الإرهاب باسم الدين
الثلاثاء / 24 / ربيع الثاني / 1443 هـ - 19:47 - الثلاثاء 30 نوفمبر 2021 19:47
لا أظن أن هناك شخصًا عاقلًا في عالمنا الراهن، على اتساعه، لم يطرأ على عقله التفكير في الإرهاب؛ لأن الإرهاب قد أصبح ظاهرة عالمية، يكتوي بنارها البشر في كل مكان تقريبًا. غير أن المتأمل لظاهرة الإرهاب المتفشية في عالمنا، يصيبه تشتت الذهن؛ بسبب تنوع الظاهرة وتعدد أشكالها أو تجلياتها في الواقع. فالإرهاب ليس مقترنًا بدين بعينه: حقًا إن أكثر صور الإرهاب في عالمنا تبدو مقترنة بجماعات إسلامية معينة، ولكننا نجد الإرهاب مقترنًا أيضًا بجماعات مسيحية أصولية في أوروبا وغيرها؛ كما أننا نجد البوذيين يمارسون الإرهاب والعنف ضد المسلمين، وهذه النزعات الأصولية الإرهابية تستخدم الدين لتوظيف 'أجندات' سياسية تهدف أحيانًا إلى تحقيق التطهير العرقي. إضافةً إلى ذلك، فإن الإرهاب له مظهر سياسي صريح، يكشف عن نفسه في سياسات بعض الدول المارقة التي تدعم الجماعات الإرهابية، والدول التي تلوِّح باستخدام قوتها العسكرية وأذرعها العنكبوتية في نوع من البلطجة خارج إطار القانون الدولي أو في نوع من التحدي له. ويزداد الأمر تعقيدًا حينما نرى أن هذه الدول عادةً ما تستخدم الجماعات الدينية والعِرقية باعتبارها مشاريع إرهابية، تعمل على إشاعة الفوضى والاضطراب في دول مستهدَفة بعينها، بهدف تقويضها من الداخل، من أجل تحقيق أغراض و'أجندات' سياسية خاصة. ومنعًا للتشتت في الأبعاد المختلفة لظاهرة الإرهاب (التي يستحق كل منها دراسة مفصلة)؛ فإنني سوف أحصر نفسي هنا في إطار إرهاب الجماعات الإسلامية، وهو الإرهاب الذي نراه في عالمنا العربي، وفي كثير من بقاع العالم الإسلامي.
وقد كنت حتى وقت قريب لا أجد تفسيرًا لظاهرة إرهاب الجماعات الإسلامية في عالمنا العربي، سوى من خلال كون هذه الجماعات أدوات لقوى كبرى لا تزال تمارس نزعة إمبريالية في عالمنا الراهن. وقد يرى البعض في ذلك انحيازًا لما يُسمى 'بنظرية المؤامرة' أو يدخل في بابها، بمعنى أن ممارسة الإرهاب باسم الدين لدى جماعات بعينها، هو جزء من مخطط أو مشروع تفتيت العالم العربي الذي بدأ بمعاهدة 'سايكس-بيكو'. وعلى الرغم من أن هذه المقولة صحيحة في مجملها، إلا أنها لا تصلح لفهم عمق ظاهرة إرهاب الجماعات الإسلامية. والحقيقة أن فكرة 'المؤامرة' ذاتها، لا تصلح لتفسير كل ما يحدث في عالمنا العربي؛ لأن من يخضع للمؤامرة هو من يكون قابلًا للاختراق، على نحو يمكن أن يهدد هويته من داخله. ولا بد من أن نعترف بأن كثيرًا من بقاع عالمنا العربي، مهددة من داخلها بفعل