المشهد العربي وحروب الاستنزاف
الثلاثاء / 14 / جمادى الآخرة / 1443 هـ - 21:27 - الثلاثاء 18 يناير 2022 21:27
منذ انطلاق الثورات العربية عام ٢٠١١ وما نتج عن ذلك من حروب أهليه لا يزال بعضها مشتعلا كما هو الحال في سوريا واليمن والوضع العربي يراوح بين تطلعات الشعوب نحو الانفراج السياسي وحل تلك الحروب والصراعات وبين تعمق تلك الأزمات ودخول أطراف إقليمية ودوليه تحتاج إلى استمرار تلك الصراعات لأسباب اقتصادية كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية فيما يخص مبيعات السلاح الذي تجني منه تلك الدول عشرات المليارات في كل صفقه.
ومن خلال مبيعات السلاح تتصاعد وتتعقد تلك الأزمات، ولعل النموذج الصارخ هنا هي الحرب في اليمن والتي تمددت إقليميا وهذا هو منطق الحروب والصراعات علاوة على أن هناك صراعات منسية كما هو الحال في الصومال وهو بلد عربي شقيق مزقته الحروب خلال العقود الأخيرة مع فشل الجامعة العربية في إيجاد تسوية سياسية.
ومن هنا فإن المشهد السياسي في العالم العربي يدعو إلى ضرورة إيجاد منهج سياسي جديد وإلى فكر مختلف ينهي معه تلك الأزمات ويعيد البوصلة العربية إلى مسارها الصحيح ومن خلال المنطق السياسي الموضوعي ومن خلال مقاربة سياسية على مدى نصف قرن من التحولات السياسية العربية فإن النموذج العماني هو أحد أفضل النماذج على صعيد السياسة الخارجية وعلى صعيد السلوك السياسي في مواجهة كل الأزمات منذ عام ١٩٧٠ الذي شهد انطلاق النهضة العمانية الحديثة.
معاناة الشعوب
هناك معاناة كبيرة تعاني منها الشعوب العربية التي تشهد تلك الحروب والصراعات من خلال الاستنزاف من مقدراتها وثرواتها ولعل دول مثل ليبيا وهي دولة نفطية مهمة على البحر المتوسط لا تزال تعاني من المشكلات والصراعات الداخلية علاوة على التدخلات الخارجية طمعا في ثرواتها وسوريا وشعبها يعاني الأمرين وكذلك العراق واليمن وهناك دول تعاني عدم الاستقرار كلبنان وصراعاته الطائفية منذ عقود بسبب الاستعمار الفرنسي الذي وضع له دستورا طائفيا نتج عنه كل تلك المشكلات في لبنان، والعراق أيضا يعاني منذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ وحتى قبل ذلك من خلال الدخول في حروب استنزاف طويلة لعل أكثرها قسوة الحرب بين العراق وإيران.
ومن هنا فإن الحروب والصراعات هي خسارة فادحة للشعوب ومقامرة غير محسوبة للقيادات السياسية والتي تحركها في كثير من الأحيان غرور القوة والمعلومات المظللة والقراءة غير الصحيحة لتطورات الأحداث.
وأمام هذا المشهد السياسي العربي الصعب ومعاناة تلك الشعوب لا تستطيع أن تفعل شيئا، فالوضع في السودان ينحدر إلى الأسوأ وهناك الوضع المدمر في اليمن والمأساة الإنسانية الكبرى للشعب اليمني علاوة على الوضع المتردي في الصومال ومعظم الدول العربية عدا دول مجلس التعاون ومصر والدول المغاربية ومن هنا فإن المشهد العربي هو في وضع مزرٍ على صعيد معاناة الشعوب والذي تحول جزء منها إلى لاجئين في الدول الغربية وتركيا ومن هنا فإن الرجوع مجددا إلى أهمية النموذج الواقعي هو الحل الصحيح للخروج من هذه المشكلات وهو الأمر الذي سلكته دول جنوب شرق آسيا بعد حروب طاحنة خلال عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وها هي الآن دول مزدهرة اقتصاديا وتسجل معدلات نمو جيدة وليس هناك معاناة للحروب والصراعات.
