«المدن الذكية» خيال علمي أم ضرورة وواقع نعايشه؟
الخميس / 15 / رجب / 1443 هـ - 09:43 - الخميس 17 فبراير 2022 09:43
قد يتراءى لمخيلة من يسمع مصطلح «المدن الذكية» للمرة الأولى صورة لمركبات تطفو بين بنايات شاهقة، ورجال آليون ينظمون السير، وغيرها من مشاهد تعرضها لنا عادة أفلام الخيال العلمي حول تصوراتها للمستقبل. إلا أن ليلى بنت عبدالله الحضرمية مديرة تطوير المدن الذكية بالمركز الوطني للطاقة أوضحت في لقاء لـ«عمان» أن مفهوم المدن الذكية هو أبسط من ذلك بكثير وأنه أقرب للواقع مما نتوقع، حيث إنه يتمثل في تسخير التقنيات الحديثة وإنترنت الأشياء في إيجاد حلول للتحديات التي يواجهها الأفراد، وهو ما يعمل عليه المركز من خلال توريد عدادات الطاقة الذكية وأجهزة لرصد التلوث وأتمتمة بعض الأعمال التي تعرض ممارسيها للخطر بهدف تطبيقها على نطاق أوسع في سلطنة عمان خلال السنوات القادمة.
وقالت الحضرمية إنه ما زال هناك سوء فهم في ترجمة هذا المصطلح الذي ظهر في الستينيات من القرن الماضي عندما بدأت تظهر العديد من التحديات والمشاكل في المدن العالمية الكبيرة مثل: شنغهاي وطوكيو ولوس أنجلوس ومكسيكو سيتي وغيرها، وتمثلت في استهلاك الطاقة وزيادة التلوث وتحديات صحية وبيئية أثرت على حياة سكان هذه المدن. وأن الهدف من ظهور هذا المصطلح هو إيجاد حلول لهذه التحديات ومحاولة تطوير الخدمات لتجويد جودة حياة السكان
ماذا نحتاج في المرحلة الحالية لتحقيق هذا المفهوم لواقع ملموس؟
أولًا: أرى أنه من المهم تبني المدن الذكية كمشروع وطني، توحد فيه الرؤى والجهود بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمجتمع ككل، من ثم لابد أن تكون هناك مظلة واحدة لإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالمدن الذكية التي تسمح بإدخال التقنيات المرتبطة بها، وألا تجزأ على جهات عديدة قد تتعارض فيما بينها، كما يجب على هذه القوانين وخاصة تلك المرتبطة بالتقنيات أن تُحدث بشكل مستمر لاحتواء التغيرات المتسارعة.
كما أنه من المهم في بناء المدن الذكية أن يتم تعزيز المحافظات، وإعطاء المحافظين كافة الصلاحيات التي تسمح لهم بجذب الاستثمارات وتنمية محافظاتهم بالطريقة الأمثل لهم، حيث إن المدن الذكية في حقيقتها تُبنى حول الإنسان واحتياجاته، ولكل محافظة ومنطقة في سلطنة عمان، كما نعرف شخصيتها المتفردة، وقبل تحديد أوجه التطوير في تلك المحافظات يجب معرفة تحديات واحتياجات ساكنيها، ففي نزوى والولايات المجاورة لها على سبيل المثال تنتشر ظاهرة قيادة الدراجات الهوائية والنارية، فإذا علمنا أن هناك فئات مختلفة تستخدم هذه الوسيلة للتنقل في أنحاء نزوى، فهذا المؤشر مرتبط بمعيار «النقل الذكي» ومن الممكن تنفيذه بسهولة من خلال تخطيط وتحديد مسار خاص للدراجات لضمان سلامة وأمن قائدي الدراجات، كما تم تطبيقه في العديد من المدن العالمية، من ثم يمكن توفير محطة سكوتر (دراجات كهربائية) صديقة للبيئة، التي ستساعد على التقليل من استخدام الدراجات النارية. كما ستساعد أيضًا على الترويج للسياحة في نزوى.
ويمكن أن نبدأ بتطبيق مفاهيم وتقنيات المدن الذكية من خلال ملاحظتنا للتحديات من حولنا، وهو الأمر الذي نعمل عليه في المركز من خلال قسم خاص بتطوير المدن، والذي يضم فرقًا تقوم بالتفكير بشكل مستمر حول التحديات التي تواجهنا في سلطنة عمان، ومن ثم النظر إلى الحلول والفرص التي يمكن أن تقدمها التقنية لمعالجتها، فعلى سبيل المثال، خلال أزمة انتشار فيروس كورونا شهدنا تعطل في المصانع نتيجة الإجراءات المتبعة لحفظ سلامة العمال، ومن هنا جاءت فكرة المركز في أتمتة بعض الأعمال وإدخال الآلة لمعالجة هذا التحدي.
