التعليم من أجل التنمية المستدامة
السبت / 10 / رجب / 1443 هـ - 20:16 - السبت 12 فبراير 2022 20:16
عنوان هذا المقال كان عنوانا لتقرير الشركاء الرئيسيين في برنامج العمل العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم (اليونسكو) للأعوام (2015-2019)، وهي المرحلة الأولى من تنفيذ هذا البرنامج المعني بشأن (التعليم من أجل التنمية المستدامة لعام 2030)، والذي يهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ حيث أطلقت اليونسكو (خارطة الطريق) لتنفيذه وفق رؤية مستقبلية طموحة.
يوصي هذا التقرير بالربط بين المحلي والعالمي، وتهيئة بيئة السياسات التعليمية المواتية التي تُسهم في تطوير التعليم وتوفير الموارد، وبناء القدرات بما يحقق أهداف الألفية، إضافة إلى الوصول إلى الشباب لتشجيعهم وتمكينهم من العمل في مجال التعليم وإتاحة الفرص لهم للتفكير النقدي، والتعلم المتبادل، والتفاعل مع احتياجاتهم المتغيرة. وعلى الرغم من أن هذا التقرير جاء قبل تفشي جائحة كورونا كوفيد19، إلاَّ أنه قدَّم مجموعة من الإشكالات والتحديات التي واجهت التعليم عامة والتعليم العالي خاصة في تنفيذ هذا البرنامج التنموي؛ فمن خلال ما عرضه الشركاء الرئيسيون في البرنامج والناشطون في (151) دولة حول العالم، يمكن أن نرى مدى إمكانية تحويل بيئات العمل والتدريب، من خلال إدماج مبادئ الاستدامة في سياقات التعليم والتدريب، بما يدعم سياسات التعليم وسياسات الاستدامة، وبالتالي تمكين التعليم وتحقيق التغير الشامل.
إن التحديات التي قدمها هذا التقرير لا تعتمد على مدى دعم تمكين التعليم فقط، بل تحويله إلى بيئة قادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال إحداث مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي أصبحت أكثر إلحاحا بعد تفشي الجائحة أي بعد الفترة التي شملها تقرير اليونسكو هذا؛ حيث تغيَّرت الكثير من المرتكزات، وتفاقمت العديد من المشكلات التي أدت إلى القلق من عدم القدرة على تحقيق وعود 2030، وبالتالي فإن مؤسسات التعليم العالي يُنظر إليها اليوم باعتبارها عمق المجتمع الذي يُعوَّل عليه لتحقيق الأهداف التنموي المستقبلية.
لقد أصدرت اليونكسو قبل أيام قليلة تقرير فريق الخبراء المستقلين المعني بالجامعات وخطة التنمية المستدامة 2030 بعنوان (الإجراءات التي تحركها المعرفة. تحويل التعليم العالي من أجل الاستدامة العالمية)؛ حيث ناقش الحاجة إلى التحرُّك نحو الأنماط متعددة التخصصات لإنتاج المعرفة ونشرها، وحتمية أن تصبح المؤسسات مفتوحة، وتعزيز الحوار المعرفي وتكامل طرق المعرفة المتنوعة، إضافة إلى المطالبة بحضور أقوى في المجتمع من خلال المشاركة الاستباقية والشراكة مع الفاعلين المجتمعيين الآخرين.
إن التحويل الذي يناقشه التقرير ينطلق من تلك التحديات التي فاقمتها جائحة كوفيد19، ووسَّعت من دائرتها وعلى رأسها (عدم المساواة)، و(تعريض مستقبلنا المشترك للخطر)، والتي تحتاج إلى تحوُّل جذري وسريع، ولأن مؤسسات التعليم العالي تعتمد على المعرفة الجديدة والبحوث والكفاءات، فإنها القادرة على تحقيق ذلك التحوُّل؛ فالجامعات لها دور تاريخي في التنمية المعرفية والمساهمة في تحقيق الأهداف التنموية، وبالتالي قدرتها على الانفتاح المعرفي، وتقوية حضورها في المجتمع من خلال الوعي والتواصل والشراكات، حتى تصبح (الاستدامة ممارسة أساسية وهدفا لمؤسسات التعليم العالي) – حسب التقرير -.
