الغموض...والرقص على ايقاع بوتين !!
الاثنين / 19 / رجب / 1443 هـ - 19:14 - الاثنين 21 فبراير 2022 19:14
منذ بداية الأزمة الأوكرانية ومع تصاعد التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية، تكرر السؤال هل ستغزو روسيا أوكرانيا، وهل تدخل القوات الروسية أوكرانيا غدا حسبما توقعت واشنطن وكثيرون خاصة بعد أن وقع كثيرون في دائرة الغموض، ولا يزالون فيها، حول التطورات في أوكرانيا، وما يمكن أن تؤول إليه حالة تنافس الإرادات ومحاولة فرض الخطوط حول مستقبل أوكرانيا بين روسيا من ناحية، وواشنطن وحلف شمال الأطلنطي - الناتو - من ناحية ثانية؟.
واليوم يطرح السؤال نفسه مرة أخرى هل تغزو روسيا أوكرانيا غدا الأربعاء، أو خلال بضعة أيام ؟ أم أن الأمر هو محاولة محسوبة من جانب واشنطن والدول الغربية لوضع روسيا تحت درجة عالية من الضغط الإعلامي المستمر ودفعها إلى موقع الدفاع كجزء من محاولة تقييد أو تعويق قدرتها على الحركة بشكل أو بآخر ؟ وقد وصفت موسكو ذلك بأنه حملة دعائية منظمة ومستمرة ضدها، وقالت إنها حملة ' ملفقة ' وأنها بلغت درجة 'هستيرية '، كما كررت نفيها نيتها غزو أوكرانيا.
وفي ظل هذا الوضع، فإنه يمكن القول إن الرئيس الروسي بوتين نجح حتى الآن على الأقل في جعل واشنطن والدول الغربية ومعها العالم يعيش حالة من الغموض وعدم التيقن حول نواياه الحقيقية وما إذا كان سيغزو أوكرانيا حقا ومتى وذلك برغم كل إمكانات واشنطن والغرب الاستخبارية ومراقبة الحدود الأوكرانية بالأقمار الصناعية لحظة بلحظة. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب، من أهمها ما يلي:
أولا: انه مع اليقين أن العالم ليس في حاجة إلى حرب أو لأي مواجهة مسلحة مباشرة بين روسيا وأمريكا، خاصة في أوكرانيا، لأسباب واعتبارات كثيرة من أهمها أن ساحتها الأساسية ستكون أوروبا بدرجة أو أخرى، وأن مدى الدمار الذي قد تحدثه يصعب التنبؤ به، كما أن طبيعة تلك الحرب ومداها وزمنها يصعب حسابه لسبب بسيط هو انه قد يكون سهلا إشعال فتيل الحرب، أية حرب، ولكن من الصعب حساب ومعرفة متى وأين وكيف يمكن وقف حريقها. فما بال الحرب بين أقوى القوى العسكرية في عالم اليوم، أمريكا وروسيا وأتباع كل منهما بالطبع ؟ وهو أمر غير مرغوب لا روسيا ولا أمريكيا ولا أوكرانيا ولا غربيا كذلك.
