دروس من الأزمة الأوكرانية للسياسة الخارجية العربية
السبت / 17 / رجب / 1443 هـ - 20:40 - السبت 19 فبراير 2022 20:40
تقدم الأزمة الأوكرانية كنموذج لازمة دولية قائمة [لم تحل بعد] دروسا بالغة الأهمية لنا كدول عربية تبدو وكأن علاقتها بالفعل السياسي الخارجي وباستخدام أدوات السياسة الخارجية في تحقيق مصالحها الوطنية قد انتهت منذ زمن بعيد. وبعبارة أوضح فإنها بتفاعلاتها الجبارة واستخدام كل أطرافها المباشرة لحزمة متكاملة وحتى ومتنافسة (بحسابات مركبة) من أدوات السياسة الخارجية إنما تكشف عن فقر السياسة الخارجية العربية، وانكشاف عورة خيالها السياسي، وانعدام إرادتها السياسية في ممارسة دور وطني لحماية مصالحها الوطنية بالأساس.
إنها باختصار تنهي الحجج الواهية التي تخفي بها الدول العربية ترددها في ممارسة كفؤة ورشيدة لأدوات السياسة الخارجية لتعظيم مصالحها الوطنية فينتهي الأمر إلى ما نتهينا إليه دول مفعول بها وليست فاعلة، دول تنحاز للاختيارات الكسولة في البقاء تحت خيمة التبعية لقوى عظمى أو قوى إقليمية مرتبطة بقوة عظمي، بدلا من تجريب الاستقلال النسبي والاستفادة من هامش المناورة ومجال الحركة التي اتاحتها التغيرات الهائلة في بنية النظام الدولي في العقود الثلاثة الأخيرة.
ويمكن القول بكل ثقة إن الولايات المتحدة وروسيا خصوصا وأوكرانيا ودول الناتو والصين عموما لم يتركوا وسيلة من وسائل القوة الناعمة والخشنة أو وسائل الترهيب والترغيب أو بالتعبيرات السائدة في العلوم السياسية (الأدوات الدبلوماسية، والأدوات الاقتصادية، والأدوات الدعائية والإعلامية، والأدوات الاستراتيجية والعسكرية) إلا واستخدموها في هذه الأزمة.
وحتى في طريقة الاستخدام فانه تم تطبيق هذه الوسائل المؤثرة علي الخصم وتنويعها والانتقال بشكل تدريجي من وسيلة لأخرى بصورة تتفاعل وتتحور مع تطور الأزمة وردود
فعل المتنازعين فيها. كل ذلك في صورة حزمة شاملة.
في حال الولايات المتحدة مثلا نستطيع بتحليل بسيط إحصاء استخدامها لعشرات الوسائل للتأثير في السلوك الروسي من الأزمة كالاتي:
ـ أخذ زمام المبادرة السياسية العامة:
أطلقت أمريكا هذه الأزمة من عقالها منذ ثلاثة شهور كاملة في ١٨ نوفمبر ودافعة إياها بشكل متعمد إلى مرحلة أو سياسة 'حافة الهاوية' معتبرة أن روسيا ستقوم بغزو أوكرانيا وستقضي على السلام شبه الدائم الذي تمتعت به أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأن موسكو بذلك الغزو تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة. ووضعت هذه الأزمة روسيا في بداية الأزمة على الأقل في موقع الدفاع.
- استخدام ذكي للأداة الدعائية والإعلامية.
-من حيث النطاق الشامل:'تم تجنيد كل وسائل الإعلام الغربية والموالية للغرب 'كما هو الحال في٩٠٪ من التغطيات الإعلامية العربية!!!' لشيطنة روسيا في هذه الأزمة.
- ومن حيث المضمون بتصويرها كقوة غير ديمقراطية يقودها ديكتاتور متسلط تريد تفجير الاستقرار في العالم بسبب طموحاتها للهيمنة على الدول المجاورة لها وتهديد النظم الديمقراطية والقيم الليبرالية.
- أو من حيث ما يعرف بأسلوب 'تكرار الرسالة' والإلحاح عليها لتسود وتصبح قناعة راسخة عند الرأي العام الدولي: نظرة واحدة على محطات 'سي إن إن' وبلومبرج، و'بي بي سي'، ومطبوعات بوزن نيويورك تايمز، ووكالة أنباء بوزن الاسوشيتد برس، ستجد بسهولة كيف أنها ومعها كل وسائل الإعلام الدولية جعلت ولا زالت من الغزو الروسي الوشيك لاوكرانيا الموضوع الرئيس في كل نشرات الأخبار وبرامج شؤون الساعة لمدة تزيد على ثلاثة شهور في حملة إعلامية منسقة، ربما كانت الطول والأعنف منذ حملة مرحلة سقوط حائط برلين.
