سوق العملات الرقمية.. هل يجوز التداول بها شرعا؟ كهلان الخروصي: هنالك محاذير شرعية لا يمكن أن تنفك عنها تجارة الفوريكس هنالك توجس من منتجات الرأسمالية لأنها نشأت في بيئة قائمة أصلا على الربا
الخميس / 12 / ربيع الثاني / 1443 هـ - 19:20 - الخميس 18 نوفمبر 2021 19:20
انتشرت في العقد الأخير تجارة العملات الرقمية عبر المنصات الإلكترونية فيما يسمى بـ«الفوريكس»، ولكن ما نظرة الشرع إلى هذا التداول؟ وهل يمكن أن تصبح العملة سلعة يتم البيع والشراء بها من خلال هذه المنصات الإلكترونية؟ وما هي المحاذير الشرعية من تداول الفوريكس؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المنتجات التي أفرزها النظام الرأسمالي؟ كل هذا وغيره تمت مناقشته في برنامج سؤال أهل الذكر الذي يقدمه د.سيف الهادي، ويستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان.
وقد بدأ سماحة مساعد المفتي بتوطئة لهذا الموضوع بقوله: الأصل في المعاملات المالية الواردة إلينا من النظام الرأسمالي الوقوف حتى يتبين لنا رشدها هذا في الحد الأدنى وإلا فإن من يأخذ الموضوع بحزم واحتياط فإنه لا عتب عليه إن قال: إن الأصل في المعاملات المالية المصممة في النظام الرأسمالي الواردة إلينا اليوم الحرمة حتى يثبت العكس، لكني مع ذلك خففت هذا وقلت بأن الأصل الوقوف حتى يتبين لنا الرشد.
والأمر الثاني اللازم في فهم هذه القضايا مما يقع فيه كثير من الناس هو أنهم يكيفون هذه المنتجات والأدوات المالية حسب فهمهم لا حسب واقعها، وهذا أدى إلى خلل في التكييف الشرعي الذي رتب عليه الحكم الشرعي، فكثير من هذه الأدوات والوسائل المالية والمنتجات لها تكييف وماهية، وعلى الفقيه أن يتعرف عليها ثم يسلط عليها ملكته الفقهية ليصل إلى الحكم الشرعي فيبينه للناس، ليتحمل الناس بعد ذلك مسؤولياتهم سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات مشرفة على حفظ أموال الناس، أو كانت جهات تشريعية، ولكن الفيصل هو أن تدرس هذه الأدوات والمنتجات والمشتقات المالية ما يرد إلينا من هذه الأنظمة بحسب ما يعرفونها بها أو بحسب ماهيتها في ذاتها ثم بعد ذلك ينظر هل لها متسع في الشرع أم لا متسع لها؟
الأمر الثالث هو أن بيان الحكم الشرعي في مثل هذه المعاملات المالية وإن بدا للناس أنه قد يكون على خلاف ما يتوقعون في كثير من الأحيان لكنه مع ذلك مبني على التوسعة لا على الورع لإدراك الفقهاء المعاصرين احتياج الناس إلى وسائل لتنمية أموالهم واستثمارها والتربح المشروع فليس الفقيه من يحمل الناس على الضيق وعلى الاحتياط والورع، وإنما الفقيه من يحملهم على ما يسعهم في دينهم مما يعني أن بعض المعاملات التي يصل فيها فقيه ما أو يتخذ فيها مجمع من مجامع الفقه الإسلامية أو هيئة من الإفتاء إلى حكم بالمنع أنهم ما وجدوا لها مدخلا بحسب ما أداه إليه اجتهاده إن كان فقيها فردا أنه لم يجد متسعا وإلا إن كان في الأمر ما يمكن أن تحمل عليه تلك المشتقات لما ضيقوا على الناس.
منتجات الرأس مالية
لماذا التوجس الشديد من منتجات الرأسمالية؟
أولا لأن هذه المنتجات نشأت في جانبها المالي في بيئة قائمة أصلا على الربا، وهذا هو جوهر الحرمة لكثير من المعاملات المالية في فقه المعاملات المالية الإسلامية، ثم أنها أنظمة قائمة أيضا على عدم الالتفات إلى حلية مأخذ الأموال وهذا فارق جوهري، لأن المعاملات المالية في الإسلام تشترط أن يكون الكسب فيها مشروعا حلالا طيبا، ولا التفات إلى هذا في النظام الرأسمالي في جانبه المالي كما في جوانبه الفكرية التي تنظر له وهو قائم على الفردية، وهذا غير صحيح في فقه المعاملات المالية الإسلامية؛ لأنه قائم على عدم تكدس الثروات لدى الأفراد، وعلى التوزيع العادل للثروة، وعلى حسن استغلال الموارد لا على استهلاكها، فالنظام الرأسمالي مكيف على أساس شح الموارد وأنها نافذة، بينما المعاملات المالية الإسلامية قائمة على أن الموارد كافية، وإنما يراد حسن استغلالها وحسن توزيعها وإدارتها، هذه فروق جوهرية ولدت الكثير من الفروقات الفرعية التي هي ذات أهمية بالغة أيضا من نحو وجود الاستغلال والاحتيال والاحتكار والغش والتدليس، والإثراء على حساب الطبقات الكادحة العاملة، لا يعني هذا خلو هذه الأنظمة أيضا من مبتكرات مالية، وبعض المحاسن، لكنها هي في الهدف نفسه، وهي قليلة جدا إلى جانب هذه المنتجات المالية، والنظام البنكي قائم في أصله على الربا. نأتي إلى ما يتعلق بالنظام التأميني، كذالك قائم على الغرر والجهالة والغبن الفاحش، لأنهم لا يلتفتون إلى الأسس، ولو شرعها النظام، لأنها أقرب إلى المعاني الخلقية المتصلة، ومعاني العدالة والإنصاف، وإتاحة فرص متساوية، ومراعاة حقوق الضعفاء والمظلومين، وعدم تكدس الثروات وغيرها من الأسس المعروفة في الاقتصاد الإسلامي، فكثير من هذه المحاذير الشرعية التي هي من المهالك، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من غشنا فليس منا» وأن ينهى على سبيل المثال عن الاحتكار، لأن الاحتكار يؤدي إلى استغلال حاجة الناس، ومنع ما تشتد إليه حاجتهم عند الحاجة، من أجل الإثراء على حساب حاجة الناس، فهذا يترتب عليه كثير من الفروع التي نجدها في معاملات الناس اليوم.
