الصراعات العربية .. هل من مخرج؟
الثلاثاء / 26 / ربيع الأول / 1443 هـ - 20:53 - الثلاثاء 2 نوفمبر 2021 20:53
عوض بن سعيد باقوير
* صحفي ومحلل سياسي
على مدى عقود وبعد فترة الاستقلال للدول العربية كانت هناك فرص ثمينة نحو تكامل اقتصادي توفرت فرص نجاحه على أكثر من صعيد، علاوة على وجود بيت العرب الجامعة العربية وهي أقدم منظمة سياسية في العالم حيث ظهرت هذه الجامعة عام ١٩٤٥ وقبل ظهور الأمم المتحدة. ومن هنا كانت هناك آمال عربية نحو اندفاع عربي لإيجاد تكتل اقتصادي وتنسيق سياسي وحل الخلافات من خلال الحوار.
ويأتي هذا الطرح والمشهد السياسي العربي في أسوأ حالاته منذ عقود الخمسينيات والستينيات وحتى العصر الحالي، ومن خلال نظرة فاحصة فإن الدول العربية تتشابك مع بعضها سياسيا من خلال الخلافات أو تكون هناك صراعات وحروب داخليه كما في الحالة اليمنية والسورية والليبية ومزيج آخر من التوتر وعدم الاستقرار كما هو الحال في الحالة العراقية واللبنانية والتونسية والسودانية.
على الجانب الآخر من العالم في الغرب فإن الصورة تبدو مغايرة للمشهد السياسي العربي حيث انتهت حروب القارة الأوروبية وحتى في جنوب شرق آسيا في منتصف عقد الأربعينيات وعقدي الستينيات والسبعينيات تواليا في الغرب والشرق الآسيوي.
الأمة العربية تتخبط
كانت الصورة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي الاكثر تطورا وتسارعت وتيرة التنمية بفعل إيرادات النفط وكانت المنطقة بعيدة عن الصراعات حتى اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام ١٩٨٠ لتدخل المنطقة سلسلة من الكوارث والحروب والتي لاتزال آثارها باقية كما في الحالة العراقية. ومن هنا دخل العالم العربي في مشكلات أدت الى ضياع المقدرات الكبيرة ورغم أنه ليس هناك رقم دقيق لإهدار مقدرات الشعوب، يبدو لي أنه منذ عام حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣ وارتفاع أسعار النفط وعلى مدى نصف قرن فإن ضياع عدة تريليونات من الدولارات في تلك الحروب والصراعات، هو أمر مؤكد لا محالة وهذه خسارة كبيرة لتلك الدول العربية وشعوبها، والذي لايزال القسم الأكبر منها يرزح تحت الفقر والمشكلات الاجتماعية.
هناك دول عربية ذات مقدرات كبيرة تفوق حتى الدول النفطية في منطقة الخليج العربية، وهنا يقفز اسم السودان الشقيق الذي يتمتع بموارد كبيرة وأنهار وثروات معدنية كالذهب والنفط ومساحة شاسعة وثروات حيوانية كبيرة، وهو كما يقال دوما سلة الغذاء العربية ومع ذلك يعاني البلد الشقيق من صراعات وحروب داخلية وانقلابات عسكرية وعدم استقرار لأكثر من ستة عقود، وهو الآن يعاني من مشكلات عميقة بين مكوناته السياسية المدنية والعسكرية وهناك مخاوف أن ينزلق السودان الى ما هو أبعد من ذلك. ومن هنا فإن المشهد السوداني هو مشهد مؤلم لكل محبي هذا البلد العربي الأصيل.
على الجانب الآخر من العالم العربي وبعيدا عن القارة الإفريقية يعيش البلد العربي الحضاري لبنان أزمة سياسية واقتصادية كبيرة بسبب المشكلات المعروفة في لبنان منذ عقد الاستقلال في عقد الأربعينيات وانسحاب الاستعمار الفرنسي، والذي أوجد للبنان دستورا هو أشبه بالألغام حيث يقوم هذا الدستور على خيارات طائفية، كما أن لبنان يواجه تحديات خارجية وتجاذبات سياسية تمس حتى سيادته الوطنية، وهو يدفع الآن ثمنا باهضا لتلك الصراعات.
ومن هنا فإن على الدول العربية أن تساعد لبنان للخروج من أزمته الداخلية والخارجية في ظل التدخلات الخارجية الغربية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحدثت عن ضرورة بقاء حكومة ميقاتي، وهي رساله للبنان الداخل والخارج وسوف يظل لبنان الشقيق محل تجاذبات إقليمية ودولية لأن النخبة السياسية اللبنانية لم تستطع على مدى عقود التخلص من تلك التجاذبات الداخلية وحتى الخارجية ليصل الحال بلبنان الى ما هو عليه الآن، حيث يعاني الشعب اللبناني الأمرين خاصة على الصعيد الاقتصادي. ومن هنا فإن النموذج السوداني والنموذج اللبناني يعطيان صورة واضحة عن الأزمات العربية وعن عدم نجاح الفكر العربي في إيجاد منظومة عربية مستقرة على غرار النموذج الغربي وحتى نموذج دول جنوب شرق آسيا وهذه أزمة كبيرة في الفكر العربي تحدث عنها الكثير من المفكرين العرب في مؤلفات عديدة منهم الدكتور زكي نجيب محمود.