ولأن مؤسسات التعليم العالي نشأت باعتبارها مؤسسات نخبوية تستنير بالعلم والمعرفة، فإنها أيضا أدوات تنموية تهدف إلى الريادة المعرفية القادرة على إحداث تغيرات إيجابية في المجتمع والطبيعة، بما يحقق الأهداف الوطنية والعالمية، لمجتمعات أكثر فاعلية ودينامية في تعزيز روابطها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال مجموعة من الشراكات التي تقوم بتطويرها ورعايتها ، ولهذا فإن دورها المعرفي لا يُقاس بمجموع طلابها، ولا بمدى قدرتهم التعليمية، بقدر ما يُقاس بالإمكانات المعرفية التي تؤسسها مساهمتها الفاعلة في تحقيق الأهداف التنموية.
تُوصف مؤسسات قطاع التعليم العالي بأنها تنموية شريكة للمجتمع، تعتمد على إمكاناتها العلمية والبحثية والبشرية، من أجل تعزيز هذه الشراكة من ناحية، وتفعيلها من خلال مجموعة من الأهداف من ناحية أخرى، ولهذا فإن تقرير اليونسكو الأخير يعتمد على الهدف التنموي الرابع من أهداف التنمية المستدامة (التعليم الجيد)، من أجل تسخير وظائف قطاع التعليم العالي (إنتاج المعرفة، واكتسابها، ونشرها) لدعم أهداف التنمية المستدامة، بحيث يكون هذا القطاع جوهر التنمية المجتمعية المستدامة، الذي يُعوَّل عليه تحقيق تلك الأهداف.
فمؤسسات التعليم العالي من خلال شراكاتها المجتمعية الوطنية والإقليمية والعالمية تعمل على التركيز على إنتاج المعرفة ونشرها عبر منصات مفتوحة بفضل التطور التكنولوجي والتقني، إضافة إلى تسريع اكتساب المعرفة بين أفراد المجتمع، وتنمية الموارد التعليمية المختلفة، وتطوير البُنى التحتية المتنامية للتعليم سواء أكان التعليم المباشر أو التعليم عن بُعد أو المدمج. ذلك كله يؤسس لبناء شراكات تنموية بين مؤسسات التعليم العالي والمجتمع المحلي والعالمي، وبالتالي دعم تطوير المعارف والمشاركة الفاعلة في تنمية مهارات أفراد المجتمع، والمساهمة في تطوير المجالات التنموية.
ولعل من اللافت أن اليونسكو عندما استعرضت (الإجراءات التي تحرِّكها المعرفة) توقفت عند (التعليم العالي وأسواق العمل الماهرة)، انطلاقا من إشكالات المبادئ الاقتصادي (النيوليبرالية) التي تزايدت حدتها مع الأزمة الاقتصادية والصحية الحالية، مما جعل مؤسسات التعليم العالي عمل على نماذج محددة للتعامل مع الإيرادات والتكاليف والموارد، مما دفعها إلى (تحويل الطلاب إلى مستهلكين، وأعضاء هيئة التدريس إلى مقدمي خدمات، وكل من التعليم والمعرفة إلى سلع يمكن أن تدر أرباحا) – على حد تعبير اليونسكو -، الأمر اضطر هذه المؤسسات في ظل التقشف الاقتصادي إلى التنافس للحصول على (ميزة سوق طلاب دولي ذو قيمة عالية)، وبالتالي فإن الأمر أصبح مرتبط بالقيمة السوقية أكثر منه بالقيمة المعرفية.
