أعمدة

نوافذ :البعثرة في سياقاتها العامة

 
shialoom@gmail.com

ما تبعثر من الشيء؛ هو ما وضع على غير هدى، وفي غالب الأحيان ينظر إلى تصرفات الأطفال؛ أكثر من غيرهم؛ على أنهم أكثر الأفراد الذين يبعثرون أدواتهم، سواء من أدوات اللعب، أو الأدوات الأخرى الموجودة في المنزل، ويظل النظر إلى بعثرة الأطفال مقبولا إلى حد كبير، قياسا بأعمارهم الصغيرة، وخبراتهم المتواضعة؛ التي لا تعي كثيرا خطأ ما يرتكبون من سلوكيات غير مقبولة.

ولكن الأمر يختلف كثيرا؛ وبفارق نوعي؛ عندما يصدر هذا السلوك الـ 'بعثرة' من قبل الكبار، أولئك الذين يمتلكون الخبرات الكثيرة في الحياة، والذين يمرون بمواقف كثيرة؛ أيضا؛ يتضايقون من خلالها عندما لا يجدون كثيرا من الأمور مبعثرة، إن لم تكن كلها؛ وذلك لأن البعثرة تشي بالفوضة، وعدم النظام والانتظام، ولا تعكس احترام الذات لنفسها، واحترام الآخرين لمن حولهم، قَرُب هؤلاء الآخرون؛ أو بعدوا، ومن هنا تأتي أهمية أن تكون الأمور غير مبعثرة، ولعل هذه الصورة تتجسد أكثر ما تتجسد في المنازل، وذلك لاحتوائها على كثير من الأدوات، وفي مساحات ضيقة جدا؛ مهما اتسعت مساحة المنزل، ولذلك تحرص ربات الأسر؛ أكثر من غيرهن؛ على أن يكون المنزل مترتبا، ولائقا، يعكس مستوى الأسرة في التنظيم؛ والأناقة، والخبرة الأسرية، واحترام الأسرة لذاتها، واحترامها لمن يزروها أيضا من البعيدين، والقريبين على حد سواء، وإلا نُظر إلى الأسرة غير المرتبة أدوات منزلها، على أنها أسرة عشوائية لا تحترم ذاتها؛ فضلا على أن تحترم الآخرين، ولذلك يأخذ موضوع 'عدم البعثرة' أهمية كبيرة في حياة الناس – جمعا وفرادى – ولا أتوقع أن هناك فردا ما لا يعينه هذا الأمر على كل مستويات حياته اليومية، في منزله، أو في مكتبه، أو في مختلف علاقاته بالآخرين من حوله.

والـ 'بعثرة' في هذا السياق تذهب إلى كل سلوكيات الفرد، وتصرفاته المختلفة، لأنه إذا 'انفرط العقد' يظل من الصعب لملمة حباته، ولذلك نرى الـ 'بعثرة' في حيوات معظم الناس تأخذ مستويات نسبية التفاوت، وهذا التفاوت مرده إلى خبرة الحياة، والتصرفات العاقلة، والأخذ بانتقادات الناس، فالناس؛ في المقابل؛ يتفرسون كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي تصدر بعد ذلك أحكام؛ قد تكون صعبة على صاحبها، وهو لا يدري، وقد يذهب هذا التفرس حتى على الملابس، أو الملامح الجسدية، ومن هنا يحرص كثير من الناس على أن يكون وفق مسطرة مستقيمة حتى لا يتيح فرصة للآخر لأن يكون له موضع قدم في هذا التفرس.

أجزم؛ أنه ليس يسيرا أن تكون على مستوى كبير من عدم البعثرة، سواء في سلوكياتك، أو في أقوالك، أو في مظهرك؛ والمظهر هنا يبدأ من شكل الفرد، ويستمر إلى داخل منزله؛ فكل هذه تحتاج إلى كثير من التوازن في التعامل، ولذلك قيل: 'أنت بأصلك في بلدك؛ وبملابسك وهيأتك في بلد غيرك' وقد يختزل معنى 'بلدك' في المنزل، و'بلد غيرك' في القريبين من حولك، والمسألة في تقييمها العام تحتاج إلى كثير من التوازن في القول والفعل، فالثرثرة؛ بعثرة، والفوضوية في السلوكيات بعثرة، والنكوص في المواعيد والالتزامات بعثرة، وعدم إنزال الناس منازلهم بعثرة، والأمثلة تطول.