ثقافة

«معهد الخبرة العربية».. معين متدفق لـ«الفصحى» يغترف منه الأجانب صغارا وكبارا

أصغر طلابه الصيني «يو سايمو» بسنواته الـ7!

 
جيمس هونتر سنيل: حبي للقهوة كان مفتاحا لتعلم اللغة العربية.. حيث ترتبط القهوة بالكرم والضيافة عند العرب

رجيل منويلا: أقوم بتدريس الإسبانية وأحببت تعلم اللغة العربية واللهجة العمانية لأتعامل مع طلابي

ناصر الجابري: فكرة إنشاء المعهد انطلقت من رؤية السلطان قابوس -طيب الله ثراه- المهتمة باللغة العربية

وبشت مسفن: الشعب العماني طيب ويرحب بالضيوف وهذا يساعد على تعلم اللغة العربية

والدة الطالب الصيني يو سايمو : من المهم أن يجيد ابني اللغة العربية خاصة ونحن نعيش في عمان

كتب - عامر بن عبدالله الأنصاري

يحتفل العالم في الثامن عشر من ديسمبر كل عام باليوم العالمي للغة العربية، ويعد هذا التاريخ ذكرى إدخال اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في الثامن عشر من ديسمبر عام 1973 بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، وذلك تطبيقا لمقترح تقدمت به المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية لمنظمة اليونسكو.

ويأتي إدراج اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة نظرا لما تكتسبه من أهمية كبيرة إذ تعتبر اللغة الرسمية التي يتحدث بها ما يقارب 430 مليون نسمة يعيشون في العالم العربي ويمثلون 5% من سكان العالم أجمع.

وبالحديث بشكل أعمق عن اللغة العربية، فإنها لغة ذات بعد إيماني وعقدي وأدبي وفكري وفني، وترتبط بالتاريخ العربي ومقدساته، فهي لغة «القرآن الكريم»، ولغة الشعر العربي منذ عصور ما قبل الإسلام إذ حفظت هذه الأشعار والدواوين وتناقلت عبر الفصحاء من العرب الذين برعوا في فنون اللغة العربية من بديع وبيان، فليست اللغة العربية لغة تخاطب فحسب، بل لغة يبدع فيها العرب لما لها من مفردات واسعة تكاد تكون الأكثر من بين لغات العالم، فكان العرب يطوعون اللغة العربية لصنع إبداعاتهم في الشعر والبيان ليوثقوا مواد تاريخية غنية تصف الحروب والحب والفخر والشوق والأطلال وكذلك البيئة المحيطة في تلك العصور الغابرة، وإلى اليوم، لذلك فإن التمسك باللغة العربية هو شيء من الانتماء قبل أن يكون واجبا يحتم على الأجيال المحافظة عليه.

الاهتمام باللغة العربية اهتمام واسع، ليس من أبناء الإقليم العربي فحسب، وليس من معتنقي الدين الإسلامي فقط، إنما جاوز هذا الاهتمام دولا أخرى وديانات لا ترتبط باللغة العربية إطلاقا.

ففي زيارة إلى الصين بعام 2016، قابلنا عددا من الصينيين الذي يجيدون التحدث باللغة العربية الفصحى، فتبين لنا أن بعضهم مترجمون، وبعضهم طلاب لغة عربية في الصين، وكان معنا «وفدَ جريدة عمان» في بعض الرحلات يساعدوننا في الترجمة ونساعدهم في تعلم بعض المصطلحات، وهذا مثال وحيد من بين أمثلة أخرى عديدة.

نجد هذا الاهتمام اليوم بـ«كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها»، فهي تستضيف العديد من الأجانب المحبين للغة العربية والحريصين عليها، وبشكل موازن انطلق مشروع عماني في تعليم اللغة العربية لغير العرب، وهو ما نسلط حوله الضوء في هذه الأسطر، وهو «معهد الخبرة العربية» لصاحبه ناصر بن محمد الجابري، الذي يستقطب عددا من المهتمين باللغة العربية من مختلف الأجانب القادمين إلى سلطنة عمان لتعلم اللغة العربية خصوصا ومن الجاليات الأجنبية المقيمة بسلطنة عمان، ومن مختلف الأعمار كذلك، وأصغر طلابه سنا الطالب الصيني «يو سايمو» والذي اختارت له عائلته اسم «ياسر» و يبلغ من العمر 7 سنوات.

وهنا وقفة مع ناصر الجابري للحديث عن مشروعه، وكذلك نستضيف عددا من طلاب المعهد لنعرف منهم ما الذي دفعهم لتعلم اللغة العربية.

