مـحـمـد أبو زيـد: أنا ضيـف عـلى الـروايـة
الكاتب المصري الفائز بجائزة ساويرس يفضِّل لقب «الشاعر»
الجمعة / 16 / رجب / 1443 هـ - 19:29 - الجمعة 18 فبراير 2022 19:29
- الجائزة دفعة كي تواصل الطريق لكن لا يبقى إلا الكاتب وقلمه وفكرته
- كل شارع في روايتي «عنكبوت في القلب» مشيت فيه
- تأثرت كثيرا بالتراث العربي لأني أزهري حفظت القرآن في طفولتي
- لا يوجد جيل من النقاد يمكنه مواكبة الحركة الإبداعية العربية
- الجامعات العربية ما زالت تنظر إلى قصيدة النثر باعتبارها هرطقة
حوار: حسن عبد الموجود
يعد محمد أبو زيد واحدا من الكتَّاب المصريين القلائل الذين يجمعون بين كتابة الشعر والرواية، ويُنظر إليه باهتمام في الحالتين، وقد وصلت روايته «عنكبوت في القلب» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وحصلت على جائزة ساويرس لكبار الكتّاب المصريين، لعام 2022، إلا أن أبوزيد لا يعتبر نفسه روائيا إلى الآن، أو بشكل أدق يفضل لقب الشاعر على ما عداه.
محمد أبوزيد لديه ميل واضح إلى العزلة، أو الاختفاء، لا يفضل الظهور كثيرا في تجمعات المثقفين، ويرى أن ذلك هو أكثر ما يحمي روحه من الانكسار. في هذا الحوار محاولة لرسم ملامح واحد من أهم كتَّاب الطليعة المصرية الجديدة، وكيف يفكر في الأدب والفن والمستقبل وفي الشعرة الفاصلة داخله بين الشاعر والروائي
ما الذي تمثله لك جائزة ساويرس والجوائز عموماً؟
أعتقد أن أي جائزة هي تقدير معنوي مهم للكاتب، مثل «تربيتةِ» كتفٍ صغيرة، لكنها لا تتجاوز ذلك، فهي لا تعني أن الكاتب هو الأفضل، ولا أن روايته فوق المنافسة، بل إن الجائزة هي مجرد إنارة بسيطة للدرب الذي يسلكه الكاتب كي يكمل ما بدأه. وبالنسبة لي فإنني أتعامل مع الجوائز على هذا النحو، فرغم أن «عنكبوت في القلب» وصلت من قبل للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، ولاقت استحسانا من بعض القراء وبعض النقاد، ورغم أنها روايتي الثانية، إلا أني كنت أتعامل مع الأمر بحذر شديد، ربما لأني أعتبر نفسي شاعرا بالدرجة الأولى، وأتعامل مع كوني روائيا بحذر وربما بخوف، ربما أعطتني الجائزة دفعة كي أواصل الطريق، لكن تأثير هذه الدفعة يتلاشى مع الوقت، ولا يبقى إلا الكاتب وقلمه وفكرته، فلا رواية ولا جائزة تشفع للكاتب أمام قلق كاتب لا يتبدد.
في كل دواوينك تظهر شخصية اسمها ميرفت عبدالعزيز، كما ظهرت في الرواية. ما قصتك مع هذا الاسم؟
ظهرت شخصية ميرفت عبد العزيز لأول مرة في ديواني «قوم جلوس حولهم ماء»، في فصل بعنوان «كم جناحا لك يا ميرفت؟» ورغم أن الشخصية شعرية تماماً، بلا ظلال واضحة في الواقع، إلا أن الشعر ألبسها لباس ما سمَّاه الشاعر الكبير الراحل محمد محمد الشهاوي «المرأة الرسولة»، وهي امرأة يرى فيها الشاعر كل النساء، أو تستطيع أن تحتويهن جميعاً. بدت الشخصية في ذلك الديوان جزءا من حكاية لم تكتمل رغم وجودها في ثلاث قصائد، ووجدتها بعد ذلك تظهر في دواويني اللاحقة بقصائد منفردة، في ديوان «مديح الغابة»، و«طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء»، و«مدهامتان»، و«مقدمة في الغياب» و«سوداء وجميلة»، وربما أرادت في الرواية أن تتحرر من كونها مجرد شخصية شعرية، بأن تخلق لنفسها حيزاً أكبر، ليتعرف عليها القارئ كشخصية من لحم ودم، لا أن يكتفي بأن يراها وهي ترف بجناحيها حول القصائد، وأظن أنها في الرواية احتفظت بجزء من شاعريتها.