فأوكرانيا وبرغم توقها للدخول تحت عباءة حلف الأطلنطي، لأسباب واعتبارات كثيرة في مقدمتها اتقاء شر روسيا بالاستناد إلى قوة واشنطن وحلف الأطلنطي والاستفادة من المساعدات العسكرية والمادية الغربية، إلا أنها لا تريد أن تكون ساحة للحرب بين القوات الروسية وقواتها التي لا تقارن بالقوات الروسية، يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي كان بطلا لمسلسل ' خادم الشعب ' الفكاهي الذي عرض بين عامي 2015 و2017 لا يريد أن يرى كييف وقد هجرها كثير من سكانها، كما جاء في مسلسله، قد انتقد ترك بعض رجال الأعمال الأوكرانيين وغيرهم للبلاد، هذا فضلا عن إدراكه - الرئيس الأوكراني - أن تقدم الجيش الروسي إلى داخل بلاده يترتب عليه قضم روسيا لإقليم دونباس الانفصالي الذي تقطنه أقلية روسية مؤيدة لموسكو، ومن ثم زعزعة أمن أوكرانيا وربما تفكيكها أو السيطرة الروسية الكلية عليها. ومن هنا فإن أوكرانيا لا تريد في الواقع أن تندلع حربا مع روسيا، لأنها ستكون أكبر ضحاياها، في الحاضر وفي المستقبل وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تلجأ أوكرانيا إلى الصراخ والاستنجاد بالغرب ولماذا تريد الدخول في حلف الأطلنطي ؟ والى جانب ما سبق الإشارة إليه، فإن الاستنجاد الأوكراني بواشنطن والناتو هو محاولة لعرقلة التقدم الروسي نحو حدودها، وإظهار أن هناك من سيتدخل لنجدتها وحمايتها من مخالب الدب الروسي، وهي محاولة أيضا لضمان اكبر قدر من المساعدات الغربية والأمريكية إليها، ولكن أوكرانيا تيقنت من أن لا الغرب ولا حلف الناتو سيحارب بدلا عنها، وانه لن يتم إنزال قوات أوروبية أو أمريكية فيها للدفاع عنها، بل إن واشنطن سحبت نحو 250 جنديا أمريكيا كانوا يقومون بمهام تدريبية للقوات الأوكرانية وذلك كإجراء وقائي. وأمام ذلك بدأ الموقف الأوكراني يميل إلى المرونة، من خلال إعلان الاستعداد عن التخلي عن مطلب الانضمام إلى عضوية الناتو، والاستعداد للتفاوض مع موسكو في حضور ممثلين أوروبيين لبحث العلاقات وتخفيض حدة التوتر والتأكيد على الالتزام باتفاقية مينسك. والأكثر من ذلك أن أوكرانيا نفت باستمرار أن قواتها قصفت أو تقصف قوات المعارضة الانفصالية في أقليم دونباس الانفصالي الموالي لموسكو، برغم اتهامات الانفصاليين وموسكو لها بذلك، كما أن كييف حذرت من حملة التصعيد الإعلامية والحديث عن الحرب الوشيكة لأن ذلك يضر اقتصادها، ومن المفارقات أن تلتقي كييف مع غريمتها موسكو في انتقاد الحملة الإعلامية الغربية حول الأوضاع بين روسيا وأوكرانيا، بغض النظر عن اختلاف دوافع وشدة الانتقاد في الحالتين بالطبع.
ثانيا: انه إذا كانت أوكرانيا تريد ضمان أمنها والحفاظ على وحدة أراضيها، سواء في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 أو في إقليم دونباس الانفصالي، كما أنها لا تريد الحرب، فإن لموسكو مصالح أمنية وجغرافية تريد الحفاظ عليها، سواء في أوكرانيا أو في المنطقة المحيطة بها، ولذا إنها عارضت وتعارض تمدد حلف الناتو واقترابه من حدودها، ومن ثم فإنها تعارض بشدة انضمام أوكرانيا إلى عضوية الناتو، ومع أن موسكو أكدت على أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، وأنها تريد ضمانات أمنية مكتوبة من واشنطن والناتو بشأن أمنها ومنها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلا أن بوتين أراد أن يؤكد لواشنطن والغرب انه على استعداد للذهاب إلى نهاية الشوط للحفاظ على ما يعتبره أمن روسيا القومي، وفي هذا الإطار يمكن فهم قيامه بحشد قواته على حدود أوكرانيا والقيام بمناورات عسكرية برية وبحرية تمكنه من دخول أوكرانيا إذا أراد. ومن المعروف أن أحد تكتيكات منع نشوب حرب هو أن تستعد لها وان تقنع الطرف الآخر بقدرتك وعزمك على شنها في حالة الضرورة، وهذا هو ما يفعله بوتين مع أوكرانيا وأمريكا والغرب. وإذا كان بوتين الذي وضع الجميع في حالة من عدم اليقين بشأن خطوته القادمة، جعل الباب مفتوحا أمام خفض التوتر ومواصلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة والحفاظ على أمن روسيا، فإن واشنطن وحلف الناتو لا يريدان الدخول في مواجهة مع روسيا بسبب أوكرانيا. صحيح أنهما يعارضان ويستنكران الضغوط الروسية على أوكرانيا، ولكن الصحيح أيضا أن سقف الموقف الأمريكي هو تقديم مساعدات عسكرية ومادية لأوكرانيا ونفي إرسال قوات أمريكية أو قوات للناتو إليها، لأن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو بعد وللمخاطر المترتبة على أي مواجهة عسكرية مع موسكو.، ومما له دلالة أن الناتو سحب موظفيه من كييف.
