موارد في خطر..
السبت / 25 / جمادى الآخرة / 1443 هـ - 20:50 - السبت 29 يناير 2022 20:50
يؤكد تقرير التنمية الصادر عن البنك الأوروبي للاستثمار لعام 2021 بعنوان «حلول عالمية، شراكات دولية»، على أن «الحد من الفقر والعمل المناخي يسيران جنبا إلى جنب»، ولذلك فإنه من المهم معرفة تلك العلاقة التي تربط بين تأثير البيئة والتحولات المناخية في اقتصادات الدول وبالتالي رفاه مجتمعاتها، الأمر الذي دفع القائمين على هذا التقرير إلى إعداد «تصنيفات للدول حسب المخاطر المناخية» التي تعرَّضت أو ستتعرَّض لها مستقبلا، بهدف الكشف عن مواطن تأثير تلك المخاطر، وطريقة التدخل التنموي الذي يمكن أن يدعم «التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه».
وانطلاقا من ذلك ميَّز التقرير بين نوعين من المخاطر المادية التي تغطي جميع الآثار المستقبلية لتغيُّر المناخ والمخاطر والكوارث الطبيعية وهي (المخاطر الحادة)، و(المخاطر المزمنة)، ولهذا فإن ما يطلق عليه بـ (مخاطر التحوُّل)؛ تتعلق بالسياسات والتنظيمات الناجمة عن اعتماد سياسات مناخية صارمة من أجل الحد من تلك المخاطر، لتحقيق التحوُّل الآمن وبالتالي القدرة على التنمية وممارسة الأعمال التجارية، ولهذا فإن الدعوة إلى اعتماد نموذج التحوُّل (منخفض الكربون) سيسهم في التخفيف من الآثار السلبية التي تخلفها التغيرات المناخية والمخاطر الطبيعية في الاقتصادات من ناحية، والبنى التحتية والتنمية من ناحية أخرى.
ولهذا فإن (البنك الأوروبي للاستثمار) باعتباره البنك المعني بالمناخ في الاتحاد الأوروبي يُلزم نفسه ـ بحسب تقريره ـ «بتخصيص 50% من (قروضه) للعمل المناخي بحلول عام 2050»، وهو ما يطلق عليه بـ (الأمر الحيوي)، ولعل هذا ما جعله يربط بين العديد من المجالات الاجتماعية والثقافية وبين تغيُّر المناخ، مثل كيفية التصدي لهذا التغيُّر من خلال المساواة بين الجنسين، والاستخدام المستدام للأراضي، وتأهيل الغابات للإنتاج الزراعي، والتدفقات الإبداعية المتعلقة بالتفكير الإبداعي، والمرونة المائية واستدامتها، إضافة إلى قدرة المدن على التنمية. إن هذه المجالات باعتبارها قواعد تنموية فإنها تشكل منظومة متكاملة بين المناخ والتنمية، وقدرة الدول على الموازنة بين أركان تلك المنظومة.
إن العلاقة بين التغيُّر المناخي والتنمية ذات أبعاد متشعبة ومتداخلة؛ حيث تقوم على مجموعة من العوامل مثل البنية التحتية والخدمات الرقمية، وكفاءة التنمية البشرية، وقدرتها على التطوير والإبداع، إضافة إلى إمكانات قياس الأثر الاقتصادي الذي يمكن أن يُحدِث تطورات تنموية مستدامة أو قابلة للاستدامة، الأمر الذي يحيلنا إلى تلك الأبعاد التي تربط بين التغيرات المناخية ومجالات الثقافة سواء أكان الأمر متعلق بالأصول الثقافية أو الفنون أو الإبداع والابتكار في تلك المجالات.
فالعلاقة بين المناخ والثقافة تعتمد على قدرة مجالات الثقافة على التفاعل أو الصمود أمام المتغيرات المناخية أو الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تكون سببا رئيسا في تدمير الكثير من الأصول الثقافية المتعلقة بالتراث الثقافي وما يرتبط بها من صناعات إبداعية، وتلك التغيرات المناخية لا تنحصر في الكوارث والأعاصير وحسب بل تتعداها ليشكل التغير في درجات الحرارة وإشكالات الانبعاثات الكربونية وغير ذلك، مخاطر أساسية وقائمة تحتاج دائما إلى حلول عملية ومستدامة، ولهذا فإن العمل على إيجاد خطة صون مستدامة قادرة على الصمود يعد اليوم مطلبا أساسيا، خاصة في ظل التنبؤات بالعديد من التغيرات المناخية التي تهدد استدامة البيئة، ولعل هذا يؤصِّل أهمية دور المحافظات في متابعة تلك التغيرات التي تؤثر على الأصول الثقافية، وتقديم الحلول لاستدامتها، إضافة إلى دعمها وتعزيز دورها الحضاري ليسهم المجتمع في حمايتها وصونها.
