من أجل أن نمنح الكتاب حياة جديدة
أضاميم
السبت / 24 / رجب / 1443 هـ - 15:50 - السبت 26 فبراير 2022 15:50
1 - تجربة لبيع الكتب العمانية المستعملة حققت نجاحا.
كتبت سابقاً في هذه المساحة، عن أهمية الحفاظ على الطبعات الأولى، للكتب والمطبوعات العمانية القديمة، والتي باتت اليوم من النوادر، وضرورة أن تبقى منها نسخاً أصلية للأجيال القادمة، قبل أن يتحقق فيها وفي مؤلفيها قول أبي تمَّام: (فكأنَّها وكأنهم أحْلامُ)، وهذا الموضوع يفتح مجالاً للكتابة عن أهمية تداول الكتب المستعملة في الحياة الثقافية، لتكون نافذة تتيح للقارئ الإطلالة على روائع الكتب والإصدارات القديمة، تلك التي تلقفتها الأيادي قبل عقود من السنين، وبقيت بعد ذلك مهملة، وبهذا تتجدد المكتبات المنزلية، وتسْري فيها روح الحياة باستبدال القديم بالجديد، وبانتقاله من يد إلى أخرى، ومن مكتبة إلى أخرى، ويعيش الكتاب أكثر من حياة ودورة ثقافية.
ذات يوم من سنوات الصِّبا، أتذكر أني وقفت أمام نفاية منزلية، تتكدَّس فيها كتب قديمة، فقلَّبت بعضها، وعرفت من بينها جزءاً متمزقاً من كتاب «إحياء علوم الدِّين» للإمام الغزالي في طبعة قديمة، فانتشلت تلك النسخة من قدرها السَّيئ، وأخذتها معي إلى البيت، ولأني في ذلك السن الصغير لا أعي كثيراً أهمية الكتب، فقد انتقلت تلك النسخة إلى قَدَر آخَر، وما تزال بأوراقها الخشنة عالقة في ذهني.
وإن كان للأحلام حق البوح، فإني أحلم بشارع من المكتبات، لبيع الكتب المستعملة، داخل مدينة (نزوى المذهلة)، فهذه المدينة التي كُرِّمَتْ خلال عام 2015م، من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «أسيسكو»، عاصمة للثقافة الإسلامية، ووصفت أنها مدينة العلم والعلماء، والأدب والأدباء، لا يوجد بها مكتبة لبيع الكتب المستعملة، كجزء من ذلك التاريخ الثقافي للمدينة، وشكل من أشكاله.
وفي فترة من فترات التنمية الحديثة والتطوير التجميلي لمدينة نزوى، تم تصميم «دوَّار على هيئة كتب»، مصطفة بأحجام وأشكال مختلفة، تمثيلاً لتاريخ المدينة الثقافي، ورمزاً للمؤلفات التي خرجت منها، وما أكثرها، المطبوع منها والمخطوط، (شيد الدوار عام 1994م، متزامناً مع احتفالات عام التراث العماني بنزوى)، ثم جاء زمن وهُدِمَ الدوار، واستبدل موقعه بإشارات مرور لتنظيم حركة السيارات، (هدم الدوار عام 2014م، بعد عشرين عام من بنائه، رغم أن احتفالية تكريم نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية كانت تطرق الأبواب: 2015م).
ولأن التاريخ الثقافي للمدينة لا يُمْحى من ذاكرة الزمن، ويظل متوارثاً جيلاً بعد جيل، فإنه من اللائق أن يكون بها شارعاً من المكتبات، يحجُّ إليه عشاق الكتاب، أسوة بمحلات بيع الفضيات، والأسلحة التقليدية، والفخاريات، التي تنتشر في سوق نزوى، وليت تجربة أحد باعة الكتب من أهالي نزوى تعود من جديد، فقد كان يفترش الأرض أمام مدخل السوق، ويبيع ما يتوفر لديه من كتب، وكانت سحارته الحديدية مليئة بها، فاشترى منه الكثير من الناس، وقلبوا معه الكتب، وبوفاته انتهى كل شيء.
وكأني أرى الشارع الممتد من أمام قلعة نزوى الشهباء، وحتى بوابة السوق الشعبي، ممتلئاً بطبعات قديمة من الكتب، وأراها تتكدس في الساحة الخارجية التي يقع فيها النصب التذكاري لنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، لتتحقق الدلالات الثقافية لهذا النصب المصمم على هيئة منارة، فلرب صدفة تقود قارئاً إلى كتاب نادر، لم يكن ليصل إليه.