ظهر بعض أصدقائك الحقيقيين، وهم كتَّاب وفنانون، مثل هاني عبد المريد وسحر عبد الله، والطاهر شرقاوي، في الرواية، فما الحكمة وراء ذلك؟
أعتقد أن خدعة الرواية الأساسية هي المزج بين الواقع والخيال، وإيهام القارئ بأن الرواية تقدم عالمين، عالم الواقع الذي يعيشه ويعرف شخوصه جيداً وعالم الخيال، لكن الإيهام الأكبر هو أن هذا الواقع لا يغدو كونه مجرد خيال أيضاً، فالشخصيات الواقعية، مثل هاني أو سحر أو الطاهر، أو حتى المؤلف نفسه لم يأتوا إلا لتأكيد ذلك المعنى، أنهم جزء من الخيال وليس من الواقع. ولو نظرت إلى فصل «المؤلف»، الذي يدور حول شخص اسمه محمد أبو زيد، ستشعر بالتشكك، فمن الممكن ألا يكون هذا الشخص هو المؤلف ذاته، فهو يقابل كائنات من الفضاء، ويرى أشياء غرائبية، وقد يكون مجرد شخصية روائية. خدعة الرواية، أو ما تسعى إليه، هي الربط التام بين عالمي الواقع والخيال حتى يبدو كشخص ينظر لمرآة، لكنك لا تعرف أيهما الحقيقة وأيهما انعكاسها.
هناك جنوح كبير إلى المبالغة، مع رسم الشخصيات بطريقة كارتونية. «بيبو» البطل يخرِج قلبه من صدره ويضعه في أصيص مليء بالقمح. لماذا كنت تريد نسف أي تصورات واقعية عن العالم حتى وأنت تورد أسماء أشخاص تعرفهم ونعرفهم نحن القراءَ كذلك؟
قد تعتبرها مبالغة، وقد أراها جزءاً من رؤيتي للعالم، ماضيه وحاضره ومستقبله، الماضي الذي جاء منه تأبط شراً وفارس مذبحة القلعة، وحاضره الذي يقدم حكاية بيبو الشاب العالق في مستشفى الأمراض العقلية، ومستقبله الذي يقدمه في الفصل الأخير داخل لعبة تبدأ بـ restart، وتنتهي بـ shutdown. هذا العالم يقدم الواقع ممثلاً في قصة ميرفت عبد العزيز التي تشكو من عادية حياتها، ويقدم الأسطوري ممثلاً في قصة علاء الدين ومصباحه السحري وسنووايت، والخيالي ممثلاً في قصة بيبو الذي يتداخل في حياته الخيالي مع الفانتازي. وأعتقد أن كل هذا المستويات تشبهني، تشبه تفضيلاتي في القراءة ومشاهدة الأفلام والتفكير. ببساطة أنا أرى العالم هكذا.
الخيال الكبير في الرواية هل لأنك تأتي إليها من منطقة الشعر؟
هرباً من فخ السؤال سأقول لك، إن روايتي الأولى كانت واقعية تماماً، أعنى أنه لا توجد فيها أي فانتازيا أو خيال مفارق للواقعي المألوف، لكن هذه الرواية خيالية لأن شخصياتها تأتي من الشعر، لا لأني أنا من هذه المنطقة، بل كنت حريصاً طوال وقت كتابتها ألا تكون لغتها مغرقة في الشعرية، أردتها لغة بسيطة وواضحة وسلسة في الوقت ذاته، وبعيدة عن المجازات والتشبيهات الشعرية الثقيلة. ورغم ذلك بدت ميرفت عبد العزيز القادمة من عالم الشعر أكثر شخصيات الرواية عادية، وكانت تشكو معظم الوقت من رتابة حياتها حتى استطاعت أخيرا أن تطير وتتحرر من تلك العادية، ثمة سبب آخر هو أن هذه «شخصيات روائية»، بمعنى إذا كان لدينا «مؤلف» هو أحد أبطال الرواية، فهذه شخصياته أو «كائناته» الخيالية، والتي تبدو من تفضيلاته القرائية والفيلمية المشار إليها في هذا الفصل.
هل يمكن القول أن الرواية هي ألبوم صور وذكريات كل ما يخصك؟ الأصدقاء. الممثلات المفضلات. الروايات التي تحبها؟
هذا صحيح إلى حد كبير. هذه الرواية تشبهني، تشبه عالمي، تفضيلاتي في القراءة، الرواية مثلا مليئة بعشرات أسماء الأفلام والمسلسلات وهي من مشاهداتي الخاصة، كل شارع في هذه الرواية ذكرته مشيت فيه، وكل مقهى ـ وما أكثرها ـ ذكرته في الرواية شربت فيه شاياً، ببساطة يمكن القول :ن كل تفصيلة فانتازية في هذه الرواية لها ظلال من الحقيقة في عالمي سواء كان يمسني بشكل شخصي أم لا، حتى أن بعض مشاهد الرواية كانت أحلاماً كتبتها مثلما رأيتها تماماً.
