النفعيون والثقافة في تشكيل الرأي العام
• حصة البادي كاتبة و أكاديمية عمانية
الاحد / 28 / جمادى الأولى / 1443 هـ - 19:22 - الاحد 2 يناير 2022 19:22
تبنى الثقافة على معارف وقراءات تراكمية يكتسبها الإنسان عبر مراحل حياته، فيطور هذه المكتسبات بتفعيلها استيعابا وتأملا وتحليلا، ثم إرسالا عبر المتاح من قنوات التواصل الإنساني رسائل شفهيةً أو كتابيةً أو حتى سلوكيةً؛ لذلك تعول الأمم على وعي مثقفيها المخلصين، وأدوارهم العضوية للمساهمة في بناء الوعي المجتمعي، وتشكيل الرأي العام وتوجيهه حول قضايا المجتمع الأهم، ومهامه الأعظم.
ولن يتأتى ذلك حين تفرغ الثقافة من مضمونها، والوعي من محتواه، فتصبح الثقافة عصاً مجوّفةً يهشّ بها مثقفٌ على منفعته، أو مطيّة عرجاء يسيّرها آخرٌ لشنّ حملات أحقاده الشخصية، وفي كل ذلك يتم تجييش العامة انفعاليا عبر استغلال ثغرة في الوعي، أو أزمة في الوقت ليتسلق بقضه، وقضيض أصحابه من الوصوليين إلى مآربه عبر استفزاز مشاعر العامة واستثارة انفعالهم تجاه احتياجاتهم اليومية أو مطالبهم العامة.
وقد نتساءل: هل يعيش بيننا مثقفون كهؤلاء؟ للأسف نعم، يعيش هؤلاء في كل مكان وزمان، لكن تأثيرهم يصغر تدريجيا ثم ينحسر كلما كانت الشعوب أكثر وعيا، وأقل تأثرا بزوابع انفعالية يغذيها مثقفون متسلقون على قضايا شعبية وطنية أو إنسانية عامة.
ومع تطور انفتاح العالم على وسائل إعلام غير تقليدية تمكّن كلا من المخلص الفاعل، والمتسلق الخامل لأبراجها الشاهقة، وجماهيرها الغفيرة، ومع نزعات الانفعال الجماعي جرّاء 'ترند'موجّه منظّم، صار الأمر أكثر خطورةً. خصوصا حينما تضعف ذاكرة المستقبل (أفرادا أو مجتمعات) فلا تؤتى الذاكرة -حينها- مخزنا للمواقف، ومختبرا لغربلة ادعاءات الحاضر بدحضها بمخزون سابق من تسلقات سابقة، وخذلانات عامة لا تنسى.
ولتكتلات المصالح أشكال يعرفها الممحص لها من بين مجموع المدّعى من كتابات أو لقاءات الرأي المدّعاة من قبل المتسلقين من المثقفين، أو مدعي الثقافة، من بينها:
- تحفيز الرأي العام عبر استنفار العامة، واستفزاز عاطفتهم بركوب قضية آنية يراد لها أن تكون 'مستصغر الشرر' الذي تصيّر به معظم النار، وإن كانت هذه الوسيلة فرديةً فيما مضى من سنوات، فقد تبدلت أحوالها لتكبر دائرة المتسلقين وتكبر معها جهودهم المنظّمة لأسهل الوسائل على التواصل الاجتماعي، وبما يملك بعضهم من حلقات جماهيرية يحققون – حسب ظنهم – نشوة الانتصار بنيل أهدافهم التي يعتقدون بأنها صارت فزّاعات يرعبون بها كل مخالف لأرائهم أو معارض لغير المعلن من مصالحهم الشخصية، أو يجعلونها طعْما يغرون بها أتباعا يضمونهم لفريق التسلق والمنفعة.
- نقد المخالفين -كذلك- شكل من أشكال تكتلات المصالح التي تطرأ كالفطر، وتنتشر كالنار في الهشيم، إذ لا أسهل من إغراء الكسالى بوصول سريع وتسلق سهل. ولا ينبغي أن يظن -هنا- أن المخالفة مخالفة رأي أو خوف على مصلحة وطن، أو خدمة لقضايا شعب، بل هي مجرد تعارض مصالح، فلا ينشط هؤلاء إلا لمصالحهم الشخصية بإيهام الجمهور بأنهم لسانهم المخلص، وقلمهم الصادق.أما اختلاف الرأي الذي يبنى على إخلاص و يخْلص إلى تكامل خدمة لقضية عامة، أو هدف نبيل فلا يعرفه هؤلاء من قريب أو بعيد.
