أفكار وآراء

ذكرى النهضة المتجددة ومرتكزات المرحلة

جاء الخطاب السامي الذي ألقاه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - أمس بمناسبة الذكرى الثانية لتولي جلالته الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير مركزا على تحديات المرحلة الصعبة اقتصاديا وصحيا التي تجاوزت بلادنا الجزء الأكبر منها، حيث المؤشرات الإيجابية على الصعيد الاقتصادي، وأيضا مؤشرات منظمات التصنيف الدولية التي تحدثت عن مستقبل 'جيد' و'مستقر' للاقتصاد الوطني علاوة على انخفاض العجز برقم قياسي اقترب من ٦٠%، وتحسن المؤشرات بالنسبة لتنامي القطاعات غير النفطية، وقد ركز الخطاب السلطاني على جملة من المرتكزات التي هي محور اهتمام جلالته والحكومة وفي مقدمتها المرتكز الاقتصادي وتنمية المحافظات والتي أعطيت اهتماما كبيرا من خلال اللقاءات من قبل جلالته - حفظه الله - مع شيوخ وأعيان عدد من المحافظات خاصة محافظات الداخلية والوسطى وجنوب الشرقية وشمال الشرقية وسبقتها قبل ذلك محافظة ظفار، وسوف تتواصل تلك اللقاءات المباركة مع شيوخ وأعيان سلطنة عمان.

وتابع الرأي العام في عُمان وحتى الرأي العام في المنطقة والعالم أمس وفي الأيام الماضية اللقاءات مع شيوخ عدد من المحافظات علاوة على الخطاب السلطاني الذي جاء مركزا على جملة من المرتكزات الوطنية، وكان لافتا في الخطاب السلطاني أن التحديات كانت صعبة في ظل مواجهة النهضة المتجددة جملة من المصاعب والتحديات خاصة الانخفاض الكبير في أسعار النفط وموضوع الجائحة وأيضا المديونية والعجز الكبير في موازنة الدولة.

ويمكن القول إن سلطنة عمان ومن خلال الجهود الكبيرة التي بذلها جلالته بدون كلل ومع التوجيهات والمتابعة الحثيثة تحدث جلالته عن ارتياحه لما تحقق من تطورات إيجابية على صعيد الملف الاقتصادي وهذا يعطي مؤشرا أن خطة التوازن المالي تمضي بشكل جيد مع الممكنات الاقتصادية والاجتماعية.

إن تطوير محافظات سلطنة عمان أصبح حقيقة واقعة، حيث تحدث جلالته أن قانون المحافظات سيصدر قريبا، وأن دور المحافظين والمجالس البلدية سوف يكون كبيرا من حيث التخطيط والتنفيذ فيما يخص تنمية المحافظات، كما أن مضاعفة الموازنات الخاصة بالمحافظات يعطي مؤشرا على نقلة نوعية تنتظر محافظات سلطنة عمان في المرحلة القادمة، حيث ركز الخطاب السلطاني أمس، وأيضا حوارات جلالته مع شيوخ وأعيان عدد من المحافظات على موضوع الفكر المتجدد فيما يخص المحافظات واستقلال قرارها التنفيذي بعيدا عن المركزية والبيروقراطية من خلال التركيز على إدارة المحافظات من قبل المحافظين والولاة والمجالس البلدية وأفراد المجتمع وهذه خطوة في غاية الأهمية.

مرتكزات الخطاب السلطاني

ركز الخطاب السلطاني على جملة من المعطيات، وهي في أغلبها تخص الملف الاقتصادي، حيث إن قضايا الاستثمار المحلي ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وزيادة مبالغ التمويل في بنك التنمية العماني إلى ٨٦ مليون ريال عماني خلال العام الحالي وأيضا دور القطاع الخاص فيما يخص إيجاد فرص العمل وأيضا موضوع التأهيل للشباب ودعم ريادة الأعمال كل تلك المرتكزات سوف تحدث تنمية مستدامة وتنشيط الاقتصاد الوطني الذي يسير الآن باتجاه التعافي من خلال تسجيل أرقام إيجابية كانت محل إشادة عدد من المنظمات المالية الدولية وأيضا الصحف الاقتصادية المتخصصة كما أن الموقع الاستراتيجي لسلطنة عمان يضيف لها ميزة تنافسية من خلال القطاعات اللوجستية ومن خلال الاستثمار في القطاعات الحيوية التي حددتها رؤية 'عمان ٢٠٤٠'.

ومن هنا فإن الخطاب السلطاني جاء معبرا عن المشهد الاقتصادي والاجتماعي وضرورة أن يقوم كل مواطن بواجبه تجاه وطنه ومن خلال التكاتف وبذل الجهود المشتركة كل في مجاله ومن خلال زيادة الإنتاجية وتجويد العمل فإن بلادنا أمام مرحلة تبشر بالخير فتجاوز المرحلة الصعبة يعني أن الإجراءات الحكومية تهدف إلي إيجاد استدامة مالية وتنويع مصادر الدخل وتنشيط الاستثمار المحلي والخارجي.

وهناك مؤشرات واعدة خاصة في المناطق الاقتصادية الخاصة مثل الدقم وأيضا المناطق الحرة في صلالة وصحار وبقية المناطق علاوة على دور المناطق الصناعية كما أن موضوع الأداء الحكومي هو من القضايا التي ركز عليها خطاب جلالته - حفظه الله - من خلال إيجاد الحلول الشاملة.

المحافظة على الهوية وفي غمرة الانشغال بالهم الاقتصادي فإن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - ركّز على قضايا الهوية باعتبار أن سلطنة عمان ذات تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، وأن الانفتاح على الآخر لا بدَّ أن يكون متوازنا من خلال الحفاظ على الهوية الوطنية وتراث الأجداد والسمات الحضارية للشخصية العمانية، والتي أصبحت مثار إعجاب واحترام الشعوب ومن هنا فإن التركيز على هذه المفردات الحضارية من قبل جلالته - حفظه الله - تعطي مؤشرا على التوازن وأهميته، وإن التحديث مطلوب، وأيضا الحفاظ على الهوية الوطنية مطلوب.

وهذا ما جعل سلطنة عمان تتميز بتلك السمات الحضارية، وهذا شيء مهم وينبغي المحافظة عليه، وهنا لا بدّ من تكريس ذلك عبر المؤسسات التعليمية والأندية الرياضية والثقافية وجمعيات المجتمع المدني حتى تتواصل منظومة القيم المجتمعية واللحمة الوطنية التي كانت مثار إعجاب العالم خاصة عندما تعرضت بلادنا للأنواء المناخية.

لقد شكل الخطاب السلطاني أمس المرتكزات الأساسية للمرحلة القادمة على مستوى العمل الوطني وسوف تتحقق الآمال الوطنية على كل المستويات من خلال رؤية جلالته الحكيمة وصبره ومثابرته وبإيمانه أن سلطنة عمان وشعبها في حفظه سبحانه وتعالى، وسوف تحقق بلادنا - إن شاء الله - وخلال سنوات قليلة قادمة، نقلة نوعية في كل المجالات ومن المهم أن يقوم كل منا بواجبه الوطني من خلال المشاركة الفعالة كل في موقعه، وهناك تصميم وإرادة وطنية من قبل جلالة السلطان المعظم على تحقيق تلك الآمال الوطنية بمساندة شعبه الوفي والمحب لقيادته ووطنه العزيز.

• عوض باقوير كاتب صحفي ومحلل سياسي