المكتبات السورية.. من ثراء المحتوى وتدفق القراء إلى صراع البقاء والإغلاق
رغم تنوع مشاربها وذكرياتها
الاحد / 18 / رجب / 1443 هـ - 21:57 - الاحد 20 فبراير 2022 21:57
1914333_201
جدل كثير دار في الأوساط السورية ليس فقط بين شريحة الذين يتعاطون الثقافة، بل وحتى بين من يقرأ ولا يقرأ بعد أن تخلت كثير من المكتبات عن عملها الأساسي في مختلف المدن السورية.
لن أخوض طويلا في تاريخ المكتبات في سوريا، ولا في عددها وتنوعها وذكريات كل منا حولها، منذ طفولته وحتى اليوم، فقد كتب الكثيرون قبلي عن هذا الموضوع،
ونحن جيل المكتبات نعي تماما ماذا يعني مكتبة ومعرض كتاب، وأهمية الكتاب، وكيف كنا نحصل عليه وبأي طريقة لنلبي نهمنا في القراءة، وحتى الأجيال من قبلنا ومن بعدنا أدركوا أهمية ذلك، ولكن في زمن الحرب تغير الكثير مع تغير المفاهيم والقيم والاهتمامات المتشعبة، وأصبح للأفواه والبطون دورا في تحويل هذا الاهتمام إلى غير محله، وكما قال لي أحدهم «الجوع كافر، هل أطعم أولادي أم اشتري كتبا..؟»
تلك هي المعادلة التي اختلفت نتيجتها بعد الحرب، وكلما قرأنا نعي مكتبة ينطلق الجدل الطويل، ما بين مبرر ومنزعج وآخر يتهم، والبعض يشير إلى الأسباب بعقلانية وتروٍ.
لكل طرف رأيه، ومعه الحق فيما يقول، ولكن عندما تغلق المكتبات أبوابها، ويتحول مسارها لعمل آخر، أمام هذا المد الهائل من التكنولوجيا، والكتب الرقمية، وعمليات القرصنة، وبائعي الكتب على الأرصفة والبسطات، فثمة أمر خطير.
وعندما تعزف الناس عن القراءة، وتتجه لأمور أخرى تهمها بشكل أكبر، أو حتى لنقل إنها باتت تقرأ بطريقة أرخص فبالتأكيد هنا تبدو القراءة نوع من الرفاهية.
تعالوا نتابع هذا الاستطلاع حول المكتبات التي تغلق أبوابها، وعزوف الناس عن القراءة.
تلك المكتبات
بدمشق لم يكن سوق الحلبوني والمسكية ولا أرصفه دمشق، مصدرا لاقتناء الكتب، بل كانت هناك مكتبات لها دورا مميزا في الحركة الثقافية والتنويرية مثل مكتبة أطلس ودمشق والنوري ودار ومكتبة اليقظة التي كانت من أهم دور النشر في المنطقة العربية، ونوبل والشام وغيرها الكثير، ولكن مع التبدلات الكثيرة تحولت مكتبة ميسلون إلى مقهى ومكتبة اليقظة لمحل لبيع الأدوات الكهربائية، ومكتبة أطلس متجراً للملابس، ومكتبة العائلة إلى صيدلية وهكذا.
الأمر لا يقتصر على مكتبات العاصمة، فمدينة حلب أيضا أغلقت مكتباتها وهي التي شهدت ولادة أول رواية عربية فيها «غابة الحق» لفرنسيس المراش في العام 1865م وتراجع سوق الكتب والقراءة لصالح التجارة وغيرها، وكوني من الطلاب الذين درسوا في حلب فقد كنت أعرف بدقة المكتبات في شارع البارون والقوتلي وما حولهما، ولعل مكتبة الفجر كانت الأكثر استحواذا على اهتمامنا لرخص وتنوع الكتب الروسية فيها حينذاك ولكنها اليوم تحولت لمطعم حلويات، وكذلك مكتبة استانبولي لمحل بيع الحقائب وهي التي كانت تزخر بأحدث الإصدارات الثقافية وأغلقت أيضا مكتبة عفش المتخصصة بكتب التراث وقصص الأطفال، وكذلك مكتبة الأصمعي وعجان الحديد الشهيرتان.
وفي دير الزور أغلقت مكتبات النهضة والسليمية والشوحان ودار الفكر أبوابها وتحولت لمحال تجارية في ظل غياب القراء وعدم الإقبال على الشراء، وكذا الأمر في بقية المدن السورية.