تتحدث عن نفسك باعتبارك شاعراً دائماً، لكنك على فترات تفاجئنا بروايات. أصدرت رواية «أثر النبي» في 2010، و«عنكبوت في القلب» 2019. ما الذي يجعلك تنحرف إلى الرواية؟ ولماذا لا تعرِّف نفسك باعتبارك روائياً؟
أعتقد لأنني أحب الشعر، أو لأنني أعتبر الشعر هو منطقتي الآمنة، أو لأنني أعرف ما الذي أريد أن أفعله في الشعر أو لأن لديَّ مشروعاً ـ أو هكذا أزعم ـ يخص الشعر، بدأته منذ سنوات، وفي كل ديوان أحاول أن أضيف فيه شيئاً، أو لأن لديَّ تصوراً حول ما أريد فعله في الدواوين الثلاثة أو الأربعة القادمة لي، ليس كقصائد ولكن كأفكار، وهكذا ترى أن كل إجابتي تخص الشعر. أما الرواية ـ حتى بعد فوزي بجائزة أو ترشيحي لأخرى، فما زلت أعتبر نفسي ضيفاً عليها. وأتمنى أن يظل هذا الشعور داخلي لأنه يجعلني أكتب بوجل، وهذا الوجل يدفعني لمزيد من التدقيق والتمحيص وأظن أن هذا يصب في مصلحة النص في النهاية.
كيف توازن بين الشاعر والروائي بداخلك؟
الأمر لا يقاس بهذه الطريقة، لكنه يعتمد على الفكرة، إذا كانت لديّ فكرة رواية جيدة سأكتبها لكني سأتمهل، وإذا كانت لديّ فكرة قصيدة سأكتبها وسأتمهل أيضاً ألف مرة قبل نشرها. أعتقد أنهما عالمان منفصلان داخلي، وأسعى إلى عدم تماسهما، حتى يحتفظ كل طرف بروحه الخاصة، وفي النهاية لا أنشر لمجرد التواجد على الساحة، وإنما أنشر ما أظن أنه يرضيني كقارئ، رغم أنه بعد أشهر لن يرضيني، فأنا أتغير مثل الكتابة، التي تطرق بابي بأشكال مختلفة، وتجيء شعراً أو سرداً أو نصاً مفتوحاً. وأعتقد أن الأمر ليس معضلة كبيرة، ففي تاريخ الأدب الحديث هناك عشرات الكتاب كتبوا السرد والشعر وأحياناً المسرح مثل أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي والعقاد والمازني، وغيرهم. ولم يكن الأمر يوماً مثيرا للدهشة ولا للغرابة، فالمهم ما يقدمه النص سواء كان شعرا أو قصة.
ما تعريف الشعر ومن أين ينبع بالنسبة لك؟
أعتقد أنه ينبع من كل شيء، من كل تفاصيل الحياة حولي، من كيبورد الهاتف، من مقعد المقهى من النافذة نصف المفتوحة على الشارع، من بنسة في شعر تلميذة تجلس في الحافلة، من موظف يغطي رأسه الأصلع بجريدة ويهرول في الشارع تحت المطر، من موظف يخبئ شطيرة تحت أوراق المواطنين، من ضحكة طفل، من رقصة الرجال بالعصا في جنوب مصر، من إغماضة عين في غرفة العناية المركزة، من يد عجوز مرفوعة بالدعاء في ليل قارس البرد. كل تفصيلة أراها يمكنها في لحظة أن تتحول إلى ينبوع للشعر، لا أعرف متى ولا كيف، ولا ما الذي يحول العادي إلى مفارق ومدهش، لكنها يد الشعر العجيبة التي تمسني فأرى ما لم أره من قبل، وما لم يكن مسموحاً لي برؤيته لولاها.
متى بدأت الكتابة؟ وهل اكتشفت نفسك وأنت صغير في الشعر أم في الحكاية؟ ومن الشخص الذي شجعك على التوهج؟
بدأت الكتابة مبكرا، في سن العاشرة، كان ذلك بعد وفاة أمي. كانت القصيدة بمثابة عريضة احتجاج وحيدة أملكها. كنت في الصف الرابع الابتدائي حينما كتبت القصيدة في ورقة فلوسكاب، وأذكر أن مدرسة اللغة العربية، شجعتني كثيراً، وكذلك خالي، فقد حرص على شراء المجلات والكتب لي، بالإضافة إلى أن مكتبته التراثية قد لعبت دوراً كبيراً في تثقيفي ففيها قرأت أمهات الكتب. وفي المرحلة الإعدادية تعرفت على أستاذي الشاعر بهاء الدين رمضان الذي فتح لي الطريق واسعاً للاطلاع على أشكال مختلفة من الشعر وتثقيفي أدبياً. الحقيقة أنه لولاه ولولا مساعدته التي استمرت لسنوات طوال لما كنت هنا. طبعاً جربت كتابة الشعر والرواية والقصة والمسرح وكل أشكال الكتابة، قبل أن أستقر على الشعر في النهاية، وقد جربت كل أشكاله العمودي والتفعيلي والنثر. ورغم ذلك فزت بجائزة يحيى حقي في الرواية من المجلس الأعلى للثقافة عندما كنت طالباً في الجامعة، ولم أعد إلى الرواية إلا بعد حوالي 7 سنوات حين أصدرت روايتي الأولى «أثر النبي» بعد أربعة دواوين.
هل أنت مهتم بتصنيف أعمالك وفق جيل معين. وما جيلك؟
أعتقد أن النقاد هم من يمكنهم إجابة هذا السؤال، لكني شخصياً لست مهتماً بفكرة التصنيف لأن كل شخص في جيلي ـ أو ما يفترض أن يكون كذلك ـ يكتب بطريقته وبأسلوبه ويكتب همه الخاص، لكني طبعاً سعيد بأصدقائي الذين بدأنا معا الكتابة في الوقت نفسه، وسأكون فخوراً إذا تم تصنيف اسمي معهم ضمن جيل واحد.
