في قوة المتخيل المشترك للشعب والوطن!
الأربعاء / 7 / رجب / 1443 هـ - 19:31 - الأربعاء 9 فبراير 2022 19:31
عادة البشر، أن علاقاتهم الحميمية في القرابة هي التي تمنحهم وعيًا ذاتيًا لمعاني الأبوة والبنوة والأمومة والخؤولة، وصولاً إلى القبيلة. فتلك العلاقات هي بمثابة علاقات فطرية طبيعية لا يمكن للإنسان أن يتجرّد عنها، وسياج ضروري لمحيط علاقاته الاجتماعية. بالرغم من أنها أيضًا، كعلاقات قرابية حميمة، ليس بالضرورة أن تكون قائمة على التوافق بصورة دائمة، بل أحيانا تحدث فيها اختلالات تسببها دواع متصلة بتعارض الإرادات وتناقض المواقف، لكنها تظل إطارًا ناظمًا لحد أدنى من اجتماع بشري ضروري لحياة الإنسان.
لكن مع تطور الوعي البشري في الأزمنة الحديثة ظهرت مفاهيم جديدة ناظمة لما هو متجاوز لحدود العلاقات القرابية القديمة إلى آفاق واسعة وأكثر احتواءً وتصلح لأن تكون متخيلًا مشتركًا كمفهومي الوطن والشعب.
وإذا كانت قدرة الفرد العادي لا يمكنها أن تدرك على نحوٍ فطري سوى علاقاتها القرابية الحميمية؛ فإن صناعة المتخيل المشترك يمكنها أن تؤسس لعلاقة عابرة للقرابات باتجاه مفهوم عام يجمع الجميع بدواع تلعب في تأسيسها صناعة الوعي الحديث لمفاهيم جديدة لها القدرة على ابتداع متخيل مشترك كمفهوم الشعب عبر التمثيلات التي تؤطرها نظم إدراك وطنية على نحو يجعل من ذلك الشعب مدركًا لذاته في الانتظام المدني، وحقوق المواطنة والتصورات العامة لحياة واحدة مشتركة داخل حدود الوطن يصنعها الإعلام والتعليم والقيم العليا للشعب والقيادات التاريخية التي مكنت الشعب من تحقيق هويته كشعب.
إن المتخيل المشترك، وفق هذا المعنى وبصورة من الصور، ليس منفصلًا في علاقاته انفصالًا باتًا عن هوية العلاقات القرابية القديمة، لكنه أكثر تطورًا واستيعابًا للحاجات التي تفرضها شروط الحياة الحديثة، لأن الاجتماع السياسي للبشر كلما تطورت حاجياته إلى انتظامات متجاوزة لأطر العلاقات القرابية الطبيعية كعلاقات القبيلة (التي تعبّر في حقيقتها عن حدود نسقية للعلاقات) كان أكثر اقترابًا من الأشكال السياسية للحياة الحديثة كالدولة.
هكذا يمكن القول: إن مفهوم «شعب» الذي كان مفهومًا خاملًا في استخدامات اللغة العربية الجاهلية القديمة وأقرب إلى الطبيعة من ناحية، فيما كان دالًا على تجمع لقبائل ذات جذر عرقي واحد (كان العرب العدنانيون ينقسمون إلى شعبين: مضر وربيعة) من ناحية ثانية، أصبح اليوم مفهومًا أقرب إلى الصناعة التي تجعله مستحقًا لما يوازي وزن القبيلة في الأزمنة القديمة لكن في شروط لأزمنة حديثة الأصل فيها أنها مختلفة عن إكراهات الولاء النسقي لنظام القبيلة القديم.
وإذ لا يزال مفهوما الشعب والوطن كمتخيل مشترك اليوم في المنطقة العربية يعانيان من بقايا تأويلات أيديولوجية للقبيلة والدين يتنازعان استحقاق الولاء الخالص فلأن صناعة المفهومين هي بمثابة عملية صيرورة تاريخية تظل باستمرار عرضة لتلك التنازعات.
وحتى يستقر الولاء الخالص لمفهومي الوطن والشعب فإن قوة الوعي التي ينتجها نظاما التعليم والإعلام إلى جانب قدوة القيادة التاريخية الواعية هي التي يمكنها أن تُحدث الفرق في النهاية لصالح استقرار مفهوم المتخيل المشترك لكل من الوطن والشعب كمفهومين يستحقان الولاء الحر للمواطنين.
لا يمكننا بطبيعة الحال؛ القول إنه ليست هناك تأثيرات إيجابية مقّدَّرة لولاء الشعوب العربية حيال مفهومي الوطن والشعب، لكن يمكننا القول: إن قوة التخلف اليوم في بلدان الناطقين بالعربية هي التي تستند إليها الأيديولوجيا القبائلية والدينية في إعاقة انتظام الولاء الوطني الخالص في وعي مواطني الدول الناطقة بالعربية.
إن معركة شعوب المنطقة العربية باتجاه الارتقاء لوعي تمثيلات المتخيل المشترك للوطن والشعب لا يمكن حسمها سريعًا في ظل عوائق التخلف، لكنها تظل معركة ضرورية ولا بد من خوضها من أجل تقدم هذه الشعوب لكي تستخلص استكمال وعيها من بقايا وعي قديم لا يزال له تأثيره في مشاعر الناس في هذا الجزء من العالم المسمى عربيًا.
