ما تسيء الولايات المتحدة فهمه بشأن روسيا
• نينا إل.خروشوفا أستاذة الشؤون الدولية، والعميدة المساعدة للشؤون الأكاديمية بجامعة نيو سكول، وهي حفيدة ليونيد خروتشوف، الابن البكر لرئيس الوزراء السوفييتي السابق نيكيتا خروتشوف
الاحد / 28 / جمادى الأولى / 1443 هـ - 19:27 - الاحد 2 يناير 2022 19:27
NINA K
لاشك أن الإعلان عن إجراء محادثات أمنية بين روسيا والولايات المتحدة في وقت قريب، أصبح موضع ترحيب نظراً لحشد الآلاف من القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية. ورغم أن وقف تصعيد التوترات ليس مضمونًا، من الصعب جدًا تجاهل شخص موجود في نفس الغرفة.
وهذا بالضبط ما كانت روسيا والدول الغربية تفعله خلال معظم السنوات ال21 التي قضاها فلاديمير بوتين في الحكم. وكانت هناك، بالطبع، فترة شهر عسل قصيرة. إذ في عام 2001، ادعى الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، أنه نظر إلى نظيره الروسي 'في عينه' وامتلك 'إحساسًا بروحه'، وهو ما كان 'واضحًا جدًا ومباشرًا وجديرا بالثقة'. وقدم بوتين الدعم في الأشهر الأولى من التدخل الأمريكي في أفغانستان. ولكن الأمور بدأت تسوء منذ ذلك الحين. إذ يتضح فشل الدول الغربية المستمر في فهم بوتين أكثر في التقييمات الأمريكية لسياسة روسيا في أوكرانيا- لا سيما ادعاء كبار المسؤولين الأمريكيين أن بوتين ربما يسعى إلى 'إعادة تشكيل الاتحاد السوفيتي' ليكون جزءا من 'مشروع إرث'. ومن السهل أن ندرك لماذا قد يعتقد المرء ذلك. إن إعراب بوتين عن أسفه مؤخرًا اتجاه انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 30 عامًا بالضبط، معتبرا ذلك 'مأساة' ونهاية 'روسيا التاريخية'، لم يكن الأول من نوعه. ويأتي التعزيز الحالي للقوات بعد أقل من عقد من غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بصورة غير قانونية. ولكن الاستنتاج القائل بأن بوتين يحاول تحقيق نوع من إعادة توحيد السوفيات أمر سهل. إذ من المؤكد أن الدبلوماسي والاستراتيجي الأمريكي الراحل جورج ف. كينان- مهندس سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، والذي أجريتُ له بحثًا في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون في التسعينيات من القرن العشرين- كانت ستكون له وجهة نظر أكثر دقة. وقد يجادل كينان بأن أفضل طريقة لتفسير سلوك روسيا هي عقلية 'الأمة الخاصة'. إن الروس يرددون صدى الاستثناء الأمريكي؛ فهم يشعرون أن بلدهم قوة عظمى في الأساس ولها دور تاريخي محوري تضطلع به. ووفقًا لاستطلاع عام 2020، يدعم 58٪ من الروس اتباع الدولة 'طريقها الخاص'، ويعتقد 75٪ أن الحقبة السوفيتية كانت 'أعظم وقت' في تاريخ بلادهم.
ومع ذلك، وبصورة حاسمة، أفاد 28٪ فقط من المستجيبين بأنهم يريدون 'العودة إلى المسار الذي كان يسير عليه الاتحاد السوفيتي'. وبعبارة أخرى، ما يريده الروس ليس إعادة إحياء الاتحاد السوفيتي، بل بالأحرى الحفاظ على مكانة بلادهم ونفوذها، مما يعني الحفاظ على مجال نفوذها. ودائما ما كانت الفكرة القائلة بأن الدول الغربية يمكنها متابعة توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا دون رد فعل حماقةً خالصة.
