ثقافة

«العمانية للكتاب والأدباء» بظفار تناقش العلاقات والروابط العريقة بين ظفار وصور

 
كتبت - خلود الفزارية

نظمت الجمعية العمانية للأدباء والكتاب فرع محافظة ظفار أمسية ثقافية عبر منصاتها الإلكترونية تناولت العلاقة والروابط بين صور وظفار قدمها الشيخ حمود بن جويد الغيلاني، وأدار الحوار سهيل بن محمد العوائد.

وفي البدء أشار الغيلاني إلى أن محافظة ظفار تقع أقصى جنوب سلطنة عمان، وتقسم إلى ثلاثة نطاقات مناخية محلية، وهي: السهل الساحلي لظفار حيث تقدر مساحته بمائتين وستين كيلومترًا مربعًا، وهو سهل ساحلي خصب ذو مياه جوفية عذبة عالية الجودة يمتد من منطقة ريسوت غرب مدينة صلالة إلى الأطراف الغربية لمدينة طاقة، والنطاق الثاني هو جبال ظفار وتحديدًا المنطقة المتأثرة بالرياح الموسمية، وتتكون جبال ظفار الأولى من جهة الشرق من كتلة جبل سمحان والتي تحتضن ولايتي سدح ومرباط، والكتلة الثانية هي كتلة جبال القرا، حيث تطل على ولايتي طاقة وصلالة، والكتلة الثالثة هي كتلة جبل القمر التي تحتضن ولايتي رخيوت وضلكوت، وبالنسبة إلى موقع وشكل جبال ظفار فإنها متصلة ممتدة من الشرق إلى الغرب في مواجهة بحر العرب، حيث يتجاور الجبل مع البحر في مناطق جبل القمر، ويفصل بينهما سهل صلالة في كتلة الوسط ويعود الجبل ليجاور البحر مرة أخرى في أقصى شرق كتلة جبل سمحان، ومستوى ارتفاعات الجبال تتراوح بجبل سمحان إلى ألفي متر، ويصل الارتفاع في جبل القرا إلى ألف متر، وفي جبل القمر إلى ألف وسبعمائة متر في أقصى ارتفاع.

وهذه الجبال تعتبر ذات أهمية قصوى لربابنة السفن من أبناء المحافظة وولاية صور، فهي مناتخ وعلامات ثابتة يستدل بها الربابنة وهم في عرض البحر وعلى مسافات بعيدة.

واستعرض الغيلاني خريطة محافظة ظفار بما تشتمل عليه من جغرافيا مما أثر على مسارها التاريخي العريق الذي برز من خلال الدراسات والحفريات والآثار واللقى الأثرية التي وجدت في المحافظة وتدل على النشاط السكاني الكبير عبر المسار التاريخي لهذا الجزء من سلطنة عمان.

أما ولاية صور فأشار الغيلاني إلى أنها تقع في أقصى محافظة الشرقية من سلطنة عمان وهي مركزها الإقليمي وتبعد حوالي مائة وخمسين كيلومترا جنوب شرق محافظة مسقط، وهي تجمع بين بحر عمان وبحر العرب، وهي بوابة الانتقال ما بين البحرين والتواصل ما بين شمال وجنوب عمان، أما عن طبيعتها الجغرافية فتحوي العديد من المرتفعات الجبلية التي يستدل بها نواخذة السفن مثل جبل كمس وبني جابر ومرتفعات الحجر الشرقي التي تعتبر معالم بارزة في الولاية، وتعتبر مناتخ وعلامات يستدل بها الربابنة وهم في عرض البحر.

واستدل الغيلاني بالسفن القادمة من الهند إلى شرق عمان التي تستدل في منتصف البحر برؤوس الجبال التي تتميز في الحجر الشرقي من جبل كمس وبني جابر فيستدل بها من العلامات بمسافات اليوم واليومين عن الوصول فيكون التوجه من خلال المسيرة.

وبالنسبة للطبيعة الجغرافية لولاية صور يوضح الغيلاني أنها ممتدة من نيابة رأس الحد آخر بقعة عربية يابسة في الشرق إلى نيابة طيوي بالشمال الغربي متجهة إلى الداخل بطبيعة جبلية لتمتد لجبال الحجر الشرقي، كما أنها الولاية العمانية الوحيدة التي تتميز بوقوعها بين بحرين ولكل من البحرين ميزاته المناخية مما أسهم في تنوع الرياح فضلا عن وجود خيران تعتبر مرافئ طبيعية في هذا الجزء من عمان بالرغم من أن مدخل خور جراما المتعرج والضيق إلا أن مياهه عميقة يصل بنا إلى بحيرة واسعة تعتبر ملجأ آمنا من الرياح والأمواج، ناهيك من أنه يخلو من الشعب المرجانية ويحتوي على الماء العذب، وتحتوي الولاية أيضا على خور البطح وهو أشهرها من حيث اعتباره ميناء صور الرئيسي، مبينًا أن جزءًا كبيًرا منها يمثل شبه جزيرة كسهل رملي يبدأ من مدخله بين رأسي القاد والميل بعرض يصل تقريبا إلى ألف ومائتي مترًا ليضيق بعد ذلك عند البطح حتى لا يتجاوز عرضه مائة متر ليتسع بعدها من جهة الرشة والسط فالمصفية ليقابل الجهة الأخرى السكيكرة وجبل أبي الأدهم.

