في مفهوم الخطاب
الاحد / 4 / رجب / 1443 هـ - 19:24 - الاحد 6 فبراير 2022 19:24
الخطاب.. رسالة يتوجه بها المرسِل إلى المتلقين بغية إيصال مضامين محددة يؤثر بها عليهم؛ ليتمثلوها أو يتفاعلوا معها. ومن وراء هذا التعريف السهل للخطاب تعريفات عديدة، أكتفي بهذا الإطار العام لمفهومه، ليس لأنه يمكن الرجوع إليها فحسب؛ وإنما أيضاً.. لأن التعريف يجعل الأفكار مصمتة، تستوحش من اختراقها بالآراء المحايثة، والفكرة -فضلاً عن منظومة الأفكار- هي مزيج من حركة الحياة التي تصنع الأفكار والأفكار التي تصنعها. ولذلك.. فالحياة لا ترضخ للشرط المدرسي، رغم أن المصطلحات والمفاهيم لا تستغني عن التعريف، لكيلا يذهب الكاتب بعيداً عن الموضوع، ولكيلا يحتار القارئ في فهم مقصد الكاتب، وبين هذا وذاك يحاول المقال أن يضع مقاربته المفاهيمية للخطاب.
الخطاب.. منظومة معرفية ظاهرها اللغة وباطنها الاجتماع بكل مكوناته، بيد أن اللغة هي بالأساس فعل اجتماعي، ولولاه لما نشأت، لذلك.. فإن مفهوم الخطاب بُحِث في علوم اللغة الاجتماعية والنفسية أكثر مما دُرِس في علم اللغة استقلالاً، بل اهتم به «علم السيمائيات» اهتماماً بالغاً، لما يحمله من «دلالات اجتماعية» تعلو على النص ذاته، بكون الخطاب «تأويلاً» للغة بغية إعادة بناء تصورات المجتمع. إلا أنه لا يمكن نكران السلطة الذاتية للغة، فهي تمتلك قوة تأثير على المتلقي حتى بعد موت قائلها، أو تلاشي النسق الاجتماعي المنشئ لها، بل بعد نضوب النص من سيمائيته، خاصةً.. النصوص الدينية والأسطورية والأدبية؛ التي يأتي الشعر في ذروتها.
ولعل هذه السطوة هي التي جعلت نعومي تشومسكي يركّز على الدرس اللغوي ببُعده النحوي، لأن النحو -وابنه الصرف- مما جاء لأجله هو أن تستغني اللغة عن تأثير قائلها المباشر قدر المستطاع، أو بالأحرى.. لتبقى دلالتها وهيمنتها بعد نطقها، لاسيما.. بعد تحوّلها إلى تدوين كتابي، وباعتبار أن النحو أداة «ما فوق سيمائية» فهو وليد الخطاب للتعبير عن العلاقات الاجتماعية المتلاشية، فلو أن حديثاً ما بين شخصين لا يُراد له أن يستمر من بعد انفضاضهما فليس مهماً أن تنشأ بينهما «علامات نحوية»، لأن مهمة الخطاب ستنتهي بانتهاء اللقاء بينهما، وفي حال لقائهما فلديهما القدرة على التفاهم بدون نحو.
الخطاب.. يتكئ على لغة الجماعة، التي تشكلت من تاريخها، ومعتقداتها وأساطيرها، وآلامها وآمالها. فمثلاً.. اللغات اللاتينية وهي تستقر في القاموس تضمنت البُعد الاجتماعي والنفسي للأسطورة التي نمت وترعرعت فيها هذه اللغات. كما أن اللغة العربية -بسبب لحظة تدوينها المنغمسة في ماعون الدين قبل ألف عام- لا تكاد مفردة منها لم تصطبغ بالبُعد الديني، وهكذا.. ستجد مثل ذلك في سائر اللغات. وهذا يعني أن الخطاب ينطلق من روح الجماعة، فالخطاب.. الذي يسود في الشرق الإسلامي ليس بالضرورة مؤثراً في الغرب المسيحي، والعكس بالعكس.