أين يكمن دور القطاع الخاص في ذلك؟
إن القطاع الخاص هو أكبر محرك للاستثمار في المدن الذكية، ولعل المركز الوطني للطاقة خير مثال على ذلك من خلال تجربته الناجحة في توريد تقنيات حديثة لسلطنة عمان والتي مكنته لاحقًا من تحقيق شراكة ناجحة مع القطاع الحكومي. ومن المعروف عالميًا أن الحكومات قد لا تُقبِل للاستثمار في التقنية وأن ذلك يتم من خلال القطاع الخاص. وأرى أننا في عُمان نملك كفاءات ومهارات متميزة في التقنية التي يمكن تعزيزها وتوجيهها للبدء بأعمال حرة، وهو ما يعمل عليه المركز من خلال إطلاقه لمبادرة «منصة الابتكارات الذكية» التي تحث الشباب والمشاركين فيها على تحليل التحديات الواقعية التي نشهدها واقتراح أفضل الحلول الممكنة لها.
هل يعد استخدام عدادات الطاقة والمياه الذكية بداية التحول للمدن الذكية؟
يتركز مفهوم المدن الذكية في إيجاد حلول ذكية للتحديات التي يواجهها المجتمع أو سكان منطقة أو مدينة بعينها بهدف توفير بيئة آمنة وصحية ومستدامة، وقد تكون الحلول هذه بسيطة كتوفير كاميرات المراقبة والإضاءات كمتطلبات أساسية للأمان، أو تمتد لتشمل أجهزة وتقنيات تراقب هدر الطاقة أو زيادة مستوى التلوث وأتمتة الآلات.
وقد جاء حل «العدادات الذكية» الذي بدأ به المركز الوطني للطاقة من خلال تقديمه حلًا شاملًا لـ300 ألف من حلول إنترنت الأشياء لعدادات المياه وتوريد أكثر من 100 ألف عداد كهرباء، وإدارة 12.7 مليون قراءة لعدادات الطاقة، و6.5 مليون قراءة لعدادات المياه الذكية، بناءً على تحديات التمسناها على أرض الواقع، حيث كان المواطنون يشتكون من الأخطاء في الفواتير، ويشتكون من أن الأرقام التي تتضمنها تلك الفواتير لا تعكس استهلاكهم الفعلي، خاصة عند اللجوء للقراءات التقديرية في حال صعب على مندوبي الشركات دخول منازل بعض المستخدمين وقراءة عداداتهم. وبهدف تقليل الأخطاء البشرية ولإعطاء بيانات محدثة ودقيقة للاستهلاك كانت العدادات الذكية هي الحل الأنسب، خاصة وأنها تمكن المستخدمين أنفسهم من مراقبة استهلاكهم ومعرفة إذا ما كان هناك تسريب أو خطأ ما على الفور.
إلى أي مدى يمكننا الوثوق بالتقنية؟
نضع في المركز الوطني للطاقة سلامة البيانات في مقدمة أولوياتنا، فلا يخفى على أحد أنه كلما تطورت التقنية، تطورت معها أساليب القرصنة، لذا فإننا نعمل جاهدين على تأمين أجهزتنا ضد أي اختراقات، ونتخذ أفضل التدابير للوقاية منها.
وقالت الحضرمية إنه ما زال هناك سوء فهم في ترجمة هذا المصطلح الذي ظهر في الستينيات من القرن الماضي عندما بدأت تظهر العديد من التحديات والمشاكل في المدن العالمية الكبيرة مثل: شنغهاي وطوكيو ولوس أنجلوس ومكسيكو سيتي وغيرها، وتمثلت في استهلاك الطاقة وزيادة التلوث وتحديات صحية وبيئية أثرت على حياة سكان هذه المدن. وأن الهدف من ظهور هذا المصطلح هو إيجاد حلول لهذه التحديات ومحاولة تطوير الخدمات لتجويد جودة حياة السكان
ماذا نحتاج في المرحلة الحالية لتحقيق هذا المفهوم لواقع ملموس؟
أولًا: أرى أنه من المهم تبني المدن الذكية كمشروع وطني، توحد فيه الرؤى والجهود بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمجتمع ككل، من ثم لابد أن تكون هناك مظلة واحدة لإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالمدن الذكية التي تسمح بإدخال التقنيات المرتبطة بها، وألا تجزأ على جهات عديدة قد تتعارض فيما بينها، كما يجب على هذه القوانين وخاصة تلك المرتبطة بالتقنيات أن تُحدث بشكل مستمر لاحتواء التغيرات المتسارعة.