- أو من حيث الحيلولة دون ضياع مصداقية الرسالة الأساسية للحملة وهي أن غزو روسيا وشيكا سيحدث: فبعد أن مرّ الموعد الذي تورط الأمريكيون وقالوا إنه اليوم الذي سيتم فيه الغزو '١٦ فبراير الجاري' طور بايدن وبلينكن رسالة أخرى مفادها أن الغزو سيتم ولكن بسيناريو جديد وهو أن الروس سيفبركون هجوما مزيفا حقيقيا أو سيبرانيا على أراضيهم أو على أراضي الانفصاليين الأوكرانيين في دونباس لكي يقوموا بعده بشن الغزو المفترض.
الأداة الديبلوماسية
نكاد نقول إن الأمريكيين استخدموا في هذه الأزمة كل ما يمكن استخدامه من أدوات في الديبلوماسية بكثافة وتدرج:
-الحشد الدبلوماسي للحلفاء: لم تجر حملة ترغيب وترهيب لاعادة اللحمة التي كان قد مزقها ترامب بين أمريكا وحلفائها في أوروبا خاصة وحلف الناتو عامة إلا واستخدمتها واشنطن من أول ضمان الولاء المطلق لدول شرق أوروبا بتذكيرها بماضي الكراهية المؤلم مع الاتحاد السوفييتي السابق حديثا ومع روسيا تاريخيا، (أحيت بي بي سي وغيرها قصصا تاريخية مشكوك في دقة اعدادها وأسبابها مثل مجاعة أوكرانيا بسبب سياسات ستالين للمزارع الجماعية في ثلاثينات القرن الماضي).
أما الموقف المتحفظ لفرنسا وألمانيا من النهج الأمريكي لشيطنة روسيا ودفع الأمور معها إلي حافة الهاوية فقد جوبه بمدفعية ثقيلة من الترهيب الدبلوماسي الأمريكي وصلت إلي حد قول السفير الألماني في واشنطن لحكومته بأننا نخاطر كألمان بأن ينظر إلينا كحلفاء لا يمكن الاعتماد علينا فذهب المستشار الألماني شولتز بعدها على عجل كما لو كان قد تم استدعاؤه من بايدن وكرر ربما دون اقتناع كبير كل المواقف التي تريدها واشنطن ومفادها أننا كحلف أطلسي على قلب رجل واحد وإننا سنجعل روسيا تدفع ثمنا باهظا لأي تصرف عسكري في أوكرانيا.
النتيجة كانت نجاحا أمريكيا لم تحققه منذ عقود في حشد دول الأطلسي وراءها بطريقة متحدة - على الأقل - في العلن ولم تكتف واشنطن بحشد الأطلسي والدول الانجلو ساكسونية بل حشدت تكتلها الإستراتيجي الهام الذي يجمع بين المحيطين الهادئ والهندي المكون منها وكل من الهند واليابان وأستراليا.
- تدويل الأزمة: نجحت واشنطن نسبيا ولكن لفترة محدودة في وضع روسيا في قفص الاتهام -عن غزو لم يحدث ولن يحدث في الغالب - إذ تمكنت أمريكا بنفوذها الهائل على الأمم المتحدة من عقد أكثر من جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة الأوكرانية وتحويلها من أزمة أوروبية لأزمة عالمية.
-التهديد بفرض عقوبات دبلوماسية: على روسيا وحلفائها وخفض البعثات الدبلوماسية فقامت هي وعشر دول أخرى من بينهم إسرائيل بسحب أو خفض عدد دبلوماسييها أو نقل أو تجميد عمل سفاراتها في كييف عاصمة أوكرانيا وذلك لتأكيد الانطباع بأن الغزو الروسي وشيك
- التفاوض مع روسيا نفسها: هنا جاد دور لاستخدام الجزرة مع العصا وذلك بلقاءات مباشرة هاتفية أو وجها لوجه بايدن/ بوتين، بلينكن/ لافروف، وغير مباشرة ماكرون/ بوتين. وشولوتز/بوتين واجتماعات مجموعة نورماندي.. إلخ وسعت واشنطن وباستخدام لغة بالغة الحدة ومصحوبة بالتهديد - مفادها أن روسيا ستعاقب كما لم تعاقب من قبل وستتحول إلى دولة منبوذة مثل كوريا الشمالية - إلى كسر إرادة موسكو وجعلها تتراجع عن مطلبها الرئيسي في الأزمة وهو الحصول على تعهد صريح بعدم انضمام أوكرانيا للناتو.
