أعمدة

نوافذ : عبء المطلق

 
shialoom@gmail.com

أن تفترض تصورا ما؛ لأمر ما؛ خير من أن تجزم بإطلاق الحكم عليه، لأن في الجزم، أو الإطلاق خطورة كبيرة، وهذه الخطورة تتمحور حول عدم وجود استثاء ما، وهذا العدم يفضي إلى قطع الصلة بأي مرحلة قادمة من شأنها أن تؤسس مناخا آمنا يستشرف للمستقبل، مع أن حقيقة الحياة لا تقبل مثل هذه التصورات المطلقة، فكل شيء قابل للنظر فيه، وكل شيء قابل لأن يحتوي على المسألة النسبية، ولا يوجد عاقل؛ أصلا؛ يقف عند حد السيف؛ حيث لا مخرج لأي أزمة، ولا متنفس لأي ضائقة، ولذلك قد ينتابنا العجب؛ أحيانا؛ من حالة البعض من الذين يصلون إلى مرحلة اليأس، أو لا ينظرون أن في آخر النفق نور يتلألأ من شأنه أن يعطي بصيص أمل يقنع هذه النفس لأن تواصل مسيرتها بلا يأس أو كلل.

يقال: " الإفتراض نصف الحقيقة" ذلك أنه لا توجد حقيقة مطلقة في الوجود هي من صنع البشر ومآلاتهم اليومية، فكل الحقائق قابلة للنقاش، وكل حقيقة هناك حقيقة تماثلها؛ مناقضة لها، أو داعمة، لكن أن تستل الحقيقة المجردة لذاتها، وفي ذاتها؛ هذا أمر غير مستساغ في حياتنا التي نعرفها، حتى لو تكررت الأحداث لشخص ما، وأقنع نفسه أن مستهدف، وأنه غير محظوظ، وأن كل مصائب الحياة جثمت على رأسه، فإنه يظل هناك بصيص أمل عليه أن يبحث عنه بين زوايا نفسه، وبين دهاليزها المظلمة، فإقالة العثرات متوقفة على الشخص نفسه، أكثر من أي شخص آخر، صحيح؛ أن يجد أحدنا مواساة من الآخرين كنوع من التعزيز، لكن الخروج من النفق المظلم متوقف على إرادتنا، وعلى حبنا للحياة، وعلى بعد النظر الممتد لتجاوز مظان مجمل الإخفاقات التي نصطدم بها؛ مسترسلة أو متفرقة.

(عبء المطلق): إحساس معنوي نقنع به أنفسنا في مواقف المحن، فـ "المرأ في المحنة عي" في حالات خلو اليد والفاقة (لا نرى فيها المعين) مع أن المعين هو الله، وفي حالات النصرة في مواقف الظلم (لا نرى فيها النصير) مع أن النصير هو الله، في حالات الضعف والمرض (حيث تقصر يد الطبيب) مع أن المعافي هو الله؛ إذن ووفق هذه الصور، أو المواقف؛ هناك فرجة، هناك مساحة للخلاص، هناك استشراف لغد أكثر اتساعا للحلم، فلما إذن؛ نغلقه بحكم مطلق مفاده أن لا خروج من مأزق الظلمات؟.

يجتمع كل من: الإفتراض، وغالبا، والإستثناء، والحقيقة النسبية؛ لتشكل في مجموعها، ومضمونها؛ مجموعة من الحلول للخروج من مأزق الـ "مطلق" ومجموعة من الآمال، من أن الغد يظل أفضل من اليوم، وإن أغلق الناس نوافذهم أمام الغد، لما كان لهذه الحياة أن تستمر، وأن تتألق، وأن تستشرف الرؤى الأكثر تفاؤلا، وطموحات، وبالتالي تأتي كل هذه الإضاءات النفسية لتربك مشهد (عبء المطلق) وتقلص من حجم تأثيره، وتسلطه على النفوس، وتأتي أحداث الحياة برمتها فتعيش مع (عبء المطلق) عراك الانتصار والتحقق، وتظل ثيمته من مجموعة المواقف، والاحداث المأساوية، ويبقى الإنسان هو الفاعل الحقيقي للخروج من مأزقه القاسي، ومتى استطاع هذا الإنسان التخلص من هذا العبء؛ استطاع؛ أن تكون نوافذه مشرعة أمام أي أفق ممتد.