لقد بدأت (مؤشرات الثقافة 2030)، الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، المؤشرات المواضيعية لدور الثقافة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بـ (البيئة والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ)؛ وهو مؤشر يقدم إطارا لتقييم دور الثقافة ومساهمتها في (إقامة أماكن مستدامة)، ويُقصد بها التراث الثقافي والتراث الطبيعي والبيئة الحضرية؛ إذ تُسهم الثقافة في تحسين البيئة والقدرة على الصمود في ظل التغيرات المناخية المختلفة من خلال مجموعة من الممارسات الثقافية منها ما يتعلق بالتراث الثقافي وإدراجه في السياسات والاستراتيجيات التنموية المستدامة، الأمر الذي يسهم في الحفاظ على النظم البيئية البحرية والمناطق البحرية والنظم الإيكولوجية البرية، إضافة إلى ما تمثله علاقة الثقافة بالسياحة البيئية، والأنظمة التي تربط بينهما من ناحية التدابير والسياسات.
إن الثقافة في علاقتها بالبيئة تتأسس وفق منظومة موارد طبيعية، قادرة على فتح آفاق استدامة المدن ومواردها الاقتصادية؛ فالمحافظة على التراث الثقافي والمعارف التقليدية والموارد الطبيعية، يُسهم مباشرة في تعزيز التنمية من خلال إنتاج الأغذية عن طريق (الاقتصاد الأخضر)، و(الاقتصاد الأزرق)، مما يعني إنتاج أنظمة غذائية مستدامة، فمنذ أقدم العصور ارتبط اقتصاد المجتمعات ببيئتها وما تجود به من خيرات، وبالتالي أنظمتها الثقافية التي أسستها وفق رؤية حضارية، ولهذا فإن الحفاظ على منظومة التراث الثقافي المرتبطة بالبيئة البحرية أو الريفية أو الحضرية يجعل من تلك المجتمعات مستدامة من حيث قدرتها على الصمود في وجه المتغيرات الطبيعية والمناخية، وبالتالي المتغيرات الاقتصادية.
وقد استطاعت الثقافة من خلال صونها وحمايتها وتنميتها مساعدة الدول على تأسيس مدن ذات هُوية وطنية معرَّفة اعتمادًا على تراثها البنائي والمعماري الذي صمد على مر عصور مختلفة، إضافة إلى أن «المباني التاريخية والمساحات الخضراء والمناطق الحضرية والتصميمات الجديدة المتأنية والمتوافقة مع محيطها، والمتجذرة في مواد وسياقات محلية، تعزز الأماكن الحضرية وترسخ الهُوية الثقافية» – بحسب اليونسكو -، وبالتالي فإن المساحات الخضراء التي تُتاح للثقافة وفنونها وممارساتها تُحفز التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مما يجعلها محور أساسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ولأن (التنوع) أحد أهم آفاق الثقافة في قدرتها على التنمية، فإن (التنوع الأحيائي) يُعد من بين أهم تلك التنوعات التي تحظى بها الثقافة؛ فحيث تتميز ثقافة الدولة بالعديد من التنوعات الأحيائية المرتبطة بالبيئة، تأتي التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية لتشكل خطرا محدقا على ذلك التنوع الثقافي الأصيل؛ فنحن نستذكر تاريخ الأمم وثقافتها عن طريق مجموعة من أحافيرها المتنوعة بتنوع بيئاتها، ولهذا فإن التنوع الأحيائي لا يرتبط بالبيئة الطبيعية الصرف بقدر ارتباطه بالحضارة الإنسانية وطريقة تعاملها مع البيئة التي تعيش فيها، وقدرتها على حمايتها وصونها. إن التنوع الأحيائي باعتباره تمثيلا للثقافة والحضارة، يعتمد على إمكانات الدولة في الحفاظ عليه من ناحية، وحمايته من التغيرات المناخية التي تهدده على الدوام.