الميسر
وكان في نفسي عجب من أنماط نجدها في كتاب الله عز وجل، محرمة بعبارات واضحة صريحة، وفي سياق النهي بمؤكدات غليظة، يقول ربنا تبارك وتعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ» كنت أتساءل في نفسي عن محل الميسر من مثل هذه المحرمات الموبقات، وإذا بي أجد أن الكثير من المعاملات المالية البعيدة عن العدالة تقوم على الميسر، وأن الناس لا تنتبه إلى أن كثيرا من وجوه الإثراء السريع التي يتصورونها هي في حقيقتها غير بعيدة عن القمار ولا عن الميسر، فهو فيما يظهر أنه تكسب سريع فيه قدر من المراهنة والمقامرة، دون بذل أدنى جهد، وهذه المحرمات موجودة في كثير من المعاملات، فعلى سبيل المثال سوق المقامرة يقدر بمليارات الدولارات حول العالم، وكذا الحال بالنسبة لأنماط من التكسب داخلة في الميسر، يعني لا حاجة إلى تسميتها الآن حتى لا ندخل في حوارات حولها، لأننا إذا أخذنا في الحسبان ما تقدم بيانه من أن طائفة من طلبة العلم ومن بعض الفقهاء المعاصرين يتعجبون، ويظنون أن بعض هذه المنتجات ناشئة في بيئات إسلامية، أو أنها مأخوذة من كتب الفقه والتراث الإسلامي، فإذا بهم يصدرون فيها أحكاما يظنون أنهم يقيدون، فيقولون: «إن كان كذا وكذا، فلا مانع» ويقولون: «إن ذلك جائز بشرط كذا وشرط كذا»، ولا خطأ في قولهم، ولكن القضية أن هذه المعاملات ليست كذلك، فالناس لا تلتفت إلى هذه القيود والشروط حينئذ، لأنهم يقولون: إن العالم الفلاني والمفتي الفلاني أصدر فتوى في الأمر الفلاني بالجواز، ويقولون: إن هذه الشروط متحققة، وهذه المحاذير منتفية، وهذا غير صحيح.
معاملة مالية لا يوجد لها نص شرعي
الفقيه الذي لا يجد نصا شرعيا يحكم به على منتج معين أو معاملة مالية معينة، ما الذي يتبعه؟ وفيم ينظر الفقيه؟
أولا الحكم على الشيء فرع عن تصوره، الفقيه يدرس الحالة أولا على ما هي عليه، فعليه أن يتبين حقيقة الموضوع محل البحث، فإذا وصل فيه إلى تعرف على ماهيته وحقيقته، حينئذ يرجع إلى الأدلة الشرعية من كتاب الله- عز وجل- ومن سنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن وجد أن بعض المحاذير على سبيل المثال هي مما اختلف فيه أهل العلم، ومما يمكن أن يأخذ فيه بقول طائفة من العلماء المعتبرين توسعة على الناس كما قلت في مسألة فرعية ليس فيها شديد خلاف ولا هي مصادمة لنص شرعي صحيح، فهذا مما يدفعه إلى أن يوسع للناس، قد يحتاط لنفسه وقد يوصي أهل الورع أن لا يدخل فيه، ولكن من ابتلي بالفتوى في الشأن العام، وبما تعم به البلوى مع ما يعرفه من حال المسلمين من تأخرهم فيما يتعلق بالأموال وإدارتها واستثماراتها فإنه لا ريب سيجد نفسه مضطرا إلى التوسعة إن كانت هذه السعة كما تقدم لا تصطدم بنصوص شرعية ولم تكن الأقوال التي تبنى عليها ضعيفة أو شديدة الضعف، قد تكون في بعض المسائل عند من درس الفقه أن الأقوال قد تكون متقاربة جدا، والترجيح بينها ليس بالأمر السهل، خذ على سبيل المثال في ذات الربا، هل هو مجرد الزيادة أو العقد، بمعنى هل الحرمة على الزيادة أو أن العقد ذاته إن اشتمل على ربا فالعقد كله فاسد، هذا خلاف منذ زمن التابعين، لا يمكن أن يسد بابه اليوم، لا يمكن أن ينكر الخلاف فيه، فجمهور الأمة رأوا أن العقد فاسد، وأبو حنيفة على سبيل المثال رأى أن الزيادة هي الممنوعة وأن أصل العقد صحيح، فقد يوجد من الفقهاء اليوم من يمكن أن يوسع بناء على هذه القاعدة في أمر لا يصطدم، مع ما تقدم بيانه مع نص شرعي، قد يجد أيضا الفقيه أن المسألة محل البحث يمكن أن تكيف تكييفا شرعيا صحيحا، وتكون الجهة التي تقدم هذه الخدمة مطواعة لهذا التكييف، يعني لا يكيفها هو بشيء، والجهة التي تقدمها لها تكييف آخر، وإنما هي تقبل التكييف الجديد، لا يضيرها ذلك شيء، سيكون العقد حين إذ أكثر إحكاما وأكثر موافقة لشرع الله تبارك وتعالى، إذن سيتجه إلى المؤسسة المالية أيا كانت بطلب تغيير التكييف، إما بإضافة شروط أو بحذفها، أو بتصحيح ألفاظ في هذه الشروط المتعلقة بذلك المنتج أو ذلك العقد الذي تقدمه للناس، إذا هذه الوجوه التي يمكن أن يحمل الفقيه فيها الناس.