ولذلك.. فمن المهم عندما نريد أن نستبدل خطاباً موجهاً إلى مجتمع ما أن يكون البديل نابعاً من نفس ثقافة المجتمع، وإلا سيكون صادماً للجماعة، ومرفوضاً منها، ولهذا لم تنجح المناهج الغربية كثيراً في تفكيك الخطابات الإسلامية، وإيجاد بدائل عنها، لأن هذا التفكيك ناشئ في دوائر معرفية مغايرة.
كما أن هناك إشكالاً عندما نجعل رؤية ما معياراً لتحليل خطاب من دائرة لغوية مختلفة، فمثلاً.. مفهوم البنوة والأبوة في اللاهوت المسيحي؛ عندما فسّره المتكلمون المسلمون بأنه يحمل دلالات وثنية، فهذه دلالات موجودة في البيئة العربية في القرن السادس الميلادي، لتأثير الوثنية على المعتقدات في جزيرة العرب، إلا أن الجمود على هذه الرؤية، وجعلها مطلقة، أنشأ خطاباً تعاني منه العلاقة الدينية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي حتى اليوم. ولذلك.. فتفسير الخطاب ينبغي أن يخضع لمتابعة تطور الخطاب ذاته في بيئته، فلم يعد صالحاً أن نفسّر الآن خطاباً على أساس المعتقدات الدينية والظروف الاجتماعية التي أنشأته وحدها، دون الأخذ في الاعتبار التحولات الدلالية التي لحقت خطاب النشأة.
وإذا كانت اللغة تنشأ تلقائياً؛ لتعبّر عن حاجات الفرد وعلاقات المجتمع، فإنها بعيدة الغور وعميقة الأثر، ويكفي أن الخطاب -على تشابكه وتعقده- يتشكّل منها، ومع ذلك تبقى مادة خاماً، كلما تقادم بها الزمن وخفيت ظروف نشأتها ودلالاتها الأولى، تصبح حرة الاستعمال في يد مستعملها. أمّا الخطاب فواعٍ، وينشأ واعياً، وله غايات محددة يريد منشئه أن يوصلها إلى المتلقي. وقد يتسم منشئ الخطاب بالذكاء أو المخاتلة، عندما يستغل اللغة، ليظهر أنه برئ من المراد الشخصي، وأن خطابه جاء رغبة في تخفيف آلام الأمة والجماعة وتحقيق آمالها، ويراد به صالحها العام، هنا تقع الجموع المتلقية للخطاب في الاستغلال العاطفي، فمثلاً.. الجماعات الدينية التي تبنت العنف تخاطب الجماهير بضميرها الديني، وأن عملها نصرة للدين الذي تعتنقه هذه الجماهير، في حين.. هي تريد أن تحشد الجماهير لأجل دعمها، أو تجند أناساً لها، أو تثير التعاطف نحوها. وهذا ليس حكراً على الخطابات الدينية؛ وإنما يعم كل الخطابات؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ولعل أخطر استعمال لهذه الخاصية في الخطاب يجري من قِبَل وسائل الإعلام المختلفة، التي تملك أدوات إبهار عالية؛ سواء عبر المشهد المتحرك أو زاوية التقاط الصورة، أو نغمة الصوت، ونحوها، لأن اللغة المنطوقة إذا كانت مرتكزاً أساسياً في تشكيل الخطاب؛ فإن المؤثرات الحسية والنفسية كالصورة والفيلم والموسيقى والأغنية هي الأخرى تدخل في هذا التشكيل.
وإذا كان للخطاب قواعد ينطلق منها وأهداف ينشدها؛ فإن مكان وزمان إلقائه عنصران مكملان لنجاحه. فالأنبياء والفلاسفة والحكام وسائر أصحاب الخطابات الاجتماعية يختارون الموقع والوقت المناسبَين لإلقاء خطابهم؛ بحيث يكون أكثر وقعاً وأعمق تأثيراً على المستمعين، وكل مَن يصل الخطاب إليهم. ويكفي هنا أن أشير من السيرة النبوية إلى أن النبي الأكرم عندما أراد أن يبلّغ المسلمين توجيهاته بوحدة الأمة وهدر كل ما يزعزع وحدتها كالربا والثأر، فقد اختار الحج، فيما عرف بـ«خطبة الوداع»، وذلك.. ليعطي خطابه أهمية بالغة لارتباطه بشعائر الحج المعظمة، وليكون الحج ذاته باعثاً للوحدة.