ما الأعمال التي أثرت في وجدانك ولماذا؟
تأثرت كثيراً بالتراث العربي، وربما يعود هذا إلى كوني أزهرياً، حفظت القرآن الكريم كاملاً في طفولتي وتعلمت النحو من شرح ابن عقيل وألفية ابن مالك وشذور الذهب وقطر الندى وبلّ الصدى، وحفظت المتنبي وأبا فراس الحمداني وعنترة بن شداد وأبانواس، وفي السرد تربيت على السير الشعبية ـ ربما لأنني ولدت في الصعيد ـ فقرأت صغيراً سيرة ذات الهمة، والزير سالم والظاهر بيبرس وأبوزيد الهلالي وغيرهم، بالإضافة إلى مئات الأغنيات الشعبية للرواة المجهولين. أنا ممتن جداً لهذا التراث الذي يجب على كل كاتب أن يبدأ به قبل أن يمضي للأمام. نتحدث كثيراً عن التراث العالمي ونتجاهل دائماً هذا التراث العربي والشعبي المذهل سواء في الشعر أو النثر.
هل ترى ترى أنك حصلت على حقك من النقد؟
لا يوجد نقد حتى أرى أنني حصلت على حقي فيه. وهذا الأمر ليس متعلقاً بي فقط، بل بكل الكتابة العربية. يمكن عد عدد النقاد المصريين على أصابع اليدين، وهؤلاء لهم كل الشكر طبعاً أنهم يحاولون تقديم جهدهم. لكن لا يوجد جيل من النقاد يمكنه مواكبة الحركة الإبداعية الموجودة سواء كانت شعراً أم رواية، هناك عشرات المبدعين الذين يقدمون «قراءات نقدية»، وهناك قراء يقدمون «مراجعات» وهناك نشطاء على يوتيوب يقدمون «ريفيوهات»، لكن لا يوجد نقاد يقدمون نقداً إلا بشكل محدود جداً، وربما تكون الرواية أكثر حظاً من الشعر، ربما لأنها «أسهل»، وأعتقد أن حل هذه المشكلة يبدأ من الجامعات التي ما زالت تنظر إلى قصيدة النثر باعتبارها هرطقة، وإلى الأجيال الذين كتبوا الرواية بعد نجيب محفوظ باعتبارهم «كتاباً شباباً»، رغم أن بعضهم شيوخ في نهايات أعمارهم، أو فارقوا الحياة من زمن.
ما ملاحظاتك على الحركة الأدبية المصرية ولماذا تبدو متواريا عن الأنظار طوال الوقت مع أنك تدير موقعاً ثقافياً هو «الكتابة» وتتعامل مع المشتغلين بالأدب والنقد؟
موقع الكتابة يديره من يكتب فيه، وليس لي فضل في ذلك، والوقت الذي أقضيه في الموقع أعتبره خدمة للثقافة. وأعتقد أنه إذا كان بإمكان أي كاتب أن يقدم شيئاً للثقافة والكتابة فليفعل، وهذا دور المثقف العضوي كما أفهمه. ولست متواريا عن الأنظار لكني لست مشغولاً بالدخول في صراعات جانبية أو تتبع نميمة عن شخص هنا أو هناك، أو الجلوس على المقاهي الثقافية دون فعل أي شيء سوى شرب القهوة والاستماع إلى فيروز. كل ما أريده هو أن أكتب، ولا أريد أكثر من ذلك، سواء نشرت ما أكتبه أم لا، ولا أعتقد أن أياً مما ذكرته سابقه سيساعدني فيما أريد أن أفعله.
ما تأثير نشأتك في محافظة «سوهاج» في صعيد مصر عليك كإنسان وكاتب؟
أدين لتلك النشأة بالكثير من صفاتي، يقال إن سوهاج هي المحافظة التي تتوسط الصعيد، وهي التي تتوسط مصر أيضاً (من القاهرة إلى أسوان)، لذا يتصف أهلها بأنهم وسطيون، وأرجو أن أكون كذلك. ورغم أنني منذ حوالي ربع قرن أعيش في القاهرة والمدينة وسافرت خارج مصر إلا أنني ما زلت أراني في القرية التي نشأت فيها، بين زرعها وبالقرب من نيلها وجبالها. وأشعر أن هذه الصورة هي حائط الأمان دائماً بالنسبة لي الذي أتمسك به في كل لحظاتي الجسام حتى لا أسقط.
ما الصفة التي تعبر بشكل واقعي عنك ولماذا؟
العزلة، ربما لأنني أفضل أن أكون وحدي بين كتبي وأوراقي وأقلامي على أي شيء آخر.
وما خططك للسنوات المقبلة؟
بالنسبة لي ألا أتوقف عن الكتابة، بالنسبة لموقع الكتابة لديّ حلم طويل منذ بدأته قبل 15 عاما، أن يتحول إلى مؤسسة ثقافية ترعى الموهوبين وتقدمهم للقارئ تضم دارا للنشر وجائزة كبيرة وقناة فضائية وإذاعة ثقافية وأحلام أخرى كثيرة لا زالت تنتظر التحقق.