عن أزمة العقل العربي
منطقة المغرب العربي لم تستطع إيجاد منظومة تعاونية بين دولها رغم أنها الأقرب الى النموذج الغربي جغرافيا كما ان الاتحاد المغاربي الذي كان أمل تلك الشعوب في المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا لم ينجح واختفى تقريبا كما هو الحال في مجلس التعاون العربي المكون من دول مصر والعراق والأردن واليمن. ورغم أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية لايزال باقيا إلا أنه تعرض لهزة سياسية كبيرة بعد تفجر الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ كما أن هذا المجلس الخليجي وعلى مدى عدة عقود ومنذ ظهوره في مايو ١٩٨١ لم يحقق طموحات وأحلام شعوبه وهذه معضلة كبيرة بسبب الرؤى المختلفة لدوله وغياب الإرادة السياسية، والتي نجحت في الاتحاد الأوروبي وحتى في اتحاد الاسيان. ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي هو مشهد محبط للأجيال الجديدة حيث نسب البطالة تتعدى الأرقام العالمية خاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية.
الوجع اليمني
في تصوري أن الوضع الكارثي في اليمن بسبب الحرب والتي دخلت عامها السادس هو يلخص المشهد العربي بكل تناقضاته وأوجاعه وعجزه حيث لم يستطع العرب إنقاذ اليمن من هذه الحرب الكارثية، رغم الاعتراف بالجهود السياسية الكبيرة التي قامت بها الدبلوماسية العمانية الحكيمة لإيجاد مخرج سياسي ومع ذلك فإن أنانية الفرقاء في اليمن أدت الى تعقيد الموقف اليمني علاوة على نفس النهج اللبناني، وهي التدخلات الخارجية وليست العربية فقط ولكن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الدول العربية تحتاج الى فكر سياسي واقعي جديد وسلوك مختلف لأن النموذج الحالي خلق أوضاعا كارثية على مدى عقود ضاعت من خلاله فرص حقيقية للتقدم والتنمية الشاملة، كما ضاعت مقدرات كبيرة بسبب الصراعات والحروب والتقدير غير الصحيح في السياسات الخارجية ومشاريع الهيمنة الوهمية.
وعلى ضوء ذلك فإن العرب ،دولا وشعوبا، أمام مرحلة حساسة ودقيقة بما فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة وأن الاستراتيجية الأمريكية تتحدث عن انسحاب تدريجي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتفرغ للعملاق الصيني وهو المواجهة الاستراتيجية فيما تبقى من هذا القرن وهو صراع سياسي واقتصادي واستراتيجي على شواطئ الباسفيك وقد يتحول الى صراع عسكري في مرحلة ما إذا توفرت الظروف الموضوعية أو شعر أحد الطرفين بأنه مهدد استراتيجيا ووجوديا ، وهو أمر محتمل.
إذن المشكلات العربية والخلافات متواصلة وهذا يعطي مؤشرا بأن الأمة العربية تفقد البوصلة وتدخل في مزيد من التعقيد السياسي وبالتالي تفقد المزيد من المقدرات والتي تحتاجها الشعوب بدلا من المغامرات والمشاريع التي ليس لها جدوى، وهنا تظهر من جديد أن هناك أزمة حقيقية في الفكر العربي والعقل العربي تحتاج إلى تشخيص دقيق للوصول إلى منهجية جديدة في التعاطي مع الواقع المعاش.
* صحفي ومحلل سياسي
على مدى عقود وبعد فترة الاستقلال للدول العربية كانت هناك فرص ثمينة نحو تكامل اقتصادي توفرت فرص نجاحه على أكثر من صعيد، علاوة على وجود بيت العرب الجامعة العربية وهي أقدم منظمة سياسية في العالم حيث ظهرت هذه الجامعة عام ١٩٤٥ وقبل ظهور الأمم المتحدة. ومن هنا كانت هناك آمال عربية نحو اندفاع عربي لإيجاد تكتل اقتصادي وتنسيق سياسي وحل الخلافات من خلال الحوار.
ويأتي هذا الطرح والمشهد السياسي العربي في أسوأ حالاته منذ عقود الخمسينيات والستينيات وحتى العصر الحالي، ومن خلال نظرة فاحصة فإن الدول العربية تتشابك مع بعضها سياسيا من خلال الخلافات أو تكون هناك صراعات وحروب داخليه كما في الحالة اليمنية والسورية والليبية ومزيج آخر من التوتر وعدم الاستقرار كما هو الحال في الحالة العراقية واللبنانية والتونسية والسودانية.
