أفكار وآراء

وداعا عام التقلبات والانقلابات والفرص الضائعة

ساعات قليلة ونودع العام 2021 الذي يستحق أن نطلق عليه عام التقلبات العالمية الكبيرة، وعام إعادة التأرجح بين الأمل وبين الحذر، وبين التفاؤل والتشاؤم في المستقبل، بعد أن شهدت البشرية في بدايته تفشيا واسعا العالم لفيروس كورونا كوفيد-19 في بدايته، ثم استردت جزءا من عافيتها بعد حصار الفيروس باللقاحات في منتصفه، ثم العودة للمواجهة بعد ظهور المتحور الجديد أوميكرون في نهايته.

أما على المستوى العربي فرغم أنه شهد إعادة اللحمة الخليجية في قمة العلا التي أنهت الأزمة الدبلوماسية مع قطر التي استمرت لأكثر من ثلاثة سنوات، فقد كان أيضا عام الفرص الضائعة لإنهاء معاناة الشعوب وجلب الاستقرار في مناطق الأزمات في سوريا واليمن وليبيا.

كان 2021 عاما غريبا شهد متناقضات عديدة وردة إنسانية في مناطق كثيرة من العالم. فقد بدأ بأول محاولة انقلاب على الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها، عندما اقتحم أنصار الرئيس الأمريكي السابق والغاضب والخاسر في انتخابات 2020 دونالد ترامب مبنى الكونجرس وتعطيل تصديقه على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي إلى السلطة.

ويمكن القول إن هذه المحاولة الفاشلة كانت مقدمة مشجعة لعدد من الانقلابات العسكرية الناجحة التي أطاحت بالحكم المدني وضربت دولا عدة في آسيا وإفريقيا.

بدأ عام الانقلابات في صباح اليوم الأول من فبراير في ميانمار بإعلان الجيش الاستيلاء على السلطة واعتقال مستشارة الدولة وزعيمة المعارضة السابقة أون سان سو تشي والرئيس وين مينت وقادة الحزب الحاكم وإعلان حالة الطوارئ بدعوى أن الانتخابات التي جاءت بها إلى السلطة كانت مزورة. وفي 24 مايو وقع انقلاب عسكري في دولة مالي كان هو الانقلاب الثالث الذي تشهده البلد الأفريقي الفقير خلال العشر سنوات الأخيرة. واعتقل الجيش الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار أواني ووزير الدفاع سليمان دوكوري.

وفي 25 يوليو فاجأ الرئيس التونسي العالم بالانقلاب على الدستور الذي أتى به إلى الحكم، وإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان المنتخب وإعلان 'تدابير استثنائية' اعتبرت إلغاء لدستور 2014، وفي سبتمبر قاد عسكريون انقلابا عسكريا في غينيا أطاح بحكومة الرئيس ألفا كوندي وعطل العمل بالدستور.

وفي أكتوبر نقض الجناح العسكري المشارك في السلطة في السودان الاتفاق على تداول السلطة مع المدنيين، وأقالوا حكومة عبد الله حمدوك واعتقلوا رئيسها ووزرائها.

الواقع أن هذه الانقلابات التي نجحت في الإطاحة بحكومات منتخبة كانت أهم ما ميز عام 2021 مع تراجع الإيمان بالديمقراطية كطريقة فعالة وناجعة للحكم في العديد من الدول خاصة بعد أن أظهرت أزمة كورونا وانهيار الأنظمة الصحية في بعض الدول أن الدول التي لديها حكومات مدنية لم تكن أفضل حالا من تلك التي يحكمها عسكريون.

وتشير التوقعات في هذا الصدد إلى اتساع رقعة الديكتاتورية في العالم خاصة في ظل استمرار أزمة كورونا والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها. ولعل هذا ما دفع الولايات المتحدة إلى جمع العالم الديمقراطي أو ما تظنه كذلك، في آخر شهور السنة في قمة أسمتها 'قمة من أجل الديمقراطية'، والتي استهدفت مواجهة النظم الاستبدادية ومكافحة الفساد ودعم حقوق الإنسان. ورغم ما أحاط بهذه القمة من شكوك باعتبارها محاولة لتقسيم دول العالم على أسس الحرب الباردة وقصر الدعوات لها على الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة دولا ديمقراطية، فقد عقدت القمة عبر الفيديو، وضمت ممثلين من نصف دول العالم تقريبا (110 دولة)، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية وشركات.