النموذج العماني
عندما نشير دوما إلى أهمية النموذج العماني كنموذج ناجح وواقعي على صعيد إدارة السياسة الخارجية على مدى أكثر من نصف قرن فإن العاطفة الوطنية ليست الباعث الأساسي للحديث عن هذا النموذج الناجح إقليميا ودوليا ولكن الأحداث تتحدث عن نفسها علاوة على المصداقية التي تتمتع بها سياسة سلطنة عمان من قبل المجتمع الدولي.. حيث كان لبلادنا أدوار مشهودة على صعيد المساهمة في حل وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في عدد من الملفات المعقدة. كما أن سلطنة عمان هي الدولة العربية التي تتمتع بالحياد الإيجابي في كل سلوكها السياسي ومن هنا فإن هذا النموذج العربي العماني ينبغي أن يكون أحد الخيارات لمشاكل المشهد العربي الذي لا يسر أحدا خاصة وأن شرارات تلك الحروب بدأت في التمدد إلى دول المنطقة، كما هو الحال في إخطار الملاحة البحرية وتهديد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والجزيرة العربية ولعل نموذج الحرب في اليمن هو النموذج الصارخ على حروب الاستنزاف وهي تدخل عامها السابع دون جدوى للحسم العسكري ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي يحتاج إلى مراجعة وتفكير خارج الصندوق كما يقال، فالمنطق السياسي يقول إن الحروب لا جدوى منها حتى لو حسم بعضها عسكريا تبقي آثارها ودمارها متواصلا وقد تندلع مرات عديدة. فاليمن على مدى تاريخه الحديث شهد العديد من الحروب وما ينطبق على اليمن ينطبق على بقية الدول العربية كالصومال وسوريا وليبيا ودول أخرى غير مستقرة.
وفي الحقيقية فإن السياسة الخارجية لسلطنة عمان هي الأكثر واقعية ونجاحا على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهذه بشهادة خبراء في العلاقات الدولية شارك بعضهم في ملفات صعبة لعل في مقدمتها المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الكبرى والتي كانت جولتها قبل الأخيرة في مسقط، وتم التوقيع على الاتفاق عام ٢٠١٥ في العاصمة النمساوية فيينا وها هي المفاوضات تتواصل مجددا للوصول إلى حل للعودة إلى ذلك الاتفاق الذي جنب المنطقة حربا كارثية وكان لسلطنة عمان وقيادتها السياسية وللسلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، الدور البارز في الوصول إلى ذلك الاتفاق الإستراتيجي، وهناك ملف النفط مقابل الغذاء أثناء الحصار الغربي الظالم على العراق وشعبه، حيث كان للدبلوماسية العمانية في الأمم المتحدة دور مشهود بالتعاون مع عدد من الدول في مجلس الأمن انتهى بذلك الاتفاق المهم لإنقاذ الشعب العراقي من ذلك الحصار الذي كانت له تداعيات إنسانية مدمرة كما هو الحال الآن في الكارثة الإنسانية في اليمن حيث يعاني الشعب اليمني الأمرين من تلك الحرب التي ليس لها أفق سياسي للحل حتى الآن.
وهنا نذكر بالجهد الدبلوماسي العماني الذي يتواصل رغم تعقيد الأزمة اليمنية ولكنه حرص القيادة السياسية وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، على إيجاد حل سياسي ووقف تلك الحرب والتي تحولت إلى حرب استنزاف بين الفرقاء داخل اليمن وخارجه وتحولت إلى حرب إقليمية.
وقد مرت أكثر من عشر سنوات على الثورات العربية والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية ويبدو أن مرور هذا الوقت يتطلب مراجعة في السياسات خاصة على صعيد استمرار تلك الأزمات فالجميع يخسر مقدرات كبيرة كان من الممكن أن تستغل في التنمية وتطوير المجتمعات والشعوب بما فيها تلك الدول التي تشتعل فيها الحروب كاليمن والصومال مثلا ومن الحصافة السياسية أن تكون هناك مراجعة وتقييم وهذا شيء مهم فالاستمرار في الأخطاء هو سلوك غير صحيح ولا يعطي الأمل للحياة الكريمة لملايين الشعوب وأن استنزاف الأموال في مبيعات السلاح لن يغير من واقع الجغرافيا شيئا ولكنه يزيد من معاناة الشعوب ويزيد من الكراهية وهي أقسى نتائج تلك الصراعات فهل يتغير المشهد السياسي العربي ونشهد انحسارا حقيقيا خلال هذا العام لكل تلك الأزمات والصراعات تدخل الدول العربية مرحلة جديدة تقوم على التعاون والاحترام المتبادلين وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتكامل الاقتصادي وهي المبادئ الأصيلة للسياسة الخارجية العمانية.
• عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي عماني
ومن خلال مبيعات السلاح تتصاعد وتتعقد تلك الأزمات، ولعل النموذج الصارخ هنا هي الحرب في اليمن والتي تمددت إقليميا وهذا هو منطق الحروب والصراعات علاوة على أن هناك صراعات منسية كما هو الحال في الصومال وهو بلد عربي شقيق مزقته الحروب خلال العقود الأخيرة مع فشل الجامعة العربية في إيجاد تسوية سياسية.
ومن هنا فإن المشهد السياسي في العالم العربي يدعو إلى ضرورة إيجاد منهج سياسي جديد وإلى فكر مختلف ينهي معه تلك الأزمات ويعيد البوصلة العربية إلى مسارها الصحيح ومن خلال المنطق السياسي الموضوعي ومن خلال مقاربة سياسية على مدى نصف قرن من التحولات السياسية العربية فإن النموذج العماني هو أحد أفضل النماذج على صعيد السياسة الخارجية وعلى صعيد السلوك السياسي في مواجهة كل الأزمات منذ عام ١٩٧٠ الذي شهد انطلاق النهضة العمانية الحديثة.
معاناة الشعوب
هناك معاناة كبيرة تعاني منها الشعوب العربية التي تشهد تلك الحروب والصراعات من خلال الاستنزاف من مقدراتها وثرواتها ولعل دول مثل ليبيا وهي دولة نفطية مهمة على البحر المتوسط لا تزال تعاني من المشكلات والصراعات الداخلية علاوة على التدخلات الخارجية طمعا في ثرواتها وسوريا وشعبها يعاني الأمرين وكذلك العراق واليمن وهناك دول تعاني عدم الاستقرار كلبنان وصراعاته الطائفية منذ عقود بسبب الاستعمار الفرنسي الذي وضع له دستورا طائفيا نتج عنه كل تلك المشكلات في لبنان، والعراق أيضا يعاني منذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ وحتى قبل ذلك من خلال الدخول في حروب استنزاف طويلة لعل أكثرها قسوة الحرب بين العراق وإيران.
ومن هنا فإن الحروب والصراعات هي خسارة فادحة للشعوب ومقامرة غير محسوبة للقيادات السياسية والتي تحركها في كثير من الأحيان غرور القوة والمعلومات المظللة والقراءة غير الصحيحة لتطورات الأحداث.
وأمام هذا المشهد السياسي العربي الصعب ومعاناة تلك الشعوب لا تستطيع أن تفعل شيئا، فالوضع في السودان ينحدر إلى الأسوأ وهناك الوضع المدمر في اليمن والمأساة الإنسانية الكبرى للشعب اليمني علاوة على الوضع المتردي في الصومال ومعظم الدول العربية عدا دول مجلس التعاون ومصر والدول المغاربية ومن هنا فإن المشهد العربي هو في وضع مزرٍ على صعيد معاناة الشعوب والذي تحول جزء منها إلى لاجئين في الدول الغربية وتركيا ومن هنا فإن الرجوع مجددا إلى أهمية النموذج الواقعي هو الحل الصحيح للخروج من هذه المشكلات وهو الأمر الذي سلكته دول جنوب شرق آسيا بعد حروب طاحنة خلال عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وها هي الآن دول مزدهرة اقتصاديا وتسجل معدلات نمو جيدة وليس هناك معاناة للحروب والصراعات.