والحق أن سلطنة عُمان من بين الدول التي تمتاز بتنوع أحيائي هائل ونادر على مستويات عدة، وقد اعتنت الدولة عناية فائقة بهذا التنوع من ناحية التشريعات والإجراءات التي تسهم في حمايته، أو بإنشاء المحميات أو المناطق البرية أو الموائل أو غير ذلك من المؤسسات أو المناطق التي تسهم في حماية الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية بأنواعها، علاوة على الاهتمام الكبير بالأنواع المعرَّضة للانقراض، أو تلك المهددة به، وبالتالي اتخاذ الإجراءات التي تسهم في زيادة الأنواع واستدامتها. إن ذلك كله يُشير إلى وعي الدولة بالأهمية الحضارية والثقافية والاقتصادية انطلاقا من الأهمية البيئية لتلك الأحياء وتنوعها واستدامتها، وبالتالي يشير إلى قدرة الدولة على الاستفادة من تلك الأنواع على المستوى السياحي.
إن التنوع الأحيائي بوصفه مؤشرا ثقافيا وحضاريا، يُقدم في علاقته بالمتغيرات المناخية أنموذجا من نماذج التنمية المستدامة، ولهذا فإنه من المهم زيادة المحميات الطبيعية وتقييم الأنظمة البيئية، بما يتناسب والتغيرات المناخية المستقبلية، ذلك لأن عُمان بما تتميز به من تنوُّع ثقافي وموارد طبيعية ثرية، يجب أن تكون في مقدمة الدول المعنية بحماية البيئة واستدامتها، فبالرغم من التقدم الذي أحرزته في مؤشر الأداء البيئي العالمي لعام 2020 (المقاييس العالمية لـلبيئة: ترتيب أداء الدول بشأن قضايا الاستدامة)، إلاَّ أن الطموح لابد أن يحقق قفزات تتناسب مع ذلك الثراء الطبيعي الغني للدولة.
يبقى دوما أن خطر التغيرات البيئية المستقبلية يُهدد التنوع الثقافي والموارد الطبيعية المرتبطة به، ولأن (التنوع الثقافي من خلفنا ومن حولنا ومن أمامنا) كما قال كلود ليفي ستروس، فإن مهمتنا أفرادا ومؤسسات أن نسهم إسهاما فاعلا في الحفاظ عليه وصونه وحمايته.
عائشة الدرمكية كاتبة وباحثة عمانية متخصصة في علم السيميائيات
وانطلاقا من ذلك ميَّز التقرير بين نوعين من المخاطر المادية التي تغطي جميع الآثار المستقبلية لتغيُّر المناخ والمخاطر والكوارث الطبيعية وهي (المخاطر الحادة)، و(المخاطر المزمنة)، ولهذا فإن ما يطلق عليه بـ (مخاطر التحوُّل)؛ تتعلق بالسياسات والتنظيمات الناجمة عن اعتماد سياسات مناخية صارمة من أجل الحد من تلك المخاطر، لتحقيق التحوُّل الآمن وبالتالي القدرة على التنمية وممارسة الأعمال التجارية، ولهذا فإن الدعوة إلى اعتماد نموذج التحوُّل (منخفض الكربون) سيسهم في التخفيف من الآثار السلبية التي تخلفها التغيرات المناخية والمخاطر الطبيعية في الاقتصادات من ناحية، والبنى التحتية والتنمية من ناحية أخرى.
ولهذا فإن (البنك الأوروبي للاستثمار) باعتباره البنك المعني بالمناخ في الاتحاد الأوروبي يُلزم نفسه ـ بحسب تقريره ـ «بتخصيص 50% من (قروضه) للعمل المناخي بحلول عام 2050»، وهو ما يطلق عليه بـ (الأمر الحيوي)، ولعل هذا ما جعله يربط بين العديد من المجالات الاجتماعية والثقافية وبين تغيُّر المناخ، مثل كيفية التصدي لهذا التغيُّر من خلال المساواة بين الجنسين، والاستخدام المستدام للأراضي، وتأهيل الغابات للإنتاج الزراعي، والتدفقات الإبداعية المتعلقة بالتفكير الإبداعي، والمرونة المائية واستدامتها، إضافة إلى قدرة المدن على التنمية. إن هذه المجالات باعتبارها قواعد تنموية فإنها تشكل منظومة متكاملة بين المناخ والتنمية، وقدرة الدول على الموازنة بين أركان تلك المنظومة.