محاذير الفوريكس
ذكرتم قبل سنوات مجموعة من المحاذير ولكن يزعم البعض أن هذه المحاذير تغيرت؟ فقد ذكرتم التقابض لأنه لا يوجد تقابض مباشر، الآن هنالك تقابض إلكتروني ومعتمد ومنتشر في معاملات كثيرة، وذكرتم أيضا ما يسمى بالوسطاء، أو ما يسمونه اليوم بالرافعة المالية، ولكن هناك من يتحدث بأنها ليست قرضا وإنما هي تمويل، وذكرتم موضوع التبييت، ولكن يوجد الآن فوريكس إسلامي، فالآن هل تغير بالفعل موضوع التعامل مع الفوريكس حسب هذه المعطيات أم لا يزال كما هو؟
لم يتغير الوضع مع الفوريكس، أولا نحن نتحدث عن تجارة العملات في ما يعرف بالفوريكس، وهي تجارة العملات عبر منصات إلكترونية، ونتحدث عن دخول الفرد، لا نتحدث عن المؤسسات لأن أسواق تجارة العملات لها تصنيفات، ونحن نتحدث عن الفرد، لا نتحدث عما يحصل بين مؤسسات لأن هذه فيها قيود وتنظيمات أكثر إحكاما وهناك جهات تشرف عليها، وهناك مخاطر معلومة، ووسائل لتجنب هذه المخاطر، على خلاف ما نتحدث عنه، سيدخل الفرد عن طريق منصات أو عن طريق وسطاء، نتحدث عن السوق الفورية لأن هناك سوقين، أولهما سوق للعقود الآجلة «أيضا لتجارة العملات»، وسوق المستقبليات، هذه لا نتحدث عنها لأنها لا تصح أصلا، يعني العملات إذا كانت من أجناس مختلفة فإن جوازها مشروط بالتقابض، وهذا عند جماهير العلماء اليوم، وإلا فأصل المسلة أيضا فيه خلاف، فبعض الفقهاء لا يرون المعاوضة بين العملات لكن على الرأي السائد الذي تبناه جماهير العلماء اليوم، والمجاميع الفقهية، وهيئات المعايير إلى آخرها، ولنأخذ على هذا القول بأن العملات أجناس متعددة فالريال العماني هو غير الدولار الأمريكي، وهو غير اليورو الأوروبي، غير الجنيه الاسترليني، لكنها أجناس ربوية، فإذا كانت المعاوضة بين عملة وعملة أخرى فهي كالمعاوضة بين الذهب والفضة، وهذا هو مسوغ القائلين بالجواز، أنه لا مانع شرعا من المعاوضة بين الذهب والفضة وإنما يشترط أن يكون التقابض في المجلس الواحد إذا كانت هناك زيادة ولا يصح فيها الأجل، ولا يصح فيها شرط الخيار، وإذا كانت من جنس واحد لا يصح فيها التفاضل، إلا إذا كانت متماثلة يدا بيد، مثل الذهب مع الذهب، الآن في ما يتعلق بتجارة العملات في المنصات أو السوق الإلكترونية نتحدث عن الفرد في السوق الفورية، يمكن فيها الصفقة تكون في بضع ثواني أو دقائق أو أثناء اليوم وقد تكون في أكثر من ذلك ولكن في تكييف ما يتعلق بتجارة الفوريكس هناك حقائق القائمون على فوريكس والداخلون والهيئات الاقتصادية والمالية والنقدية تتفق عليها، ولا بد لنا من التعرف عليها: الأمر الأول أنه لا بد لمن يدخل فيها أن يفتح حسابا عبر وسيط أو سمسار، ولا مناص من ذلك، قد يبدو للمتعامل العادي أنه سيدخل عبر منصة في الإنترنت هذه المنصة قد تكون لوسطاء آخرين إلى أن نصل إلى الوسيط المأذون له بتجارة العملات.
الأمر الثاني أنها لا تخلو من الرافعة المالية، وهنالك خلط بين الرافعة المالية وبين الهامش، وهذا غير صحيح، فالرافعة هي ما يعرف أيضا في سوق تجارة العملات الفوريكس،«Leverag» بل عن الماليين والاقتصاديين يقولون: إن سوق تجارة العملات الرافعة فيه من أعلى الرافعات قد تصل إلى مائة ضعف، فيمكن أن يشارك التاجر الراغب بعشرة آلاف، والوسيط بحسب مستواه وقوته يضع مائة ضعف، فيتاجر له بمليون، ويمكن أن يشارك بألف فيتاجر له بمائة ألف، والرافعة المالية لا بد منها، ومن يأتي ويقول: إن هناك منصات حلال يبدو أنه في منصة إلكترونية هي في تعاملها معه هو لا تعتمد على الرافعة، لكن في نهاية المطاف حتى يدخل في سوق تجارة العملات لا بد من الرافعة.
وسبب مضاعفة الرقم لأنه لا يظهر الربح إلا في الأرقام الكبيرة، قد يكون الفارق سنتات فقط في العملة، يعني جزء من واحد في الألف الفراق في العملة، ولكن يظهر في المبالغ الكبيرة، والوسيط يأخذ فارق سعرين، ولذلك يأتي من يحتج ويقول: إن الوسيط لا يأخذ عمولة له، ولكنه يستفيد من فارق سعر تلك العملة، إذن الرافعة لا بد منها.
والهامش هو جزء من المبلغ يترك ليضمن الوسيط أن هذا التاجر يستطيع أن يسدد في حالة الخسارة، بعض الفقهاء يكيف على أن هذا رهن، وهذا ممكن أن يتسامح فيه، لكن يخطئ من يقول تجارة الهامش، وهو يدخر لتمكين الوسيط من استيفاء من التاجر في حالة الخسائر.
هل توجد أنظمة تضبط الفوريكس؟
هل هناك أنظمة وتشريعات تضبط تجارة الفوريكس؟
بعض الدول فيها مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، حسب قراءتي لمقالات حديثة نشرت في الشهر الماضي، وسائر دول الاتحاد الأوروبي ليست فيها أنظمة لتجارة الفوريكس، أما الهند والصين وضعت قيودا على الشركات التي تدخل في هذا المجال، أما باقي دول العالم ليست فيها قوانين وتشريعات منظمة لها، ولذلك بعض من يريد أن يقلل من المخاطر يدخل في هذه الأسواق، هذا توصيف وبيان لبعض حقائق الفوريكس، وهذه المقالات تقول بأن الواقع صار أوسع من قدرت هذه الجهات على المتابعة والإشراف، فهي أكبر مستودع للسيولة على مستوى العالم، ففي اليوم الواحد 6.6 بليون دولار أمريكي، ولا يوجد حوض لسيولة مالية يمكن أن يقارن بحوض تجارة العملات، ووجود الإنترنت والمنصات الإلكترونية هو الذي مكن وسرع من دخول الأفراد في هذه السوق.
