أعمدة

كلام فنون.. التأليف الموسيقي

1903125_201
 
1903125_201
أعلن المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية مؤخرًا عن مسابقته الدولية في التأليف الموسيقي للعام 2023 وقد خصصها لآلة القانون؛ الآلة العربية المميزة، وتعد هذه المسابقة التي يلعن عنها المجمع كل سنتين من أهم المسابقات الأكاديمية الموسيقية العربية منذ انطلاقتها في عام 2008، وتهدف كما جاء في البيان إلى 'تشجيع المؤلفين الموسيقيين في العالم على التقدم بمؤلفاتهم الموسيقية المبتكرة التي تنهل من معين التراث الموسيقي العربي الأصيل، وبما يحقق إغناء الموسيقى العربية بأنماط وأساليب تأليفية جديدة تواكب العصر الحالي وتحافظ في الوقت عينه على هوية هذه الموسيقى وطبيعتها'.

التأليف للآلات الموسيقية اختصاص غير معروف في تراثنا الموسيقى العُماني، وهو فن جديد تمامًا، ويحاول عدد قليل من الموسيقيين العُمانيين إدخاله إلى الموسيقى العُمانية المعاصرة وكاتب هذا المقال واحد من هؤلاء.

ولكن لا يزال هذا المجال في بداياته عدة وعتادا، فقلة عدد الأشخاص يقابله عدد قليل من المؤلفات وكلها تقريبًا للعود والتخت العربي. ولم يحضَ حتى الآن هذا التوجه الإبداعي بالاهتمام الذي من شأنه أن يؤدي إلى تنامي هذا الفن الجميل، ذلك أن الغناء لا يزال يستولي على كل الاهتمامات والتوجهات الفنية الموسيقية في بلادنا والحال كذلك في بلدان الجزيرة العربية.

ولكن الأمر ليس كذلك في العديد من البلاد العربية المشرقية والمغربية التي تزخر بالمؤلفين الموسيقيين وجمهورية مصر العربية رائدة في هذا المجال كما يعلم الجميع، غير أنه لا توجد (حسب علمي) إذاعة واحدة في كل البلاد العربية مخصصة لبث مؤلفات الموسيقى العربية كما هو الشأن مع الموسيقى الأوربية والغربية الكلاسيكية. ولسد هذه الثغرة (إن جاز التعبير) دعوت في مقال لي بعنوان: 'الألحان عَمارة الموسيقى والغناء' منشور بالمجلة العربية التي تصدر من الرياض بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر 2021 الماضي، إلى تأسيس إذاعة عربية تبث من الرياض أو مسقط مخصصة لمؤلفات الموسيقى العربية، فالتأليف الموسيقي فن يستحق الاهتمام من الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة مع أملنا أن تتوفر للمجمع العربي للموسيقى شراكات استراتيجية لجعل مسابقته هذه سنوية وزيادة أعدادها وتنوع مجالاتها.

وفي الواقع التاريخي لم تستقل الموسيقى عن الغناء إلا منذ قرون قليلة مضت، ويعود ذلك إلى رعاية أصحاب النفوذ الاجتماعي في أوروبا للموسيقيين وتراجع سلطة الكنيسة على الفنون، وتحرر الفلاسفة والمنظرين من موروثهم الفكري تجاه الموسيقى وتقديرهم لها بعيدًا عن الغناء الأمر الذي أدى إلى تطور مذهل للعلوم والمهارات الموسيقية وصناعة آلاتها وتنوعها.

والتأليف الموسيقي العربي بمفهومه المعاصر للآلات فكرة حديثة، رغم قدم الممارسة الموسيقية بالمنطقة العربية التي يجد بعض الباحثين جذورًا لها في بعض النقوش الأثرية التي تعود إلى بلدان عربية عديدة شرقية ومغاربية.

ولكن المعروف أن التنظير العربي للموسيقى والاشتغال بعلومها، والتنظير للسلم الموسيقي وتحسين درجاته النغمية ومسافاتها وقياس ذبذباتها وتجانسها وتنافرها يعود إلى القرن التاسع الميلادي مع الفيلسوف أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي.

وفي الموسيقى العربية المعاصرة يوجد العديد من القوالب الموسيقية للآلات، ورغم سيطرة الغناء على الذوق والاهتمام الرسمي والشعبي، تمكن العديد من المؤلفين والعازفين العرب من مختلف البلاد العربية وخاصة مصر والعراق من تقديم حفلات موسيقية كبيرة للجمهور العربي دون أن يتخللها أي غناء.

ولا يزال جمهور هذه الحفلات من النخبة حريصين على متابعة هذه الموسيقى تقديرًا وإعجابًا بالمهارات العالية للموسيقيين في التأليف والعزف والارتجال، ولعل أشهرهم جماهيريًا الموسيقار عمر خيرت من مصر، والموسيقار منير بشير والموسيقار نصير شمه من العراق.

وفي الواقع أعاد العازفون العراقيون على آلة العود، الاعتبار لهذه الآلة العربية الأصيلة، والمدرسة العراقية تقود الآن تطور تقنيات العزف وصناعة هذه الآلة في العالم العربي، بعد أن تمكن الشريف محيي الدين حيدر، انطلاقًا من معهد الموسيقى الذي أسسه وأداره منذ ثلاثينات القرن العشرين في بغداد، من وضع أركان المدرسة العراقية في العزف على آلة العود، مع عدد من طلابه وأشهرهم الأخوان جميل ومنير بشير وغيرهم من الموسيقيين الذين درسوا في هذا المعهد أمثال الموسيقار اليمني جميل غام وتركوا تراثًا مهمًا من المؤلفات الرائعة التي تدرس اليوم في الكليات والمعاهد الموسيقية، وتُسهم في صقل العازفين العرب.

* مسلم الكثيري موسيقي وباحث عماني