ويوضح الغيلاني أن أبناء محافظة ظفار وولاية صور اشتركوا بممارسة النشاط البحري منذ القدم، وتشير الكثير من الدراسات والبحوث والكتب التاريخية إلى النشاط البحري في مدن صور، ورأس الحد، ورأس الجنز، وقلهات، وطيوي، وسمهرم، ومرباط، وصلالة، وطاقة، وسدح، وحاسك، وريسوت، وخرفوت، والفزايح.

بعدها استعرض المتحدث عددًا من الصور التي تمثل طبيعة صور الجغرافية ما قبل القرن الرابع عشر الميلادي، كما قابلها بعدد من الصور القديمة للموانئ بمحافظة ظفار.

وعن العلاقات والروابط التي تجمع المنطقتين أوضح الغيلاني أن التواصل والترابط الأسري بين مدن محافظة ظفار ومدينة صور شمل هجرات للسكن والعيش، وحالات عديدة من الزواج والمصاهرة، مما وثق من عرى الأخوة والمحبة والتأقلم بينهم، كما أن وجود أسرة صورية تعود في جذورها إلى محافظة ظفار هو حدث قائم حتى اليوم، ومن الأسر التي استقرت في صور: أسرة البيتي، وأسرة باعمر، وأسرة الشهاب وأسرة باعلوي، فضلا عن الهجرات القديمة في منتصف القرن الثالث عشر الهجري للسيد أحمد بن شيخ الذهب باعبود من صلالة واستقر بصور، ومنهم أبناؤه المعروفون هناك وبعضهم متواجدون في صلالة.

مضيفا أنه وفي المقابل كان هناك عدد من الأسر الصورية التي استقرت في مدن محافظة ظفار وهم أسر: محمد بن مسلم العلوي، وسالم بن مبارك الغيلاني، وراشد بن كليب الصوري، وسالم الحاوي العلوي، وأحمد بن خميس السراي العلوي، وصالح بن نقي الصوري، وناصر بن سيف المخيني، ومبارك بن سليم ود حريز العريمي، وأخوه مسلم العريمي، وعبدالله بن سالم ود عيسى الفارسي، ومحمد بن خاطر العلوي، ومبارك بن سالم المخيني، وعبدالله بن مبارك ود غنية العريمي، والصائغ إسماعيل بن محمد العريمي، والصائغ صالح بن إسماعيل الفارسي، وقد تزوجوا من عدة مدن من ظفار وأحدها مرباط وقد استقر بعضهم وعادت بعض الأسر، وقد تلاحق هذا الارتباط مع مرور السنين. ويتابع الغيلاني أن التأثير امتد ليشمل التقاليد فالتواصل والترابط الأسري نتجت عنه تداخلات في العادات والتقاليد، وكان الكثير من كبار السن في مرباط يتقنون اللهجة الصورية نتيجة المصاهرات والشراكات التجارية، وكان الشعر الصوري حاضرا في الثقافة المرباطية وكذلك بعض الفنون الصورية مثل العازي، إضافة إلى الملابس الصورية كالدشداشة الصورية والسباعية و«المصر» والإزار الصوري والخنجر الصوري من علامات الأناقة والفخامة في مرباط، وكان التجار والوجهاء يتزينون بالملابس والخناجر الصورية، مضيفًا إنه من نتائج التداخل المجتمعي في الأطعمة والمأكولات، إد كان لانتقال عدد من الأسر الصورية وسكنها في مرباط انتقال أنواع من الأطعمة من المطبخ الصوري إلى المطبخ المرباطي مثل: «المطفاي»، و«الخمباشية»، و«العرسية»، و«الخبيصة». ويبين الغيلاني أن النشاط التجاري نشط في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر فنشأت العلاقات التجارية بين المنطقتين ومن ملامح هذه العلاقات امتلاك السفن الصورية كسفينة البوم للتاجر عبدالله الحبشي، وسفينة الحكلية للتاجر حسن العمري، وأغلب سفن أهل مرباط مشتراة من تجار أهل صور. ورصد الغيلاني عددًا من الوثائق التي توثق العلاقات والأنشطة التجارية وتمثل خطًا زمنيًا طويلًا من العلاقات التجارية والأسرية والاجتماعية. وفي الجانب الأدبي والفني تناول الكثير من شعراء محافظة ظفار تغنوا في أشعارهم بمدينة صور، وفي المقابل تغنى العديد من شعراء صور بظفار، مستشهدًا ببعض القصائد التي طرحها الشعراء، أما الفنون فذكر الغيلاني بعض الفنون التي تبادلها أبناء المنطقتين كفن المديمة، وفن البرعة وفن الشرح وفن الماشوة بالإضافة إلى الفنون المؤداة في السفن أثناء الإبحار والإنزال. وذكر الغيلاني في حديثه عددًا من الشخصيات الشهيرة التي برزت في محافظة ظفار وولاية صور وتنقلوا بينهما، وأخيرًا استشهد بعدد من المعالم الأثرية، وعرض عددًا من الصور أوضحت أوجه التأثر في البناء والتشييد بين المنطقتين.