حقاً لماذا لا يوجد في بلادنا مكتبات لبيع وشراء الكتب المستعملة، كما في بقية البلدان العربية؟!، ستكون فرصة رائعة للتخلص من الكتب القديمة، التي تستقر في المكتبات المنزلية، وفرصة للقاء بطبعات قديمة، غابت عنا زمناً طويلاً، فنعود إليها من جديد، وستكون فرصة لمن يريد أن يستبدل كتبه بأخرى، وفرصة لكل قارئ لا تسمح لها ظروفه المالية شراء الإصدارات الحديثة، فيشتري القديم بسعر أقل، مع أن الطبعات القديمة والمستعملة تباع في معارض الكتب بأسعار مرتفعة، لندرة الطبعات، ومعرض مسقط الدولي للكتاب حافل بالمكتبات التي تأتي لتعرض ما لديها من نفائس وكتب قديمة الطباعة، وهذا برأيي جيد، فالمعرض سوق كبير، للكتب المطبوعة قديماً مثلما للصادرة حديثاً.
لدينا طلاب، تتزايد أعدادهم عاماً بعد عام، وتكبر أعمارهم، وتتزايد حاجتهم للكتاب، فلماذا لا يصبح للكتب المستعملة سوق خاص، تنظمه إحدى المؤسسات أو الأندية؟، لابد من تحفيز المجتمع على ضرورة فتح أسواق ثقافية، تباع فيها الكتب وغيرها، وتسهيل هذه المهمة، حتى تصبح سلوكاً مجتمعياً، فهي جزء من موروثنا القديم، والمثقف العماني، أديباً كان أو فقيهاً أو شاعراً، أثرى المكتبة منذ قديم الزمان، بالكثير من أمهات الكتب النفيسة.
هناك تجارب قام بها فريق قرية «فرق»، التابع لنادي نزوى قبل سنوات، حيث فتحوا المجال للناس، للتبرع بما لديهم من كتب مستعملة، وبيعها في معرض بأسعار زهيدة، وتفاجأت بتلك الكتب القديمة المهمة، التي لم نعد نراها في المكتبات، كانت تجربة في غاية الجمال والإبهار، وبادرة رائعة، عرفتنا بالكثير من العناوين التي لم نعد نراها اليوم في المكتبات، وكنت رجوت ألا تكون مجرد بادرة تنتهي بانتهاء التجربة، وتخمد بخمود حرارة الرغبة، وما زلت أرجو أن تتكرر تلك التجربة مرة أخرى وأخرى.
وفي هذا السياق أشيد بتجربة مكتبة «هيَّا نقرأ» لبيع الكتب المستعملة، ضمن المشاريع الخيرية لجمعية العطاء، رافعة شعاراً: (تبرع وامنح كتابك حياة جديدة)، شعاراً يؤجج في داخلنا رغبة التبرع، ودخول الكتب في العمل الخيري، ومن خلاله نترك بصمة رائعة في نفوس من يستفيد منه، ويطلق شهية التعرُّف على كتب الآخرين، وبهذه الطريقة ينتقل الكتاب من يد إلى أخرى، وبتقليب أوراقه تعود له الحياة، بعد خمول طويل، مع شعور رائع بالامتنان.
ولأن حياة الكتاب تصبح أفضل بانتقاله من مكان إلى آخر، كطائر لا يحتمل العيش في قفص من ذهب، إنما تهفو روحه للطيران، والتحليق بحرية في الفضاء الطلق، فهكذا حال الكتاب، لا يحب أن يلبث في مكانه طويلاً، حتى لا يرزح عليه الغبار، ففي داخله أرواح كبار الأدباء والمفكرين، أرواح من شغلوا حياتهم ليلاً ونهاراً بالكتابة والتأليف، وتحبير الصفحات بأروع النصوص، تلك الأرواح تتنفس الحياة داخل الصفحات، ولكنها أيضاً تستمد حيويتها من روح القارئ، في تعانق معرفي أخَّاذ ليس له مثيل.
وأتأسَّف كثيراً حين أدخل مكتبة، فأرى من بينها كتباً صدرت قبل عقود من السنين، وما تزال على حالها لم تقرأ، فهل تتصورون كتباً تقبع في الأرفف زمناً طويلاً دون أن يتصفحه أحد، ما تزال أوراقها متراصة، ولم تقلبها يد قارئ!، مثل هذه الكتب صادفت كثيراً، وهي موجودة في المكتبات الأهلية، ومكتبات المؤسسات، حيث تُشترى ليؤثث بها مكتبة، وتبقى في الرَّف الذي توضع فيه، ولا تلمسها يد قارئ.