إن تفكيك الخطاب يلزم الوقوف على عناصره المكوِّنة؛ فهو يشكّل منظومة كلية ذات عناصر مترابطة وخصائص متشابكة، وأحياناً.. تكون اللغة الأقدم هي الأكثر تعقيداً وتأثيراً، لأنها تكتسب القداسة بمرور الوقت. ولذلك.. فإن دراسة الخطاب تستلزم فهم هذه العناصر من أوجهها المختلفة، وألّا نعوّل على جهة مؤثرة بعينها، وإنما علينا استقصاء كافة الأوجه، فميشيل فوكو (يؤطر الخطاب ضمن عدد من المبادئ باحثاً في استراتيجيات تحليل الخطاب تبعاً للمبادئ التي تتلخص في مجالات؛ المعرفة والذاتية والسلطة، فالأهمية.. تكمن في العلاقات التي تنشأ بين عناصر الخطاب، وتكوّن في مجملها نسقاً خفياً يوحّد مجموع المعارف والعلوم، هذا النسق ليس بالتأكيد نسقاً لغوياً، إنما هو ممارسات خطابية تتكوّن من عدد من المبادئ والقواعد والشروط) [ملياني، تحليل الخطاب].
وأخيراً.. إذا كان ثمة تمايز بين الخلفيات المشكِّلة للخطابات، بحسب بيئاتها؛ فإنه لن يقوم فهم وتفاهم بينها إلا إذا وجد حوار حقيقي يأخذ هذا الإشكال بعين الاعتبار، فمن المهم.. أن توجد لقاءات علمية وأكاديمية تعمل على المقاربة بين الخطابات، التي تُعنى بتفكيك موضوعي للخطاب، وإعادة بناء سليم ومنطقي له، خاصةً.. في هذا الزمن المنفتح فضائياً، والذي يروَّج فيه للخطابات بأشكال لا حصر لها، ولا يتفطن لها عموم الناس، فيقعون في استغلالها من دون أن يشعروا.
فخطورة الخطاب.. عندما تقف خلفه الأيديولوجيا؛ سياسية أكانت أم دينية، شمولية أم محدودة، فتصبح من مهامه إخفاء مساوئ الأيديولوجيا، بل والعمل على تذويقها وتسويغها، وقد يحشد الجماهير لحروبها وصراعاتها، ولذلك.. يعرّف بيشوه (الخطاب.. بأنه الشكل المادي اللغوي للأيديولوجيا) [نورمان فيركلف، الخطاب والتغيّر الاجتماعي].
الخطاب.. منظومة معرفية ظاهرها اللغة وباطنها الاجتماع بكل مكوناته، بيد أن اللغة هي بالأساس فعل اجتماعي، ولولاه لما نشأت، لذلك.. فإن مفهوم الخطاب بُحِث في علوم اللغة الاجتماعية والنفسية أكثر مما دُرِس في علم اللغة استقلالاً، بل اهتم به «علم السيمائيات» اهتماماً بالغاً، لما يحمله من «دلالات اجتماعية» تعلو على النص ذاته، بكون الخطاب «تأويلاً» للغة بغية إعادة بناء تصورات المجتمع. إلا أنه لا يمكن نكران السلطة الذاتية للغة، فهي تمتلك قوة تأثير على المتلقي حتى بعد موت قائلها، أو تلاشي النسق الاجتماعي المنشئ لها، بل بعد نضوب النص من سيمائيته، خاصةً.. النصوص الدينية والأسطورية والأدبية؛ التي يأتي الشعر في ذروتها.