رسالة لكافة الشعوب

بداية تحدث ناصر الجابري عن تأسيس المعهد، قائلا: «تم تأسيس معهد الخبرة العربية في 18 نوفمبر من عام 2015، والمعهد يستقبل الأجانب بشكل خاص، إلى جانب استقبال العرب لدراسة اللغة العربية بصورة تخصصية، فالخدمات التي يقدمها المعهد لمنتسبيه هي تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، والتعريف بالتقاليد والثقافة العمانية، وكذلك تعليم مهارات الخط العربي، إلى جانب الدورات التخصصية في علوم اللغة العربية».

وتابع الجابري حديثه قائلا: «فكرة إنشاء المعهد انطلقت من الرؤية الحكيمة للسلطان قابوس -طيب الله ثراه- حيث اهتم باللغة العربية وحرص على الحفاظ عليها، كما جاء في فكري أننا كعمانيين لدينا أسماء تاريخية لامعة في علوم اللغة العربية وعلى رأسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، فنحن أحفاده وهذه لغتنا ويجب أن نحمل رايتها وتقديم رسالتنا للشعوب العالمية كافة».

وتحدث الجابري عن الطلاب المنتسبين للمعهد، قائلا: «لدينا طلاب من مختلف الدول، من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هولندا، ومن سويسرا، ومن الصين، ومن البوسنة، من الجنسين ومن مختلف الأعمار».

وفيما يتعلق بنظام التعليم قال: «لدينا دورات قصيرة، وطويلة، ولدينا 6 مستويات، لكل مستوى مرحلتان كذلك، فمثلا المستوى الأول (أ)، والمستوى الأول (ب)، والمستوى الثاني (أ)، والمستوى الثاني (ب)، وهكذا حتى المستوى السادس، وبناء على تقييمات يتم تحديد مستوى الطالب، والتقييمات تعتمد على مهارات القراءة والكتابة والتحدث، ويمنح المعهد شهادة اجتياز عن كل مستوى وتعتمد الشهادة على عدد الساعات المعتمدة».

وحول الخطط المستقبلية للمعهد قال: «نطمح لتأسيس الجمعية العمانية للمهتمين باللغة العربية، وكذلك نعمل على فكرة إنشاء اختبارات للغة العربية بعنوان (إنجاز) مقارنة باختباري (التوفل) و(الايلتس) للغة الإنجليزية».

وأخيرا تحدث الجابري عن تعاون المعهد مع مختلف المؤسسات، قائلا: «هناك بعض التعاون والتفاهمات مع جامعات خارجية، وكذلك السفارات، وكذلك بعض الصحفيين من الصحف الغربية، واتحادات كرة القدم، والمستشفيات».

تأثير القهوة

المنتسب للمعهد، الأمريكي «جيمس هونتر سنيل» يخبرنا عن تجربته بتعلم اللغة العربية بقوله: «أنا متخصص في علم اللغات، وطلبت الجامعة مني أن أدرس لغة أخرى فاخترت اللغة العربية، وربما يكون غريبا نوعا ما سبب اختياري للغة العربية، ويكمن السبب في كوني من محبي القهوة، وبلغ إلى مسمعي ارتباط القهوة في الوطن العربي بإكرام الضيف، فكان هذا السبب مدخلا أو محفزا لتعلمي اللغة العربية، كما أنني أنوي إقامة مشروع متخصص بالقهوة بدول الخليج، أما عن مستوى تعلم اللغة العربية فأجد أنها سهلة وممتعة وخاصة في ظل التطور الذي نشهده الذي أتاح التوصل إلى المعلومة كوسيلة مساعدة، إضافة إلى ما يقدمه المعهد من دورات تعليم اللغة العربية، واللغة العربية ليست صعبة، فيها القواعد الواضحة، فإذا عرفت القواعد ستكون الأمور ميسرة جدا، وكذلك اللغة العربية فيها مفردات كثيرة جدا يمكن أن نستخدمها لإيصال المعلومة».

الشعب العماني

أما الطالب الأمريكي «وبشت مسفن» فهو في المستوى الرابع في الدراسة، ويقول: «أنا من المتخصصين بالعلاقات الدولية، وأقرأ كثيرا في تخصصي، وخاصة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالشرق الأوسط، وعرفت أن أول سفير عماني للولايات المتحدة أحمد بن نعمان الكعبي الذي عرفت عنه وعن عمان الكثير، وبعد تخرجي شدني هذا الإقليم، سلطنة عمان، وحرصت على تعلم اللغة العربية فيها والتعرف أكثر على ملامحها، من تاريخ وعادات وتقاليد وثقافة».