الأداة العسكرية والاستراتيجية:
كأداة لردع الخصم والتأثير على قراراته ومنعه من ممارسة سلوك معين أو دفعه للممارسة سلوك آخر لم توفر واشنطن وسيلة من وسائل هذه الأداة إلا واستخدمتها من أول التهديد برد عسكري شامل للناتو إذا تعرضت أحدى دوله لتهديد روسي ونقل قوات عسكرية أمريكية، ونقل أسلحة أمريكية متقدمة لدول البلطيق الثلاثة ولرومانيا وبلغاريا وبولندا وكلها تهدد عمق الأراضي الروسية خاصة، وتشجيع بريطانيا وفرنسا وآخرين لتزويد الجيش الأوكراني بأسلحة وخبراء، وتقاسم معلومات استخبارية مع الحلفاء.
لكن هل نجحت كل هذه الحزمة الأمريكية/ الغربية من أدوات ووسائل السياسة الأمريكية بمواردها الهائلة وكفاءتها المشهود بها في تحقيق أهدافها وإجبار روسيا على سلوكين سعت إليهما واشنطن من استخدام هذه الحزمة الأول هو توريطها في حرب في أوكرانيا يكون ثمنها هو تدمير كل ما بنته روسيا من قدرات اقتصادية وإعادة تحديث لجيشها واستعادة حضورها في الساحة الأوراسية والدولية والشرق أوسطية أو الثاني وهو التراجع والانكسار والتخلي عن الدعوة لعدم ضم أوكرانيا للناتو وبالتالي إعادة روسيا إلى حالة التقزم التي كانت عليها عند سقوط الاتحاد السوفييتي وما تلاها من مرحلة الانهيار والفوضي في عهد يلتسين؟
الجواب هو بالنفي لماذا؟
أولا: لأن كل هذه الأدوات لم تكن لتغير في حقيقة أن تطور توازن القوى الهائل للصين ولروسيا وتحالفهما الراهن معا قضى وأنهى عمليا على الهيمنة المطلقة لواشنطن على العالم وأنه من المستحيل تقريبا إعادة الصين إلى دولة نامية ولإعادة روسيا وكأنها دولة صغيرة تابعة استراتيجيا لأمريكا مثل رومانيا. أي بعبارة أخرى يصعب محاربة اتجاه حركة التاريخ.
وثانيا: وهو المهم في سياق هذه المقالة إنه يعود إلى 'الاستخدام المضاد 'للروس لأدوات سياسة خارجية بمهارة تكتيكية شملت تسخينا وتبريدا للأزمة أربكت الغرب وأبطلت إلى حد كبير الأثر المتوخى للإدارة الأمريكية لهذه الأزمة. ولكن لهذا حديث آخر قادم.
• حسين عبدالغني كاتب وإعلامي مصري
إنها باختصار تنهي الحجج الواهية التي تخفي بها الدول العربية ترددها في ممارسة كفؤة ورشيدة لأدوات السياسة الخارجية لتعظيم مصالحها الوطنية فينتهي الأمر إلى ما نتهينا إليه دول مفعول بها وليست فاعلة، دول تنحاز للاختيارات الكسولة في البقاء تحت خيمة التبعية لقوى عظمى أو قوى إقليمية مرتبطة بقوة عظمي، بدلا من تجريب الاستقلال النسبي والاستفادة من هامش المناورة ومجال الحركة التي اتاحتها التغيرات الهائلة في بنية النظام الدولي في العقود الثلاثة الأخيرة.
ويمكن القول بكل ثقة إن الولايات المتحدة وروسيا خصوصا وأوكرانيا ودول الناتو والصين عموما لم يتركوا وسيلة من وسائل القوة الناعمة والخشنة أو وسائل الترهيب والترغيب أو بالتعبيرات السائدة في العلوم السياسية (الأدوات الدبلوماسية، والأدوات الاقتصادية، والأدوات الدعائية والإعلامية، والأدوات الاستراتيجية والعسكرية) إلا واستخدموها في هذه الأزمة.
وحتى في طريقة الاستخدام فانه تم تطبيق هذه الوسائل المؤثرة علي الخصم وتنويعها والانتقال بشكل تدريجي من وسيلة لأخرى بصورة تتفاعل وتتحور مع تطور الأزمة وردود
فعل المتنازعين فيها. كل ذلك في صورة حزمة شاملة.
