التكوين الرأسمالي..أرقام تغري بالبحث
الاثنين / 2 / ربيع الثاني / 1443 هـ - 21:15 - الاثنين 8 نوفمبر 2021 21:15
لا يتناول هذا المقال جوانب عقدية 'أيديولوجية' تتعلق بتشكل النظام الرأسمالي كما قد يبدو من العنوان لغير المختصين، و لكنها محاولة لقراءة أولية لبند 'التكوين الرأسمالي capital formation' في عمان، و ذلك حسبما يظهر في الفصل المتعلق بالحسابات القومية national accounts من الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن المركز الوطني للإحصاء و المعلومات في عام ٢٠٢٠. و مع أنه توجد بعض الإشارات عن التكوين الرأسمالي في بعض التقارير والدراسات التي أجريت عن الاقتصاد العماني، ومنها تقارير صندوق النقد الدولي وتقارير مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية فإنه لا توجد أو على الأقل لم أطلع على دراسة أو تحليل واسع و مفصل حول هذا الموضوع حتى الآن. وهناك دراسات عن بلدان أخرى تناولت التكوين الرأسمالي فيها من عدة أوجه، لاسيما من ناحية علاقته بالنمو الاقتصادي. لذلك أجد أن هناك فرصة أمام الباحثين من الأكاديميين وغيرهم من المهتمين لإجراء دراسات أعمق في هذا الموضوع، من أجل أثراء الجانب المعرفي و للمساعدة في اتخاذ و صياغة السياسات و الخطط الاقتصادية المناسبة للمستقبل.
يعرف التكوين الرأسمالي ببساطة بأنه الزيادة الصافية في الأصول الحقيقية للاقتصاد وذلك خلال سنة أو فترة محاسبية معينة. أو هو ذلك الجزء من الإنتاج المحلي ومن الاستيراد، الذي لا يستهلك ولا يصدّر إلى الخارج وإنما يحتفظ به ليكون جزءا مما تراكم في الاقتصاد من أصول رأسمالية. ويشمل التكوين الرأسمالي الأصول الثابتة مثل المباني والآلات والمعدات و أصول وسائل النقل و الكهرباء وما شابهها من البُنى الأساسية، كما يشمل أيضاً التغير في المخزون من تلك الأصول. وحيث أن التكوين الرأسمالي يعتبر أحد أهم عناصر الإنتاج، خاصة في البلدان النامية، فإن الهدف من زيادته أو مراكمته هو استخدامه في زيادة الإنتاج. و تقوم الدول بتجديد و تحديث أصولها الرأسمالية في إطار سعيها لزيادة التكوين الرأسمالي فيها، حيث إن تقادم الأصول الرأسمالية يؤدي إلى تدني كفاءتها، و من ثم إلى تراجع مستوى الإنتاج. و يرى بعض الاقتصاديين أن التكوين الرأسمالي الثابت هو المتغير الوحيد في الحسابات القومية القادر على تحريك المتغيرات الأخرى. أي أن زيادة التكوين الرأسمالي تؤدي إلى زيادة النمو، سواء كان ذلك من خلال قيام استثمارات جديدة أو من خلال توسعة الاستثمارات القائمة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى خلق مزيد من فرص العمل، و إلى زيادة الإيرادات الضريبة للدولة. و بالإضافة إلى ذلك فإن زيادة التكوين الرأسمالي تؤدي إلى توسيع العلاقات التجارية مع الدول الأخرى من خلال زيادة الصادرات و الواردات. و كلما كان التكوين الرأسمالي أسرع، زادت قدرة الاقتصاد على زيادة الدخل الإجمالي و على خلق فرص العمل. و يتأثر التكوين الرأسمالي بمدى التوازن في السياسات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة في مجالات الادخار و الاستثمار و الاستهلاك والإنتاج. و من السياسات التي تقوم الدولة باتخاذها لزيادة التكوين الرأسمالي، الحد من الإنفاق الاستهلاكي ومن الغلاء، و كذلك تشجيع الادخار العائلي و الادخار القومي من خلال إيجاد القنوات و الأدوات التي تشجع على ذلك.