وأدرك كينان هذا منذ البداية. إذ في عام 1998، عندما صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على توسع الناتو ليشمل بولندا، والمجر، وجمهورية التشيك، توقع أن تتصرف روسيا 'بصورة عكسية تدريجيًا'، وأن الغرب يدعي أن هذا هو 'ما يفعله الروس'. ومنذ ذلك الحين، توسع الناتو ليشمل 11 دولة أخرى شيوعية سابقة، بما في ذلك ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة. ومن المؤكد أن بوتين يطالب الآن بأن يرفض الناتو عضوية دول الاتحاد السوفيتي السابق، ويقلص انتشاره العسكري في وسط أوروبا وشرقها. وكان من الطبيعي أن رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها ذلك. والواقع أن الغرب رفض باستمرار مخاوف الكرملين الأمنية المتعلقة بالدول السوفيتية السابقة، وصوّر المقاومة الروسية لتوسع الناتو باتجاه الشرق على أنها انتقام بجنون العظمة. ويقول المنطق أن لا أحد يهدد روسيا؛ بل روسيا هي التي تهدد جيرانها، بما في ذلك من خلال غزو جورجيا في عام 2008، وأوكرانيا في عام 2014. ولكن الدول الغربية لا تستطيع أن تتوقع بعقلانية أن يقبل الكرملين بدون نقاش ادعاء الناتو بأنه تحالف دفاعي بحت. فعلى أي حال، منذ نهاية الحرب الباردة، اقترب الناتو أكثر فأكثر من حدود روسيا، واحتضن الأراضي التي ترتبط بها روسيا تاريخيا وجغرافيا وأمنيا. وهذا ليس كل ما يخطئ الغرب فيه بشأن روسيا. إذ يبدو أن الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا مقتنعون أيضًا بأن تصاعد المشاعر القومية التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم قد تلاشى إلى الأبد. ومرة أخرى، من السهل تمييز أسباب هذا التصور. إذ عندما أصبح القتال في شرق أوكرانيا أكثر سفكا للدماء، كان على دعاة الكرملين العمل لوقت إضافي لتعزيز شعبية بوتين. وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما فقط: وبمرور الوقت، سئم الروس من الخطاب المتشدد، واليوم، بالكاد لديهم الرغبة في شن الحروب. ولكن هذا لا يعني أن الروس على استعداد للتضحية بأمنهم المتصور؛ بل على العكس من ذلك، من خلال تجاهل مخاوف الروس بشأن الناتو، ستعزز الولايات المتحدة وأوروبا دعمهما لبوتين. وبالفعل، يلقي 4٪ فقط من الروس باللوم على الكرملين في زيادة القوات مؤخرًا، بينما يلقي الباقون باللوم على الولايات المتحدة أو أوكرانيا. وعندما يرتدي الممثل الكوميدي الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي تحول إلى رئيس، البذلة العسكرية ويمتدح الجيش، أو يمارس ضغوطا من أجل التزام صارم بعضوية البلاد في الناتو، يفهم المواطنون الروس العاديون أن هناك تهديدًا أمنيًا على الحدود- وأنه ليست القوات الروسية هي التي تم حشدها الآن هناك. وما يفعله السياسيون الأوكرانيون هو فقط تعزيز هذا الانطباع بإعلانهم أن البلاد يجب أن تستعد لاستعادة شبه جزيرة القرم بالقوة. وتريد الولايات المتحدة منع تكرار أحداث 2014 في أوكرانيا.
ويبدو أن هذا هو الشيء العادل الذي يجب القيام به. ولكن الجغرافيا السياسية هي مسألة حسابات باردة وليست عدالة. ورغم أن الولايات المتحدة 'الاستثنائية' طالما تمكنت من التصرف لخدمة مصلحتها الاستراتيجية دون 'العواقب التي تترتب على القيام بذلك'، كما أشار إلى ذلك أحد المؤلفين، فقد حان الوقت لتُفسر المتغيرات الجديدة- وهي أن الروس أيضًا يعتبرون بلادهم دولة استثنائية. وما لم يتغير ذلك وإلى أن يحدث، ستستمر دورة الأزمات، مع تصاعد المخاطر، التي ربما ستكون كارثية.
