل، بينما وبسبب هذا الأمل الذي صاحب مجريات القصص، نجد أن هناك من كان له هذا الابتلاء سببًا للمراجعة وتوليد أحلام ما كان لها أن تتحقق لو لم يقف أصحابها أمام اختبار اجتماعي وصحي كبير مثل هذا في بدايات حياتهم، تجارب تم الحديث عنها بوضوح في قصص المجموعة. لذلك فالقصص تتناوب بين فضاءين أحدهما فضاء المستشفى وما يرافق ذلك من عذابات حين يصدم المصاب بالخبر من الطبيب المعني، وسنتعرف كذلك على طريقة إيصال هذا الخبر للمرضى ومدى الحرص على سريته. والفضاء الثاني هو الفضاء الاجتماعي المصحوب بخلفية الإصابة وماضي الشخصيات وظروفهم الخاصة التي دفعتهم للإصابة بالمرض.
معلومات طبية تعقب كل بوح:
بالإضافة إلى التجارب الاجتماعية والصحية للأشخاص الذين اشتمل الكتاب على تجاربهم، نجد هناك جدول الخبرات المخبرية الطبية التي سعت الكاتبة لتوثيقها من أجل الفهم وتعميم الفائدة العلمية حول مرض نقص المناعة، وكان الكثير من هذه المعلومات قد أزال اللبس عن غموض هذا المرض وقدم معلومات تكاد تكون جديدة يمكن أن تجعل منه مرضًا يمكن التعايش مع أصحابه بسهولة، بل ويتيح لهم المجال والحق في أن يشاركونا حياتهم بل أن يتفاعلوا طبيعيًا دون حواجز لم تكن في الحقيقية سوى أوهام لا أساس علمي أو طبي لها. وقد وضعت تلك المعلومات في جدول توضيحي تحت عنوانين متجاورين، الأول «خطأ شائع» والثاني «تصحيح للخطأ الشائع» حيث نجد مثلا معلومات تصحيحية من قبيل «كل مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب معه إيدز» والصحيح هو: «مرض الإيدز هو المرحلة المتقدمة والأخيرة من ضمن عدة مراحل يمر بها مصاب فيروس نقص المناعة المكتسب»، أو خطأ شائع من قبيل «يجب إنهاء عقد العمل فور اكتشاف الإصابة فالفيروس» والصحيح هو «المرضى المصابون بنقص المناعة المكتسب لديهم القدرة على العمل في كل الوظائف بدون استثناء»، أو خطأ من قبيل: «الإصابة بالفيروس تعني الموت المحتم» والصحيح هو «لا يوجد علاج شاف حتى يومنا هذا، ولكن عبر تلقي العلاج يمكن للمريض التمتع بعيش حياة طبيعية مثل الإنسان السليم»
مستويات الجهد:
لن يجانبنا الصواب إذا قلنا إننا في «على قيد الأمل» أمام كتاب متعوب عليه كثيرًا، وعبر أكثر من مستوى، الأول يتعلق بجمع اعترافات هذا العدد الكبير ممن أصيبوا بداء فقدان المناعة وكشف حياتهم للكاتبة التي تقمصتها وعبرت عنها بلسانهم بأمانة ودون أن تغفل عن دواخلهم وأحلامهم وقناعاتهم. المستوى الثاني هو هذا الكم المتدرج من المعلومات الطبية المهمة عن هذا المرض. دون أن ننسى مستوى إخراج المادة حين ذيلت كل فقرة بما يناسبها من تصحيحات لأخطاء طبية شائعة. وفي هذا المستوى نجحت الكاتبة في استثمار معلومات طبية كثيرة وحالات إنسانية ربما شكلت -رغم عددها الوافر- عينات لمن مروا بظروف هذا المرض، وظروف حياتهم التي تناوبت بين الألم والأمل. كما أن الكتاب يقرأ بسلاسة بسبب هذا النبض الجديد فيه، حين يطلعنا على حالات حقيقية تجري خلف ستار حياتنا البراقة، لم نكن نعلم عنها إلا القليل، أو بالأحرى كنا نجهل عنها الكثير.
الأمر يتعلق هنا بتجارب ضحايا داء نقص المناعة المكتسب، مع إيراد جدول طبي بعد كل تجربة، يصحح الأخطاء الشائعة الكثيرة عن هذا الفيروس وتفاعلاته الطبية والاجتماعية، وأولها وسمة بالإيدز، وهو ليس كذلك إلا في مراحله المتقدمة كما سنرى.