وبإلقاء نظرة على أرقام التكوين الرأسمالي الثابت حسبما تظهر في الحسابات القومية للسلطنة خلال الفترة ما بين عام ٢٠١٥ إلى ٢٠١٩ فإنه يلاحظ أن تلك الأرقام تأخذ اتجاها عاما يكاد يكون ثابتا أو متراجعا إلى حد ما. ففي عام ٢٠١٥ كان إجمالي التكوين الرأسمالي الثابت يزيد قليلا عن ٧ مليار ريال ثم وصل إلى أكثر من ٨ مليار في عام ٢٠١٦، لكنه تراجع إلى حوالي ٧،٨ مليار ريال في عام ٢٠١٧، ثم تراجع مرة أخرى إلى حوالي ٧،٣ مليار ريال في عام ٢٠١٨. إما في عام ٢٠١٩ فقد تراجع إلى حوالي ٧ مليار ريال، أي إلى نفس ما كان عليه تقريبا في عام ٢٠١٥. و بمقارنة ذلك مع الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة، فإنه يلاحظ أنه في حين اتخذ التراكم الرأسمالي اتجاها ثابتا أو متراجعاً إلى حد ما، فإن الناتج المحلي الإجمالي كان لا يزال بشكل عام يتخذ اتجاها صاعدا، حيث بلغ في عام ٢٠١٥ حوالي ٢٧،٣ مليار ريال ثم زاد إلى ٢٨،٧ مليار ريال في العام الذي يليه، ثم استقر عند نفس الرقم تقريبا في عام ٢٠١٧، لكنه عاد إلى الصعود ليصل إلى ما فوق ٢٩ مليار ريال بقليل في عام ٢٠١٨. أما في عام ٢٠١٩ فقد تراجع قليلا ليصل إلى حوالي ٢٨،٨ مليار ريال. معنى ذلك أن التكوين الرأسمالي الثابت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض من حوالي ٢٥،٦٪ في عام ٢٠١٥ إلى حوالي ٢٤،٣٪ في عام ٢٠١٩، و هذا على عكس ما هو عليه في دراسات عن بلدان أخرى، حيث كانت العلاقة بين النمو الاقتصادي و التراكم الرأسمالي علاقة إيجابية و ذات دلالة إحصائية مهمة في الأجل الطويل. و إذا استعرضنا أرقام التكوين الرأسمالي الثابت، و لكن بالأسعار الجارية كما جاءت أيضا في نفس المرجع المذكور، و هو الكتاب الإحصائي السنوي، و ذلك عن الفترة ٢٠١٧ إلى ٢٠١٩، فإنه يلاحظ أنه بلغ حوالي ٧،٤ مليار ريال في عام ٢٠١٧، ثم انخفض في العام الذي يليه إلى حوالي ٧،١ مليار ريال، و في ٢٠١٩ انخفض كذلك إلى ٦،٨ مليار ريال. و قد بلغت قيمة التكوين الرأسمالي في الأنشطة النفطية خلال نفس السنوات ١،٩ مليار ريال، ثم ٢،٦ مليار ريال، ثم ٢،٠٢ مليار ريال على التوالي. أما في الأنشطة غير النفطة فقد كانت ٥،٥ مليار ريال عام ٢٠١٧، ثم ٤،٥ مليار ريال في عام ٢٠١٨، ثم ٤،٨ مليار ريال في عام ٢٠١٩.
الأرقام الواردة أعلاه تثير لدى الباحث تساؤلات حول مدلولاتها، سواء كأرقام مطلقة أو كنسب مئوية، خاصة من حيث سبب عدم ارتباط التكوين الرأسمالي في عمان بعلاقة إيجابية مع الناتج المحلي الإجمالي، أي إن التكوين الرأسمالي الثابت خلال معظم تلك الفترة من السنوات لم يزد بزيادة الناتج المحلي الإجمالي، و هل هو من الطبيعي أن يكون التغير في التكوين الرأسمالي الثابت طفيفا على مدى السنوات. كما تثير تلك الأرقام تساؤلات الباحثين حول أوجه الإنفاق الاستثماري، و ما هي نسبة ما يصرف منه على مشاريع جديدة أو لتجديد أصول موجودة. و قد يكون من المفيد أن تشمل الدراسات فترة أطول من الفترة المشار إليها أعلاه، و كذلك دراسة العلاقة بين سعر النفط والتكوين الرأسمالي و نوع تلك العلاقة، سلبية أم إيجابية، وما إذا كانت ذات أهمية إحصائية أو اقتصادية على المدى الطويل. وللعلم فإن سجلات البنك الدولي تحتوي على إحصاءات عن التكوين الرأسمالي في عمان في صورة أرقام مطلقة أو كنسب من الناتج المحلي الإجمالي، و ذلك بدء من عام ١٩٦٧. كما أنه من المناسب أن يشمل البحث في الموضوع العلاقة بين التكوين الرأسمالي و الادخار، و كذلك علاقته بالاستثمار، سواء المحلي منه أو الأجنبي، و تحديد القطاعات التي أدى الاستثمار فيها إلى زيادة في التكوين الرأسمالي الثابت. و من المناسب كذلك دراسة علاقة التكوين الرأسمالي بالصادرات و الواردات من حيث قيمتها و أنواعها، و كذلك علاقته بفرص العمل و أنواعها و بمجمل الأجور التي يتقاضها العمال.