إن إدراك قوة المتخيل المشترك لمفهومي الشعب والوطن يصنعها وعي معرفي مستنير، يكون قادرًا على فرز بصيرة النخب ومن ورائها الشعوب، ويدفعها قدمًا باتجاه القطع مع أنماط الأيديولوجيا النسقية المضللة لتأويلات الدين والقبيلة في الاستيهامات والأوهام التي يسوقها دعاة الإسلام السياسي والقبائليات من أجل معركة عدمية تضعهم باستمرار في صدام مع العالم لن يكون في مصلحة أحد، فضلًا عن أنه صدام متوهم ولا يملك مبررات تأويل معرفي رشيد للدين ولا يقوم على حيثيات صلبة!
محمد جميل أحمد كاتب من السودان
لكن مع تطور الوعي البشري في الأزمنة الحديثة ظهرت مفاهيم جديدة ناظمة لما هو متجاوز لحدود العلاقات القرابية القديمة إلى آفاق واسعة وأكثر احتواءً وتصلح لأن تكون متخيلًا مشتركًا كمفهومي الوطن والشعب.
وإذا كانت قدرة الفرد العادي لا يمكنها أن تدرك على نحوٍ فطري سوى علاقاتها القرابية الحميمية؛ فإن صناعة المتخيل المشترك يمكنها أن تؤسس لعلاقة عابرة للقرابات باتجاه مفهوم عام يجمع الجميع بدواع تلعب في تأسيسها صناعة الوعي الحديث لمفاهيم جديدة لها القدرة على ابتداع متخيل مشترك كمفهوم الشعب عبر التمثيلات التي تؤطرها نظم إدراك وطنية على نحو يجعل من ذلك الشعب مدركًا لذاته في الانتظام المدني، وحقوق المواطنة والتصورات العامة لحياة واحدة مشتركة داخل حدود الوطن يصنعها الإعلام والتعليم والقيم العليا للشعب والقيادات التاريخية التي مكنت الشعب من تحقيق هويته كشعب.
إن المتخيل المشترك، وفق هذا المعنى وبصورة من الصور، ليس منفصلًا في علاقاته انفصالًا باتًا عن هوية العلاقات القرابية القديمة، لكنه أكثر تطورًا واستيعابًا للحاجات التي تفرضها شروط الحياة الحديثة، لأن الاجتماع السياسي للبشر كلما تطورت حاجياته إلى انتظامات متجاوزة لأطر العلاقات القرابية الطبيعية كعلاقات القبيلة (التي تعبّر في حقيقتها عن حدود نسقية للعلاقات) كان أكثر اقترابًا من الأشكال السياسية للحياة الحديثة كالدولة.
هكذا يمكن القول: إن مفهوم «شعب» الذي كان مفهومًا خاملًا في استخدامات اللغة العربية الجاهلية القديمة وأقرب إلى الطبيعة من ناحية، فيما كان دالًا على تجمع لقبائل ذات جذر عرقي واحد (كان العرب العدنانيون ينقسمون إلى شعبين: مضر وربيعة) من ناحية ثانية، أصبح اليوم مفهومًا أقرب إلى الصناعة التي تجعله مستحقًا لما يوازي وزن القبيلة في الأزمنة القديمة لكن في شروط لأزمنة حديثة الأصل فيها أنها مختلفة عن إكراهات الولاء النسقي لنظام القبيلة القديم.
وإذ لا يزال مفهوما الشعب والوطن كمتخيل مشترك اليوم في المنطقة العربية يعانيان من بقايا تأويلات أيديولوجية للقبيلة والدين يتنازعان استحقاق الولاء الخالص فلأن صناعة المفهومين هي بمثابة عملية صيرورة تاريخية تظل باستمرار عرضة لتلك التنازعات.
وحتى يستقر الولاء الخالص لمفهومي الوطن والشعب فإن قوة الوعي التي ينتجها نظاما التعليم والإعلام إلى جانب قدوة القيادة التاريخية الواعية هي التي يمكنها أن تُحدث الفرق في النهاية لصالح استقرار مفهوم المتخيل المشترك لكل من الوطن والشعب كمفهومين يستحقان الولاء الحر للمواطنين.
لا يمكننا بطبيعة الحال؛ القول إنه ليست هناك تأثيرات إيجابية مقّدَّرة لولاء الشعوب العربية حيال مفهومي الوطن والشعب، لكن يمكننا القول: إن قوة التخلف اليوم في بلدان الناطقين بالعربية هي التي تستند إليها الأيديولوجيا القبائلية والدينية في إعاقة انتظام الولاء الوطني الخالص في وعي مواطني الدول الناطقة بالعربية.
إن معركة شعوب المنطقة العربية باتجاه الارتقاء لوعي تمثيلات المتخيل المشترك للوطن والشعب لا يمكن حسمها سريعًا في ظل عوائق التخلف، لكنها تظل معركة ضرورية ولا بد من خوضها من أجل تقدم هذه الشعوب لكي تستخلص استكمال وعيها من بقايا وعي قديم لا يزال له تأثيره في مشاعر الناس في هذا الجزء من العالم المسمى عربيًا.
إن إدراك قوة المتخيل المشترك لمفهومي الشعب والوطن يصنعها وعي معرفي مستنير، يكون قادرًا على فرز بصيرة النخب ومن ورائها الشعوب، ويدفعها قدمًا باتجاه القطع مع أنماط الأيديولوجيا النسقية المضللة لتأويلات الدين والقبيلة في الاستيهامات والأوهام التي يسوقها دعاة الإسلام السياسي والقبائليات من أجل معركة عدمية تضعهم باستمرار في صدام مع العالم لن يكون في مصلحة أحد، فضلًا عن أنه صدام متوهم ولا يملك مبررات تأويل معرفي رشيد للدين ولا يقوم على حيثيات صلبة!
محمد جميل أحمد كاتب من السودان