الحكم الشرعي
هنالك محاذير شرعية لا يمكن أن تنفك عنها تجارة الفوريكس، عبر المنصات الإلكترونية، هذه المحاذير تتلخص في أن الربح المقدم من المنصة الإلكترونية أو من الوسيط هو النسبة من رأس المال لا من الأرباح، وهذا لا يصح شرعا، فأكثر هذه المنصات اليوم تقدم نسبة فائدة على رأس المال لا على الأرباح المتحققة، وهذا فيه ضمان لرأس المال مع خلو الطرف المتاجر من تحميله للخسارة، وعلى سبيل المثال يشارك التاجر بعشرة آلاف دولار تقوم هذه المنصات أو هؤلاء الوسطاء بوعده أن ربحه الأسبوعي سيكون على سبيل المثال 8 إلى 12 في المائة بقطع النظر عما يحصل في السوق نفسها، فهو من خلال 10 آلاف دولار سيربح 8 في المائة أسبوعيا، وهذه نسبة ربح مغرية. أما لو كانت مضاربة مالية، لاتجهت النسبة إلى أن تكون من الربح لا على رأس المال.
المحذور الثاني هو نظام الرافعة المالية هو إما يكون إقراضا من الوسيط، وهذا الإقراض مشروط بمعاوضة، وأن يكون من خلالهم، فيحقق لهم نفعا، وهذا هو المحذور الذي دلت عليه السنة وهو النهي عن بيع وسلف، وما أجمع عليه أهل العلم من النهي عن قرض جر نفعا، فلا يخلو حال ما يضعه الوسيط من أحد هذين الأمرين، بل يجمع بينهما، فهو قرض يجر له نفعا، نظرا لاشتراطهم أن تجر لهم المعاوضة في شراء العملات الأخرى في تجارة الفوريكس من خلالهم، وهذا جمع بين سلف وبيع. وقد يقول قائل أن ذلك من باب التسهيل والتمويل، فهذا غير صحيح لأنه حين إذ سيكون هذا التاجر الداخل في هذه التجارة يتاجر بما لا يملك، لأنه ليس هنالك تكييف آخر.
الأمر الثالث هو التقابض، حاولت قدر المستطاع أن أبحث في مسألة هل يحصل تقابض حكمي فما وجدت ما يدل على حصول ذلك، فكثير من المواقع المالية التي تحدثت عن الفوريكس ينصون على إن إتمام الصفقة يحتاج إلى يومين، ما الذي يحصل إذن وقد تقدم القول بأنه قد تتم الصفقة في ثواني معدودة أو في دقائق، فالذي يحصل هو قيد فقط، لكن لو أراد هذا أن يسحب أمواله لما استطاع، يقيد المبلغ في حسابه لكن لا تجري العملية ولا تحصل المبادلة، لأن هذا الدفق الهائل من السيولة المالية والأعداد الهائلة من البشر الذين يدخلون فضلا عن المؤسسات، ونحن نتحدث عن السوق الفورية، لا نتحدث عن سوق المستقبليات، ولا سوق العقود الآجلة، فهو ضخ هائل جدا لا يتيح أن يكون التقابض فوريا ولو كان تقابضا حكميا،
ولا يمكن أن يعد هذا القيد قبضا، لأنه لا يتصرف في هذه الأموال ريثما تحول هذه الأموال إلى حسابه، وهو تحويل إلكتروني، ووجدت أنه ينصون في هذه المواقع المتخصصة وهي ليست مواقع للمسلمين، ينصون على أن تمام الصفقة حقيقة يأخذ إلى يومين، إذن التقابض لا يحصل، لأنه ليس مقصود من يدخل في تجارة العملات باللغة المعاصرة الاستثمار، وإنما هو يريد أن يضارب بها في السوق الإلكترونية للعملات بحيث أنه يتربص بها أيضا مرة أخرى حتى ترتفع قيمتها فيشتري بها عملا أرخص، والوسطاء يعرفون أن الذين يدخلون في هذه العملية لا يريدون سحب أموالهم ولذلك فإنهم يغرونهم فيجد الواحد حينما يدخل في المرات الأولى أنه يحقق شيء من الأرباح فتتشوق نفسه إلى هذا الربح السريع «الميسر» دون أدنى جهد، فيدخل في عمليات أكبر، وبمبلغ أكبر مرة بعد مرة حتى يخسر أمواله، وكثير من الناس خسروا أموالهم لأنهم صاروا مدمنين يغريهم الربح السريع الذين يرونه أرقاما تظهر في حساباتهم. ومع ذلك لو قيل بأن التقابض يحصل وأنه يستطيع أن يأخذ أمواله مع أرباحها إن وجدت أرباح فإن ما تقدم من محاذير كاف للقول بحرمتها، أضيف إلى ذلك نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى تتعلق بالاتجار ذاته في العملات، فهي يراد بها أن تكون أثمانا للأموال المتقومة شرعا، ولذلك نص كثير من الفقهاء القدامى في حقيقة الأمر التحذير من اتخاذ النقدين سلعا يتجر بها، لأنها يفضي إلى أن تكون ما تتقوم به السلع والخدمات أن تكون سلعا في ذاتها، فلذلك فإن باب الصرف باب ضيق، ليس مقصود الشارع منه أن يكون للإتجار والتمول والتربح وإنما هو للاحتياج إليه، وهذا من الفروق الجوهرية أيضا بين المال في الإسلام والمال في النظام الرأسمالي أن المال عندهم سلعة يتمول منها فلذلك يرابون عليه.