ولعل هذه السطوة هي التي جعلت نعومي تشومسكي يركّز على الدرس اللغوي ببُعده النحوي، لأن النحو -وابنه الصرف- مما جاء لأجله هو أن تستغني اللغة عن تأثير قائلها المباشر قدر المستطاع، أو بالأحرى.. لتبقى دلالتها وهيمنتها بعد نطقها، لاسيما.. بعد تحوّلها إلى تدوين كتابي، وباعتبار أن النحو أداة «ما فوق سيمائية» فهو وليد الخطاب للتعبير عن العلاقات الاجتماعية المتلاشية، فلو أن حديثاً ما بين شخصين لا يُراد له أن يستمر من بعد انفضاضهما فليس مهماً أن تنشأ بينهما «علامات نحوية»، لأن مهمة الخطاب ستنتهي بانتهاء اللقاء بينهما، وفي حال لقائهما فلديهما القدرة على التفاهم بدون نحو.
الخطاب.. يتكئ على لغة الجماعة، التي تشكلت من تاريخها، ومعتقداتها وأساطيرها، وآلامها وآمالها. فمثلاً.. اللغات اللاتينية وهي تستقر في القاموس تضمنت البُعد الاجتماعي والنفسي للأسطورة التي نمت وترعرعت فيها هذه اللغات. كما أن اللغة العربية -بسبب لحظة تدوينها المنغمسة في ماعون الدين قبل ألف عام- لا تكاد مفردة منها لم تصطبغ بالبُعد الديني، وهكذا.. ستجد مثل ذلك في سائر اللغات. وهذا يعني أن الخطاب ينطلق من روح الجماعة، فالخطاب.. الذي يسود في الشرق الإسلامي ليس بالضرورة مؤثراً في الغرب المسيحي، والعكس بالعكس.
ولذلك.. فمن المهم عندما نريد أن نستبدل خطاباً موجهاً إلى مجتمع ما أن يكون البديل نابعاً من نفس ثقافة المجتمع، وإلا سيكون صادماً للجماعة، ومرفوضاً منها، ولهذا لم تنجح المناهج الغربية كثيراً في تفكيك الخطابات الإسلامية، وإيجاد بدائل عنها، لأن هذا التفكيك ناشئ في دوائر معرفية مغايرة.
كما أن هناك إشكالاً عندما نجعل رؤية ما معياراً لتحليل خطاب من دائرة لغوية مختلفة، فمثلاً.. مفهوم البنوة والأبوة في اللاهوت المسيحي؛ عندما فسّره المتكلمون المسلمون بأنه يحمل دلالات وثنية، فهذه دلالات موجودة في البيئة العربية في القرن السادس الميلادي، لتأثير الوثنية على المعتقدات في جزيرة العرب، إلا أن الجمود على هذه الرؤية، وجعلها مطلقة، أنشأ خطاباً تعاني منه العلاقة الدينية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي حتى اليوم. ولذلك.. فتفسير الخطاب ينبغي أن يخضع لمتابعة تطور الخطاب ذاته في بيئته، فلم يعد صالحاً أن نفسّر الآن خطاباً على أساس المعتقدات الدينية والظروف الاجتماعية التي أنشأته وحدها، دون الأخذ في الاعتبار التحولات الدلالية التي لحقت خطاب النشأة.
وإذا كانت اللغة تنشأ تلقائياً؛ لتعبّر عن حاجات الفرد وعلاقات المجتمع، فإنها بعيدة الغور وعميقة الأثر، ويكفي أن الخطاب -على تشابكه وتعقده- يتشكّل منها، ومع ذلك تبقى مادة خاماً، كلما تقادم بها الزمن وخفيت ظروف نشأتها ودلالاتها الأولى، تصبح حرة الاستعمال في يد مستعملها. أمّا الخطاب فواعٍ، وينشأ واعياً، وله غايات محددة يريد منشئه أن يوصلها إلى المتلقي. وقد يتسم منشئ الخطاب بالذكاء أو المخاتلة، عندما يستغل اللغة، ليظهر أنه برئ من المراد الشخصي، وأن خطابه جاء رغبة في تخفيف آلام الأمة والجماعة وتحقيق آمالها، ويراد به صالحها العام، هنا تقع الجموع المتلقية للخطاب في الاستغلال العاطفي، فمثلاً.. الجماعات الدينية التي تبنت العنف تخاطب الجماهير بضميرها الديني، وأن عملها نصرة للدين الذي تعتنقه هذه الجماهير، في حين.. هي تريد أن تحشد الجماهير لأجل دعمها، أو تجند أناساً لها، أو تثير التعاطف نحوها. وهذا ليس حكراً على الخطابات الدينية؛ وإنما يعم كل الخطابات؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ولعل أخطر استعمال لهذه الخاصية في الخطاب يجري من قِبَل وسائل الإعلام المختلفة، التي تملك أدوات إبهار عالية؛ سواء عبر المشهد المتحرك أو زاوية التقاط الصورة، أو نغمة الصوت، ونحوها، لأن اللغة المنطوقة إذا كانت مرتكزاً أساسياً في تشكيل الخطاب؛ فإن المؤثرات الحسية والنفسية كالصورة والفيلم والموسيقى والأغنية هي الأخرى تدخل في هذا التشكيل.