هذه دعوة للباحثين و المهتمين بالاقتصاد إلى تصفح الإحصاءات و المرور عليها بين فترة و أخرى، فهي غالبا ما 'تستفز' الباحث أو تغريه لدراستها و تحليها، و في البحث متعة للباحث و فائدة للغير.
• باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية
يعرف التكوين الرأسمالي ببساطة بأنه الزيادة الصافية في الأصول الحقيقية للاقتصاد وذلك خلال سنة أو فترة محاسبية معينة. أو هو ذلك الجزء من الإنتاج المحلي ومن الاستيراد، الذي لا يستهلك ولا يصدّر إلى الخارج وإنما يحتفظ به ليكون جزءا مما تراكم في الاقتصاد من أصول رأسمالية. ويشمل التكوين الرأسمالي الأصول الثابتة مثل المباني والآلات والمعدات و أصول وسائل النقل و الكهرباء وما شابهها من البُنى الأساسية، كما يشمل أيضاً التغير في المخزون من تلك الأصول. وحيث أن التكوين الرأسمالي يعتبر أحد أهم عناصر الإنتاج، خاصة في البلدان النامية، فإن الهدف من زيادته أو مراكمته هو استخدامه في زيادة الإنتاج. و تقوم الدول بتجديد و تحديث أصولها الرأسمالية في إطار سعيها لزيادة التكوين الرأسمالي فيها، حيث إن تقادم الأصول الرأسمالية يؤدي إلى تدني كفاءتها، و من ثم إلى تراجع مستوى الإنتاج. و يرى بعض الاقتصاديين أن التكوين الرأسمالي الثابت هو المتغير الوحيد في الحسابات القومية القادر على تحريك المتغيرات الأخرى. أي أن زيادة التكوين الرأسمالي تؤدي إلى زيادة النمو، سواء كان ذلك من خلال قيام استثمارات جديدة أو من خلال توسعة الاستثمارات القائمة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى خلق مزيد من فرص العمل، و إلى زيادة الإيرادات الضريبة للدولة. و بالإضافة إلى ذلك فإن زيادة التكوين الرأسمالي تؤدي إلى توسيع العلاقات التجارية مع الدول الأخرى من خلال زيادة الصادرات و الواردات. و كلما كان التكوين الرأسمالي أسرع، زادت قدرة الاقتصاد على زيادة الدخل الإجمالي و على خلق فرص العمل. و يتأثر التكوين الرأسمالي بمدى التوازن في السياسات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة في مجالات الادخار و الاستثمار و الاستهلاك والإنتاج. و من السياسات التي تقوم الدولة باتخاذها لزيادة التكوين الرأسمالي، الحد من الإنفاق الاستهلاكي ومن الغلاء، و كذلك تشجيع الادخار العائلي و الادخار القومي من خلال إيجاد القنوات و الأدوات التي تشجع على ذلك.