نوع من تراجع الوعي بوجه عام، بما في ذلك الوعي الديني؛ فهذا هو ما سمح لهذه الجماعات أن تنمو داخلها. إن نظرية المؤامرة لا تصلح هنا؛ فالمؤامرة غير ممكنة إلا من خلال تردي هذا الوعي ذاته؛ فهي لا تصلح ـ على سبيل المثال ـ لتفسير حالات التفجير الانتحاري الذي يقوم به شخص ما باسم الدين: فالشخص هنا يمارس أقصى صور العنف إزاء الآخر بما هو آخر، بقتل أكبر عدد ممكن من الآخرين من خلال تفجير نفسه، معتقدًا بأنه يمارس الشهادة التي ستفضي به إلى نعيم الجنة وحور العين. بل رأينا مؤخرًا النساء يمارسن الفعل نفسه، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في العالم الإسلامي عمومًا، ومن ذلك ما حدث منذ عهد قريب بماليزيا، حينما قامت امرأة بتفخيخ نفسها مع أطفالها، وقامت بتفجير نفسها وأطفالها في كنيسة. هذا حدث جلل يستحق التأمل: فمن المعروف أن المرأة ـ بحكم طبيعتها ـ حينما تمارس القتل، تلجأ إلى أقل صوره بشاعة، باستخدام السم على سبيل المثال. ولكن المرأة هنا تتصرف ضد المشاعر الإنسانية ذاتها، بل ضد غريزة الأمومة المفطورة في طبيعتها، حينما تستخدم أبناءها كأدوات للقتل! لا تفسير لذلك سوى أن هذه المرأة تؤمن إيمانًا راسخًا (وإن كان زائفًا) بأنها تؤدي رسالة دينية سامية، تفوق قيمتها أية قيمة أخرى. يهيمن على تلك المرأة ـ مثلما يهيمن على كل من يسلك مسلكها ـ نوعًا من 'العَمَى الأخلاقي' المقترن بتغييب الوعي الديني ذاته. فالدين في جوهره يكون من أجل الأخلاق، ومن أول مبادئ الأخلاق ـ كما أوضح لنا كانط: ألا نعامل الإنسانية ممثلة في أنفسنا أو في غيرها، باعتبارها غايةً في ذاتها، وليست مجرد أداة أو وسيلة لغاية أخرى.
المسألة هنا تكمن أساسًا في الوعي، خاصة الوعي الديني، الذي هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بغيره من أشكال الوعي. غياب الوعي الديني هو أصل ممارسة الإرهاب باسم الدين، وهذا الغياب يعني ببساطة أن الخطاب الديني السائد في عالمنا الإسلامي عمومًا غير قادر- حتى الآن- على تنوير هذا الوعي. وهذا التنوير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال سيادة منهج التأويل الذي يؤمن بتعدد التفسيرات واختلافها، وبأن التفسير ينبغي أن يهدف دائمًا إلى فهم معاني النصوص لا ظاهرها، وبأن الدين في جوهره دعوة للحياة وإعمار الأرض من خلال قيم أخلاقية عُليا. ولذلك، فإننا نجد أن الشخص الذي يمارس الإرهاب الذي يبلغ حد القتل، باسم الدين، هو شخص لا يُعمِل عقله في أي نص ديني، وإنما هو شخص لا يعتقد سوى في فتاوى فقهاء بعينهم ممن يحرضون على القتل باسم الدين.