إن العلاقة بين التغيُّر المناخي والتنمية ذات أبعاد متشعبة ومتداخلة؛ حيث تقوم على مجموعة من العوامل مثل البنية التحتية والخدمات الرقمية، وكفاءة التنمية البشرية، وقدرتها على التطوير والإبداع، إضافة إلى إمكانات قياس الأثر الاقتصادي الذي يمكن أن يُحدِث تطورات تنموية مستدامة أو قابلة للاستدامة، الأمر الذي يحيلنا إلى تلك الأبعاد التي تربط بين التغيرات المناخية ومجالات الثقافة سواء أكان الأمر متعلق بالأصول الثقافية أو الفنون أو الإبداع والابتكار في تلك المجالات.
فالعلاقة بين المناخ والثقافة تعتمد على قدرة مجالات الثقافة على التفاعل أو الصمود أمام المتغيرات المناخية أو الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تكون سببا رئيسا في تدمير الكثير من الأصول الثقافية المتعلقة بالتراث الثقافي وما يرتبط بها من صناعات إبداعية، وتلك التغيرات المناخية لا تنحصر في الكوارث والأعاصير وحسب بل تتعداها ليشكل التغير في درجات الحرارة وإشكالات الانبعاثات الكربونية وغير ذلك، مخاطر أساسية وقائمة تحتاج دائما إلى حلول عملية ومستدامة، ولهذا فإن العمل على إيجاد خطة صون مستدامة قادرة على الصمود يعد اليوم مطلبا أساسيا، خاصة في ظل التنبؤات بالعديد من التغيرات المناخية التي تهدد استدامة البيئة، ولعل هذا يؤصِّل أهمية دور المحافظات في متابعة تلك التغيرات التي تؤثر على الأصول الثقافية، وتقديم الحلول لاستدامتها، إضافة إلى دعمها وتعزيز دورها الحضاري ليسهم المجتمع في حمايتها وصونها.
لقد بدأت (مؤشرات الثقافة 2030)، الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، المؤشرات المواضيعية لدور الثقافة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بـ (البيئة والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ)؛ وهو مؤشر يقدم إطارا لتقييم دور الثقافة ومساهمتها في (إقامة أماكن مستدامة)، ويُقصد بها التراث الثقافي والتراث الطبيعي والبيئة الحضرية؛ إذ تُسهم الثقافة في تحسين البيئة والقدرة على الصمود في ظل التغيرات المناخية المختلفة من خلال مجموعة من الممارسات الثقافية منها ما يتعلق بالتراث الثقافي وإدراجه في السياسات والاستراتيجيات التنموية المستدامة، الأمر الذي يسهم في الحفاظ على النظم البيئية البحرية والمناطق البحرية والنظم الإيكولوجية البرية، إضافة إلى ما تمثله علاقة الثقافة بالسياحة البيئية، والأنظمة التي تربط بينهما من ناحية التدابير والسياسات.
إن الثقافة في علاقتها بالبيئة تتأسس وفق منظومة موارد طبيعية، قادرة على فتح آفاق استدامة المدن ومواردها الاقتصادية؛ فالمحافظة على التراث الثقافي والمعارف التقليدية والموارد الطبيعية، يُسهم مباشرة في تعزيز التنمية من خلال إنتاج الأغذية عن طريق (الاقتصاد الأخضر)، و(الاقتصاد الأزرق)، مما يعني إنتاج أنظمة غذائية مستدامة، فمنذ أقدم العصور ارتبط اقتصاد المجتمعات ببيئتها وما تجود به من خيرات، وبالتالي أنظمتها الثقافية التي أسستها وفق رؤية حضارية، ولهذا فإن الحفاظ على منظومة التراث الثقافي المرتبطة بالبيئة البحرية أو الريفية أو الحضرية يجعل من تلك المجتمعات مستدامة من حيث قدرتها على الصمود في وجه المتغيرات الطبيعية والمناخية، وبالتالي المتغيرات الاقتصادية.
