أعمدة

حديث في المحبة والود

 
يستنكف البعض الحديث في الحب والمحبة بل ويرفض الكثيرون منهم التصريح به أو حتى التلميح بوجوده في حياتهم باعتباره من الأمور التي تدخل في نطاق «الخصوصية» أو لأنها صُنفت دون وعي من المشاعر «المسكوت عنها» أو حتى لكونها من بين الأفعال التي تذهب الهيبة وتأتي على الحياء وتضرب العادات والتقاليد في الصميم.

وأنت إذا حاولت زحزحة هذه الأفكار والتصورات ستجد مقاومة شديدة ليس لأنك غير مقنع أو تدافع عن وجهة نظر غير صحيحة إنما لأن الدخول في هذه الزاوية هو في حد ذاته اجتياز للخطوط الحمراء بالرغم من وجود القناعة الداخلية التامة بأن من يحملون هذه الأفكار ليسوا على شيء.

هم كذلك من باب معرفتهم بما ورد عن ذكرٍ للمودة والرحمة في كتاب الله الكريم وهي مرحلة تتجاوز الحب بسنوات ضوئية وكذلك لما عرفوا من مواقف كثيرة وقفها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حياته مع زوجاته- رضي الله عنهن جميعًا- خاصة السيدة عائشة ابنة أبي بكر الصديق التي اعترف صراحة بأنه يحُبها دون غيرها من نسائه و«خارج إرادته» بقوله: «اللهمَّ هذا قَسْمِي فيما أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْني فِيما تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ».

وفي الغالب نحن مستوعبون تمامًا لمفهوم المودة والرحمة الذي يحمل سمة الديمومة في العلاقات الإنسانية بصفة عامة والزوجية بصفة خاصة فالمرأة بالزواج تنتقل من بيت أبيها التي هي فيه قوية وسيدة بالمطلق وآمرة إلى بيت هي سيدة فيه إذا أحسن الزوج المعاملة وعرف قدرها «فقط» وإذا لم ينقلها من حالة الاكتفاء أو الغِنى إلى حالة الفقر والعوز أو من المخدومة التي تأمر فتطاع إلى امرأة تقوم بالعمل أو من التي تُعطي إلى التي تُعطى.

كما أننا نعرف حق المعرفة أن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال عندما سُئل عن أحب الناس إلى قلبه أنها عائشة وأن روحه قُبضت وهو في حِجرها وأنه كان يقرأ القرآن وهو متكىُ على حِجرها وهي حائض بل اختارها لتكون آخر من يلتقيه في حياته الدنيا وأخبر بقية زوجاته بذلك عندما أحس بمرض الموت.

البعض رغم ذلك يجد في الإطراء على زوجته أو مناداتها بما تحب أو ذكر اسمها أمام الناس بأنه تصرف ممجوج يمس برجولته وقد ينسحب ذلك حتى على تعامله مع بناته وأولاده فيصبح التعامل بينه وبين أسرته يشوبه الكثير من الغِلظة والتعنيف والتشدد والبطش مما يفتح الباب أمام ظهور إشكالات كثيرة تبدأ بفقدان الشعور بمعنى الحياة الزوجية وقد تنتهي بالخيانة.. فيما يعوض الأبناء افتقادهم للشعور بمحبة والدهم وقربه ولُطفه بوسائل مختلفة أقلها البحث عن شخص آخر بديل.

يقول الكاتب الكبير فيكتور هوجو: «إن تحب أو تكون محبوبًا، هذا يكفي، لا تطلب المزيد، لا توجد لؤلؤة أخرى يمكن العثور عليها في ثنايا الحياة المظلمة».

وتقول مايا أوجيلو: «الحب لا يعترف بأي حواجز، إنه يتجاوز الحواجز، ويتجاوز الأسوار، ويخترق الجدران للوصول إلى وجهته المليئة بالأمل».

ثمة تفاصيل صغيرة جدًا لا نلتفت إليها تلك التفاصيل منها قد يدخل الشيطان فتتحول الحياة إلى صراع مستمر ومُضنٍ لا يهدأ مع النفس ومع الآخر الذي قد يكون أقرب الناس إلينا.

ربما أرسم هُنا صورة افتراضية لعلاقة زوجية مثالية أعتبر أنها المعيار الأول لقياس التعامل مع الآخرين لكن حالة الحب عمومًا تتعدى هذا الحيز الضيق وتتمدد فتظهر في حالات إنسانية مختلفة الوجوه كون العلاقات الدافئة تقوم جميعها على تلاقي أرواح تتشابه في خصائصها وتتطابق في رؤيتها لكيفية التعامل مع الحياة هذه الرؤية ركيزتها الأُلفة التي يصعب تفسير وجودها ويتعذر معرفة أسبابها ومسبباتها.