النقطة الثانية أن فكرة تجارة العملات في حقيقتها قائمة على الاحتكار، لأن هؤلاء الوسطاء أو التجار، يقبضون ما في أيديهم من عملات منتظرين ارتفاع قيمتها بالنظر إلى العملات الأخرى، ولا يعرضونها للبيع إلا حينما يراهنون أو يتوقعون أن سلعة ما يمكن أن ترخص، فيشترونها أو تكون غالية فيبيعون ما لديهم منها، هذا هو الاحتكار، التجارة أن يعرض تجارته فيأتي من يريد أن يشتري فيشتري.
وقد بدأ سماحة مساعد المفتي بتوطئة لهذا الموضوع بقوله: الأصل في المعاملات المالية الواردة إلينا من النظام الرأسمالي الوقوف حتى يتبين لنا رشدها هذا في الحد الأدنى وإلا فإن من يأخذ الموضوع بحزم واحتياط فإنه لا عتب عليه إن قال: إن الأصل في المعاملات المالية المصممة في النظام الرأسمالي الواردة إلينا اليوم الحرمة حتى يثبت العكس، لكني مع ذلك خففت هذا وقلت بأن الأصل الوقوف حتى يتبين لنا الرشد.
والأمر الثاني اللازم في فهم هذه القضايا مما يقع فيه كثير من الناس هو أنهم يكيفون هذه المنتجات والأدوات المالية حسب فهمهم لا حسب واقعها، وهذا أدى إلى خلل في التكييف الشرعي الذي رتب عليه الحكم الشرعي، فكثير من هذه الأدوات والوسائل المالية والمنتجات لها تكييف وماهية، وعلى الفقيه أن يتعرف عليها ثم يسلط عليها ملكته الفقهية ليصل إلى الحكم الشرعي فيبينه للناس، ليتحمل الناس بعد ذلك مسؤولياتهم سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات مشرفة على حفظ أموال الناس، أو كانت جهات تشريعية، ولكن الفيصل هو أن تدرس هذه الأدوات والمنتجات والمشتقات المالية ما يرد إلينا من هذه الأنظمة بحسب ما يعرفونها بها أو بحسب ماهيتها في ذاتها ثم بعد ذلك ينظر هل لها متسع في الشرع أم لا متسع لها؟
الأمر الثالث هو أن بيان الحكم الشرعي في مثل هذه المعاملات المالية وإن بدا للناس أنه قد يكون على خلاف ما يتوقعون في كثير من الأحيان لكنه مع ذلك مبني على التوسعة لا على الورع لإدراك الفقهاء المعاصرين احتياج الناس إلى وسائل لتنمية أموالهم واستثمارها والتربح المشروع فليس الفقيه من يحمل الناس على الضيق وعلى الاحتياط والورع، وإنما الفقيه من يحملهم على ما يسعهم في دينهم مما يعني أن بعض المعاملات التي يصل فيها فقيه ما أو يتخذ فيها مجمع من مجامع الفقه الإسلامية أو هيئة من الإفتاء إلى حكم بالمنع أنهم ما وجدوا لها مدخلا بحسب ما أداه إليه اجتهاده إن كان فقيها فردا أنه لم يجد متسعا وإلا إن كان في الأمر ما يمكن أن تحمل عليه تلك المشتقات لما ضيقوا على الناس.
منتجات الرأس مالية
لماذا التوجس الشديد من منتجات الرأسمالية؟
أولا لأن هذه المنتجات نشأت في جانبها المالي في بيئة قائمة أصلا على الربا، وهذا هو جوهر الحرمة لكثير من المعاملات المالية في فقه المعاملات المالية الإسلامية، ثم أنها أنظمة قائمة أيضا على عدم الالتفات إلى حلية مأخذ الأموال وهذا فارق جوهري، لأن المعاملات المالية في الإسلام تشترط أن يكون الكسب فيها مشروعا حلالا طيبا، ولا التفات إلى هذا في النظام الرأسمالي في جانبه المالي كما في جوانبه الفكرية التي تنظر له وهو قائم على الفردية، وهذا غير صحيح في فقه المعاملات المالية الإسلامية؛ لأنه قائم على عدم تكدس الثروات لدى الأفراد، وعلى التوزيع العادل للثروة، وعلى حسن استغلال الموارد لا على استهلاكها، فالنظام الرأسمالي مكيف على أساس شح الموارد وأنها نافذة، بينما المعاملات المالية الإسلامية قائمة على أن الموارد كافية، وإنما يراد حسن استغلالها وحسن توزيعها وإدارتها، هذه فروق جوهرية ولدت الكثير من الفروقات الفرعية التي هي ذات أهمية بالغة أيضا من نحو وجود الاستغلال والاحتيال والاحتكار والغش والتدليس، والإثراء على حساب الطبقات الكادحة العاملة، لا يعني هذا خلو هذه الأنظمة أيضا من مبتكرات مالية، وبعض المحاسن، لكنها هي في الهدف نفسه، وهي قليلة جدا إلى جانب هذه المنتجات المالية، والنظام البنكي قائم في أصله على الربا. نأتي إلى ما يتعلق بالنظام التأميني، كذالك قائم على الغرر والجهالة والغبن الفاحش، لأنهم لا يلتفتون إلى الأسس، ولو شرعها النظام، لأنها أقرب إلى المعاني الخلقية المتصلة، ومعاني العدالة والإنصاف، وإتاحة فرص متساوية، ومراعاة حقوق الضعفاء والمظلومين، وعدم تكدس الثروات وغيرها من الأسس المعروفة في الاقتصاد الإسلامي، فكثير من هذه المحاذير الشرعية التي هي من المهالك، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من غشنا فليس منا» وأن ينهى على سبيل المثال عن الاحتكار، لأن الاحتكار يؤدي إلى استغلال حاجة الناس، ومنع ما تشتد إليه حاجتهم عند الحاجة، من أجل الإثراء على حساب حاجة الناس، فهذا يترتب عليه كثير من الفروع التي نجدها في معاملات الناس اليوم.