بين الصحفي والأدبي:
وإن كانت الكاتبة قد صرحت في مقدمة كتابها بأنها ستستخدم لغتين «اللغة الإعلامية بمباشرتها ووضوحها، والأدبية التي تحاول رسم صورة بيانية كلما أسعفها الموقف الذي تحاول محاكاته وتصويره»، ولكنها التزمت باللغة الإعلامية التوضيحية، وهذا جاء لصالح الكتاب من أجل بلوغ هدفه المنشود، لكننا نجد الأدب في مستوى آخر غير مستوى اللغة التي حافظت على طابعها التواصلي المباشر، حيث إنه من الصعب المجاورة بين لغتين تحملان طابعين منفصلين: الأدب يعتمد على البلاغة والتجنيح بينما الصحافة تعتمد الخبرية والإفصاح. فالمستوى الأدبي نجده في مكان آخر غير اللغة، أو في مكانين مختلفين، الأول هو وحدة الأسلوب، حيث انتهجت الكاتبة أسلوبًا يعتمد البوح، وهو أسلوب نجده حتى في بعض كتب الأدب، خطي في زمنه لا يعتمد على القطع وإنما على الانثيال المتدفق من البداية وحتى النهاية. الملاحظة الأدبية الأخرى التي نجدها في الكتاب هي اعتماده على ضمير المخاطب، وهنا يأتي دور تقمص الشخصيات، حيث قامت الكاتبة بتقمص كل شخصية والحديث بلسانها، مع توضيح أنها نتاج معايشة طبية مع هؤلاء الضحايا اللذين أسعفهم الأمل.
ملاحظة على العنوان:
بالتركيز على العنوان نجد أنه يجمع بين متضادين جاءا في صيغتي الإضافة وهما (الأمل والقيد) وربما عنوان مثل هذا يستقيم كثيرًا مع الهدف المعلن للكتاب «قصص واقعية تحكي ولادة أمل من رحم الألم» فالأمل في هذا العنوان مقيد، والطبيعي ألا يكون الأمل أملا إلا مع الفسحة. مع الفهم أن أجواء القصص وأحداثها (أو في معظمها على الأقل) تدور حول أشخاص فقدوا الأمل في بداية إصاباتهم، ثم وجدوه في النهاية. ربما لو كان العنوان مثلا (من القيد إلى الأمل) ستكون دلالته أكثر ضبطا، وبالتالي ستعكس بصورة أوفى موضوعات القصص.
أجواء القصص وفضاءاتها:
تتوزع في المجموعة حياة أكثر من ثلاثين شخصية أصيبت بداء فقد المناعة المكتسب (hiv) وترفض الكاتبة أن تسميه باسمه المعروف خطأ «الإيدز»، وهو أن مرض الإيدز الذي لم يكن سوى الحالة المتقدمة لداء فقد المناعة المكتسب، وفي بدايته لم يحمل هذا الاسم إلا خطأ. وهذه القصص الواقعية جاءت كما ذكرت سابقا بضمير المخاطِب الذي يوجه نجواه وبوحه إلى قارئ أو سامع محتمل. وهنا تتقمص الكاتبة حياته وتتحدث بلسانه وتنوب عنه، وقد جمعت بذلك الكاتبة بين ظروفه الإكلينيكية والاجتماعية، ومن الواضح نظرًا لأن الأحداث واقعية حقيقية كما صرحت الكاتبة في مقدمتها، فإن المرضى كانوا على وعي بضرورة نقل تجاربهم إلى القراء وذلك لأغراض توعوية، إلى جانب أن الكتاب -وهذا مهم جدًا- استطاع أن يزيح الكثير من الغموض عن هذا المرض الشبحي. بل سنكتشف من خلال القصص الكثيرة، أن الضحايا فيه كانوا غفلا، وخاصة النساء منهن، وكأن العناية الإلهية كانت رفقية بالكثير منهن حين تجاوزن المرض، بل بعضهن استطاع «بسبب هذا المرض» أن يشق حياة جديدة ويتزوج ويكون له أبناء أصحاء. بل سنجد في الكتاب قصصًا لأناس كانوا على حافة اليأس والانهيار وذلك بسبب السمعة السيئة التي ترافق هذا المرض اجتماعيًا وكذلك السمعة الصحية السيئة التي ترافقه طبيًا، حيث إن المعرفة النمطية عنه تذهب إلى أنه مرض قاتل، بينما وبسبب هذا الأمل الذي صاحب مجريات القصص، نجد أن هناك من كان له هذا الابتلاء سببًا للمراجعة وتوليد أحلام ما كان لها أن تتحقق لو لم يقف أصحابها أمام اختبار اجتماعي وصحي كبير مثل هذا في بدايات حياتهم، تجارب تم الحديث عنها بوضوح في قصص المجموعة. لذلك فالقصص تتناوب بين فضاءين أحدهما فضاء المستشفى وما يرافق ذلك من عذابات حين يصدم المصاب بالخبر من الطبيب المعني، وسنتعرف كذلك على طريقة إيصال هذا الخبر للمرضى ومدى الحرص على سريته. والفضاء الثاني هو الفضاء الاجتماعي المصحوب بخلفية الإصابة وماضي الشخصيات وظروفهم الخاصة التي دفعتهم للإصابة بالمرض.