وعن تقييمه للغة العربية قال: «تعلم اللغة العربية أمر صعب في الحقيقة، ولكن البرنامج التعليمي القوي، والمعلم المتمكن، والبيئة المحيطة بي في عمان طوعت هذه الصعوبة، إضافة إلى الشعب العماني الطيب الذي يرحب بالتواصل معه والاختلاط به، هذا أمر يساعد كثيرا في تعلم اللغة العربية، والذي زادني حبا باللغة العربية أنني قرأت أن اللغة العربية من اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، وكذلك هناك 22 دولة تتحدث اللغة العربية لذلك يمكنني أن أتقرب منها جميعا».

عمان.. إلى الأبد

وعن الطالب الصيني «يو سايمو» والتحاقه بالمعهد، تحدثت والدته بقولها: «نحن مسلمون، نريد أن يتعلم ابننا اللغة العربية، وقد نعيش في سلطنة عُمان إلى الأبد، لهذا السبب نحتاج إلى تشجيعه وجعله يتعلم اللغة العربية، واخترنا من أفضل المعاهد في الخليج».

وتابعت: «يلتحق ابني بمدرسة في عمان، ويدرس اللغة العربية، واللغة الإنجليزية كذلك، ولكني طفلي في المدرسة يواجه صعوبة بين الأطفال الآخرين العمانيين والعرب، ولا يستطيع المعلم رعاية ابني في الفصل بشكل خاص لمواكبة الطلاب العمانيين والعرب، لأن لغتهم عربية بطبيعة الحال، لذلك التحق ابني بالمعهد».

وتابعت: «كذلك يحتاج ابني إلى الأصدقاء العمانيين ولغتهم العربية وهي لغة التواصل معهم، وأرى أنه من المهم أن يجيد ابني اللغة العربية خاصة ونحن نعيش في عمان، وبذلك يكون موضع ترحيب، فاللغة طريقة جيدة للمشاركة والتعاون بين الناس والأصدقاء، هذه أمنيتي، وآمل أن يتكلم ابني اللغة العربية مثل العماني».

واختتمت قائلة: «لا أعتقد أن اللغة العربية صعبة للغاية، أعتقد أن ابني سيكون جيدا جدا في اللغة العربية بعد نصف عام في هذا المعهد المتميز معهد الخبرة العربية».

تفاعل ودهشة

وبدورها قالت الطالبة رجيل منويلا من فنزويلا: «أحب ردة فعل الناس عندما أتفاعل معهم وأتحدث معهم باللغة العربية ودهشتهم لأنني كذلك أتحدث اللغة العربية المحلية، فأنا أستمتع بالاستماع إلى المحادثة لأن لدي الآن فكرة عما يقال. لطالما اعتقدت أن الكتابة العربية جميلة، لذلك أنا فخورة بأن أكون قادرة على قراءة وكتابة شيء اعتقدت أنه مستحيل، أنا أدرس اللغة العربية لأنها مهمة وهي لغة البلد الذي نعيش فيه، لدي علاقة وحب قوي لسلطنة عمان لذا أريد أن أتعلم اللغة العربية واللهجة العمانية، كنت أقوم بتدريس اللغة الإسبانية وأريد أن أكون جيدة في اللغة العربية مثل طلابي في اللغة الإسبانية. تحتوي اللغة الإسبانية على حوالي 4000 كلمة لها نوع من التأثير العربي. لاحظت عدة كلمات عند تعلمي اللغة العربية، وهي قريبة من اللغة الإسبانية، مثلا:

ميزكيتا - المسجد

زرافة - زرافة

ليمون - آتون

تونة - تونة

خاتمة

ما مرَّ في السطور السابقة ثلاثة نماذج فقط من بين نماذج عديدة لأجانب حرصوا على تعلم اللغة العربية، وجدوا فيها الأصالة والتاريخ والثقافة التي تستحق أن يُبحث في تفاصيلها وبين سطورها، وجدوا فيها العلوم والأعلام والشواهد التاريخية، فما بال بعضنا اليوم ممن يتخلى عن لغته، ويقحم فيها ألفاظا أجنبية من بين حديثه العربية ليؤسس للغة مختلطة ربما تُلصق بالأجيال مستقبلا، إن لم نحرص على الحفاظ على العربية الأصيلة، فلنحافظ على لغتنا الغنية تاريخا وثقافة وعلما لتبقى ما بقيت الخليقة.