الميسر
وكان في نفسي عجب من أنماط نجدها في كتاب الله عز وجل، محرمة بعبارات واضحة صريحة، وفي سياق النهي بمؤكدات غليظة، يقول ربنا تبارك وتعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ» كنت أتساءل في نفسي عن محل الميسر من مثل هذه المحرمات الموبقات، وإذا بي أجد أن الكثير من المعاملات المالية البعيدة عن العدالة تقوم على الميسر، وأن الناس لا تنتبه إلى أن كثيرا من وجوه الإثراء السريع التي يتصورونها هي في حقيقتها غير بعيدة عن القمار ولا عن الميسر، فهو فيما يظهر أنه تكسب سريع فيه قدر من المراهنة والمقامرة، دون بذل أدنى جهد، وهذه المحرمات موجودة في كثير من المعاملات، فعلى سبيل المثال سوق المقامرة يقدر بمليارات الدولارات حول العالم، وكذا الحال بالنسبة لأنماط من التكسب داخلة في الميسر، يعني لا حاجة إلى تسميتها الآن حتى لا ندخل في حوارات حولها، لأننا إذا أخذنا في الحسبان ما تقدم بيانه من أن طائفة من طلبة العلم ومن بعض الفقهاء المعاصرين يتعجبون، ويظنون أن بعض هذه المنتجات ناشئة في بيئات إسلامية، أو أنها مأخوذة من كتب الفقه والتراث الإسلامي، فإذا بهم يصدرون فيها أحكاما يظنون أنهم يقيدون، فيقولون: «إن كان كذا وكذا، فلا مانع» ويقولون: «إن ذلك جائز بشرط كذا وشرط كذا»، ولا خطأ في قولهم، ولكن القضية أن هذه المعاملات ليست كذلك، فالناس لا تلتفت إلى هذه القيود والشروط حينئذ، لأنهم يقولون: إن العالم الفلاني والمفتي الفلاني أصدر فتوى في الأمر الفلاني بالجواز، ويقولون: إن هذه الشروط متحققة، وهذه المحاذير منتفية، وهذا غير صحيح.
معاملة مالية لا يوجد لها نص شرعي
الفقيه الذي لا يجد نصا شرعيا يحكم به على منتج معين أو معاملة مالية معينة، ما الذي يتبعه؟ وفيم ينظر الفقيه؟
أولا الحكم على الشيء فرع عن تصوره، الفقيه يدرس الحالة أولا على ما هي عليه، فعليه أن يتبين حقيقة الموضوع محل البحث، فإذا وصل فيه إلى تعرف على ماهيته وحقيقته، حينئذ يرجع إلى الأدلة الشرعية من كتاب الله- عز وجل- ومن سنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن وجد أن بعض المحاذير على سبيل المثال هي مما اختلف فيه أهل العلم، ومما يمكن أن يأخذ فيه بقول طائفة من العلماء المعتبرين توسعة على الناس كما قلت في مسألة فرعية ليس فيها شديد خلاف ولا هي مصادمة لنص شرعي صحيح، فهذا مما يدفعه إلى أن يوسع للناس، قد يحتاط لنفسه وقد يوصي أهل الورع أن لا يدخل فيه، ولكن من ابتلي بالفتوى في الشأن العام، وبما تعم به البلوى مع ما يعرفه من حال المسلمين من تأخرهم فيما يتعلق بالأموال وإدارتها واستثماراتها فإنه لا ريب سيجد نفسه مضطرا إلى التوسعة إن كانت هذه السعة كما تقدم لا تصطدم بنصوص شرعية ولم تكن الأقوال التي تبنى عليها ضعيفة أو شديدة الضعف، قد تكون في بعض المسائل عند من درس الفقه أن الأقوال قد تكون متقاربة جدا، والترجيح بينها ليس بالأمر السهل، خذ على سبيل المثال في ذات الربا، هل هو مجرد الزيادة أو العقد، بمعنى هل الحرمة على الزيادة أو أن العقد ذاته إن اشتمل على ربا فالعقد كله فاسد، هذا خلاف منذ زمن التابعين، لا يمكن أن يسد بابه اليوم، لا يمكن أن ينكر الخلاف فيه، فجمهور الأمة رأوا أن العقد فاسد، وأبو حنيفة على سبيل المثال رأى أن الزيادة هي الممنوعة وأن أصل العقد صحيح، فقد يوجد من الفقهاء اليوم من يمكن أن يوسع بناء على هذه القاعدة في أمر لا يصطدم، مع ما تقدم بيانه مع نص شرعي، قد يجد أيضا الفقيه أن المسألة محل البحث يمكن أن تكيف تكييفا شرعيا صحيحا، وتكون الجهة التي تقدم هذه الخدمة مطواعة لهذا التكييف، يعني لا يكيفها هو بشيء، والجهة التي تقدمها لها تكييف آخر، وإنما هي تقبل التكييف الجديد، لا يضيرها ذلك شيء، سيكون العقد حين إذ أكثر إحكاما وأكثر موافقة لشرع الله تبارك وتعالى، إذن سيتجه إلى المؤسسة المالية أيا كانت بطلب تغيير التكييف، إما بإضافة شروط أو بحذفها، أو بتصحيح ألفاظ في هذه الشروط المتعلقة بذلك المنتج أو ذلك العقد الذي تقدمه للناس، إذا هذه الوجوه التي يمكن أن يحمل الفقيه فيها الناس.