أتأسَّف كثيراً حين أرى كتباً مهمة تترك هملاً، وتظل سنوات تنتظر قارئاً لا يأتي، ومثل هذه الكتب جدير بها أن تكون في يد قارئ أو باحث أو تلميذ، وجدير بها أن تنتقل من مكتبة إلى أخرى، لتتحقق القيمة المعرفية من الكتاب، فمؤلفه لم يحرق سنوات عمره في تأليفها، ليبقى كتابه بعد أن يطبع في رف لا تصل إليه يد، وإنما لينتقل من وعي إلى آخر، ومن ذاكرة إلى أخرى، ويراود العقول والوجدان، بما فيه من معارف وحيوات، يأخذ بقارئه إلى عالم جميل، ويغوص به في عمق الماضي السَّحيق، أو يعرج به إلى الأفق الحرب للمستقبل.
ذات يوم من سنوات الصِّبا، أتذكر أني وقفت أمام نفاية منزلية، تتكدَّس فيها كتب قديمة، فقلَّبت بعضها، وعرفت من بينها جزءاً متمزقاً من كتاب «إحياء علوم الدِّين» للإمام الغزالي في طبعة قديمة، فانتشلت تلك النسخة من قدرها السَّيئ، وأخذتها معي إلى البيت، ولأني في ذلك السن الصغير لا أعي كثيراً أهمية الكتب، فقد انتقلت تلك النسخة إلى قَدَر آخَر، وما تزال بأوراقها الخشنة عالقة في ذهني.
وإن كان للأحلام حق البوح، فإني أحلم بشارع من المكتبات، لبيع الكتب المستعملة، داخل مدينة (نزوى المذهلة)، فهذه المدينة التي كُرِّمَتْ خلال عام 2015م، من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «أسيسكو»، عاصمة للثقافة الإسلامية، ووصفت أنها مدينة العلم والعلماء، والأدب والأدباء، لا يوجد بها مكتبة لبيع الكتب المستعملة، كجزء من ذلك التاريخ الثقافي للمدينة، وشكل من أشكاله.
وفي فترة من فترات التنمية الحديثة والتطوير التجميلي لمدينة نزوى، تم تصميم «دوَّار على هيئة كتب»، مصطفة بأحجام وأشكال مختلفة، تمثيلاً لتاريخ المدينة الثقافي، ورمزاً للمؤلفات التي خرجت منها، وما أكثرها، المطبوع منها والمخطوط، (شيد الدوار عام 1994م، متزامناً مع احتفالات عام التراث العماني بنزوى)، ثم جاء زمن وهُدِمَ الدوار، واستبدل موقعه بإشارات مرور لتنظيم حركة السيارات، (هدم الدوار عام 2014م، بعد عشرين عام من بنائه، رغم أن احتفالية تكريم نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية كانت تطرق الأبواب: 2015م).
ولأن التاريخ الثقافي للمدينة لا يُمْحى من ذاكرة الزمن، ويظل متوارثاً جيلاً بعد جيل، فإنه من اللائق أن يكون بها شارعاً من المكتبات، يحجُّ إليه عشاق الكتاب، أسوة بمحلات بيع الفضيات، والأسلحة التقليدية، والفخاريات، التي تنتشر في سوق نزوى، وليت تجربة أحد باعة الكتب من أهالي نزوى تعود من جديد، فقد كان يفترش الأرض أمام مدخل السوق، ويبيع ما يتوفر لديه من كتب، وكانت سحارته الحديدية مليئة بها، فاشترى منه الكثير من الناس، وقلبوا معه الكتب، وبوفاته انتهى كل شيء.
وكأني أرى الشارع الممتد من أمام قلعة نزوى الشهباء، وحتى بوابة السوق الشعبي، ممتلئاً بطبعات قديمة من الكتب، وأراها تتكدس في الساحة الخارجية التي يقع فيها النصب التذكاري لنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، لتتحقق الدلالات الثقافية لهذا النصب المصمم على هيئة منارة، فلرب صدفة تقود قارئاً إلى كتاب نادر، لم يكن ليصل إليه.
حقاً لماذا لا يوجد في بلادنا مكتبات لبيع وشراء الكتب المستعملة، كما في بقية البلدان العربية؟!، ستكون فرصة رائعة للتخلص من الكتب القديمة، التي تستقر في المكتبات المنزلية، وفرصة للقاء بطبعات قديمة، غابت عنا زمناً طويلاً، فنعود إليها من جديد، وستكون فرصة لمن يريد أن يستبدل كتبه بأخرى، وفرصة لكل قارئ لا تسمح لها ظروفه المالية شراء الإصدارات الحديثة، فيشتري القديم بسعر أقل، مع أن الطبعات القديمة والمستعملة تباع في معارض الكتب بأسعار مرتفعة، لندرة الطبعات، ومعرض مسقط الدولي للكتاب حافل بالمكتبات التي تأتي لتعرض ما لديها من نفائس وكتب قديمة الطباعة، وهذا برأيي جيد، فالمعرض سوق كبير، للكتب المطبوعة قديماً مثلما للصادرة حديثاً.