- كل شارع في روايتي «عنكبوت في القلب» مشيت فيه
- تأثرت كثيرا بالتراث العربي لأني أزهري حفظت القرآن في طفولتي
- لا يوجد جيل من النقاد يمكنه مواكبة الحركة الإبداعية العربية
- الجامعات العربية ما زالت تنظر إلى قصيدة النثر باعتبارها هرطقة
حوار: حسن عبد الموجود
يعد محمد أبو زيد واحدا من الكتَّاب المصريين القلائل الذين يجمعون بين كتابة الشعر والرواية، ويُنظر إليه باهتمام في الحالتين، وقد وصلت روايته «عنكبوت في القلب» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وحصلت على جائزة ساويرس لكبار الكتّاب المصريين، لعام 2022، إلا أن أبوزيد لا يعتبر نفسه روائيا إلى الآن، أو بشكل أدق يفضل لقب الشاعر على ما عداه.
محمد أبوزيد لديه ميل واضح إلى العزلة، أو الاختفاء، لا يفضل الظهور كثيرا في تجمعات المثقفين، ويرى أن ذلك هو أكثر ما يحمي روحه من الانكسار. في هذا الحوار محاولة لرسم ملامح واحد من أهم كتَّاب الطليعة المصرية الجديدة، وكيف يفكر في الأدب والفن والمستقبل وفي الشعرة الفاصلة داخله بين الشاعر والروائي
ما الذي تمثله لك جائزة ساويرس والجوائز عموماً؟
أعتقد أن أي جائزة هي تقدير معنوي مهم للكاتب، مثل «تربيتةِ» كتفٍ صغيرة، لكنها لا تتجاوز ذلك، فهي لا تعني أن الكاتب هو الأفضل، ولا أن روايته فوق المنافسة، بل إن الجائزة هي مجرد إنارة بسيطة للدرب الذي يسلكه الكاتب كي يكمل ما بدأه. وبالنسبة لي فإنني أتعامل مع الجوائز على هذا النحو، فرغم أن «عنكبوت في القلب» وصلت من قبل للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، ولاقت استحسانا من بعض القراء وبعض النقاد، ورغم أنها روايتي الثانية، إلا أني كنت أتعامل مع الأمر بحذر شديد، ربما لأني أعتبر نفسي شاعرا بالدرجة الأولى، وأتعامل مع كوني روائيا بحذر وربما بخوف، ربما أعطتني الجائزة دفعة كي أواصل الطريق، لكن تأثير هذه الدفعة يتلاشى مع الوقت، ولا يبقى إلا الكاتب وقلمه وفكرته، فلا رواية ولا جائزة تشفع للكاتب أمام قلق كاتب لا يتبدد.
في كل دواوينك تظهر شخصية اسمها ميرفت عبدالعزيز، كما ظهرت في الرواية. ما قصتك مع هذا الاسم؟
ظهرت شخصية ميرفت عبد العزيز لأول مرة في ديواني «قوم جلوس حولهم ماء»، في فصل بعنوان «كم جناحا لك يا ميرفت؟» ورغم أن الشخصية شعرية تماماً، بلا ظلال واضحة في الواقع، إلا أن الشعر ألبسها لباس ما سمَّاه الشاعر الكبير الراحل محمد محمد الشهاوي «المرأة الرسولة»، وهي امرأة يرى فيها الشاعر كل النساء، أو تستطيع أن تحتويهن جميعاً. بدت الشخصية في ذلك الديوان جزءا من حكاية لم تكتمل رغم وجودها في ثلاث قصائد، ووجدتها بعد ذلك تظهر في دواويني اللاحقة بقصائد منفردة، في ديوان «مديح الغابة»، و«طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء»، و«مدهامتان»، و«مقدمة في الغياب» و«سوداء وجميلة»، وربما أرادت في الرواية أن تتحرر من كونها مجرد شخصية شعرية، بأن تخلق لنفسها حيزاً أكبر، ليتعرف عليها القارئ كشخصية من لحم ودم، لا أن يكتفي بأن يراها وهي ترف بجناحيها حول القصائد، وأظن أنها في الرواية احتفظت بجزء من شاعريتها.
ظهر بعض أصدقائك الحقيقيين، وهم كتَّاب وفنانون، مثل هاني عبد المريد وسحر عبد الله، والطاهر شرقاوي، في الرواية، فما الحكمة وراء ذلك؟
أعتقد أن خدعة الرواية الأساسية هي المزج بين الواقع والخيال، وإيهام القارئ بأن الرواية تقدم عالمين، عالم الواقع الذي يعيشه ويعرف شخوصه جيداً وعالم الخيال، لكن الإيهام الأكبر هو أن هذا الواقع لا يغدو كونه مجرد خيال أيضاً، فالشخصيات الواقعية، مثل هاني أو سحر أو الطاهر، أو حتى المؤلف نفسه لم يأتوا إلا لتأكيد ذلك المعنى، أنهم جزء من الخيال وليس من الواقع. ولو نظرت إلى فصل «المؤلف»، الذي يدور حول شخص اسمه محمد أبو زيد، ستشعر بالتشكك، فمن الممكن ألا يكون هذا الشخص هو المؤلف ذاته، فهو يقابل كائنات من الفضاء، ويرى أشياء غرائبية، وقد يكون مجرد شخصية روائية. خدعة الرواية، أو ما تسعى إليه، هي الربط التام بين عالمي الواقع والخيال حتى يبدو كشخص ينظر لمرآة، لكنك لا تعرف أيهما الحقيقة وأيهما انعكاسها.