وقد استطاعت الثقافة من خلال صونها وحمايتها وتنميتها مساعدة الدول على تأسيس مدن ذات هُوية وطنية معرَّفة اعتمادًا على تراثها البنائي والمعماري الذي صمد على مر عصور مختلفة، إضافة إلى أن «المباني التاريخية والمساحات الخضراء والمناطق الحضرية والتصميمات الجديدة المتأنية والمتوافقة مع محيطها، والمتجذرة في مواد وسياقات محلية، تعزز الأماكن الحضرية وترسخ الهُوية الثقافية» – بحسب اليونسكو -، وبالتالي فإن المساحات الخضراء التي تُتاح للثقافة وفنونها وممارساتها تُحفز التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مما يجعلها محور أساسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ولأن (التنوع) أحد أهم آفاق الثقافة في قدرتها على التنمية، فإن (التنوع الأحيائي) يُعد من بين أهم تلك التنوعات التي تحظى بها الثقافة؛ فحيث تتميز ثقافة الدولة بالعديد من التنوعات الأحيائية المرتبطة بالبيئة، تأتي التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية لتشكل خطرا محدقا على ذلك التنوع الثقافي الأصيل؛ فنحن نستذكر تاريخ الأمم وثقافتها عن طريق مجموعة من أحافيرها المتنوعة بتنوع بيئاتها، ولهذا فإن التنوع الأحيائي لا يرتبط بالبيئة الطبيعية الصرف بقدر ارتباطه بالحضارة الإنسانية وطريقة تعاملها مع البيئة التي تعيش فيها، وقدرتها على حمايتها وصونها. إن التنوع الأحيائي باعتباره تمثيلا للثقافة والحضارة، يعتمد على إمكانات الدولة في الحفاظ عليه من ناحية، وحمايته من التغيرات المناخية التي تهدده على الدوام.
والحق أن سلطنة عُمان من بين الدول التي تمتاز بتنوع أحيائي هائل ونادر على مستويات عدة، وقد اعتنت الدولة عناية فائقة بهذا التنوع من ناحية التشريعات والإجراءات التي تسهم في حمايته، أو بإنشاء المحميات أو المناطق البرية أو الموائل أو غير ذلك من المؤسسات أو المناطق التي تسهم في حماية الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية بأنواعها، علاوة على الاهتمام الكبير بالأنواع المعرَّضة للانقراض، أو تلك المهددة به، وبالتالي اتخاذ الإجراءات التي تسهم في زيادة الأنواع واستدامتها. إن ذلك كله يُشير إلى وعي الدولة بالأهمية الحضارية والثقافية والاقتصادية انطلاقا من الأهمية البيئية لتلك الأحياء وتنوعها واستدامتها، وبالتالي يشير إلى قدرة الدولة على الاستفادة من تلك الأنواع على المستوى السياحي.
إن التنوع الأحيائي بوصفه مؤشرا ثقافيا وحضاريا، يُقدم في علاقته بالمتغيرات المناخية أنموذجا من نماذج التنمية المستدامة، ولهذا فإنه من المهم زيادة المحميات الطبيعية وتقييم الأنظمة البيئية، بما يتناسب والتغيرات المناخية المستقبلية، ذلك لأن عُمان بما تتميز به من تنوُّع ثقافي وموارد طبيعية ثرية، يجب أن تكون في مقدمة الدول المعنية بحماية البيئة واستدامتها، فبالرغم من التقدم الذي أحرزته في مؤشر الأداء البيئي العالمي لعام 2020 (المقاييس العالمية لـلبيئة: ترتيب أداء الدول بشأن قضايا الاستدامة)، إلاَّ أن الطموح لابد أن يحقق قفزات تتناسب مع ذلك الثراء الطبيعي الغني للدولة.
يبقى دوما أن خطر التغيرات البيئية المستقبلية يُهدد التنوع الثقافي والموارد الطبيعية المرتبطة به، ولأن (التنوع الثقافي من خلفنا ومن حولنا ومن أمامنا) كما قال كلود ليفي ستروس، فإن مهمتنا أفرادا ومؤسسات أن نسهم إسهاما فاعلا في الحفاظ عليه وصونه وحمايته.
عائشة الدرمكية كاتبة وباحثة عمانية متخصصة في علم السيميائيات