لدينا طلاب، تتزايد أعدادهم عاماً بعد عام، وتكبر أعمارهم، وتتزايد حاجتهم للكتاب، فلماذا لا يصبح للكتب المستعملة سوق خاص، تنظمه إحدى المؤسسات أو الأندية؟، لابد من تحفيز المجتمع على ضرورة فتح أسواق ثقافية، تباع فيها الكتب وغيرها، وتسهيل هذه المهمة، حتى تصبح سلوكاً مجتمعياً، فهي جزء من موروثنا القديم، والمثقف العماني، أديباً كان أو فقيهاً أو شاعراً، أثرى المكتبة منذ قديم الزمان، بالكثير من أمهات الكتب النفيسة.
هناك تجارب قام بها فريق قرية «فرق»، التابع لنادي نزوى قبل سنوات، حيث فتحوا المجال للناس، للتبرع بما لديهم من كتب مستعملة، وبيعها في معرض بأسعار زهيدة، وتفاجأت بتلك الكتب القديمة المهمة، التي لم نعد نراها في المكتبات، كانت تجربة في غاية الجمال والإبهار، وبادرة رائعة، عرفتنا بالكثير من العناوين التي لم نعد نراها اليوم في المكتبات، وكنت رجوت ألا تكون مجرد بادرة تنتهي بانتهاء التجربة، وتخمد بخمود حرارة الرغبة، وما زلت أرجو أن تتكرر تلك التجربة مرة أخرى وأخرى.
وفي هذا السياق أشيد بتجربة مكتبة «هيَّا نقرأ» لبيع الكتب المستعملة، ضمن المشاريع الخيرية لجمعية العطاء، رافعة شعاراً: (تبرع وامنح كتابك حياة جديدة)، شعاراً يؤجج في داخلنا رغبة التبرع، ودخول الكتب في العمل الخيري، ومن خلاله نترك بصمة رائعة في نفوس من يستفيد منه، ويطلق شهية التعرُّف على كتب الآخرين، وبهذه الطريقة ينتقل الكتاب من يد إلى أخرى، وبتقليب أوراقه تعود له الحياة، بعد خمول طويل، مع شعور رائع بالامتنان.
ولأن حياة الكتاب تصبح أفضل بانتقاله من مكان إلى آخر، كطائر لا يحتمل العيش في قفص من ذهب، إنما تهفو روحه للطيران، والتحليق بحرية في الفضاء الطلق، فهكذا حال الكتاب، لا يحب أن يلبث في مكانه طويلاً، حتى لا يرزح عليه الغبار، ففي داخله أرواح كبار الأدباء والمفكرين، أرواح من شغلوا حياتهم ليلاً ونهاراً بالكتابة والتأليف، وتحبير الصفحات بأروع النصوص، تلك الأرواح تتنفس الحياة داخل الصفحات، ولكنها أيضاً تستمد حيويتها من روح القارئ، في تعانق معرفي أخَّاذ ليس له مثيل.
وأتأسَّف كثيراً حين أدخل مكتبة، فأرى من بينها كتباً صدرت قبل عقود من السنين، وما تزال على حالها لم تقرأ، فهل تتصورون كتباً تقبع في الأرفف زمناً طويلاً دون أن يتصفحه أحد، ما تزال أوراقها متراصة، ولم تقلبها يد قارئ!، مثل هذه الكتب صادفت كثيراً، وهي موجودة في المكتبات الأهلية، ومكتبات المؤسسات، حيث تُشترى ليؤثث بها مكتبة، وتبقى في الرَّف الذي توضع فيه، ولا تلمسها يد قارئ.
أتأسَّف كثيراً حين أرى كتباً مهمة تترك هملاً، وتظل سنوات تنتظر قارئاً لا يأتي، ومثل هذه الكتب جدير بها أن تكون في يد قارئ أو باحث أو تلميذ، وجدير بها أن تنتقل من مكتبة إلى أخرى، لتتحقق القيمة المعرفية من الكتاب، فمؤلفه لم يحرق سنوات عمره في تأليفها، ليبقى كتابه بعد أن يطبع في رف لا تصل إليه يد، وإنما لينتقل من وعي إلى آخر، ومن ذاكرة إلى أخرى، ويراود العقول والوجدان، بما فيه من معارف وحيوات، يأخذ بقارئه إلى عالم جميل، ويغوص به في عمق الماضي السَّحيق، أو يعرج به إلى الأفق الحرب للمستقبل.