وأشار كينان إلى أن 'هذه هي القدرة التدميرية للأسلحة الحديثة المتقدمة، وأن صراعًا كبيرًا آخر بين أي من القوى الرائدة يمكن أن يلحق بالبنية الكاملة للحضارة الحديثة أضرارا لا يمكن إصلاحها'.
وهذا بالضبط ما كانت روسيا والدول الغربية تفعله خلال معظم السنوات ال21 التي قضاها فلاديمير بوتين في الحكم. وكانت هناك، بالطبع، فترة شهر عسل قصيرة. إذ في عام 2001، ادعى الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، أنه نظر إلى نظيره الروسي 'في عينه' وامتلك 'إحساسًا بروحه'، وهو ما كان 'واضحًا جدًا ومباشرًا وجديرا بالثقة'. وقدم بوتين الدعم في الأشهر الأولى من التدخل الأمريكي في أفغانستان. ولكن الأمور بدأت تسوء منذ ذلك الحين. إذ يتضح فشل الدول الغربية المستمر في فهم بوتين أكثر في التقييمات الأمريكية لسياسة روسيا في أوكرانيا- لا سيما ادعاء كبار المسؤولين الأمريكيين أن بوتين ربما يسعى إلى 'إعادة تشكيل الاتحاد السوفيتي' ليكون جزءا من 'مشروع إرث'. ومن السهل أن ندرك لماذا قد يعتقد المرء ذلك. إن إعراب بوتين عن أسفه مؤخرًا اتجاه انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 30 عامًا بالضبط، معتبرا ذلك 'مأساة' ونهاية 'روسيا التاريخية'، لم يكن الأول من نوعه. ويأتي التعزيز الحالي للقوات بعد أقل من عقد من غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بصورة غير قانونية. ولكن الاستنتاج القائل بأن بوتين يحاول تحقيق نوع من إعادة توحيد السوفيات أمر سهل. إذ من المؤكد أن الدبلوماسي والاستراتيجي الأمريكي الراحل جورج ف. كينان- مهندس سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، والذي أجريتُ له بحثًا في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون في التسعينيات من القرن العشرين- كانت ستكون له وجهة نظر أكثر دقة. وقد يجادل كينان بأن أفضل طريقة لتفسير سلوك روسيا هي عقلية 'الأمة الخاصة'. إن الروس يرددون صدى الاستثناء الأمريكي؛ فهم يشعرون أن بلدهم قوة عظمى في الأساس ولها دور تاريخي محوري تضطلع به. ووفقًا لاستطلاع عام 2020، يدعم 58٪ من الروس اتباع الدولة 'طريقها الخاص'، ويعتقد 75٪ أن الحقبة السوفيتية كانت 'أعظم وقت' في تاريخ بلادهم.
ومع ذلك، وبصورة حاسمة، أفاد 28٪ فقط من المستجيبين بأنهم يريدون 'العودة إلى المسار الذي كان يسير عليه الاتحاد السوفيتي'. وبعبارة أخرى، ما يريده الروس ليس إعادة إحياء الاتحاد السوفيتي، بل بالأحرى الحفاظ على مكانة بلادهم ونفوذها، مما يعني الحفاظ على مجال نفوذها. ودائما ما كانت الفكرة القائلة بأن الدول الغربية يمكنها متابعة توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا دون رد فعل حماقةً خالصة.