وقد غابت كل الدول العربية ولم توجه لها الدعوة للمشاركة في تلك القمة باستثناء العراق، كما غابت عنها كل الدول الإفريقية باستثناء أربع دول فقط جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية ونيجيريا والنيجر. ولم تخرج القمة بنتائج ملموسة وكانت كما وصفها بعض المحللين 'مضللة ومضيعة للوقت' وهو ما قد يعزز التصور بأن الديمقراطية كفلسفة حكم لم تعد صالحة لتحقيق الحكم الرشيد.

وكما كان عام 2021 عاما للانقلاب على الديمقراطية عالميا، فقد كان عاما استمر فيه ضياع الفرص العربية واحدة تلو الأخرى لإنهاء الحروب والنزاعات العربية- العربية والحروب الأهلية وإعادة الاستقرار والتوجه إلى الوحدة والتضامن.

وباستثناء توقيع قادة ورؤساء وفود القمة الخليجية في 'العلا' في المملكة العربية السعودية على وثيقة المبادئ التي أنهت الأزمة مع قطر، لم تشهد القضايا العربية العالقة تحسنا ملموسا، وأضيف لها أزمتان جديدتان، الأولى بإعلان الجزائر في 24 أغسطس قطع علاقاتها مع المملكة المغربية بسبب ما وصفته الجزائر 'بالأعمال العدائية من المملكة المغربية التي لم تتوقف ضد الجزائر'.

وترتب على ذلك إيقاف أنبوب الغاز الجزائري الذي يمر من المغرب إلى أوروبا. أما الأزمة الثانية فوقعت بين المملكة العربية السعودية ولبنان على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي حول حرب اليمن، والتي أدت إلى استدعاء سفراء لبنان في عدة دول خليجية للتعبير عن الاحتجاج، ومن ثم طرد السعودية ودول أخرى السفراء اللبنانيين لديها واستدعاء سفرائها من لبنان، ووقف جميع الواردات اللبنانية إلى المملكة.

في السياق نفسه استمرت أعمال العنف في العراق فوقعت انفجارات في بغداد في يناير وفي يوليو في الناصرية أودت بحياة المئات من الأبرياء. وفي ليبيا ورغم انتخاب رئيس للمجلس الرئاسي ورئيس للحكومة في فبراير، فإن الانتخابات التي كان من المتوقع إجراؤها في ديسمبر لم تجرَ، وتم تأجيلها وهو ما ينذر بتجدد الصراع المسلح مرة أخرى في البلاد. ورغم الجهود الدبلوماسية الأممية والعربية الواسعة التي شهدها العام 2021 لحلحلة الأزمة اليمنية فقد استمر القتال في عدة جبهات.

وفي مارس أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة جادة لحل الأزمة حظيت بتأييد دولي أممي وأمريكي وأوروبي، لكونها تتضمن وقف إطلاق النار وإعادة فتح مطار صنعاء والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحديدة واستئناف المفاوضات بين الحكومة والحوثيين، ومع ذلك فقد رفض الحوثيون المبادرة واستمر التصعيد العسكري الذي يواصل قتل الأبرياء، وبلغ عدد ضحاياه بنهاية 2021 وفق تقديرات للأمم المتحدة 377 ألف قتيل، ويفاقم أزمة الغذاء في البلد الذي يواجه أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم. ولا يختلف الحال كثيرا في الأزمة السورية المستمرة، والتي بدأت عقدها الثاني في مارس الماضي دون أن تلوح في الأفق بوادر الإنهاء التام لها بعد أن حصدت أرواحا أكثر من 400 ألف شخص وتهجير 13 مليونا من السوريين داخل وخارج البلاد.

هكذا كان العام الذي نودعه بعد ساعات، والأمل كل الأمل في العام القادم أن يكون عاما للسلام والاستقرار في كل ربوع العالم، وخاصة في الدول العربية التي تعاني من أزمات في الداخل أو الخارج، الحياة قصيرة ولا تستحق كل هذا العناء وكل هذا الصراع الدامي الذي تغذيه الدول الكبرى وشركات وإمبراطوريات تجارة السلاح. يحتاج العالم إلى هدنة للتعافي ليس فقط من أثار كورونا، ولكن أيضا من الآثار المدمرة للتسلط والسلطوية، والعنف، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغياب العدالة العالمية. ما أحوجنا اليوم ونحن نستقبل عاما جديدا أن ندعو الله أن ينعم على البشر في كل العالم في العام الجديد بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يجعله خيرا من سابقه.