أعمدة

بشفافية : الرقابة.. ويقظة العدالة

 
لم تكن الأرقام التي أوردها التقرير السنوي لعام 2020 (ملخص المجتمع) الذي نشره جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة قبل أيام إلا لتأكيد أن الحكومة ماضية في قطع دابر الفساد، وملاحقة من سولت لهم أنفسهم استغلال الأموال العامة وأموال القصر والأيتام أو التزوير بالوثائق الرسمية وعدم الاكتراث لأهمية المال العام، حيث حمل التقرير بين طياته رسائل عديدة بعثها لكل من قد تسول له نفسه، المساس بالمال العام أو التهاون في المشاريع الحكومية أو غيرها من أوجه الفساد والتقصير، وأن أعين المخلصين في هذا الوطن العزيز يقظة، وتتابع كافة التفاصيل المتعلقة بأي شبهة للفساد، ومن ثم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الفاسدين.

كما أن التقرير قد أجاب عن الكثير من علامات الاستفهام التي كانت تجول بخواطر العديد من المواطنين حول خسائر بعض الشركات الحكومية والصناديق الاستثمارية، والتقصير في إعداد دراسات الجدوى لمشاريع بعشرات الملايين، مما أدى إلى خسائر فادحة ذهبت فيها الملايين من الأموال العامة التي كانت من المفترض أن تستفيد منها البلاد، ومع ذلك فإن المرحلة القادمة والتوصيات التي أوصى بها الجهاز حول تقييم بعض المؤسسات والشركات الحكومية سوف تسهم في الحد من هدر المال العام.

وعلى الرغم من الألم الذي شعر به كل مواطن بعد نشر حجم المبالغ والأرقام التي تمثلت في تحصيل 580 مليون ريال عماني، وتعامل جهاز الرقابة بالتنسيق مع الادعاء العام مع 207 قضايا، إلا أن هناك مبعثًا للأمل والتفاؤل في تحسن الأوضاع خصوصا فيما يتعلق بملاحقة الفاسدين بأنواع مختلفة فيما يخص الأموال العامة عبر التزوير الالكتروني وقبول منفعة واستغلال المنصب والرشوة ومخالفة القانون وتبديد المال العام، وتضارب المصالح والاختلاس وغيرها من أوجه الفساد المقيت الذي ترفضه عمان.

وعند استعراض نماذج من المخالفات التي رصدها الجهاز من تبديد الأموال العامة ومنها صرف مبالغ بالزيادة لعدد من أصحاب ناقلات المياه بمبلغ 10 ملايين ريال عماني، وإقدام موظف على التزوير وقبول رشوة بلغت 7.7 مليون دولار أمريكي، واختلاس عدد من الموظفين أموالًا عامة بنحو 15 مليون ريال عماني وقيام رئيس قسم التركات باختلاس أموال الأيتام والقصر وإساءة استعمال وظيفته لتحقيق منافع شخصية وغيرها من النماذج، كلها نماذج مقيتة لسوء الأمانة ودنو العمل، كيف لا ونحن أمام ملايين من الأموال العامة واختلاس أموال أيتام وقصر ورشوة.

إن من سولت له نفسه أن يفعل كل هذه الأفعال المشينة يستحق العقاب، وكذلك فإن الكشف عما اقترفه الفاسدون بحق المال العام، بداية لمكافحة الفساد وقطع الطريق أمام ضعاف النفوس الذين حملوا أمانة ولم يؤدوها، وقد جاء الحق لكشفهم وكشف أفعالهم وتقديمهم للعدالة التي ستمارس دورها القانوني في بسط العدالة وإرجاع الحقوق.

وعندما نطالع الأداء المالي والتشغيلي لشركة الطيران العماني وقيامها بشراء واستئجار 49 طائرة بنحو 838 مليون ريال عماني بين عامي 2007 ـ 2019، دون إعداد دراسة الجدوى وتحديد وجهات التشغيل، وتشغيلها بوجهات غير مربحة وبخسائر تشغيلية عالية بلغت نحو 1.3 مليار ريال عماني! تعود بنا الذاكرة إلى الخسائر المتلاحقة لهذه الشركة على الرغم من الدعم السخي المقدم لها من الحكومة، وعندما كان الكثيرون يتساءلون عن عدم قدرة الشركة على تحقيق الأرباح على الرغم من تحقيق الكثير من شركات الطيران حول العالم أرباحا سنوية خصوصا في تلك الفترة أي ما قبل جائحة كورونا، فإن الإجابة قد كشفها جهاز الرقابة في تقريره وتوصياته، إضافة إلى غيرها من الجوانب المهمة التي كشفت نوعا من الاستهتار أو اللامبالاة في الإقدام على مشاريع تكلف الملايين وللأسف يتم اعتمادها وعقد صفقاتها دون أي دراسة لجدواها.

إن ما يقوم به جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وكافة العاملين فيه محل تقدير من الجميع، واليوم أمام الجهاز مهام عظيمة في حفظ المال العام والمتابعة والمحاسبة وإعادة الحقوق بالتنسيق مع السلك القضائي والادعاء العام، كما أن الواجب الوطني والأخلاقي يحتم علينا جميعًا أن نتعاون مع جهود الجهاز والتسهيل عليه في ممارسة مهامه التي تكللت بالكشف عن عدد كبير من القضايا وقياس الأداء للعديد من المؤسسات وإصدار توصيات من شأنها أن ترتقي بأدوار ومهام الكثير من المؤسسات وأيضا تحفظ المال العام من الهدر، وتقض مضاجع من سولت لهم أنفسهم الاعتداء على المال العام.