محاذير الفوريكس
ذكرتم قبل سنوات مجموعة من المحاذير ولكن يزعم البعض أن هذه المحاذير تغيرت؟ فقد ذكرتم التقابض لأنه لا يوجد تقابض مباشر، الآن هنالك تقابض إلكتروني ومعتمد ومنتشر في معاملات كثيرة، وذكرتم أيضا ما يسمى بالوسطاء، أو ما يسمونه اليوم بالرافعة المالية، ولكن هناك من يتحدث بأنها ليست قرضا وإنما هي تمويل، وذكرتم موضوع التبييت، ولكن يوجد الآن فوريكس إسلامي، فالآن هل تغير بالفعل موضوع التعامل مع الفوريكس حسب هذه المعطيات أم لا يزال كما هو؟
لم يتغير الوضع مع الفوريكس، أولا نحن نتحدث عن تجارة العملات في ما يعرف بالفوريكس، وهي تجارة العملات عبر منصات إلكترونية، ونتحدث عن دخول الفرد، لا نتحدث عن المؤسسات لأن أسواق تجارة العملات لها تصنيفات، ونحن نتحدث عن الفرد، لا نتحدث عما يحصل بين مؤسسات لأن هذه فيها قيود وتنظيمات أكثر إحكاما وهناك جهات تشرف عليها، وهناك مخاطر معلومة، ووسائل لتجنب هذه المخاطر، على خلاف ما نتحدث عنه، سيدخل الفرد عن طريق منصات أو عن طريق وسطاء، نتحدث عن السوق الفورية لأن هناك سوقين، أولهما سوق للعقود الآجلة «أيضا لتجارة العملات»، وسوق المستقبليات، هذه لا نتحدث عنها لأنها لا تصح أصلا، يعني العملات إذا كانت من أجناس مختلفة فإن جوازها مشروط بالتقابض، وهذا عند جماهير العلماء اليوم، وإلا فأصل المسلة أيضا فيه خلاف، فبعض الفقهاء لا يرون المعاوضة بين العملات لكن على الرأي السائد الذي تبناه جماهير العلماء اليوم، والمجاميع الفقهية، وهيئات المعايير إلى آخرها، ولنأخذ على هذا القول بأن العملات أجناس متعددة فالريال العماني هو غير الدولار الأمريكي، وهو غير اليورو الأوروبي، غير الجنيه الاسترليني، لكنها أجناس ربوية، فإذا كانت المعاوضة بين عملة وعملة أخرى فهي كالمعاوضة بين الذهب والفضة، وهذا هو مسوغ القائلين بالجواز، أنه لا مانع شرعا من المعاوضة بين الذهب والفضة وإنما يشترط أن يكون التقابض في المجلس الواحد إذا كانت هناك زيادة ولا يصح فيها الأجل، ولا يصح فيها شرط الخيار، وإذا كانت من جنس واحد لا يصح فيها التفاضل، إلا إذا كانت متماثلة يدا بيد، مثل الذهب مع الذهب، الآن في ما يتعلق بتجارة العملات في المنصات أو السوق الإلكترونية نتحدث عن الفرد في السوق الفورية، يمكن فيها الصفقة تكون في بضع ثواني أو دقائق أو أثناء اليوم وقد تكون في أكثر من ذلك ولكن في تكييف ما يتعلق بتجارة الفوريكس هناك حقائق القائمون على فوريكس والداخلون والهيئات الاقتصادية والمالية والنقدية تتفق عليها، ولا بد لنا من التعرف عليها: الأمر الأول أنه لا بد لمن يدخل فيها أن يفتح حسابا عبر وسيط أو سمسار، ولا مناص من ذلك، قد يبدو للمتعامل العادي أنه سيدخل عبر منصة في الإنترنت هذه المنصة قد تكون لوسطاء آخرين إلى أن نصل إلى الوسيط المأذون له بتجارة العملات.
الأمر الثاني أنها لا تخلو من الرافعة المالية، وهنالك خلط بين الرافعة المالية وبين الهامش، وهذا غير صحيح، فالرافعة هي ما يعرف أيضا في سوق تجارة العملات الفوريكس،«Leverag» بل عن الماليين والاقتصاديين يقولون: إن سوق تجارة العملات الرافعة فيه من أعلى الرافعات قد تصل إلى مائة ضعف، فيمكن أن يشارك التاجر الراغب بعشرة آلاف، والوسيط بحسب مستواه وقوته يضع مائة ضعف، فيتاجر له بمليون، ويمكن أن يشارك بألف فيتاجر له بمائة ألف، والرافعة المالية لا بد منها، ومن يأتي ويقول: إن هناك منصات حلال يبدو أنه في منصة إلكترونية هي في تعاملها معه هو لا تعتمد على الرافعة، لكن في نهاية المطاف حتى يدخل في سوق تجارة العملات لا بد من الرافعة.
وسبب مضاعفة الرقم لأنه لا يظهر الربح إلا في الأرقام الكبيرة، قد يكون الفارق سنتات فقط في العملة، يعني جزء من واحد في الألف الفراق في العملة، ولكن يظهر في المبالغ الكبيرة، والوسيط يأخذ فارق سعرين، ولذلك يأتي من يحتج ويقول: إن الوسيط لا يأخذ عمولة له، ولكنه يستفيد من فارق سعر تلك العملة، إذن الرافعة لا بد منها.
والهامش هو جزء من المبلغ يترك ليضمن الوسيط أن هذا التاجر يستطيع أن يسدد في حالة الخسارة، بعض الفقهاء يكيف على أن هذا رهن، وهذا ممكن أن يتسامح فيه، لكن يخطئ من يقول تجارة الهامش، وهو يدخر لتمكين الوسيط من استيفاء من التاجر في حالة الخسائر.
هل توجد أنظمة تضبط الفوريكس؟
هل هناك أنظمة وتشريعات تضبط تجارة الفوريكس؟
بعض الدول فيها مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، حسب قراءتي لمقالات حديثة نشرت في الشهر الماضي، وسائر دول الاتحاد الأوروبي ليست فيها أنظمة لتجارة الفوريكس، أما الهند والصين وضعت قيودا على الشركات التي تدخل في هذا المجال، أما باقي دول العالم ليست فيها قوانين وتشريعات منظمة لها، ولذلك بعض من يريد أن يقلل من المخاطر يدخل في هذه الأسواق، هذا توصيف وبيان لبعض حقائق الفوريكس، وهذه المقالات تقول بأن الواقع صار أوسع من قدرت هذه الجهات على المتابعة والإشراف، فهي أكبر مستودع للسيولة على مستوى العالم، ففي اليوم الواحد 6.6 بليون دولار أمريكي، ولا يوجد حوض لسيولة مالية يمكن أن يقارن بحوض تجارة العملات، ووجود الإنترنت والمنصات الإلكترونية هو الذي مكن وسرع من دخول الأفراد في هذه السوق.
