أعمدة

نوافذ: الموت في أرضية الملعب

 
حزن كبير فجّرته الوفاة المفاجئة للاعب نادي مسقط ومنتخب سلطنة عُمان مخلد الرقادي خلال تدريبات الإحماء لفريقه قُبيل انطلاق مباراته مع نادي السويق هذا الأسبوع ضمن دوري عمانتل لكرة القدم. ومع إيماننا بأنه 'لكل أجل كتاب'، وأنْ لا أحد يمكن أن يموت متأخرًا أو متقدمًا عن موعده، إلا أن هذه الحادثة، وما خلّفته وراءها من تداعيات وتساؤلات وردود أفعال لا ينبغي أن تمر مرور الكرام دون دراستها على الأقل، وضمان الخروج منها باستفادة مستقبلية قصوى، لا تتعلق بالرياضة هنا بقدر ما تتعلق بأهمية الحفاظ على حياة الإنسان.

كانت وفاة الرقادي وهو ابن تسعة وعشرين عامًا فقط، نتيجة إصابته بأزمة قلبية حادة ظل يعاني بعدها نصف ساعة حسب إفادات زملائه بلا إسعافات أولية، وبلا سيارة إسعاف أو أطباء في الملعب، قبل أن يتم حمله إلى المستشفى على سيارة نصف نقل 'بيك أب' كما روى اللاعب أحمد كانو في حسابه على سناب شات. وهذا هو الدرس الأول. إذْ لا ينبغي التساهل في وجود فريق طبي كامل وسيارة إسعاف مجهزة قبل فترة كافية من بداية أي مباراة، ولا ينبغي أن تكون التكلفة المادية لهذا الأمر عائقًا أو حُجة، فهي مهما بلغت، لا يمكن أن تساوي حياة إنسان، كما أنه في ظل الزيادة الملحوظة عالميًا في الأزمات القلبية التي تصيب اللاعبين في الملعب، بات من الضروري توفير جهاز صدمات القلب الكهربائية الخارجي الآلي AED في كل نادٍ وفريق، وهو جهاز لا تتجاوز قيمته ألف ريال، لكن من شأنه أن ينقذ حياة المصابين بالنوبات القلبية المفاجئة، وميزته أنه متنقل وسهل الاستخدام من الجميع وليس فقط من الأطباء، ويمكن أن يضطلع بعملية الإسعاف الأولي للمصاب ريثما يُنقَل إلى العناية المركزة.

في الأول من ديسمبر الجاري، وبعد اثنتي عشرة دقيقة فقط من بدء مباراة تشيلسي وواتفورد في الدوري الإنجليزي قرر حكم المباراة ديفيد كوت إيقافها لإصابة أحد المشجعين في المدرجات بنوبة قلبية، ولم تُستأنف المباراة إلا بعد نصف ساعة جرى خلالها إسعاف المتفرج ثم نقله إلى المستشفى. قبل ذلك بشهرين، وفي الدوري الإنجليزي نفسه، توقفت مباراة نيوكاسل وتوتنهام في السابع عشر من أكتوبر، بعد أربعين دقيقة من بدئها وللسبب نفسه؛ إصابة أحد المشجعين بأزمة قلبية، حيث ركض أفراد الطاقم الطبي للناديين إلى المدرجات لإسعاف هذا المتفرج. لا أطرح هذين المثالين القريبين لأقارن بين الدوريَيْن الإنجليزي والعُماني لا سمح الله، فلستُ من هواة جلد الذات، وأعلم جيدًا أن 'مسقط' ليس تشلسي، والسويق ليس 'توتنهام'، المقارنة هنا تخص التعامل الإنساني مع الموضوع، وهو ما يمكن عَدُّه الدرسَ الثاني؛ فالمباراتان توقفتا لإصابة متفرج في المدرجات، بينما أصر القائمون على الدوري العُماني على إقامة مباراة ناديَيْ السيب وعُمان في الملعب ذاته الذي سقط فيه اللاعب، وبعد ساعتين فقط من وفاته!، فإذا كان الاتحاد العُماني لكرة القدم غير قادر على اتخاذ قرار إيقاف مباراة لسبب قاهر كهذا، فكيف بالقرارات المصيرية الأخرى التي ينتظرها منه عشاق كرة القدم في البلاد.

عزاؤنا في هذا الرحيل المبكّر لمخلد الرقادي أنه مات أثناء تأديته واجبه، وأنه ترك في حياته القصيرة سيرة حسنة أشاد بها كل من عرفه وتعامل معه، وظهرتْ تفاصيلها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ لحظة رحيله. وإن خير ما يمكن أن يُقدَّم له من تكريم اليوم أن يُقضَى على الأسباب التي أدت إلى وفاته، ليكون في موته حياةٌ لغيره.