وفي ضوء ذلك فإن الأطراف الأساسية المعنية بالأزمة لا تريد الوصول إلى حالة الصدام العسكري وتظل الحملة الإعلامية الغربية ضد موسكو نوعا من الضغط والتحذير لها من غزو أوكرانيا، وإن كان بوتين على قناعة ما أن أمريكا والناتو يريدان دفعه للتورط في حرب ما في أوكرانيا، حسبما أعلن هو. ولكن يقظته وإدراكه لمخاطر الحرب تمنعه من التورط فيها. وإذا كان بايدن قد أعلن أن بوتين سيغزو أوكرانيا في أي لحظة خلال الأيام القادمة، وهو ما أيده وزير الدفاع الأمريكي في تصريحاته، إلا أن الوزير الأمريكي قال في نفس التصريح إن غزو روسيا لأوكرانيا ' ليس حتميا '..
ثالثا: انه مع إدراك خطورة الأزمة الأوكرانية، وخطورة سياسة 'حافة الهاوية ' التي يتبعها بوتين، وخطورة ممارسات المعارضة الأوكرانية الموالية لروسيا والتي قد تتسبب في إشعال الحريق، وكذلك خطورة سياسات أوكرانيا لكسب تعاطف أمريكا والغرب معها، إلا انه من المرجح، حتى الآن على الأقل، أن مختلف الأطراف ستعمل على عدم اندلاع الحرب بمخاطرها الجمة على أطرافها وعلى الوضع العالمي ككل. ومع انه من الممكن التوصل في النهاية إلى توافق سياسي يحفظ لروسيا أمنها ولأوكرانيا استقلالها وعدم انضمامها إلى حلف الناتو والخروج كذلك بتوافق روسي أمريكي حول الضمانات المتبادلة، فإن الأزمة الأوكرانية ستترك آثارها بالضرورة على الوضع العالمي الراهن، وعلى علاقات القوى التي تتبلور بين واشنطن وأوروبا وحلفائهما من جانب وبين روسيا والصين والدول المؤيدة لهما من جانب آخر، ولكن من المبكر الحديث عن نظام عالمي جديد، وحتى إذا استقر نمط التعامل بين أمريكا والقوى الكبرى في إطار نمط تعدد الأطراف، وهو ما سيحتاج سنوات غير قليلة، فإن الأمر سيعني دخول النظام الدولي إلى مرحلة جديدة تقوم على تعدد الأقطاب وليس الدخول إلى نظام دولي جديد كما يتصور البعض..
د. عبد الحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
واليوم يطرح السؤال نفسه مرة أخرى هل تغزو روسيا أوكرانيا غدا الأربعاء، أو خلال بضعة أيام ؟ أم أن الأمر هو محاولة محسوبة من جانب واشنطن والدول الغربية لوضع روسيا تحت درجة عالية من الضغط الإعلامي المستمر ودفعها إلى موقع الدفاع كجزء من محاولة تقييد أو تعويق قدرتها على الحركة بشكل أو بآخر ؟ وقد وصفت موسكو ذلك بأنه حملة دعائية منظمة ومستمرة ضدها، وقالت إنها حملة ' ملفقة ' وأنها بلغت درجة 'هستيرية '، كما كررت نفيها نيتها غزو أوكرانيا.
وفي ظل هذا الوضع، فإنه يمكن القول إن الرئيس الروسي بوتين نجح حتى الآن على الأقل في جعل واشنطن والدول الغربية ومعها العالم يعيش حالة من الغموض وعدم التيقن حول نواياه الحقيقية وما إذا كان سيغزو أوكرانيا حقا ومتى وذلك برغم كل إمكانات واشنطن والغرب الاستخبارية ومراقبة الحدود الأوكرانية بالأقمار الصناعية لحظة بلحظة. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب، من أهمها ما يلي:
أولا: انه مع اليقين أن العالم ليس في حاجة إلى حرب أو لأي مواجهة مسلحة مباشرة بين روسيا وأمريكا، خاصة في أوكرانيا، لأسباب واعتبارات كثيرة من أهمها أن ساحتها الأساسية ستكون أوروبا بدرجة أو أخرى، وأن مدى الدمار الذي قد تحدثه يصعب التنبؤ به، كما أن طبيعة تلك الحرب ومداها وزمنها يصعب حسابه لسبب بسيط هو انه قد يكون سهلا إشعال فتيل الحرب، أية حرب، ولكن من الصعب حساب ومعرفة متى وأين وكيف يمكن وقف حريقها. فما بال الحرب بين أقوى القوى العسكرية في عالم اليوم، أمريكا وروسيا وأتباع كل منهما بالطبع ؟ وهو أمر غير مرغوب لا روسيا ولا أمريكيا ولا أوكرانيا ولا غربيا كذلك.