وإذا كان للخطاب قواعد ينطلق منها وأهداف ينشدها؛ فإن مكان وزمان إلقائه عنصران مكملان لنجاحه. فالأنبياء والفلاسفة والحكام وسائر أصحاب الخطابات الاجتماعية يختارون الموقع والوقت المناسبَين لإلقاء خطابهم؛ بحيث يكون أكثر وقعاً وأعمق تأثيراً على المستمعين، وكل مَن يصل الخطاب إليهم. ويكفي هنا أن أشير من السيرة النبوية إلى أن النبي الأكرم عندما أراد أن يبلّغ المسلمين توجيهاته بوحدة الأمة وهدر كل ما يزعزع وحدتها كالربا والثأر، فقد اختار الحج، فيما عرف بـ«خطبة الوداع»، وذلك.. ليعطي خطابه أهمية بالغة لارتباطه بشعائر الحج المعظمة، وليكون الحج ذاته باعثاً للوحدة.
إن تفكيك الخطاب يلزم الوقوف على عناصره المكوِّنة؛ فهو يشكّل منظومة كلية ذات عناصر مترابطة وخصائص متشابكة، وأحياناً.. تكون اللغة الأقدم هي الأكثر تعقيداً وتأثيراً، لأنها تكتسب القداسة بمرور الوقت. ولذلك.. فإن دراسة الخطاب تستلزم فهم هذه العناصر من أوجهها المختلفة، وألّا نعوّل على جهة مؤثرة بعينها، وإنما علينا استقصاء كافة الأوجه، فميشيل فوكو (يؤطر الخطاب ضمن عدد من المبادئ باحثاً في استراتيجيات تحليل الخطاب تبعاً للمبادئ التي تتلخص في مجالات؛ المعرفة والذاتية والسلطة، فالأهمية.. تكمن في العلاقات التي تنشأ بين عناصر الخطاب، وتكوّن في مجملها نسقاً خفياً يوحّد مجموع المعارف والعلوم، هذا النسق ليس بالتأكيد نسقاً لغوياً، إنما هو ممارسات خطابية تتكوّن من عدد من المبادئ والقواعد والشروط) [ملياني، تحليل الخطاب].
وأخيراً.. إذا كان ثمة تمايز بين الخلفيات المشكِّلة للخطابات، بحسب بيئاتها؛ فإنه لن يقوم فهم وتفاهم بينها إلا إذا وجد حوار حقيقي يأخذ هذا الإشكال بعين الاعتبار، فمن المهم.. أن توجد لقاءات علمية وأكاديمية تعمل على المقاربة بين الخطابات، التي تُعنى بتفكيك موضوعي للخطاب، وإعادة بناء سليم ومنطقي له، خاصةً.. في هذا الزمن المنفتح فضائياً، والذي يروَّج فيه للخطابات بأشكال لا حصر لها، ولا يتفطن لها عموم الناس، فيقعون في استغلالها من دون أن يشعروا.
فخطورة الخطاب.. عندما تقف خلفه الأيديولوجيا؛ سياسية أكانت أم دينية، شمولية أم محدودة، فتصبح من مهامه إخفاء مساوئ الأيديولوجيا، بل والعمل على تذويقها وتسويغها، وقد يحشد الجماهير لحروبها وصراعاتها، ولذلك.. يعرّف بيشوه (الخطاب.. بأنه الشكل المادي اللغوي للأيديولوجيا) [نورمان فيركلف، الخطاب والتغيّر الاجتماعي].