وقد كنت حتى وقت قريب لا أجد تفسيرًا لظاهرة إرهاب الجماعات الإسلامية في عالمنا العربي، سوى من خلال كون هذه الجماعات أدوات لقوى كبرى لا تزال تمارس نزعة إمبريالية في عالمنا الراهن. وقد يرى البعض في ذلك انحيازًا لما يُسمى 'بنظرية المؤامرة' أو يدخل في بابها، بمعنى أن ممارسة الإرهاب باسم الدين لدى جماعات بعينها، هو جزء من مخطط أو مشروع تفتيت العالم العربي الذي بدأ بمعاهدة 'سايكس-بيكو'. وعلى الرغم من أن هذه المقولة صحيحة في مجملها، إلا أنها لا تصلح لفهم عمق ظاهرة إرهاب الجماعات الإسلامية. والحقيقة أن فكرة 'المؤامرة' ذاتها، لا تصلح لتفسير كل ما يحدث في عالمنا العربي؛ لأن من يخضع للمؤامرة هو من يكون قابلًا للاختراق، على نحو يمكن أن يهدد هويته من داخله. ولا بد من أن نعترف بأن كثيرًا من بقاع عالمنا العربي، مهددة من داخلها بفعل نوع من تراجع الوعي بوجه عام، بما في ذلك الوعي الديني؛ فهذا هو ما سمح لهذه الجماعات أن تنمو داخلها. إن نظرية المؤامرة لا تصلح هنا؛ فالمؤامرة غير ممكنة إلا من خلال تردي هذا الوعي ذاته؛ فهي لا تصلح ـ على سبيل المثال ـ لتفسير حالات التفجير الانتحاري الذي يقوم به شخص ما باسم الدين: فالشخص هنا يمارس أقصى صور العنف إزاء الآخر بما هو آخر، بقتل أكبر عدد ممكن من الآخرين من خلال تفجير نفسه، معتقدًا بأنه يمارس الشهادة التي ستفضي به إلى نعيم الجنة وحور العين. بل رأينا مؤخرًا النساء يمارسن الفعل نفسه، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في العالم الإسلامي عمومًا، ومن ذلك ما حدث منذ عهد قريب بماليزيا، حينما قامت امرأة بتفخيخ نفسها مع أطفالها، وقامت بتفجير نفسها وأطفالها في كنيسة. هذا حدث جلل يستحق التأمل: فمن المعروف أن المرأة ـ بحكم طبيعتها ـ حينما تمارس القتل، تلجأ إلى أقل صوره بشاعة، باستخدام السم على سبيل المثال. ولكن المرأة هنا تتصرف ضد المشاعر الإنسانية ذاتها، بل ضد غريزة الأمومة المفطورة في طبيعتها، حينما تستخدم أبناءها كأدوات للقتل! لا تفسير لذلك سوى أن هذه المرأة تؤمن إيمانًا راسخًا (وإن كان زائفًا) بأنها تؤدي رسالة دينية سامية، تفوق قيمتها أية قيمة أخرى. يهيمن على تلك المرأة ـ مثلما يهيمن على كل من يسلك مسلكها ـ نوعًا من 'العَمَى الأخلاقي' المقترن بتغييب الوعي الديني ذاته. فالدين في جوهره يكون من أجل الأخلاق، ومن أول مبادئ الأخلاق ـ كما أوضح لنا كانط: ألا نعامل الإنسانية ممثلة في أنفسنا أو في غيرها، باعتبارها غايةً في ذاتها، وليست مجرد أداة أو وسيلة لغاية أخرى.
المسألة هنا تكمن أساسًا في الوعي، خاصة الوعي الديني، الذي هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بغيره من أشكال الوعي. غياب الوعي الديني هو أصل ممارسة الإرهاب باسم الدين، وهذا الغياب يعني ببساطة أن الخطاب الديني السائد في عالمنا الإسلامي عمومًا غير قادر- حتى الآن- على تنوير هذا الوعي. وهذا التنوير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال سيادة منهج التأويل الذي يؤمن بتعدد التفسيرات واختلافها، وبأن التفسير ينبغي أن يهدف دائمًا إلى فهم معاني النصوص لا ظاهرها، وبأن الدين في جوهره دعوة للحياة وإعمار الأرض من خلال قيم أخلاقية عُليا. ولذلك، فإننا نجد أن الشخص الذي يمارس الإرهاب الذي يبلغ حد القتل، باسم الدين، هو شخص لا يُعمِل عقله في أي نص ديني، وإنما هو شخص لا يعتقد سوى في فتاوى فقهاء بعينهم ممن يحرضون على القتل باسم الدين.