فأوكرانيا وبرغم توقها للدخول تحت عباءة حلف الأطلنطي، لأسباب واعتبارات كثيرة في مقدمتها اتقاء شر روسيا بالاستناد إلى قوة واشنطن وحلف الأطلنطي والاستفادة من المساعدات العسكرية والمادية الغربية، إلا أنها لا تريد أن تكون ساحة للحرب بين القوات الروسية وقواتها التي لا تقارن بالقوات الروسية، يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي كان بطلا لمسلسل ' خادم الشعب ' الفكاهي الذي عرض بين عامي 2015 و2017 لا يريد أن يرى كييف وقد هجرها كثير من سكانها، كما جاء في مسلسله، قد انتقد ترك بعض رجال الأعمال الأوكرانيين وغيرهم للبلاد، هذا فضلا عن إدراكه - الرئيس الأوكراني - أن تقدم الجيش الروسي إلى داخل بلاده يترتب عليه قضم روسيا لإقليم دونباس الانفصالي الذي تقطنه أقلية روسية مؤيدة لموسكو، ومن ثم زعزعة أمن أوكرانيا وربما تفكيكها أو السيطرة الروسية الكلية عليها. ومن هنا فإن أوكرانيا لا تريد في الواقع أن تندلع حربا مع روسيا، لأنها ستكون أكبر ضحاياها، في الحاضر وفي المستقبل وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تلجأ أوكرانيا إلى الصراخ والاستنجاد بالغرب ولماذا تريد الدخول في حلف الأطلنطي ؟ والى جانب ما سبق الإشارة إليه، فإن الاستنجاد الأوكراني بواشنطن والناتو هو محاولة لعرقلة التقدم الروسي نحو حدودها، وإظهار أن هناك من سيتدخل لنجدتها وحمايتها من مخالب الدب الروسي، وهي محاولة أيضا لضمان اكبر قدر من المساعدات الغربية والأمريكية إليها، ولكن أوكرانيا تيقنت من أن لا الغرب ولا حلف الناتو سيحارب بدلا عنها، وانه لن يتم إنزال قوات أوروبية أو أمريكية فيها للدفاع عنها، بل إن واشنطن سحبت نحو 250 جنديا أمريكيا كانوا يقومون بمهام تدريبية للقوات الأوكرانية وذلك كإجراء وقائي. وأمام ذلك بدأ الموقف الأوكراني يميل إلى المرونة، من خلال إعلان الاستعداد عن التخلي عن مطلب الانضمام إلى عضوية الناتو، والاستعداد للتفاوض مع موسكو في حضور ممثلين أوروبيين لبحث العلاقات وتخفيض حدة التوتر والتأكيد على الالتزام باتفاقية مينسك. والأكثر من ذلك أن أوكرانيا نفت باستمرار أن قواتها قصفت أو تقصف قوات المعارضة الانفصالية في أقليم دونباس الانفصالي الموالي لموسكو، برغم اتهامات الانفصاليين وموسكو لها بذلك، كما أن كييف حذرت من حملة التصعيد الإعلامية والحديث عن الحرب الوشيكة لأن ذلك يضر اقتصادها، ومن المفارقات أن تلتقي كييف مع غريمتها موسكو في انتقاد الحملة الإعلامية الغربية حول الأوضاع بين روسيا وأوكرانيا، بغض النظر عن اختلاف دوافع وشدة الانتقاد في الحالتين بالطبع.