في حال الولايات المتحدة مثلا نستطيع بتحليل بسيط إحصاء استخدامها لعشرات الوسائل للتأثير في السلوك الروسي من الأزمة كالاتي:
ـ أخذ زمام المبادرة السياسية العامة:
أطلقت أمريكا هذه الأزمة من عقالها منذ ثلاثة شهور كاملة في ١٨ نوفمبر ودافعة إياها بشكل متعمد إلى مرحلة أو سياسة 'حافة الهاوية' معتبرة أن روسيا ستقوم بغزو أوكرانيا وستقضي على السلام شبه الدائم الذي تمتعت به أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأن موسكو بذلك الغزو تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة. ووضعت هذه الأزمة روسيا في بداية الأزمة على الأقل في موقع الدفاع.
- استخدام ذكي للأداة الدعائية والإعلامية.
-من حيث النطاق الشامل:'تم تجنيد كل وسائل الإعلام الغربية والموالية للغرب 'كما هو الحال في٩٠٪ من التغطيات الإعلامية العربية!!!' لشيطنة روسيا في هذه الأزمة.
- ومن حيث المضمون بتصويرها كقوة غير ديمقراطية يقودها ديكتاتور متسلط تريد تفجير الاستقرار في العالم بسبب طموحاتها للهيمنة على الدول المجاورة لها وتهديد النظم الديمقراطية والقيم الليبرالية.
- أو من حيث ما يعرف بأسلوب 'تكرار الرسالة' والإلحاح عليها لتسود وتصبح قناعة راسخة عند الرأي العام الدولي: نظرة واحدة على محطات 'سي إن إن' وبلومبرج، و'بي بي سي'، ومطبوعات بوزن نيويورك تايمز، ووكالة أنباء بوزن الاسوشيتد برس، ستجد بسهولة كيف أنها ومعها كل وسائل الإعلام الدولية جعلت ولا زالت من الغزو الروسي الوشيك لاوكرانيا الموضوع الرئيس في كل نشرات الأخبار وبرامج شؤون الساعة لمدة تزيد على ثلاثة شهور في حملة إعلامية منسقة، ربما كانت الطول والأعنف منذ حملة مرحلة سقوط حائط برلين.
- أو من حيث الحيلولة دون ضياع مصداقية الرسالة الأساسية للحملة وهي أن غزو روسيا وشيكا سيحدث: فبعد أن مرّ الموعد الذي تورط الأمريكيون وقالوا إنه اليوم الذي سيتم فيه الغزو '١٦ فبراير الجاري' طور بايدن وبلينكن رسالة أخرى مفادها أن الغزو سيتم ولكن بسيناريو جديد وهو أن الروس سيفبركون هجوما مزيفا حقيقيا أو سيبرانيا على أراضيهم أو على أراضي الانفصاليين الأوكرانيين في دونباس لكي يقوموا بعده بشن الغزو المفترض.
الأداة الديبلوماسية
نكاد نقول إن الأمريكيين استخدموا في هذه الأزمة كل ما يمكن استخدامه من أدوات في الديبلوماسية بكثافة وتدرج:
-الحشد الدبلوماسي للحلفاء: لم تجر حملة ترغيب وترهيب لاعادة اللحمة التي كان قد مزقها ترامب بين أمريكا وحلفائها في أوروبا خاصة وحلف الناتو عامة إلا واستخدمتها واشنطن من أول ضمان الولاء المطلق لدول شرق أوروبا بتذكيرها بماضي الكراهية المؤلم مع الاتحاد السوفييتي السابق حديثا ومع روسيا تاريخيا، (أحيت بي بي سي وغيرها قصصا تاريخية مشكوك في دقة اعدادها وأسبابها مثل مجاعة أوكرانيا بسبب سياسات ستالين للمزارع الجماعية في ثلاثينات القرن الماضي).
أما الموقف المتحفظ لفرنسا وألمانيا من النهج الأمريكي لشيطنة روسيا ودفع الأمور معها إلي حافة الهاوية فقد جوبه بمدفعية ثقيلة من الترهيب الدبلوماسي الأمريكي وصلت إلي حد قول السفير الألماني في واشنطن لحكومته بأننا نخاطر كألمان بأن ينظر إلينا كحلفاء لا يمكن الاعتماد علينا فذهب المستشار الألماني شولتز بعدها على عجل كما لو كان قد تم استدعاؤه من بايدن وكرر ربما دون اقتناع كبير كل المواقف التي تريدها واشنطن ومفادها أننا كحلف أطلسي على قلب رجل واحد وإننا سنجعل روسيا تدفع ثمنا باهظا لأي تصرف عسكري في أوكرانيا.