النموذج العماني
عندما نشير دوما إلى أهمية النموذج العماني كنموذج ناجح وواقعي على صعيد إدارة السياسة الخارجية على مدى أكثر من نصف قرن فإن العاطفة الوطنية ليست الباعث الأساسي للحديث عن هذا النموذج الناجح إقليميا ودوليا ولكن الأحداث تتحدث عن نفسها علاوة على المصداقية التي تتمتع بها سياسة سلطنة عمان من قبل المجتمع الدولي.. حيث كان لبلادنا أدوار مشهودة على صعيد المساهمة في حل وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في عدد من الملفات المعقدة. كما أن سلطنة عمان هي الدولة العربية التي تتمتع بالحياد الإيجابي في كل سلوكها السياسي ومن هنا فإن هذا النموذج العربي العماني ينبغي أن يكون أحد الخيارات لمشاكل المشهد العربي الذي لا يسر أحدا خاصة وأن شرارات تلك الحروب بدأت في التمدد إلى دول المنطقة، كما هو الحال في إخطار الملاحة البحرية وتهديد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والجزيرة العربية ولعل نموذج الحرب في اليمن هو النموذج الصارخ على حروب الاستنزاف وهي تدخل عامها السابع دون جدوى للحسم العسكري ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي يحتاج إلى مراجعة وتفكير خارج الصندوق كما يقال، فالمنطق السياسي يقول إن الحروب لا جدوى منها حتى لو حسم بعضها عسكريا تبقي آثارها ودمارها متواصلا وقد تندلع مرات عديدة. فاليمن على مدى تاريخه الحديث شهد العديد من الحروب وما ينطبق على اليمن ينطبق على بقية الدول العربية كالصومال وسوريا وليبيا ودول أخرى غير مستقرة.
وفي الحقيقية فإن السياسة الخارجية لسلطنة عمان هي الأكثر واقعية ونجاحا على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهذه بشهادة خبراء في العلاقات الدولية شارك بعضهم في ملفات صعبة لعل في مقدمتها المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الكبرى والتي كانت جولتها قبل الأخيرة في مسقط، وتم التوقيع على الاتفاق عام ٢٠١٥ في العاصمة النمساوية فيينا وها هي المفاوضات تتواصل مجددا للوصول إلى حل للعودة إلى ذلك الاتفاق الذي جنب المنطقة حربا كارثية وكان لسلطنة عمان وقيادتها السياسية وللسلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، الدور البارز في الوصول إلى ذلك الاتفاق الإستراتيجي، وهناك ملف النفط مقابل الغذاء أثناء الحصار الغربي الظالم على العراق وشعبه، حيث كان للدبلوماسية العمانية في الأمم المتحدة دور مشهود بالتعاون مع عدد من الدول في مجلس الأمن انتهى بذلك الاتفاق المهم لإنقاذ الشعب العراقي من ذلك الحصار الذي كانت له تداعيات إنسانية مدمرة كما هو الحال الآن في الكارثة الإنسانية في اليمن حيث يعاني الشعب اليمني الأمرين من تلك الحرب التي ليس لها أفق سياسي للحل حتى الآن.
وهنا نذكر بالجهد الدبلوماسي العماني الذي يتواصل رغم تعقيد الأزمة اليمنية ولكنه حرص القيادة السياسية وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، على إيجاد حل سياسي ووقف تلك الحرب والتي تحولت إلى حرب استنزاف بين الفرقاء داخل اليمن وخارجه وتحولت إلى حرب إقليمية.
وقد مرت أكثر من عشر سنوات على الثورات العربية والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية ويبدو أن مرور هذا الوقت يتطلب مراجعة في السياسات خاصة على صعيد استمرار تلك الأزمات فالجميع يخسر مقدرات كبيرة كان من الممكن أن تستغل في التنمية وتطوير المجتمعات والشعوب بما فيها تلك الدول التي تشتعل فيها الحروب كاليمن والصومال مثلا ومن الحصافة السياسية أن تكون هناك مراجعة وتقييم وهذا شيء مهم فالاستمرار في الأخطاء هو سلوك غير صحيح ولا يعطي الأمل للحياة الكريمة لملايين الشعوب وأن استنزاف الأموال في مبيعات السلاح لن يغير من واقع الجغرافيا شيئا ولكنه يزيد من معاناة الشعوب ويزيد من الكراهية وهي أقسى نتائج تلك الصراعات فهل يتغير المشهد السياسي العربي ونشهد انحسارا حقيقيا خلال هذا العام لكل تلك الأزمات والصراعات تدخل الدول العربية مرحلة جديدة تقوم على التعاون والاحترام المتبادلين وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتكامل الاقتصادي وهي المبادئ الأصيلة للسياسة الخارجية العمانية.
• عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي عماني