هناك جنوح كبير إلى المبالغة، مع رسم الشخصيات بطريقة كارتونية. «بيبو» البطل يخرِج قلبه من صدره ويضعه في أصيص مليء بالقمح. لماذا كنت تريد نسف أي تصورات واقعية عن العالم حتى وأنت تورد أسماء أشخاص تعرفهم ونعرفهم نحن القراءَ كذلك؟
قد تعتبرها مبالغة، وقد أراها جزءاً من رؤيتي للعالم، ماضيه وحاضره ومستقبله، الماضي الذي جاء منه تأبط شراً وفارس مذبحة القلعة، وحاضره الذي يقدم حكاية بيبو الشاب العالق في مستشفى الأمراض العقلية، ومستقبله الذي يقدمه في الفصل الأخير داخل لعبة تبدأ بـ restart، وتنتهي بـ shutdown. هذا العالم يقدم الواقع ممثلاً في قصة ميرفت عبد العزيز التي تشكو من عادية حياتها، ويقدم الأسطوري ممثلاً في قصة علاء الدين ومصباحه السحري وسنووايت، والخيالي ممثلاً في قصة بيبو الذي يتداخل في حياته الخيالي مع الفانتازي. وأعتقد أن كل هذا المستويات تشبهني، تشبه تفضيلاتي في القراءة ومشاهدة الأفلام والتفكير. ببساطة أنا أرى العالم هكذا.
الخيال الكبير في الرواية هل لأنك تأتي إليها من منطقة الشعر؟
هرباً من فخ السؤال سأقول لك، إن روايتي الأولى كانت واقعية تماماً، أعنى أنه لا توجد فيها أي فانتازيا أو خيال مفارق للواقعي المألوف، لكن هذه الرواية خيالية لأن شخصياتها تأتي من الشعر، لا لأني أنا من هذه المنطقة، بل كنت حريصاً طوال وقت كتابتها ألا تكون لغتها مغرقة في الشعرية، أردتها لغة بسيطة وواضحة وسلسة في الوقت ذاته، وبعيدة عن المجازات والتشبيهات الشعرية الثقيلة. ورغم ذلك بدت ميرفت عبد العزيز القادمة من عالم الشعر أكثر شخصيات الرواية عادية، وكانت تشكو معظم الوقت من رتابة حياتها حتى استطاعت أخيرا أن تطير وتتحرر من تلك العادية، ثمة سبب آخر هو أن هذه «شخصيات روائية»، بمعنى إذا كان لدينا «مؤلف» هو أحد أبطال الرواية، فهذه شخصياته أو «كائناته» الخيالية، والتي تبدو من تفضيلاته القرائية والفيلمية المشار إليها في هذا الفصل.
هل يمكن القول أن الرواية هي ألبوم صور وذكريات كل ما يخصك؟ الأصدقاء. الممثلات المفضلات. الروايات التي تحبها؟
هذا صحيح إلى حد كبير. هذه الرواية تشبهني، تشبه عالمي، تفضيلاتي في القراءة، الرواية مثلا مليئة بعشرات أسماء الأفلام والمسلسلات وهي من مشاهداتي الخاصة، كل شارع في هذه الرواية ذكرته مشيت فيه، وكل مقهى ـ وما أكثرها ـ ذكرته في الرواية شربت فيه شاياً، ببساطة يمكن القول :ن كل تفصيلة فانتازية في هذه الرواية لها ظلال من الحقيقة في عالمي سواء كان يمسني بشكل شخصي أم لا، حتى أن بعض مشاهد الرواية كانت أحلاماً كتبتها مثلما رأيتها تماماً.
تتحدث عن نفسك باعتبارك شاعراً دائماً، لكنك على فترات تفاجئنا بروايات. أصدرت رواية «أثر النبي» في 2010، و«عنكبوت في القلب» 2019. ما الذي يجعلك تنحرف إلى الرواية؟ ولماذا لا تعرِّف نفسك باعتبارك روائياً؟
أعتقد لأنني أحب الشعر، أو لأنني أعتبر الشعر هو منطقتي الآمنة، أو لأنني أعرف ما الذي أريد أن أفعله في الشعر أو لأن لديَّ مشروعاً ـ أو هكذا أزعم ـ يخص الشعر، بدأته منذ سنوات، وفي كل ديوان أحاول أن أضيف فيه شيئاً، أو لأن لديَّ تصوراً حول ما أريد فعله في الدواوين الثلاثة أو الأربعة القادمة لي، ليس كقصائد ولكن كأفكار، وهكذا ترى أن كل إجابتي تخص الشعر. أما الرواية ـ حتى بعد فوزي بجائزة أو ترشيحي لأخرى، فما زلت أعتبر نفسي ضيفاً عليها. وأتمنى أن يظل هذا الشعور داخلي لأنه يجعلني أكتب بوجل، وهذا الوجل يدفعني لمزيد من التدقيق والتمحيص وأظن أن هذا يصب في مصلحة النص في النهاية.
