أعمدة

جرة قلم.. عن مجلة الموسيقى العمانية

 
من المجلات العمانية التي تستحق أن يحتفى بها مجلة «الموسيقى العمانية» التي تصدر عن مركز عمان للموسيقى التقليدية التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، وقد أصدرت مؤخرًا عددها الرابع إلكترونيا، حيث كُتِبَ على غلافها الداخلي «ثقافية إلكترونية مختصة بالموسيقى» تكمن أهمية المجلة في كونها أول منبر عماني متخصص بالموسيقى في سلطنة عمان، مع انفتاحها المطرد على الفنون والآداب وأنماط الحياة الحديثة.

وقد التقيتُ قبل كتابتة هذا المقال بناصر بن محمد الناعبي مدير تحرير هذه المجلة، الذي يعد حاليًا أطروحته للدكتوراه حول «أنثربولوجيا الموسيقى العمانية»، وهو تخصص فريد من نوعه يربط بين الموسيقى والحياة، وكما نعلم أن لعمان تراثا موسيقيا كبيرا، وهو ما حاولت هذه المجلة أن تعكسه عبر فصولها العديدة في هذا العدد الرابع مثلا، علمًا أن العدد الخامس هو في طور الإعداد حاليًا ومن المتوقع صدوره في غضون الأيام المقبلة.

وقد اشتمل العدد الرابع على مجموعة متنوعة من الأمور ذات البعد الموسيقي مثلًا لقاء طويل مع حمود العيسيري وهو شاعر وكاتب أغانٍ عمانية يمتلك تجربة مهمة في هذا الجانب، فكان اللقاء بمثابة كشف عن هذه الحياة التي تصاهر فيها الشعر بالفن، حيث أفصح عن تعلمه حروف الأبجدية والنحو والإعراب وفن الإلقاء في رحاب الدراسة الابتدائية حتى أن مُدرسه لقبه بالقروي.

ومن أهم المواد التي شدتني في هذا العدد هو مقال طويل بعنوان «أضواء على سيرة الموسيقار يوسف شوق» ونحن نعرف ما لهذا الرجل من فضل كبير فيما يتعلق بتوثيق تراثنا الموسيقي.

وتناول المقال أهم جوانب حياته وإقامته الفعالة في سلطنة عمان، وشخصيًا من المتابعين القدماء لهذا الرجل عبر برنامجه في التلفزيون العماني قديمًا، وانتهز الفرصة للدعاء له بالرحمة، (رحمه الله بواسع رحمته).

هناك كذلك عنوان أو مادة ملفتة «دور المقامات العربية وتقنيات الأداء في تبليغ أطوار القص القرآني» حيث تصدر المقال صورة القارئ المصري الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.

وهناك مقال آخر موسع كذلك حمل عنوان «التداوي بالموسيقى» للكاتبة العمانية هاجر الغفيلية، تحدثت فيه عن أطوار العلاقة بين العلاج والموسيقى، والفضل كان للموسيقى على مختلف الفنون والآداب، بالإضافة هناك حديث عن أول طابع بريدي أصدره مركز عمان للموسيقى التقليدية، وحديث عن آلة الهبان الموسيقية، وموضوع بعنوان «أغاني المريحانه»، وهو موضوع طويل وثري كتبته الباحثة والمبدعة العمانية شيخة الفجارية بعنوان فرعي «بلسم المرأة العمانية»، حيث تناولت مختلف الأغاني المتعلقة بالطفولة، كما اشتمل المقال على مجموعة مهمة من الأبيات الشعرية التي تعود بنا إلى طفولتنا الغنائية الأولى.

ومن المقالات المهمة كذلك في هذا العدد -حيث إن كل عدد يحتوي على مواد مهمة ومختلفة، مما يؤكد أهمية هذه المجلة في تغطية مجالات كثيرة في التراث الموسيقي العماني والعربي- مقال ملفت حمل عنوان «دور المجمع العربي للموسيقى في الحفاظ على الموسيقى العربية»، وهذا المجمع يقدم مادة شبه مستمرة لهذه المجلة ومن خلالها نتعرف على أهم فروع هذا المجمع وأنشطته.

ومن المهم الإشارة إلى أن الموسيقى لها فضل كبير على العلوم، فمثلًا ما كان للخليل بن أحمد الفراهيدي أن يتقدم خطوة واحدة في اكتشاف علم العروض لولا استفادته وتشربه من الموسيقى، كما أن علوما كثيرة ما كان لها أن توجد بدون الموسيقى، وهي علوم يصعب حصرها في مقال، ويمكن ذلك مثلًا أهمها وهو طريقة براي للمبصرين التي استفاد صاحبها بصورة مباشرة من الموسيقى، وهي طريقة أضاءت عيون الكثيرين في تتبع الحروف وقراءة الكلمات والكتب، بل والكتابة أيضا والمساهمة في ركب الحضارة حين نتأمل بمجموعة كبيرة من المبدعين والعلماء عبر العالم الذين لم يقف العمى حائلًا بينهم وبين الإبداع والإضافة الإنسانية.