النتيجة كانت نجاحا أمريكيا لم تحققه منذ عقود في حشد دول الأطلسي وراءها بطريقة متحدة - على الأقل - في العلن ولم تكتف واشنطن بحشد الأطلسي والدول الانجلو ساكسونية بل حشدت تكتلها الإستراتيجي الهام الذي يجمع بين المحيطين الهادئ والهندي المكون منها وكل من الهند واليابان وأستراليا.
- تدويل الأزمة: نجحت واشنطن نسبيا ولكن لفترة محدودة في وضع روسيا في قفص الاتهام -عن غزو لم يحدث ولن يحدث في الغالب - إذ تمكنت أمريكا بنفوذها الهائل على الأمم المتحدة من عقد أكثر من جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة الأوكرانية وتحويلها من أزمة أوروبية لأزمة عالمية.
-التهديد بفرض عقوبات دبلوماسية: على روسيا وحلفائها وخفض البعثات الدبلوماسية فقامت هي وعشر دول أخرى من بينهم إسرائيل بسحب أو خفض عدد دبلوماسييها أو نقل أو تجميد عمل سفاراتها في كييف عاصمة أوكرانيا وذلك لتأكيد الانطباع بأن الغزو الروسي وشيك
- التفاوض مع روسيا نفسها: هنا جاد دور لاستخدام الجزرة مع العصا وذلك بلقاءات مباشرة هاتفية أو وجها لوجه بايدن/ بوتين، بلينكن/ لافروف، وغير مباشرة ماكرون/ بوتين. وشولوتز/بوتين واجتماعات مجموعة نورماندي.. إلخ وسعت واشنطن وباستخدام لغة بالغة الحدة ومصحوبة بالتهديد - مفادها أن روسيا ستعاقب كما لم تعاقب من قبل وستتحول إلى دولة منبوذة مثل كوريا الشمالية - إلى كسر إرادة موسكو وجعلها تتراجع عن مطلبها الرئيسي في الأزمة وهو الحصول على تعهد صريح بعدم انضمام أوكرانيا للناتو.
الأداة العسكرية والاستراتيجية:
كأداة لردع الخصم والتأثير على قراراته ومنعه من ممارسة سلوك معين أو دفعه للممارسة سلوك آخر لم توفر واشنطن وسيلة من وسائل هذه الأداة إلا واستخدمتها من أول التهديد برد عسكري شامل للناتو إذا تعرضت أحدى دوله لتهديد روسي ونقل قوات عسكرية أمريكية، ونقل أسلحة أمريكية متقدمة لدول البلطيق الثلاثة ولرومانيا وبلغاريا وبولندا وكلها تهدد عمق الأراضي الروسية خاصة، وتشجيع بريطانيا وفرنسا وآخرين لتزويد الجيش الأوكراني بأسلحة وخبراء، وتقاسم معلومات استخبارية مع الحلفاء.
لكن هل نجحت كل هذه الحزمة الأمريكية/ الغربية من أدوات ووسائل السياسة الأمريكية بمواردها الهائلة وكفاءتها المشهود بها في تحقيق أهدافها وإجبار روسيا على سلوكين سعت إليهما واشنطن من استخدام هذه الحزمة الأول هو توريطها في حرب في أوكرانيا يكون ثمنها هو تدمير كل ما بنته روسيا من قدرات اقتصادية وإعادة تحديث لجيشها واستعادة حضورها في الساحة الأوراسية والدولية والشرق أوسطية أو الثاني وهو التراجع والانكسار والتخلي عن الدعوة لعدم ضم أوكرانيا للناتو وبالتالي إعادة روسيا إلى حالة التقزم التي كانت عليها عند سقوط الاتحاد السوفييتي وما تلاها من مرحلة الانهيار والفوضي في عهد يلتسين؟
الجواب هو بالنفي لماذا؟
أولا: لأن كل هذه الأدوات لم تكن لتغير في حقيقة أن تطور توازن القوى الهائل للصين ولروسيا وتحالفهما الراهن معا قضى وأنهى عمليا على الهيمنة المطلقة لواشنطن على العالم وأنه من المستحيل تقريبا إعادة الصين إلى دولة نامية ولإعادة روسيا وكأنها دولة صغيرة تابعة استراتيجيا لأمريكا مثل رومانيا. أي بعبارة أخرى يصعب محاربة اتجاه حركة التاريخ.
وثانيا: وهو المهم في سياق هذه المقالة إنه يعود إلى 'الاستخدام المضاد 'للروس لأدوات سياسة خارجية بمهارة تكتيكية شملت تسخينا وتبريدا للأزمة أربكت الغرب وأبطلت إلى حد كبير الأثر المتوخى للإدارة الأمريكية لهذه الأزمة. ولكن لهذا حديث آخر قادم.
• حسين عبدالغني كاتب وإعلامي مصري