معلومات طبية تعقب كل بوح:
بالإضافة إلى التجارب الاجتماعية والصحية للأشخاص الذين اشتمل الكتاب على تجاربهم، نجد هناك جدول الخبرات المخبرية الطبية التي سعت الكاتبة لتوثيقها من أجل الفهم وتعميم الفائدة العلمية حول مرض نقص المناعة، وكان الكثير من هذه المعلومات قد أزال اللبس عن غموض هذا المرض وقدم معلومات تكاد تكون جديدة يمكن أن تجعل منه مرضًا يمكن التعايش مع أصحابه بسهولة، بل ويتيح لهم المجال والحق في أن يشاركونا حياتهم بل أن يتفاعلوا طبيعيًا دون حواجز لم تكن في الحقيقية سوى أوهام لا أساس علمي أو طبي لها. وقد وضعت تلك المعلومات في جدول توضيحي تحت عنوانين متجاورين، الأول «خطأ شائع» والثاني «تصحيح للخطأ الشائع» حيث نجد مثلا معلومات تصحيحية من قبيل «كل مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب معه إيدز» والصحيح هو: «مرض الإيدز هو المرحلة المتقدمة والأخيرة من ضمن عدة مراحل يمر بها مصاب فيروس نقص المناعة المكتسب»، أو خطأ شائع من قبيل «يجب إنهاء عقد العمل فور اكتشاف الإصابة فالفيروس» والصحيح هو «المرضى المصابون بنقص المناعة المكتسب لديهم القدرة على العمل في كل الوظائف بدون استثناء»، أو خطأ من قبيل: «الإصابة بالفيروس تعني الموت المحتم» والصحيح هو «لا يوجد علاج شاف حتى يومنا هذا، ولكن عبر تلقي العلاج يمكن للمريض التمتع بعيش حياة طبيعية مثل الإنسان السليم»
مستويات الجهد:
لن يجانبنا الصواب إذا قلنا إننا في «على قيد الأمل» أمام كتاب متعوب عليه كثيرًا، وعبر أكثر من مستوى، الأول يتعلق بجمع اعترافات هذا العدد الكبير ممن أصيبوا بداء فقدان المناعة وكشف حياتهم للكاتبة التي تقمصتها وعبرت عنها بلسانهم بأمانة ودون أن تغفل عن دواخلهم وأحلامهم وقناعاتهم. المستوى الثاني هو هذا الكم المتدرج من المعلومات الطبية المهمة عن هذا المرض. دون أن ننسى مستوى إخراج المادة حين ذيلت كل فقرة بما يناسبها من تصحيحات لأخطاء طبية شائعة. وفي هذا المستوى نجحت الكاتبة في استثمار معلومات طبية كثيرة وحالات إنسانية ربما شكلت -رغم عددها الوافر- عينات لمن مروا بظروف هذا المرض، وظروف حياتهم التي تناوبت بين الألم والأمل. كما أن الكتاب يقرأ بسلاسة بسبب هذا النبض الجديد فيه، حين يطلعنا على حالات حقيقية تجري خلف ستار حياتنا البراقة، لم نكن نعلم عنها إلا القليل، أو بالأحرى كنا نجهل عنها الكثير.