- توجيه الرأي العام للبديل المقترح بأساليب لا تخفى عن الحاذق الفطن: وهنا نجد بأنهم يحاولون توجيه الرأي العام، بل وحتى متخذي القرار بأحقية البديل المنتخب من قبلهم، ذلك الذي قاموا بصنعه وتضخيمه وتفخيمه والزج به في المشهد العام، وجعله المنقذ من الهاوية، والمخلّص من الهلاك. وما الهلاك المراد لديهم إلا هلاك مصالحهم المتبادلة وألوانهم المستعارة التي ستبْهت بعد حين لا محالة.
وقد تستخدم هذه التكتلات النفعية كلّ هذه الأشكال مجتمعة وبشكل متنافر واضح تحقيقا لأسرع وصول إلى سلّم منافعهم الذي اعتادوا وصوله فرادى، فظنوا أنه أسرع وأعلى إن عملوا جماعات تدعي الرأي، وتصطنع الإخلاص.
ويبقى الوعي هو المعوّل عليه تعطيلا لهذه التكتلات؛ وصولا لانكفائها عن تشويش وتضليل وعي العامة ورأيها الموجه للتنمية أحيانا، أو المعطل لها أحيانا أخرى، وفي قليل من الأحيان قد يصل هؤلاء لقناعة مفادها أن هذا الدرب من استغلال الكلمة حبلا للوصول لضفة المصلحة الشخصية على حساب قضايا وطنية لم يكن خيارا واعيا، ولا قرارا صائبا في مجتمع يعي جيدا تلك الأحابيل، ويفنّد جيدا تلك الأباطيل.
وأخيرا، ليس'الترند' مؤشرا صادقا لأهمية محتواه، فلو صدق هؤلاء في ثقافتهم مع أنفسهم لن يستغرق تفنيد ذلك أكثر من أسبوع واحد ليجدوا بين طيّات'الترند' كثيرا من الغث، قليلا من سمين المحتوى وعميق الطرح، فلا فرح ولا بشرى بـ 'ترند' هنا أو 'هاشتاغ 'هناك ما لم يلتفت إلى موضوعات أعمق وأطروحات أصدق.
وأخيرا: لا بدّ للرأي أن يصل أوان صدقه وأن يتّبع حين إخلاصه، مهما اختلفنا في الرؤى، أو تبادلنا من الأدوار، ولا بدّ لصاحب الرأي من المثقفين الصادقين أن ينبروا لتشكيله رأيا عاما، وتوجيهه وعيا مجتمعيا، وصنعه قرارا وطنيا، وحينها فقط نجزم جميعا 'مع المتنبي' بأن:
'الرأي قبل شجاعة الشجعان.. هو أولٌ وهي المحل الثاني'
ولن يتأتى ذلك حين تفرغ الثقافة من مضمونها، والوعي من محتواه، فتصبح الثقافة عصاً مجوّفةً يهشّ بها مثقفٌ على منفعته، أو مطيّة عرجاء يسيّرها آخرٌ لشنّ حملات أحقاده الشخصية، وفي كل ذلك يتم تجييش العامة انفعاليا عبر استغلال ثغرة في الوعي، أو أزمة في الوقت ليتسلق بقضه، وقضيض أصحابه من الوصوليين إلى مآربه عبر استفزاز مشاعر العامة واستثارة انفعالهم تجاه احتياجاتهم اليومية أو مطالبهم العامة.
وقد نتساءل: هل يعيش بيننا مثقفون كهؤلاء؟ للأسف نعم، يعيش هؤلاء في كل مكان وزمان، لكن تأثيرهم يصغر تدريجيا ثم ينحسر كلما كانت الشعوب أكثر وعيا، وأقل تأثرا بزوابع انفعالية يغذيها مثقفون متسلقون على قضايا شعبية وطنية أو إنسانية عامة.
ومع تطور انفتاح العالم على وسائل إعلام غير تقليدية تمكّن كلا من المخلص الفاعل، والمتسلق الخامل لأبراجها الشاهقة، وجماهيرها الغفيرة، ومع نزعات الانفعال الجماعي جرّاء 'ترند'موجّه منظّم، صار الأمر أكثر خطورةً. خصوصا حينما تضعف ذاكرة المستقبل (أفرادا أو مجتمعات) فلا تؤتى الذاكرة -حينها- مخزنا للمواقف، ومختبرا لغربلة ادعاءات الحاضر بدحضها بمخزون سابق من تسلقات سابقة، وخذلانات عامة لا تنسى.