الحكم الشرعي
هنالك محاذير شرعية لا يمكن أن تنفك عنها تجارة الفوريكس، عبر المنصات الإلكترونية، هذه المحاذير تتلخص في أن الربح المقدم من المنصة الإلكترونية أو من الوسيط هو النسبة من رأس المال لا من الأرباح، وهذا لا يصح شرعا، فأكثر هذه المنصات اليوم تقدم نسبة فائدة على رأس المال لا على الأرباح المتحققة، وهذا فيه ضمان لرأس المال مع خلو الطرف المتاجر من تحميله للخسارة، وعلى سبيل المثال يشارك التاجر بعشرة آلاف دولار تقوم هذه المنصات أو هؤلاء الوسطاء بوعده أن ربحه الأسبوعي سيكون على سبيل المثال 8 إلى 12 في المائة بقطع النظر عما يحصل في السوق نفسها، فهو من خلال 10 آلاف دولار سيربح 8 في المائة أسبوعيا، وهذه نسبة ربح مغرية. أما لو كانت مضاربة مالية، لاتجهت النسبة إلى أن تكون من الربح لا على رأس المال.
المحذور الثاني هو نظام الرافعة المالية هو إما يكون إقراضا من الوسيط، وهذا الإقراض مشروط بمعاوضة، وأن يكون من خلالهم، فيحقق لهم نفعا، وهذا هو المحذور الذي دلت عليه السنة وهو النهي عن بيع وسلف، وما أجمع عليه أهل العلم من النهي عن قرض جر نفعا، فلا يخلو حال ما يضعه الوسيط من أحد هذين الأمرين، بل يجمع بينهما، فهو قرض يجر له نفعا، نظرا لاشتراطهم أن تجر لهم المعاوضة في شراء العملات الأخرى في تجارة الفوريكس من خلالهم، وهذا جمع بين سلف وبيع. وقد يقول قائل أن ذلك من باب التسهيل والتمويل، فهذا غير صحيح لأنه حين إذ سيكون هذا التاجر الداخل في هذه التجارة يتاجر بما لا يملك، لأنه ليس هنالك تكييف آخر.
الأمر الثالث هو التقابض، حاولت قدر المستطاع أن أبحث في مسألة هل يحصل تقابض حكمي فما وجدت ما يدل على حصول ذلك، فكثير من المواقع المالية التي تحدثت عن الفوريكس ينصون على إن إتمام الصفقة يحتاج إلى يومين، ما الذي يحصل إذن وقد تقدم القول بأنه قد تتم الصفقة في ثواني معدودة أو في دقائق، فالذي يحصل هو قيد فقط، لكن لو أراد هذا أن يسحب أمواله لما استطاع، يقيد المبلغ في حسابه لكن لا تجري العملية ولا تحصل المبادلة، لأن هذا الدفق الهائل من السيولة المالية والأعداد الهائلة من البشر الذين يدخلون فضلا عن المؤسسات، ونحن نتحدث عن السوق الفورية، لا نتحدث عن سوق المستقبليات، ولا سوق العقود الآجلة، فهو ضخ هائل جدا لا يتيح أن يكون التقابض فوريا ولو كان تقابضا حكميا،
ولا يمكن أن يعد هذا القيد قبضا، لأنه لا يتصرف في هذه الأموال ريثما تحول هذه الأموال إلى حسابه، وهو تحويل إلكتروني، ووجدت أنه ينصون في هذه المواقع المتخصصة وهي ليست مواقع للمسلمين، ينصون على أن تمام الصفقة حقيقة يأخذ إلى يومين، إذن التقابض لا يحصل، لأنه ليس مقصود من يدخل في تجارة العملات باللغة المعاصرة الاستثمار، وإنما هو يريد أن يضارب بها في السوق الإلكترونية للعملات بحيث أنه يتربص بها أيضا مرة أخرى حتى ترتفع قيمتها فيشتري بها عملا أرخص، والوسطاء يعرفون أن الذين يدخلون في هذه العملية لا يريدون سحب أموالهم ولذلك فإنهم يغرونهم فيجد الواحد حينما يدخل في المرات الأولى أنه يحقق شيء من الأرباح فتتشوق نفسه إلى هذا الربح السريع «الميسر» دون أدنى جهد، فيدخل في عمليات أكبر، وبمبلغ أكبر مرة بعد مرة حتى يخسر أمواله، وكثير من الناس خسروا أموالهم لأنهم صاروا مدمنين يغريهم الربح السريع الذين يرونه أرقاما تظهر في حساباتهم. ومع ذلك لو قيل بأن التقابض يحصل وأنه يستطيع أن يأخذ أمواله مع أرباحها إن وجدت أرباح فإن ما تقدم من محاذير كاف للقول بحرمتها، أضيف إلى ذلك نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى تتعلق بالاتجار ذاته في العملات، فهي يراد بها أن تكون أثمانا للأموال المتقومة شرعا، ولذلك نص كثير من الفقهاء القدامى في حقيقة الأمر التحذير من اتخاذ النقدين سلعا يتجر بها، لأنها يفضي إلى أن تكون ما تتقوم به السلع والخدمات أن تكون سلعا في ذاتها، فلذلك فإن باب الصرف باب ضيق، ليس مقصود الشارع منه أن يكون للإتجار والتمول والتربح وإنما هو للاحتياج إليه، وهذا من الفروق الجوهرية أيضا بين المال في الإسلام والمال في النظام الرأسمالي أن المال عندهم سلعة يتمول منها فلذلك يرابون عليه.
النقطة الثانية أن فكرة تجارة العملات في حقيقتها قائمة على الاحتكار، لأن هؤلاء الوسطاء أو التجار، يقبضون ما في أيديهم من عملات منتظرين ارتفاع قيمتها بالنظر إلى العملات الأخرى، ولا يعرضونها للبيع إلا حينما يراهنون أو يتوقعون أن سلعة ما يمكن أن ترخص، فيشترونها أو تكون غالية فيبيعون ما لديهم منها، هذا هو الاحتكار، التجارة أن يعرض تجارته فيأتي من يريد أن يشتري فيشتري.