وأدرك كينان هذا منذ البداية. إذ في عام 1998، عندما صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على توسع الناتو ليشمل بولندا، والمجر، وجمهورية التشيك، توقع أن تتصرف روسيا 'بصورة عكسية تدريجيًا'، وأن الغرب يدعي أن هذا هو 'ما يفعله الروس'. ومنذ ذلك الحين، توسع الناتو ليشمل 11 دولة أخرى شيوعية سابقة، بما في ذلك ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة. ومن المؤكد أن بوتين يطالب الآن بأن يرفض الناتو عضوية دول الاتحاد السوفيتي السابق، ويقلص انتشاره العسكري في وسط أوروبا وشرقها. وكان من الطبيعي أن رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها ذلك. والواقع أن الغرب رفض باستمرار مخاوف الكرملين الأمنية المتعلقة بالدول السوفيتية السابقة، وصوّر المقاومة الروسية لتوسع الناتو باتجاه الشرق على أنها انتقام بجنون العظمة. ويقول المنطق أن لا أحد يهدد روسيا؛ بل روسيا هي التي تهدد جيرانها، بما في ذلك من خلال غزو جورجيا في عام 2008، وأوكرانيا في عام 2014. ولكن الدول الغربية لا تستطيع أن تتوقع بعقلانية أن يقبل الكرملين بدون نقاش ادعاء الناتو بأنه تحالف دفاعي بحت. فعلى أي حال، منذ نهاية الحرب الباردة، اقترب الناتو أكثر فأكثر من حدود روسيا، واحتضن الأراضي التي ترتبط بها روسيا تاريخيا وجغرافيا وأمنيا. وهذا ليس كل ما يخطئ الغرب فيه بشأن روسيا. إذ يبدو أن الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا مقتنعون أيضًا بأن تصاعد المشاعر القومية التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم قد تلاشى إلى الأبد. ومرة أخرى، من السهل تمييز أسباب هذا التصور. إذ عندما أصبح القتال في شرق أوكرانيا أكثر سفكا للدماء، كان على دعاة الكرملين العمل لوقت إضافي لتعزيز شعبية بوتين. وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما فقط: وبمرور الوقت، سئم الروس من الخطاب المتشدد، واليوم، بالكاد لديهم الرغبة في شن الحروب. ولكن هذا لا يعني أن الروس على استعداد للتضحية بأمنهم المتصور؛ بل على العكس من ذلك، من خلال تجاهل مخاوف الروس بشأن الناتو، ستعزز الولايات المتحدة وأوروبا دعمهما لبوتين. وبالفعل، يلقي 4٪ فقط من الروس باللوم على الكرملين في زيادة القوات مؤخرًا، بينما يلقي الباقون باللوم على الولايات المتحدة أو أوكرانيا. وعندما يرتدي الممثل الكوميدي الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي تحول إلى رئيس، البذلة العسكرية ويمتدح الجيش، أو يمارس ضغوطا من أجل التزام صارم بعضوية البلاد في الناتو، يفهم المواطنون الروس العاديون أن هناك تهديدًا أمنيًا على الحدود- وأنه ليست القوات الروسية هي التي تم حشدها الآن هناك. وما يفعله السياسيون الأوكرانيون هو فقط تعزيز هذا الانطباع بإعلانهم أن البلاد يجب أن تستعد لاستعادة شبه جزيرة القرم بالقوة. وتريد الولايات المتحدة منع تكرار أحداث 2014 في أوكرانيا.
ويبدو أن هذا هو الشيء العادل الذي يجب القيام به. ولكن الجغرافيا السياسية هي مسألة حسابات باردة وليست عدالة. ورغم أن الولايات المتحدة 'الاستثنائية' طالما تمكنت من التصرف لخدمة مصلحتها الاستراتيجية دون 'العواقب التي تترتب على القيام بذلك'، كما أشار إلى ذلك أحد المؤلفين، فقد حان الوقت لتُفسر المتغيرات الجديدة- وهي أن الروس أيضًا يعتبرون بلادهم دولة استثنائية. وما لم يتغير ذلك وإلى أن يحدث، ستستمر دورة الأزمات، مع تصاعد المخاطر، التي ربما ستكون كارثية.
وأشار كينان إلى أن 'هذه هي القدرة التدميرية للأسلحة الحديثة المتقدمة، وأن صراعًا كبيرًا آخر بين أي من القوى الرائدة يمكن أن يلحق بالبنية الكاملة للحضارة الحديثة أضرارا لا يمكن إصلاحها'.