رأي عُمان

منعطف تاريخي يتشكل فيه نظام عالمي جديد

455455555
 
455455555
من حق أوروبا أن تشعر بالرعب على مستقبلها ومصيرها في هذه اللحظة التاريخية من عمر القارة العجوز، القارة التي عاشت، في القرن الماضي، حروبًا طاحنة لا تستطيع أن تنساها خاصة مع استدعائها تاريخيًا هذه الأيام رغم التقدم الحضاري الذي حققته بعد الحرب العالمية الثانية والرخاء الاقتصادي الذي صنعته لشعوبها.

من حقها بل لزامًا عليها أن تقول ولو على هيئة مونولوج داخل إن هذه الحرب يمكن أن تتقدم نحوها وتتجاوز أوكرانيا إلى دول حلف «الناتو»، فروسيا المنتشية بما تحققه الآن في أوكرانيا وأمام نظر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والذي لا يستطيع حتى الآن فعل أي شيء سوى فرض عقوبات اقتصادية لا يبدو أنها قادرة حتى الآن على وقف تقدم الجيش الروسي المتجه إلى العاصمة كييف يمكن أن تفكر فعليًا في التقدم نحو أوروبا الغربية ومن يعلم ماذا يمكن أن تخبئ الأيام القادمة من عمر هذه الحرب.

ومن حق أوكرانيا والشعب الأوكراني الشعور بالخذلان فالغرب الذي «دفعهم» نحو تحدي روسيا والسعي لحلم الانضمام لحلف «الناتو» تخلى عنهم في لحظة الحقيقة وتركهم وحدهم في مواجهة الجيوش الروسية التي تهاجمهم من كل الجهات.

ورغم أن تصوير هذه الحرب، حتى الآن على الأقل، بأنها عتبات أولى لحرب عالمية ثالثة، لا يخلو من مبالغة إلا أن الحقيقة التي لا جدال فيها أن هذه الحرب نقطة تاريخية فاصلة لتشكل النظام العالمي الجديد الذي تحدثنا عنه في هذه الصحيفة مرارًا.. فسواء تدخل الغرب عسكريًا لدعم أوكرانيا، وهذا مستبعد الآن، أم لم يتدخل فإن العالم قبل هذه الحرب لن يكون هو بعدها على الإطلاق.

وكما قال الكثير من المعلقين في مختلف صحف العالم إن مرحلة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت الآن ودخل العالم مرحلة جديدة انتهى فيها عالم القطب الواحد وستدخل روسيا بقوتها العسكرية التي ستخرج بها والصين بقوتها الاقتصادية لتكونا قطبًا مساويًا وربما متفوقًا على الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن شأن هذه المرحلة إعادة فكرة عدم الانحياز التي ظهرت نهاية خمسينيات القرن الماضي.. خاصة أن التاريخ يقول إن مثل هذه الحرب يمكن أن تكون عتبة لحروب أخرى تقوم هذه المرة لأسباب اقتصادية.

وأمس قال الرئيس الفرنسي ماكرون «إن هذه الحرب ستطول وعلينا أن نستعد لها» وإذا صدقت رؤية ماكرون الذي التقى قبل أيام فقط لبدء الحرب بالرئيس الروسي بوتين فإن أوروبا على موعد مع أيام صعبة جدًا وتحولات ينتشر أثرها في جميع قارات العالم وستستعيد أوروبا ذكريات دخول الاتحاد السوفييتي للمجر في عام 1956 ولتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وكذلك للتحولات التي حدثت بعد حرب السويس سنة 1956.