يكشف لنا التقرير أنه في عام 2019 كان 23% من طلاب جامعة هارفرد من الطلاب الدوليين، والأمر هنا لا يتعلق – بحسب اليونسكو – بـ 'بناء القدرات بين الشمال والجنوب والجنوب والشمال بقدر ما يتعلق بوسائل توسع المؤسسات من خلال قاعدة إيراداتها'، إضافة إلى أنه في عام 2020 أبلغ 'الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة عن أن متوسط دين قرض الطالب يصل إلى 37500 ألف دولار أمركي، بإجمالي 1.6 تريليون دولا على المستوى الوطني'، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم الشراكة المجتمعية اللازمة لتحقيق الأهداف التنموية، فكيف يمكن لشاب أُثقل بديون تعليمه الجامعي أن يكون شريكا فاعلا في التنمية واستدامتها. إضافة إلى ذلك فإن الأيدي المهارة، والعقول المستنيرة المبدعة تنتقل من مؤسسة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر طلبا للأجور المرتفعة أو للحصول على مستوى معيشي أفضل، مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ العديد من البرامج أو المبادرات التنموية، ولهذا فإن قطاع التعليم العالي عليه أن يعمل باعتباره حاضنة تنموية.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي في ظل الضغوطات الاقتصادية، فإن عليها أن تكون أكثر وعيا بدورها الحيوي والتنموي، الذي يتأسس على المعرفة وإمكانات دورانها في المجتمع، ليصبح التعلم مدى الحياة معيار مستداما، وبالتالي فإن عليها تقديم البرامج والدورات، القائمة على الأهداف التنموية، وتشارك في التأثيرات الاجتماعية والبيئية القائمة على العلم، من خلال عقد مجموعة من الروابط مع القطاعات الخاصة والمدنية التي تعزز من مكانتها وتدعم دورها التنموي.
إن العالم اليوم ينظر إلى مؤسسات التعليم العالي باعتبارها مراكز معرفية للشباب، بما يمثلونه من قدرات وإمكانات وتطلعات؛ فهم المورد التنموي الحقيقي للمجتمعات، ولهذا فإن دور هذه المؤسسات يرتكز على اتساق المعرفة مع قيم المجتمع ومبادئه من ناحية، ومواطنته التي تعتمد على مدى إشراكه وتفاعله مع حاجات مجتمعه من ناحية أخرى، عليه فإن بناء الدولة منظومة شراكة فاعلة مع قطاع التعليم العالي، وفتح آفاق التنمية المعرفية المشتركة، بالإضافة إلى دعمه وتطوير سياساته بما يُحقق استدامته، هي السبيل إلى تنمية هذا القطاع وتطوير منظومته.
• عائشة الدرمكي كاتبة وباحثة عمانية في مجال علم السيميائيات
يوصي هذا التقرير بالربط بين المحلي والعالمي، وتهيئة بيئة السياسات التعليمية المواتية التي تُسهم في تطوير التعليم وتوفير الموارد، وبناء القدرات بما يحقق أهداف الألفية، إضافة إلى الوصول إلى الشباب لتشجيعهم وتمكينهم من العمل في مجال التعليم وإتاحة الفرص لهم للتفكير النقدي، والتعلم المتبادل، والتفاعل مع احتياجاتهم المتغيرة. وعلى الرغم من أن هذا التقرير جاء قبل تفشي جائحة كورونا كوفيد19، إلاَّ أنه قدَّم مجموعة من الإشكالات والتحديات التي واجهت التعليم عامة والتعليم العالي خاصة في تنفيذ هذا البرنامج التنموي؛ فمن خلال ما عرضه الشركاء الرئيسيون في البرنامج والناشطون في (151) دولة حول العالم، يمكن أن نرى مدى إمكانية تحويل بيئات العمل والتدريب، من خلال إدماج مبادئ الاستدامة في سياقات التعليم والتدريب، بما يدعم سياسات التعليم وسياسات الاستدامة، وبالتالي تمكين التعليم وتحقيق التغير الشامل.
إن التحديات التي قدمها هذا التقرير لا تعتمد على مدى دعم تمكين التعليم فقط، بل تحويله إلى بيئة قادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال إحداث مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي أصبحت أكثر إلحاحا بعد تفشي الجائحة أي بعد الفترة التي شملها تقرير اليونسكو هذا؛ حيث تغيَّرت الكثير من المرتكزات، وتفاقمت العديد من المشكلات التي أدت إلى القلق من عدم القدرة على تحقيق وعود 2030، وبالتالي فإن مؤسسات التعليم العالي يُنظر إليها اليوم باعتبارها عمق المجتمع الذي يُعوَّل عليه لتحقيق الأهداف التنموي المستقبلية.
لقد أصدرت اليونكسو قبل أيام قليلة تقرير فريق الخبراء المستقلين المعني بالجامعات وخطة التنمية المستدامة 2030 بعنوان (الإجراءات التي تحركها المعرفة. تحويل التعليم العالي من أجل الاستدامة العالمية)؛ حيث ناقش الحاجة إلى التحرُّك نحو الأنماط متعددة التخصصات لإنتاج المعرفة ونشرها، وحتمية أن تصبح المؤسسات مفتوحة، وتعزيز الحوار المعرفي وتكامل طرق المعرفة المتنوعة، إضافة إلى المطالبة بحضور أقوى في المجتمع من خلال المشاركة الاستباقية والشراكة مع الفاعلين المجتمعيين الآخرين.
إن التحويل الذي يناقشه التقرير ينطلق من تلك التحديات التي فاقمتها جائحة كوفيد19، ووسَّعت من دائرتها وعلى رأسها (عدم المساواة)، و(تعريض مستقبلنا المشترك للخطر)، والتي تحتاج إلى تحوُّل جذري وسريع، ولأن مؤسسات التعليم العالي تعتمد على المعرفة الجديدة والبحوث والكفاءات، فإنها القادرة على تحقيق ذلك التحوُّل؛ فالجامعات لها دور تاريخي في التنمية المعرفية والمساهمة في تحقيق الأهداف التنموية، وبالتالي قدرتها على الانفتاح المعرفي، وتقوية حضورها في المجتمع من خلال الوعي والتواصل والشراكات، حتى تصبح (الاستدامة ممارسة أساسية وهدفا لمؤسسات التعليم العالي) – حسب التقرير -.
ولأن مؤسسات التعليم العالي نشأت باعتبارها مؤسسات نخبوية تستنير بالعلم والمعرفة، فإنها أيضا أدوات تنموية تهدف إلى الريادة المعرفية القادرة على إحداث تغيرات إيجابية في المجتمع والطبيعة، بما يحقق الأهداف الوطنية والعالمية، لمجتمعات أكثر فاعلية ودينامية في تعزيز روابطها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال مجموعة من الشراكات التي تقوم بتطويرها ورعايتها ، ولهذا فإن دورها المعرفي لا يُقاس بمجموع طلابها، ولا بمدى قدرتهم التعليمية، بقدر ما يُقاس بالإمكانات المعرفية التي تؤسسها مساهمتها الفاعلة في تحقيق الأهداف التنموية.
تُوصف مؤسسات قطاع التعليم العالي بأنها تنموية شريكة للمجتمع، تعتمد على إمكاناتها العلمية والبحثية والبشرية، من أجل تعزيز هذه الشراكة من ناحية، وتفعيلها من خلال مجموعة من الأهداف من ناحية أخرى، ولهذا فإن تقرير اليونسكو الأخير يعتمد على الهدف التنموي الرابع من أهداف التنمية المستدامة (التعليم الجيد)، من أجل تسخير وظائف قطاع التعليم العالي (إنتاج المعرفة، واكتسابها، ونشرها) لدعم أهداف التنمية المستدامة، بحيث يكون هذا القطاع جوهر التنمية المجتمعية المستدامة، الذي يُعوَّل عليه تحقيق تلك الأهداف.
فمؤسسات التعليم العالي من خلال شراكاتها المجتمعية الوطنية والإقليمية والعالمية تعمل على التركيز على إنتاج المعرفة ونشرها عبر منصات مفتوحة بفضل التطور التكنولوجي والتقني، إضافة إلى تسريع اكتساب المعرفة بين أفراد المجتمع، وتنمية الموارد التعليمية المختلفة، وتطوير البُنى التحتية المتنامية للتعليم سواء أكان التعليم المباشر أو التعليم عن بُعد أو المدمج. ذلك كله يؤسس لبناء شراكات تنموية بين مؤسسات التعليم العالي والمجتمع المحلي والعالمي، وبالتالي دعم تطوير المعارف والمشاركة الفاعلة في تنمية مهارات أفراد المجتمع، والمساهمة في تطوير المجالات التنموية.
ولعل من اللافت أن اليونسكو عندما استعرضت (الإجراءات التي تحرِّكها المعرفة) توقفت عند (التعليم العالي وأسواق العمل الماهرة)، انطلاقا من إشكالات المبادئ الاقتصادي (النيوليبرالية) التي تزايدت حدتها مع الأزمة الاقتصادية والصحية الحالية، مما جعل مؤسسات التعليم العالي عمل على نماذج محددة للتعامل مع الإيرادات والتكاليف والموارد، مما دفعها إلى (تحويل الطلاب إلى مستهلكين، وأعضاء هيئة التدريس إلى مقدمي خدمات، وكل من التعليم والمعرفة إلى سلع يمكن أن تدر أرباحا) – على حد تعبير اليونسكو -، الأمر اضطر هذه المؤسسات في ظل التقشف الاقتصادي إلى التنافس للحصول على (ميزة سوق طلاب دولي ذو قيمة عالية)، وبالتالي فإن الأمر أصبح مرتبط بالقيمة السوقية أكثر منه بالقيمة المعرفية.
يكشف لنا التقرير أنه في عام 2019 كان 23% من طلاب جامعة هارفرد من الطلاب الدوليين، والأمر هنا لا يتعلق – بحسب اليونسكو – بـ 'بناء القدرات بين الشمال والجنوب والجنوب والشمال بقدر ما يتعلق بوسائل توسع المؤسسات من خلال قاعدة إيراداتها'، إضافة إلى أنه في عام 2020 أبلغ 'الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة عن أن متوسط دين قرض الطالب يصل إلى 37500 ألف دولار أمركي، بإجمالي 1.6 تريليون دولا على المستوى الوطني'، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم الشراكة المجتمعية اللازمة لتحقيق الأهداف التنموية، فكيف يمكن لشاب أُثقل بديون تعليمه الجامعي أن يكون شريكا فاعلا في التنمية واستدامتها. إضافة إلى ذلك فإن الأيدي المهارة، والعقول المستنيرة المبدعة تنتقل من مؤسسة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر طلبا للأجور المرتفعة أو للحصول على مستوى معيشي أفضل، مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ العديد من البرامج أو المبادرات التنموية، ولهذا فإن قطاع التعليم العالي عليه أن يعمل باعتباره حاضنة تنموية.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي في ظل الضغوطات الاقتصادية، فإن عليها أن تكون أكثر وعيا بدورها الحيوي والتنموي، الذي يتأسس على المعرفة وإمكانات دورانها في المجتمع، ليصبح التعلم مدى الحياة معيار مستداما، وبالتالي فإن عليها تقديم البرامج والدورات، القائمة على الأهداف التنموية، وتشارك في التأثيرات الاجتماعية والبيئية القائمة على العلم، من خلال عقد مجموعة من الروابط مع القطاعات الخاصة والمدنية التي تعزز من مكانتها وتدعم دورها التنموي.
إن العالم اليوم ينظر إلى مؤسسات التعليم العالي باعتبارها مراكز معرفية للشباب، بما يمثلونه من قدرات وإمكانات وتطلعات؛ فهم المورد التنموي الحقيقي للمجتمعات، ولهذا فإن دور هذه المؤسسات يرتكز على اتساق المعرفة مع قيم المجتمع ومبادئه من ناحية، ومواطنته التي تعتمد على مدى إشراكه وتفاعله مع حاجات مجتمعه من ناحية أخرى، عليه فإن بناء الدولة منظومة شراكة فاعلة مع قطاع التعليم العالي، وفتح آفاق التنمية المعرفية المشتركة، بالإضافة إلى دعمه وتطوير سياساته بما يُحقق استدامته، هي السبيل إلى تنمية هذا القطاع وتطوير منظومته.
• عائشة الدرمكي كاتبة وباحثة عمانية في مجال علم السيميائيات