كيف توازن بين الشاعر والروائي بداخلك؟
الأمر لا يقاس بهذه الطريقة، لكنه يعتمد على الفكرة، إذا كانت لديّ فكرة رواية جيدة سأكتبها لكني سأتمهل، وإذا كانت لديّ فكرة قصيدة سأكتبها وسأتمهل أيضاً ألف مرة قبل نشرها. أعتقد أنهما عالمان منفصلان داخلي، وأسعى إلى عدم تماسهما، حتى يحتفظ كل طرف بروحه الخاصة، وفي النهاية لا أنشر لمجرد التواجد على الساحة، وإنما أنشر ما أظن أنه يرضيني كقارئ، رغم أنه بعد أشهر لن يرضيني، فأنا أتغير مثل الكتابة، التي تطرق بابي بأشكال مختلفة، وتجيء شعراً أو سرداً أو نصاً مفتوحاً. وأعتقد أن الأمر ليس معضلة كبيرة، ففي تاريخ الأدب الحديث هناك عشرات الكتاب كتبوا السرد والشعر وأحياناً المسرح مثل أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي والعقاد والمازني، وغيرهم. ولم يكن الأمر يوماً مثيرا للدهشة ولا للغرابة، فالمهم ما يقدمه النص سواء كان شعرا أو قصة.
ما تعريف الشعر ومن أين ينبع بالنسبة لك؟
أعتقد أنه ينبع من كل شيء، من كل تفاصيل الحياة حولي، من كيبورد الهاتف، من مقعد المقهى من النافذة نصف المفتوحة على الشارع، من بنسة في شعر تلميذة تجلس في الحافلة، من موظف يغطي رأسه الأصلع بجريدة ويهرول في الشارع تحت المطر، من موظف يخبئ شطيرة تحت أوراق المواطنين، من ضحكة طفل، من رقصة الرجال بالعصا في جنوب مصر، من إغماضة عين في غرفة العناية المركزة، من يد عجوز مرفوعة بالدعاء في ليل قارس البرد. كل تفصيلة أراها يمكنها في لحظة أن تتحول إلى ينبوع للشعر، لا أعرف متى ولا كيف، ولا ما الذي يحول العادي إلى مفارق ومدهش، لكنها يد الشعر العجيبة التي تمسني فأرى ما لم أره من قبل، وما لم يكن مسموحاً لي برؤيته لولاها.
متى بدأت الكتابة؟ وهل اكتشفت نفسك وأنت صغير في الشعر أم في الحكاية؟ ومن الشخص الذي شجعك على التوهج؟
بدأت الكتابة مبكرا، في سن العاشرة، كان ذلك بعد وفاة أمي. كانت القصيدة بمثابة عريضة احتجاج وحيدة أملكها. كنت في الصف الرابع الابتدائي حينما كتبت القصيدة في ورقة فلوسكاب، وأذكر أن مدرسة اللغة العربية، شجعتني كثيراً، وكذلك خالي، فقد حرص على شراء المجلات والكتب لي، بالإضافة إلى أن مكتبته التراثية قد لعبت دوراً كبيراً في تثقيفي ففيها قرأت أمهات الكتب. وفي المرحلة الإعدادية تعرفت على أستاذي الشاعر بهاء الدين رمضان الذي فتح لي الطريق واسعاً للاطلاع على أشكال مختلفة من الشعر وتثقيفي أدبياً. الحقيقة أنه لولاه ولولا مساعدته التي استمرت لسنوات طوال لما كنت هنا. طبعاً جربت كتابة الشعر والرواية والقصة والمسرح وكل أشكال الكتابة، قبل أن أستقر على الشعر في النهاية، وقد جربت كل أشكاله العمودي والتفعيلي والنثر. ورغم ذلك فزت بجائزة يحيى حقي في الرواية من المجلس الأعلى للثقافة عندما كنت طالباً في الجامعة، ولم أعد إلى الرواية إلا بعد حوالي 7 سنوات حين أصدرت روايتي الأولى «أثر النبي» بعد أربعة دواوين.
هل أنت مهتم بتصنيف أعمالك وفق جيل معين. وما جيلك؟
أعتقد أن النقاد هم من يمكنهم إجابة هذا السؤال، لكني شخصياً لست مهتماً بفكرة التصنيف لأن كل شخص في جيلي ـ أو ما يفترض أن يكون كذلك ـ يكتب بطريقته وبأسلوبه ويكتب همه الخاص، لكني طبعاً سعيد بأصدقائي الذين بدأنا معا الكتابة في الوقت نفسه، وسأكون فخوراً إذا تم تصنيف اسمي معهم ضمن جيل واحد.