وبإلقاء نظرة على أرقام التكوين الرأسمالي الثابت حسبما تظهر في الحسابات القومية للسلطنة خلال الفترة ما بين عام ٢٠١٥ إلى ٢٠١٩ فإنه يلاحظ أن تلك الأرقام تأخذ اتجاها عاما يكاد يكون ثابتا أو متراجعا إلى حد ما. ففي عام ٢٠١٥ كان إجمالي التكوين الرأسمالي الثابت يزيد قليلا عن ٧ مليار ريال ثم وصل إلى أكثر من ٨ مليار في عام ٢٠١٦، لكنه تراجع إلى حوالي ٧،٨ مليار ريال في عام ٢٠١٧، ثم تراجع مرة أخرى إلى حوالي ٧،٣ مليار ريال في عام ٢٠١٨. إما في عام ٢٠١٩ فقد تراجع إلى حوالي ٧ مليار ريال، أي إلى نفس ما كان عليه تقريبا في عام ٢٠١٥. و بمقارنة ذلك مع الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة، فإنه يلاحظ أنه في حين اتخذ التراكم الرأسمالي اتجاها ثابتا أو متراجعاً إلى حد ما، فإن الناتج المحلي الإجمالي كان لا يزال بشكل عام يتخذ اتجاها صاعدا، حيث بلغ في عام ٢٠١٥ حوالي ٢٧،٣ مليار ريال ثم زاد إلى ٢٨،٧ مليار ريال في العام الذي يليه، ثم استقر عند نفس الرقم تقريبا في عام ٢٠١٧، لكنه عاد إلى الصعود ليصل إلى ما فوق ٢٩ مليار ريال بقليل في عام ٢٠١٨. أما في عام ٢٠١٩ فقد تراجع قليلا ليصل إلى حوالي ٢٨،٨ مليار ريال. معنى ذلك أن التكوين الرأسمالي الثابت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض من حوالي ٢٥،٦٪ في عام ٢٠١٥ إلى حوالي ٢٤،٣٪ في عام ٢٠١٩، و هذا على عكس ما هو عليه في دراسات عن بلدان أخرى، حيث كانت العلاقة بين النمو الاقتصادي و التراكم الرأسمالي علاقة إيجابية و ذات دلالة إحصائية مهمة في الأجل الطويل. و إذا استعرضنا أرقام التكوين الرأسمالي الثابت، و لكن بالأسعار الجارية كما جاءت أيضا في نفس المرجع المذكور، و هو الكتاب الإحصائي السنوي، و ذلك عن الفترة ٢٠١٧ إلى ٢٠١٩، فإنه يلاحظ أنه بلغ حوالي ٧،٤ مليار ريال في عام ٢٠١٧، ثم انخفض في العام الذي يليه إلى حوالي ٧،١ مليار ريال، و في ٢٠١٩ انخفض كذلك إلى ٦،٨ مليار ريال. و قد بلغت قيمة التكوين الرأسمالي في الأنشطة النفطية خلال نفس السنوات ١،٩ مليار ريال، ثم ٢،٦ مليار ريال، ثم ٢،٠٢ مليار ريال على التوالي. أما في الأنشطة غير النفطة فقد كانت ٥،٥ مليار ريال عام ٢٠١٧، ثم ٤،٥ مليار ريال في عام ٢٠١٨، ثم ٤،٨ مليار ريال في عام ٢٠١٩.
الأرقام الواردة أعلاه تثير لدى الباحث تساؤلات حول مدلولاتها، سواء كأرقام مطلقة أو كنسب مئوية، خاصة من حيث سبب عدم ارتباط التكوين الرأسمالي في عمان بعلاقة إيجابية مع الناتج المحلي الإجمالي، أي إن التكوين الرأسمالي الثابت خلال معظم تلك الفترة من السنوات لم يزد بزيادة الناتج المحلي الإجمالي، و هل هو من الطبيعي أن يكون التغير في التكوين الرأسمالي الثابت طفيفا على مدى السنوات. كما تثير تلك الأرقام تساؤلات الباحثين حول أوجه الإنفاق الاستثماري، و ما هي نسبة ما يصرف منه على مشاريع جديدة أو لتجديد أصول موجودة. و قد يكون من المفيد أن تشمل الدراسات فترة أطول من الفترة المشار إليها أعلاه، و كذلك دراسة العلاقة بين سعر النفط والتكوين الرأسمالي و نوع تلك العلاقة، سلبية أم إيجابية، وما إذا كانت ذات أهمية إحصائية أو اقتصادية على المدى الطويل. وللعلم فإن سجلات البنك الدولي تحتوي على إحصاءات عن التكوين الرأسمالي في عمان في صورة أرقام مطلقة أو كنسب من الناتج المحلي الإجمالي، و ذلك بدء من عام ١٩٦٧. كما أنه من المناسب أن يشمل البحث في الموضوع العلاقة بين التكوين الرأسمالي و الادخار، و كذلك علاقته بالاستثمار، سواء المحلي منه أو الأجنبي، و تحديد القطاعات التي أدى الاستثمار فيها إلى زيادة في التكوين الرأسمالي الثابت. و من المناسب كذلك دراسة علاقة التكوين الرأسمالي بالصادرات و الواردات من حيث قيمتها و أنواعها، و كذلك علاقته بفرص العمل و أنواعها و بمجمل الأجور التي يتقاضها العمال.
هذه دعوة للباحثين و المهتمين بالاقتصاد إلى تصفح الإحصاءات و المرور عليها بين فترة و أخرى، فهي غالبا ما 'تستفز' الباحث أو تغريه لدراستها و تحليها، و في البحث متعة للباحث و فائدة للغير.
• باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية