أفكار وآراء

أطفال معتقلات داعش لا يستحقون هذا المصير

«أخشى أن أموت في أي وقت» كذلك قال المراهق في رسالة صوتية مدتها إحدى عشرة ثانية. «أرجوك ساعدني». كان درعا بشريا لداعش، واحدا من 150 قاصرا أجنبيا أخذوا رهائن في سجن في شمال شرق سوريا الشهر الماضي. وحتى لو نجوا من الحصار لواجههم مستقبل قاتم.

في حين أن الغرب قد مضى في طريقه إلى حد كبير بعد ثلاث سنوات من سقوط الخلافة المزعومة، يظل أكثر من سبعة آلاف أجنبي حبيسي معسكرات اعتقال فعلية في شمال شرق سوريا تديرها ـ على مضض ـ إدارة الحكم الذاتي كردية القيادة في شمال وشرق سوريا. (ينتمي هؤلاء الأطفال إلى قرابة ستين بلدا، منها فرنسا وتونس وبريطانيا، لكن الرقم لا يشمل آلاف الأطفال العراقيين والسوريين الموجودين أيضا في المعسكرات والسجون المخصصة لمقاتلي داعش وأسرهم).

كان الحصار ـ الذي انتهى بخسائر ثقيلة في الأرواح إثر استعادة قوات ذات قيادة كردية السيطرة على السجن في الأسبوع الماضي ـ بمثابة تذكرة يائسة بأن أغلب هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أي جرم: فقد كان آباؤهم ـ وليس هم ـ الذين اختاروا الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى «داعش». وأغلبهم على الأرجح كانوا أصغر من أن يشاركوا في وحشية داعش.

غير أنه بسبب امتناع بلاد كثيرة عن استعادة مواطنيها الراشدين ممن انضموا إلى داعش، بل وقول بعض هذه البلاد إنها غير ملتزمة تجاههم، فإن أغلب هؤلاء الأطفال يواجهون اعتقالات غير محددة الآجال شأن آبائهم.

وأوضاع المعتقلات رهيبة وخطيرة. وهي أيضا أرض خصبة لتفريخ التطرف والجيل القادم من أتباع داعش.

في عالم مثالي، كان الحصار الأخير ـ الذي سعى من خلاله مقاتلو داعش إلى تحرير مقاتليهم وإطلاق سراح موجة من المتطرفين ـ كفيلا بأن يحفز الحكومات على إعادة النظر في إرجاع مواطنيها إلى أوطانهم. ولكن من واقع خبرتي في المساعدة على عمليات الإعادة إلى الأوطان وتيسيرها أعلم أننا لا بد أن نتحلى بالواقعية ونعترف بأنه ما من دافع أو رغبة واضحة للتحرك بالسرعة الكافية أو على النطاق اللازم لإنقاذ أغلب هؤلاء الأطفال.

إن جماعات حقوقية تطالب بلادا منذ سنين باستعادة مواطنيها. وقد أعادت بعض البلاد أمهات ذوات أطفال حتى وقت قريب في الأسبوع الماضي، وبلاد أخرى أعادت أعدادا صغيرة من اليتامى والأطفال الذين انفصلوا بالفعل عن آبائهم. لكن الوضع اليوم في جانبه الأكبر هو أن بلادا كثيرة تتباطأ في ما يبدو أو ترفض استعادة أسرى داعش الراشدين والأمهات وأطفالهن.

في ضوء الوضع الملح، لا بد أن يوجد حل أكثر أمنا: يجب أن تقوم السلطات الكردية، بمباركة ودعم من الولايات المتحدة وشركائها المتحالفين، بإخراج الأطفال من السجون. وذلك هو السبيل الوحيد لمنحهم فرصة أفضل للحياة وإعادتهم في نهاية المطاف إلى أوطانهم.

قد يبدو هذا قاسيا ـ فهو في جوهره فصل للأطفال عن أمهاتهم اللاتي لن يكون لهن بوضوح أي رأي في الأمر كله. بل إن البعض يرى فيه انتهاكا للحقوق. لكن الوضع الراهن ـ أي تركهم ينشأون على التطرف في ظل أوضاع مزرية ـ أسوأ على الأطفال وعلينا جميعا.

ففي معسكري الاعتقال الشاسعين اللذين يسكنهما الأطفال الأجانب أوضاع صحية مريعة، ورعاية طبية متدنية، وتعليم منعدم في أكثر الأحوال. والأسر تقيم في خيام لا تقي ساكنيها الزمهرير في الشتاء أو القيظ في الصيف.

ولو أن هذا يبدو غير مختلف عن البؤس في معسكرات المهاجرين في أماكن أخرى، إلا أن ثمة فارقا كبيرا: وهو أن نساء متطرفات يسيطرن هنا بما يهيء الوضع لأطفالهن ـ وأطفال الأخريات ـ لتشرُّب الأيديولوجية المتطرفة والتحول إلى جيل من الجهاديين في المستقبل.

وفي حين أن بعض البلاد ـ كما ذكرت سابقا ـ استعادت نساء وأطفالا، فإن من المستبعد أن يرجع أغلب أولئك النساء. ولا ينبغي أن يشاركهن أبناؤهن هذا المصير، فأغلبهم لم يزل أصغر كثيرا من أن يكونوا قد تشربوا العقيدة.

بدلا من ذلك، يجب أن يوضع الأطفال مع أسرة كردية تتبناهم أو في قرى خاصة بالأطفال تقام على غرار القرى التي أقيمت في النمسا للأيتام في ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن خلال عملي في المنطقة ناقشت هذه الأفكار مع أصحاب المصلحة الذي بدوا متقبلين لها.

لدى الأكراد بالفعل لجان نسائية تعتني بالأطفال اليتامى أو المشردين من جراء هذا الصراع. وقد شاهدت فعالية هذه اللجان بنفسي وأنا أعمل على الجمع بين أمهات يزيديات وأبنائهن. فلم تكن توفر فقط الطعام والكساء والدواء، وإنما تزيد عليها الحب والاهتمام. وستكون هذه اللجان أكثر من قادرة على تولي مهمة أكبر في مساعدة أولئك الأطفال.

وليس هذا بالعرض باهظ التكلفة. فبتوفير مئة دولار للطفل في الشهر ـ وهو مبلغ كبير في شمال شرق سوريا ـ ستكون التكلفة السنوية للرعاية بالتبني أو قرى الأطفال، بما في ذلك الإنفاق على الإدارة ـ أقل من عشرة ملايين دولار. وهذه التكلفة البسيطة يمكن أن تغطيها بسهولة البلاد التي ترفض إعادة مواطنيها الراشدين.

الرعاية بالتبني حل مؤقت. ففور خروج الأطفال من المعسكرات سوف تزداد سهولة إرجاعهم إلى بلادهم الأصلية، وهو الهدف النهائي أو الذي ينبغي أن يكون كذلك. ومن واقع تجربتي، يجيد أغلب الأطفال لغاتهم الأصلية ولديهم شبكات دعم في بلادهم. وبلادهم في الأغلب لديها موارد يمكن أن تخصصها لهم أكبر مما لدى الأكراد السوريين.

كلما طال بقاء هؤلاء الأطفال في المعسكرات، قلت جاذبيتهم كمرشحين للعودة إلى أوطانهم. وإخراجهم من المعسكرات تماما هو أفضل أمل في منحهم مستقبلا حقيقيا.

والفصل القسري في بعض الحالات «يضيف صدمة فوق الصدمة الحادة القائمة» بحسب ما ترى الأمم المتحدة. وفي حين قد يرحب قليل من الأمهات بفكرة أن تسنح لأبنائهن فرصة في الحياة خارج السجن، فإن الغالبية منهن بلا شك سوف تقاوم فقدان أبنائهن.

ومن المؤكد أن هذا سيكون قاسيا وأليما على الأطفال. لكنني أعتقد أن الأقسى من ذلك هو فرض حياة السجن على طفل لأنه أحد أبويه قرر الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى منظمة إرهابية.

إن كثيرا من البلاد الغربية ـ ومنها الولايات المتحدة ـ لا تترك الأطفال لمدد طويلة مع آبائهم في السجون. وفي البلاد التي قد تحبس الأطفال في السجون مع أمهاتهم، قد يطلق في نهاية المطاف سراح أولئك النساء بعد قضاء الأحكام. أو قد يكبر أبناؤهن ويخرجوا. وهذا ليس كحال أغلب الأطفال الأجانب المعتقلين في شمال شرق سوريا.

إنني أعمل مستشارا غير رسمي للأكراد في ما يختص بالأسر الأجنبية. والقادة الأكراد الذين ناقشت الأمر معهم يرون الوضع الراهن غير قابل للدوام. فلقد مات من مقاتليهم أكثر من عشرة آلاف في محاربة داعش، وآخر ما يريدونه هو أن يكبر جيل جديد من داعش في السجون التي يديرونها.

وفي حين أنهم اعترفوا لي بشكل خاص بأن الأطفال يجب أن يخرجوا من معسكرات الاعتقال، فإنهم عازفون عن الجهر بذلك أو القيام به دونما موافقة دولية واضحة. ولذلك لا بد من الموافقة على هذه الخطة، وتشجيعها وتمويلها من الولايات المتحدة ـ فهي أهم حليف لأكراد سوريا ـ ونظام الأمم المتحدة.

وفور أن يضع الأكراد ترتيبات بديلة للأطفال، يجب أن تتحرك البلاد لاستعادة مواطنيها الأطفال. وثمة أسباب وجيهة تحملنا على الظن بأن ذلك ما ستفعله البلاد، فالأطفال ـ خلافا للكبار ـ لا يمثلون خطورة.

وهذه ليست حججا ألقيها باستخفاف. مؤكد أنه سوف توجد اعتراضات من جماعات حقوقية وإنسانية تدين الفصل وتعتبره ضررا وتصر على أن الحل هو أن تعيد الحكومات جميع مواطنيها، لكننا نعلم أن هذا لن يحدث.

ولئن كان عهد الأمم المتحدة لحقوق الطفل ينص على أن الطفل لا يجب فصله عن أبويه ضد رغبته ما لم يعتبر الفصل أفضل مصلحة للطفل، فليست أفضل مصلحة لأي طفل أن يحاط بأيديولوجية إرهابية أو يواجه السجن مدى الحياة وهو لم يقترف أي جرم.

بيتر جالبريث عمل سفيرا أمريكيا ومساعدا للأمين العام للأمم المتحدة، وهو وسيط بين الحكومة الإقليمية الكردية في العراق وإدارة الحكم الذاتي لشمال وشرق سوريا

ترجمة أحمد شافعي خدمة نيويورك تايمز