كما أنه من المهم في بناء المدن الذكية أن يتم تعزيز المحافظات، وإعطاء المحافظين كافة الصلاحيات التي تسمح لهم بجذب الاستثمارات وتنمية محافظاتهم بالطريقة الأمثل لهم، حيث إن المدن الذكية في حقيقتها تُبنى حول الإنسان واحتياجاته، ولكل محافظة ومنطقة في سلطنة عمان، كما نعرف شخصيتها المتفردة، وقبل تحديد أوجه التطوير في تلك المحافظات يجب معرفة تحديات واحتياجات ساكنيها، ففي نزوى والولايات المجاورة لها على سبيل المثال تنتشر ظاهرة قيادة الدراجات الهوائية والنارية، فإذا علمنا أن هناك فئات مختلفة تستخدم هذه الوسيلة للتنقل في أنحاء نزوى، فهذا المؤشر مرتبط بمعيار «النقل الذكي» ومن الممكن تنفيذه بسهولة من خلال تخطيط وتحديد مسار خاص للدراجات لضمان سلامة وأمن قائدي الدراجات، كما تم تطبيقه في العديد من المدن العالمية، من ثم يمكن توفير محطة سكوتر (دراجات كهربائية) صديقة للبيئة، التي ستساعد على التقليل من استخدام الدراجات النارية. كما ستساعد أيضًا على الترويج للسياحة في نزوى.
ويمكن أن نبدأ بتطبيق مفاهيم وتقنيات المدن الذكية من خلال ملاحظتنا للتحديات من حولنا، وهو الأمر الذي نعمل عليه في المركز من خلال قسم خاص بتطوير المدن، والذي يضم فرقًا تقوم بالتفكير بشكل مستمر حول التحديات التي تواجهنا في سلطنة عمان، ومن ثم النظر إلى الحلول والفرص التي يمكن أن تقدمها التقنية لمعالجتها، فعلى سبيل المثال، خلال أزمة انتشار فيروس كورونا شهدنا تعطل في المصانع نتيجة الإجراءات المتبعة لحفظ سلامة العمال، ومن هنا جاءت فكرة المركز في أتمتة بعض الأعمال وإدخال الآلة لمعالجة هذا التحدي.
أين يكمن دور القطاع الخاص في ذلك؟
إن القطاع الخاص هو أكبر محرك للاستثمار في المدن الذكية، ولعل المركز الوطني للطاقة خير مثال على ذلك من خلال تجربته الناجحة في توريد تقنيات حديثة لسلطنة عمان والتي مكنته لاحقًا من تحقيق شراكة ناجحة مع القطاع الحكومي. ومن المعروف عالميًا أن الحكومات قد لا تُقبِل للاستثمار في التقنية وأن ذلك يتم من خلال القطاع الخاص. وأرى أننا في عُمان نملك كفاءات ومهارات متميزة في التقنية التي يمكن تعزيزها وتوجيهها للبدء بأعمال حرة، وهو ما يعمل عليه المركز من خلال إطلاقه لمبادرة «منصة الابتكارات الذكية» التي تحث الشباب والمشاركين فيها على تحليل التحديات الواقعية التي نشهدها واقتراح أفضل الحلول الممكنة لها.
هل يعد استخدام عدادات الطاقة والمياه الذكية بداية التحول للمدن الذكية؟
يتركز مفهوم المدن الذكية في إيجاد حلول ذكية للتحديات التي يواجهها المجتمع أو سكان منطقة أو مدينة بعينها بهدف توفير بيئة آمنة وصحية ومستدامة، وقد تكون الحلول هذه بسيطة كتوفير كاميرات المراقبة والإضاءات كمتطلبات أساسية للأمان، أو تمتد لتشمل أجهزة وتقنيات تراقب هدر الطاقة أو زيادة مستوى التلوث وأتمتة الآلات.
وقد جاء حل «العدادات الذكية» الذي بدأ به المركز الوطني للطاقة من خلال تقديمه حلًا شاملًا لـ300 ألف من حلول إنترنت الأشياء لعدادات المياه وتوريد أكثر من 100 ألف عداد كهرباء، وإدارة 12.7 مليون قراءة لعدادات الطاقة، و6.5 مليون قراءة لعدادات المياه الذكية، بناءً على تحديات التمسناها على أرض الواقع، حيث كان المواطنون يشتكون من الأخطاء في الفواتير، ويشتكون من أن الأرقام التي تتضمنها تلك الفواتير لا تعكس استهلاكهم الفعلي، خاصة عند اللجوء للقراءات التقديرية في حال صعب على مندوبي الشركات دخول منازل بعض المستخدمين وقراءة عداداتهم. وبهدف تقليل الأخطاء البشرية ولإعطاء بيانات محدثة ودقيقة للاستهلاك كانت العدادات الذكية هي الحل الأنسب، خاصة وأنها تمكن المستخدمين أنفسهم من مراقبة استهلاكهم ومعرفة إذا ما كان هناك تسريب أو خطأ ما على الفور.
إلى أي مدى يمكننا الوثوق بالتقنية؟
نضع في المركز الوطني للطاقة سلامة البيانات في مقدمة أولوياتنا، فلا يخفى على أحد أنه كلما تطورت التقنية، تطورت معها أساليب القرصنة، لذا فإننا نعمل جاهدين على تأمين أجهزتنا ضد أي اختراقات، ونتخذ أفضل التدابير للوقاية منها.