تشخيص أهل الكار
يقول الكاتب والناقد نضال الصالح: «بدهيّ أن تغلق مكتبة في دمشق أبوابها، وأن يمضي صاحبها بها إلى شأن آخر، ربما متجر أحذية كما حدث لغير مكتبة في غير مدينة سورية، ومنها حلب، خلال العقود الأخيرة. وما ليس بدهياً أن يكون ما حدث مفاجئاً ويدعو لهذا الصخب كلّه، ولاسيما أنّ الكتاب ليس له قيمة في المجتمعات المفوّتة حضارياً، ولا سيما أكثر أنّ الخط البياني لألف شأن وشأن في الواقع العربي، لا في سورية وحدها، يمضي نحو الفاجعة!
أيها السادة ارفعوا الصوت انتصاراً للكاتب قبل الكتاب، الكاتب الذي، باستثناءات قليلة، طاعن حتى ذروة رأسه في الحاجة، ومحكوم بإرادات قوى يمكن أن يكون لها صلة بأيّ شأن سوى الكتاب».
ويروي الكاتب والناشر محمد خير النشواتي قائلا: «كنا في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات نبيع للأصدقاء بالأجل، يشترون الكتب ويدفعون في كل شهر بعد أن يستلموا رواتبهم، ثم بدأت السنوات العجاف وبدأ الأصدقاء الذين كان يشترون منا الكتب يعرضون مكتباتهم والكتب التي كانوا يشتروها للبيع ليأكلوا ويسدوا الاحتياجات اليومية، وانتهى عصر الكتاب مع بداية الألفية الجديدة».
أما الكاتب سامي مروان مبيض فيقول: «لا تلوموا أصحاب المكتبة أبداً، فمن لم يُجرب الكيّ لا يعرف مواجعه، وياله من كيّ تعرض له جميع أصحاب المكتبات في السنوات القليلة الماضية».
ويتابع مبيض» «الناس اليوم تفضل القراءة السريعة على هاتفها الذكي، ولم تعد تهتم بقراءة الكتب، ناهيك عن سعر الكتب، وتكلفة إنارة وتشغيل وتدفئة المكتبات. وكم من مرة رأيت فيها «زبائن» يفاوضون أصحاب المكتبة على سعر الكتب، وكأنها جرزة نعنع أو كيلو خيار، وكم من مرة سمعتهم يقولون: «هذا الكتاب ممنوع وهذا الكتاب نافذ وهذا الكتاب لم نطلبه لأنه غالي الثمن. لا أعرف كمية المقاهي في دمشق اليوم، ولكنها وبالتأكيد تفوق عدد المكتبات بأضعاف مضاعفة».
وتقول الكاتبة أميمة العبيد: «آلمني جداً الحدث إنه نذير سوء للثقافة العربية والمثقفين السوريين»
وترى الكاتبة فدوى العبود: «إن موت مكتبة هو أدق مقياس لموت الإنسان، هل مات القارئ؟ ربما».
رثاء القراء
الصحفية سلوى عباس تؤكد: «أن إغلاق بعض المكتبات يمثل جزءاً من أزمة تعيشها الثقافة بشكل عام والكتاب بشكل خاص، حيث تهيئ المكتبات الرقمية اليوم ظروفا توفر الكتاب الإلكتروني والوصول اليسير للقراء أينما كانوا، رغم أنه ليس الجميع سعداء بالكتاب الإلكتروني وما حققه من تطورات، ولا تزال المعركة محتدمة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، والإقبال اللافت الذي تشهده المكتبات ودور الكتب ومعارض الكتاب العربية السنوية تخبرنا أن الكتاب الورقي لا زال يحتفظ بجاذبيته وخصوصيته وأنصاره».
وتقول الإعلامية لبنى شاكر: «في مراثي المكتبات، ينسحب الرثاء على القرّاء ممن ترهقهم أسعار الكتب المرتفعة كما مستلزمات الحياة الأخرى، وإذا كان البعض قادراً على المفاضلة بين الكتاب وأي احتياج آخر، فهناك من لا يستطيع، ولاسيما مع إمكانية القراءة بصيغة إلكترونية، وهذه أيضاً إشكالية ثانية حقيقية واجهت صناعة الكتاب الورقي، كمشروع ثقافي وربحي في آن معاً، ومع هذا لا يمكن التكهن بما آلت إليه أعداد القراء وساعات القراءة والمضامين المقروءة. في استحضار الرثاء أكثر، تخيلوا أن البعض يعتذر عن قبول الكتاب بحجة أنه لا يملك مكاناً له أو وقتاً لقراءته!».
جدل المتابعين
فادي الذيب أحد المتابعين للثقافة والكتب يقول: «أصبح الجوال أسرع وسيلة للتواصل وللتثقيف فهو الجريدة وهو الإذاعة وهو الكتاب والمكتبة ودار للنشر ومحطة تلفزيونية هو مجموعة من الوسائل التي يمكن أن تختصر علينا كثير من التكاليف الزمنية والمادية». وبصراحة يقول رائد الحسيني: «ما نفع المكتبات إذا لم يعد هناك قراء، الأجيال الجديدة لا تعرف من الكتب ألا المدرسية منها، جيلنا الذي كان يحب الكتب انقرض».
ويتساءل أنس محمد: «هل ستجبر الناس على القراءة مثلاً، ماذا نسمي من تباكى على المكاتب وهو لا يقرأ الكتب ؟ إغلاق المكاتب جاء بسبب عزوف الناس عن القراءة واتجاهها نحو الموبايلات والإنترنت، هذا كل شيء، إنها ضريبة الحياة العصرية والتقدم التكنولوجي».
وترى ناديا فرهاد: «أن المسالة أكبر بكثير من إغلاق مكتبات، ومن بقاء الكتب على الرفوف بدون اهتمام المسالة، برأيي لا تكمن في التفكير بالأولويات وتأمين ضرورات البقاء قبل القراءة والثقافة عند الأغلبية. بل هو تبدل كامل في منهجية تفكير الشعب وثقافته».
وتتابع، «يا للأسف الشديد لم يعد هناك مكان للثقافة الحقيقية المكتبات تغلق والمقاهي تتناسل وبشكل كبير، ولا أعتقد فقط السبب تحول القراءة للهاتف الذكي، كان بإمكانهم الاستمرار، ولكن السبب الحقيقي هو تردي الوضع العام بالبلد اقتصادياً وما معه مع التضخم الهائل بعدد من ليس من يشتري كتاباً بل من يبيع كتابه ليشتري رغيفه».
وبنبرة لا تخلو من الامتعاض يقول عمر العبد القادر: «مع انتشار الفقر أصبح قوت الإنسان هو شغله الشاغل ومن ثم الكهرباء والماء، لقد شغلته الأساسيات عن العلم والقراءة، ومن الطبيعي تغلق المكتبات لا أحد متفرغ ليقرا كتابا الأهم أن يحصل على الخبز والغاز، وهل يقرأ على الشمعة مثلا...؟.
لن أخوض طويلا في تاريخ المكتبات في سوريا، ولا في عددها وتنوعها وذكريات كل منا حولها، منذ طفولته وحتى اليوم، فقد كتب الكثيرون قبلي عن هذا الموضوع،
ونحن جيل المكتبات نعي تماما ماذا يعني مكتبة ومعرض كتاب، وأهمية الكتاب، وكيف كنا نحصل عليه وبأي طريقة لنلبي نهمنا في القراءة، وحتى الأجيال من قبلنا ومن بعدنا أدركوا أهمية ذلك، ولكن في زمن الحرب تغير الكثير مع تغير المفاهيم والقيم والاهتمامات المتشعبة، وأصبح للأفواه والبطون دورا في تحويل هذا الاهتمام إلى غير محله، وكما قال لي أحدهم «الجوع كافر، هل أطعم أولادي أم اشتري كتبا..؟»
تلك هي المعادلة التي اختلفت نتيجتها بعد الحرب، وكلما قرأنا نعي مكتبة ينطلق الجدل الطويل، ما بين مبرر ومنزعج وآخر يتهم، والبعض يشير إلى الأسباب بعقلانية وتروٍ.
لكل طرف رأيه، ومعه الحق فيما يقول، ولكن عندما تغلق المكتبات أبوابها، ويتحول مسارها لعمل آخر، أمام هذا المد الهائل من التكنولوجيا، والكتب الرقمية، وعمليات القرصنة، وبائعي الكتب على الأرصفة والبسطات، فثمة أمر خطير.
وعندما تعزف الناس عن القراءة، وتتجه لأمور أخرى تهمها بشكل أكبر، أو حتى لنقل إنها باتت تقرأ بطريقة أرخص فبالتأكيد هنا تبدو القراءة نوع من الرفاهية.
تعالوا نتابع هذا الاستطلاع حول المكتبات التي تغلق أبوابها، وعزوف الناس عن القراءة.
تلك المكتبات
بدمشق لم يكن سوق الحلبوني والمسكية ولا أرصفه دمشق، مصدرا لاقتناء الكتب، بل كانت هناك مكتبات لها دورا مميزا في الحركة الثقافية والتنويرية مثل مكتبة أطلس ودمشق والنوري ودار ومكتبة اليقظة التي كانت من أهم دور النشر في المنطقة العربية، ونوبل والشام وغيرها الكثير، ولكن مع التبدلات الكثيرة تحولت مكتبة ميسلون إلى مقهى ومكتبة اليقظة لمحل لبيع الأدوات الكهربائية، ومكتبة أطلس متجراً للملابس، ومكتبة العائلة إلى صيدلية وهكذا.
الأمر لا يقتصر على مكتبات العاصمة، فمدينة حلب أيضا أغلقت مكتباتها وهي التي شهدت ولادة أول رواية عربية فيها «غابة الحق» لفرنسيس المراش في العام 1865م وتراجع سوق الكتب والقراءة لصالح التجارة وغيرها، وكوني من الطلاب الذين درسوا في حلب فقد كنت أعرف بدقة المكتبات في شارع البارون والقوتلي وما حولهما، ولعل مكتبة الفجر كانت الأكثر استحواذا على اهتمامنا لرخص وتنوع الكتب الروسية فيها حينذاك ولكنها اليوم تحولت لمطعم حلويات، وكذلك مكتبة استانبولي لمحل بيع الحقائب وهي التي كانت تزخر بأحدث الإصدارات الثقافية وأغلقت أيضا مكتبة عفش المتخصصة بكتب التراث وقصص الأطفال، وكذلك مكتبة الأصمعي وعجان الحديد الشهيرتان.
وفي دير الزور أغلقت مكتبات النهضة والسليمية والشوحان ودار الفكر أبوابها وتحولت لمحال تجارية في ظل غياب القراء وعدم الإقبال على الشراء، وكذا الأمر في بقية المدن السورية.
تشخيص أهل الكار
يقول الكاتب والناقد نضال الصالح: «بدهيّ أن تغلق مكتبة في دمشق أبوابها، وأن يمضي صاحبها بها إلى شأن آخر، ربما متجر أحذية كما حدث لغير مكتبة في غير مدينة سورية، ومنها حلب، خلال العقود الأخيرة. وما ليس بدهياً أن يكون ما حدث مفاجئاً ويدعو لهذا الصخب كلّه، ولاسيما أنّ الكتاب ليس له قيمة في المجتمعات المفوّتة حضارياً، ولا سيما أكثر أنّ الخط البياني لألف شأن وشأن في الواقع العربي، لا في سورية وحدها، يمضي نحو الفاجعة!
أيها السادة ارفعوا الصوت انتصاراً للكاتب قبل الكتاب، الكاتب الذي، باستثناءات قليلة، طاعن حتى ذروة رأسه في الحاجة، ومحكوم بإرادات قوى يمكن أن يكون لها صلة بأيّ شأن سوى الكتاب».
ويروي الكاتب والناشر محمد خير النشواتي قائلا: «كنا في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات نبيع للأصدقاء بالأجل، يشترون الكتب ويدفعون في كل شهر بعد أن يستلموا رواتبهم، ثم بدأت السنوات العجاف وبدأ الأصدقاء الذين كان يشترون منا الكتب يعرضون مكتباتهم والكتب التي كانوا يشتروها للبيع ليأكلوا ويسدوا الاحتياجات اليومية، وانتهى عصر الكتاب مع بداية الألفية الجديدة».
أما الكاتب سامي مروان مبيض فيقول: «لا تلوموا أصحاب المكتبة أبداً، فمن لم يُجرب الكيّ لا يعرف مواجعه، وياله من كيّ تعرض له جميع أصحاب المكتبات في السنوات القليلة الماضية».
ويتابع مبيض» «الناس اليوم تفضل القراءة السريعة على هاتفها الذكي، ولم تعد تهتم بقراءة الكتب، ناهيك عن سعر الكتب، وتكلفة إنارة وتشغيل وتدفئة المكتبات. وكم من مرة رأيت فيها «زبائن» يفاوضون أصحاب المكتبة على سعر الكتب، وكأنها جرزة نعنع أو كيلو خيار، وكم من مرة سمعتهم يقولون: «هذا الكتاب ممنوع وهذا الكتاب نافذ وهذا الكتاب لم نطلبه لأنه غالي الثمن. لا أعرف كمية المقاهي في دمشق اليوم، ولكنها وبالتأكيد تفوق عدد المكتبات بأضعاف مضاعفة».
وتقول الكاتبة أميمة العبيد: «آلمني جداً الحدث إنه نذير سوء للثقافة العربية والمثقفين السوريين»
وترى الكاتبة فدوى العبود: «إن موت مكتبة هو أدق مقياس لموت الإنسان، هل مات القارئ؟ ربما».
رثاء القراء
الصحفية سلوى عباس تؤكد: «أن إغلاق بعض المكتبات يمثل جزءاً من أزمة تعيشها الثقافة بشكل عام والكتاب بشكل خاص، حيث تهيئ المكتبات الرقمية اليوم ظروفا توفر الكتاب الإلكتروني والوصول اليسير للقراء أينما كانوا، رغم أنه ليس الجميع سعداء بالكتاب الإلكتروني وما حققه من تطورات، ولا تزال المعركة محتدمة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، والإقبال اللافت الذي تشهده المكتبات ودور الكتب ومعارض الكتاب العربية السنوية تخبرنا أن الكتاب الورقي لا زال يحتفظ بجاذبيته وخصوصيته وأنصاره».
وتقول الإعلامية لبنى شاكر: «في مراثي المكتبات، ينسحب الرثاء على القرّاء ممن ترهقهم أسعار الكتب المرتفعة كما مستلزمات الحياة الأخرى، وإذا كان البعض قادراً على المفاضلة بين الكتاب وأي احتياج آخر، فهناك من لا يستطيع، ولاسيما مع إمكانية القراءة بصيغة إلكترونية، وهذه أيضاً إشكالية ثانية حقيقية واجهت صناعة الكتاب الورقي، كمشروع ثقافي وربحي في آن معاً، ومع هذا لا يمكن التكهن بما آلت إليه أعداد القراء وساعات القراءة والمضامين المقروءة. في استحضار الرثاء أكثر، تخيلوا أن البعض يعتذر عن قبول الكتاب بحجة أنه لا يملك مكاناً له أو وقتاً لقراءته!».
جدل المتابعين
فادي الذيب أحد المتابعين للثقافة والكتب يقول: «أصبح الجوال أسرع وسيلة للتواصل وللتثقيف فهو الجريدة وهو الإذاعة وهو الكتاب والمكتبة ودار للنشر ومحطة تلفزيونية هو مجموعة من الوسائل التي يمكن أن تختصر علينا كثير من التكاليف الزمنية والمادية». وبصراحة يقول رائد الحسيني: «ما نفع المكتبات إذا لم يعد هناك قراء، الأجيال الجديدة لا تعرف من الكتب ألا المدرسية منها، جيلنا الذي كان يحب الكتب انقرض».
ويتساءل أنس محمد: «هل ستجبر الناس على القراءة مثلاً، ماذا نسمي من تباكى على المكاتب وهو لا يقرأ الكتب ؟ إغلاق المكاتب جاء بسبب عزوف الناس عن القراءة واتجاهها نحو الموبايلات والإنترنت، هذا كل شيء، إنها ضريبة الحياة العصرية والتقدم التكنولوجي».
وترى ناديا فرهاد: «أن المسالة أكبر بكثير من إغلاق مكتبات، ومن بقاء الكتب على الرفوف بدون اهتمام المسالة، برأيي لا تكمن في التفكير بالأولويات وتأمين ضرورات البقاء قبل القراءة والثقافة عند الأغلبية. بل هو تبدل كامل في منهجية تفكير الشعب وثقافته».
وتتابع، «يا للأسف الشديد لم يعد هناك مكان للثقافة الحقيقية المكتبات تغلق والمقاهي تتناسل وبشكل كبير، ولا أعتقد فقط السبب تحول القراءة للهاتف الذكي، كان بإمكانهم الاستمرار، ولكن السبب الحقيقي هو تردي الوضع العام بالبلد اقتصادياً وما معه مع التضخم الهائل بعدد من ليس من يشتري كتاباً بل من يبيع كتابه ليشتري رغيفه».
وبنبرة لا تخلو من الامتعاض يقول عمر العبد القادر: «مع انتشار الفقر أصبح قوت الإنسان هو شغله الشاغل ومن ثم الكهرباء والماء، لقد شغلته الأساسيات عن العلم والقراءة، ومن الطبيعي تغلق المكتبات لا أحد متفرغ ليقرا كتابا الأهم أن يحصل على الخبز والغاز، وهل يقرأ على الشمعة مثلا...؟.