ولتكتلات المصالح أشكال يعرفها الممحص لها من بين مجموع المدّعى من كتابات أو لقاءات الرأي المدّعاة من قبل المتسلقين من المثقفين، أو مدعي الثقافة، من بينها:
- تحفيز الرأي العام عبر استنفار العامة، واستفزاز عاطفتهم بركوب قضية آنية يراد لها أن تكون 'مستصغر الشرر' الذي تصيّر به معظم النار، وإن كانت هذه الوسيلة فرديةً فيما مضى من سنوات، فقد تبدلت أحوالها لتكبر دائرة المتسلقين وتكبر معها جهودهم المنظّمة لأسهل الوسائل على التواصل الاجتماعي، وبما يملك بعضهم من حلقات جماهيرية يحققون – حسب ظنهم – نشوة الانتصار بنيل أهدافهم التي يعتقدون بأنها صارت فزّاعات يرعبون بها كل مخالف لأرائهم أو معارض لغير المعلن من مصالحهم الشخصية، أو يجعلونها طعْما يغرون بها أتباعا يضمونهم لفريق التسلق والمنفعة.
- نقد المخالفين -كذلك- شكل من أشكال تكتلات المصالح التي تطرأ كالفطر، وتنتشر كالنار في الهشيم، إذ لا أسهل من إغراء الكسالى بوصول سريع وتسلق سهل. ولا ينبغي أن يظن -هنا- أن المخالفة مخالفة رأي أو خوف على مصلحة وطن، أو خدمة لقضايا شعب، بل هي مجرد تعارض مصالح، فلا ينشط هؤلاء إلا لمصالحهم الشخصية بإيهام الجمهور بأنهم لسانهم المخلص، وقلمهم الصادق.أما اختلاف الرأي الذي يبنى على إخلاص و يخْلص إلى تكامل خدمة لقضية عامة، أو هدف نبيل فلا يعرفه هؤلاء من قريب أو بعيد.
- توجيه الرأي العام للبديل المقترح بأساليب لا تخفى عن الحاذق الفطن: وهنا نجد بأنهم يحاولون توجيه الرأي العام، بل وحتى متخذي القرار بأحقية البديل المنتخب من قبلهم، ذلك الذي قاموا بصنعه وتضخيمه وتفخيمه والزج به في المشهد العام، وجعله المنقذ من الهاوية، والمخلّص من الهلاك. وما الهلاك المراد لديهم إلا هلاك مصالحهم المتبادلة وألوانهم المستعارة التي ستبْهت بعد حين لا محالة.
وقد تستخدم هذه التكتلات النفعية كلّ هذه الأشكال مجتمعة وبشكل متنافر واضح تحقيقا لأسرع وصول إلى سلّم منافعهم الذي اعتادوا وصوله فرادى، فظنوا أنه أسرع وأعلى إن عملوا جماعات تدعي الرأي، وتصطنع الإخلاص.
ويبقى الوعي هو المعوّل عليه تعطيلا لهذه التكتلات؛ وصولا لانكفائها عن تشويش وتضليل وعي العامة ورأيها الموجه للتنمية أحيانا، أو المعطل لها أحيانا أخرى، وفي قليل من الأحيان قد يصل هؤلاء لقناعة مفادها أن هذا الدرب من استغلال الكلمة حبلا للوصول لضفة المصلحة الشخصية على حساب قضايا وطنية لم يكن خيارا واعيا، ولا قرارا صائبا في مجتمع يعي جيدا تلك الأحابيل، ويفنّد جيدا تلك الأباطيل.
وأخيرا، ليس'الترند' مؤشرا صادقا لأهمية محتواه، فلو صدق هؤلاء في ثقافتهم مع أنفسهم لن يستغرق تفنيد ذلك أكثر من أسبوع واحد ليجدوا بين طيّات'الترند' كثيرا من الغث، قليلا من سمين المحتوى وعميق الطرح، فلا فرح ولا بشرى بـ 'ترند' هنا أو 'هاشتاغ 'هناك ما لم يلتفت إلى موضوعات أعمق وأطروحات أصدق.
وأخيرا: لا بدّ للرأي أن يصل أوان صدقه وأن يتّبع حين إخلاصه، مهما اختلفنا في الرؤى، أو تبادلنا من الأدوار، ولا بدّ لصاحب الرأي من المثقفين الصادقين أن ينبروا لتشكيله رأيا عاما، وتوجيهه وعيا مجتمعيا، وصنعه قرارا وطنيا، وحينها فقط نجزم جميعا 'مع المتنبي' بأن:
'الرأي قبل شجاعة الشجعان.. هو أولٌ وهي المحل الثاني'