ثانيا: انه إذا كانت أوكرانيا تريد ضمان أمنها والحفاظ على وحدة أراضيها، سواء في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 أو في إقليم دونباس الانفصالي، كما أنها لا تريد الحرب، فإن لموسكو مصالح أمنية وجغرافية تريد الحفاظ عليها، سواء في أوكرانيا أو في المنطقة المحيطة بها، ولذا إنها عارضت وتعارض تمدد حلف الناتو واقترابه من حدودها، ومن ثم فإنها تعارض بشدة انضمام أوكرانيا إلى عضوية الناتو، ومع أن موسكو أكدت على أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، وأنها تريد ضمانات أمنية مكتوبة من واشنطن والناتو بشأن أمنها ومنها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلا أن بوتين أراد أن يؤكد لواشنطن والغرب انه على استعداد للذهاب إلى نهاية الشوط للحفاظ على ما يعتبره أمن روسيا القومي، وفي هذا الإطار يمكن فهم قيامه بحشد قواته على حدود أوكرانيا والقيام بمناورات عسكرية برية وبحرية تمكنه من دخول أوكرانيا إذا أراد. ومن المعروف أن أحد تكتيكات منع نشوب حرب هو أن تستعد لها وان تقنع الطرف الآخر بقدرتك وعزمك على شنها في حالة الضرورة، وهذا هو ما يفعله بوتين مع أوكرانيا وأمريكا والغرب. وإذا كان بوتين الذي وضع الجميع في حالة من عدم اليقين بشأن خطوته القادمة، جعل الباب مفتوحا أمام خفض التوتر ومواصلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة والحفاظ على أمن روسيا، فإن واشنطن وحلف الناتو لا يريدان الدخول في مواجهة مع روسيا بسبب أوكرانيا. صحيح أنهما يعارضان ويستنكران الضغوط الروسية على أوكرانيا، ولكن الصحيح أيضا أن سقف الموقف الأمريكي هو تقديم مساعدات عسكرية ومادية لأوكرانيا ونفي إرسال قوات أمريكية أو قوات للناتو إليها، لأن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو بعد وللمخاطر المترتبة على أي مواجهة عسكرية مع موسكو.، ومما له دلالة أن الناتو سحب موظفيه من كييف.
وفي ضوء ذلك فإن الأطراف الأساسية المعنية بالأزمة لا تريد الوصول إلى حالة الصدام العسكري وتظل الحملة الإعلامية الغربية ضد موسكو نوعا من الضغط والتحذير لها من غزو أوكرانيا، وإن كان بوتين على قناعة ما أن أمريكا والناتو يريدان دفعه للتورط في حرب ما في أوكرانيا، حسبما أعلن هو. ولكن يقظته وإدراكه لمخاطر الحرب تمنعه من التورط فيها. وإذا كان بايدن قد أعلن أن بوتين سيغزو أوكرانيا في أي لحظة خلال الأيام القادمة، وهو ما أيده وزير الدفاع الأمريكي في تصريحاته، إلا أن الوزير الأمريكي قال في نفس التصريح إن غزو روسيا لأوكرانيا ' ليس حتميا '..
ثالثا: انه مع إدراك خطورة الأزمة الأوكرانية، وخطورة سياسة 'حافة الهاوية ' التي يتبعها بوتين، وخطورة ممارسات المعارضة الأوكرانية الموالية لروسيا والتي قد تتسبب في إشعال الحريق، وكذلك خطورة سياسات أوكرانيا لكسب تعاطف أمريكا والغرب معها، إلا انه من المرجح، حتى الآن على الأقل، أن مختلف الأطراف ستعمل على عدم اندلاع الحرب بمخاطرها الجمة على أطرافها وعلى الوضع العالمي ككل. ومع انه من الممكن التوصل في النهاية إلى توافق سياسي يحفظ لروسيا أمنها ولأوكرانيا استقلالها وعدم انضمامها إلى حلف الناتو والخروج كذلك بتوافق روسي أمريكي حول الضمانات المتبادلة، فإن الأزمة الأوكرانية ستترك آثارها بالضرورة على الوضع العالمي الراهن، وعلى علاقات القوى التي تتبلور بين واشنطن وأوروبا وحلفائهما من جانب وبين روسيا والصين والدول المؤيدة لهما من جانب آخر، ولكن من المبكر الحديث عن نظام عالمي جديد، وحتى إذا استقر نمط التعامل بين أمريكا والقوى الكبرى في إطار نمط تعدد الأطراف، وهو ما سيحتاج سنوات غير قليلة، فإن الأمر سيعني دخول النظام الدولي إلى مرحلة جديدة تقوم على تعدد الأقطاب وليس الدخول إلى نظام دولي جديد كما يتصور البعض..
د. عبد الحميد الموافي كاتب وصحفي مصري