ما الأعمال التي أثرت في وجدانك ولماذا؟
تأثرت كثيراً بالتراث العربي، وربما يعود هذا إلى كوني أزهرياً، حفظت القرآن الكريم كاملاً في طفولتي وتعلمت النحو من شرح ابن عقيل وألفية ابن مالك وشذور الذهب وقطر الندى وبلّ الصدى، وحفظت المتنبي وأبا فراس الحمداني وعنترة بن شداد وأبانواس، وفي السرد تربيت على السير الشعبية ـ ربما لأنني ولدت في الصعيد ـ فقرأت صغيراً سيرة ذات الهمة، والزير سالم والظاهر بيبرس وأبوزيد الهلالي وغيرهم، بالإضافة إلى مئات الأغنيات الشعبية للرواة المجهولين. أنا ممتن جداً لهذا التراث الذي يجب على كل كاتب أن يبدأ به قبل أن يمضي للأمام. نتحدث كثيراً عن التراث العالمي ونتجاهل دائماً هذا التراث العربي والشعبي المذهل سواء في الشعر أو النثر.
هل ترى ترى أنك حصلت على حقك من النقد؟
لا يوجد نقد حتى أرى أنني حصلت على حقي فيه. وهذا الأمر ليس متعلقاً بي فقط، بل بكل الكتابة العربية. يمكن عد عدد النقاد المصريين على أصابع اليدين، وهؤلاء لهم كل الشكر طبعاً أنهم يحاولون تقديم جهدهم. لكن لا يوجد جيل من النقاد يمكنه مواكبة الحركة الإبداعية الموجودة سواء كانت شعراً أم رواية، هناك عشرات المبدعين الذين يقدمون «قراءات نقدية»، وهناك قراء يقدمون «مراجعات» وهناك نشطاء على يوتيوب يقدمون «ريفيوهات»، لكن لا يوجد نقاد يقدمون نقداً إلا بشكل محدود جداً، وربما تكون الرواية أكثر حظاً من الشعر، ربما لأنها «أسهل»، وأعتقد أن حل هذه المشكلة يبدأ من الجامعات التي ما زالت تنظر إلى قصيدة النثر باعتبارها هرطقة، وإلى الأجيال الذين كتبوا الرواية بعد نجيب محفوظ باعتبارهم «كتاباً شباباً»، رغم أن بعضهم شيوخ في نهايات أعمارهم، أو فارقوا الحياة من زمن.
ما ملاحظاتك على الحركة الأدبية المصرية ولماذا تبدو متواريا عن الأنظار طوال الوقت مع أنك تدير موقعاً ثقافياً هو «الكتابة» وتتعامل مع المشتغلين بالأدب والنقد؟
موقع الكتابة يديره من يكتب فيه، وليس لي فضل في ذلك، والوقت الذي أقضيه في الموقع أعتبره خدمة للثقافة. وأعتقد أنه إذا كان بإمكان أي كاتب أن يقدم شيئاً للثقافة والكتابة فليفعل، وهذا دور المثقف العضوي كما أفهمه. ولست متواريا عن الأنظار لكني لست مشغولاً بالدخول في صراعات جانبية أو تتبع نميمة عن شخص هنا أو هناك، أو الجلوس على المقاهي الثقافية دون فعل أي شيء سوى شرب القهوة والاستماع إلى فيروز. كل ما أريده هو أن أكتب، ولا أريد أكثر من ذلك، سواء نشرت ما أكتبه أم لا، ولا أعتقد أن أياً مما ذكرته سابقه سيساعدني فيما أريد أن أفعله.
ما تأثير نشأتك في محافظة «سوهاج» في صعيد مصر عليك كإنسان وكاتب؟
أدين لتلك النشأة بالكثير من صفاتي، يقال إن سوهاج هي المحافظة التي تتوسط الصعيد، وهي التي تتوسط مصر أيضاً (من القاهرة إلى أسوان)، لذا يتصف أهلها بأنهم وسطيون، وأرجو أن أكون كذلك. ورغم أنني منذ حوالي ربع قرن أعيش في القاهرة والمدينة وسافرت خارج مصر إلا أنني ما زلت أراني في القرية التي نشأت فيها، بين زرعها وبالقرب من نيلها وجبالها. وأشعر أن هذه الصورة هي حائط الأمان دائماً بالنسبة لي الذي أتمسك به في كل لحظاتي الجسام حتى لا أسقط.
ما الصفة التي تعبر بشكل واقعي عنك ولماذا؟
العزلة، ربما لأنني أفضل أن أكون وحدي بين كتبي وأوراقي وأقلامي على أي شيء آخر.
وما خططك للسنوات المقبلة؟
بالنسبة لي ألا أتوقف عن الكتابة، بالنسبة لموقع الكتابة لديّ حلم طويل منذ بدأته قبل 15 عاما، أن يتحول إلى مؤسسة ثقافية ترعى الموهوبين وتقدمهم للقارئ تضم دارا للنشر وجائزة كبيرة وقناة فضائية وإذاعة ثقافية وأحلام أخرى كثيرة لا زالت تنتظر التحقق.