على الجانب الآخر من العالم في الغرب فإن الصورة تبدو مغايرة للمشهد السياسي العربي حيث انتهت حروب القارة الأوروبية وحتى في جنوب شرق آسيا في منتصف عقد الأربعينيات وعقدي الستينيات والسبعينيات تواليا في الغرب والشرق الآسيوي.
الأمة العربية تتخبط
كانت الصورة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي الاكثر تطورا وتسارعت وتيرة التنمية بفعل إيرادات النفط وكانت المنطقة بعيدة عن الصراعات حتى اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام ١٩٨٠ لتدخل المنطقة سلسلة من الكوارث والحروب والتي لاتزال آثارها باقية كما في الحالة العراقية. ومن هنا دخل العالم العربي في مشكلات أدت الى ضياع المقدرات الكبيرة ورغم أنه ليس هناك رقم دقيق لإهدار مقدرات الشعوب، يبدو لي أنه منذ عام حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣ وارتفاع أسعار النفط وعلى مدى نصف قرن فإن ضياع عدة تريليونات من الدولارات في تلك الحروب والصراعات، هو أمر مؤكد لا محالة وهذه خسارة كبيرة لتلك الدول العربية وشعوبها، والذي لايزال القسم الأكبر منها يرزح تحت الفقر والمشكلات الاجتماعية.
هناك دول عربية ذات مقدرات كبيرة تفوق حتى الدول النفطية في منطقة الخليج العربية، وهنا يقفز اسم السودان الشقيق الذي يتمتع بموارد كبيرة وأنهار وثروات معدنية كالذهب والنفط ومساحة شاسعة وثروات حيوانية كبيرة، وهو كما يقال دوما سلة الغذاء العربية ومع ذلك يعاني البلد الشقيق من صراعات وحروب داخلية وانقلابات عسكرية وعدم استقرار لأكثر من ستة عقود، وهو الآن يعاني من مشكلات عميقة بين مكوناته السياسية المدنية والعسكرية وهناك مخاوف أن ينزلق السودان الى ما هو أبعد من ذلك. ومن هنا فإن المشهد السوداني هو مشهد مؤلم لكل محبي هذا البلد العربي الأصيل.
على الجانب الآخر من العالم العربي وبعيدا عن القارة الإفريقية يعيش البلد العربي الحضاري لبنان أزمة سياسية واقتصادية كبيرة بسبب المشكلات المعروفة في لبنان منذ عقد الاستقلال في عقد الأربعينيات وانسحاب الاستعمار الفرنسي، والذي أوجد للبنان دستورا هو أشبه بالألغام حيث يقوم هذا الدستور على خيارات طائفية، كما أن لبنان يواجه تحديات خارجية وتجاذبات سياسية تمس حتى سيادته الوطنية، وهو يدفع الآن ثمنا باهضا لتلك الصراعات.
ومن هنا فإن على الدول العربية أن تساعد لبنان للخروج من أزمته الداخلية والخارجية في ظل التدخلات الخارجية الغربية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحدثت عن ضرورة بقاء حكومة ميقاتي، وهي رساله للبنان الداخل والخارج وسوف يظل لبنان الشقيق محل تجاذبات إقليمية ودولية لأن النخبة السياسية اللبنانية لم تستطع على مدى عقود التخلص من تلك التجاذبات الداخلية وحتى الخارجية ليصل الحال بلبنان الى ما هو عليه الآن، حيث يعاني الشعب اللبناني الأمرين خاصة على الصعيد الاقتصادي. ومن هنا فإن النموذج السوداني والنموذج اللبناني يعطيان صورة واضحة عن الأزمات العربية وعن عدم نجاح الفكر العربي في إيجاد منظومة عربية مستقرة على غرار النموذج الغربي وحتى نموذج دول جنوب شرق آسيا وهذه أزمة كبيرة في الفكر العربي تحدث عنها الكثير من المفكرين العرب في مؤلفات عديدة منهم الدكتور زكي نجيب محمود.
عن أزمة العقل العربي
منطقة المغرب العربي لم تستطع إيجاد منظومة تعاونية بين دولها رغم أنها الأقرب الى النموذج الغربي جغرافيا كما ان الاتحاد المغاربي الذي كان أمل تلك الشعوب في المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا لم ينجح واختفى تقريبا كما هو الحال في مجلس التعاون العربي المكون من دول مصر والعراق والأردن واليمن. ورغم أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية لايزال باقيا إلا أنه تعرض لهزة سياسية كبيرة بعد تفجر الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ كما أن هذا المجلس الخليجي وعلى مدى عدة عقود ومنذ ظهوره في مايو ١٩٨١ لم يحقق طموحات وأحلام شعوبه وهذه معضلة كبيرة بسبب الرؤى المختلفة لدوله وغياب الإرادة السياسية، والتي نجحت في الاتحاد الأوروبي وحتى في اتحاد الاسيان. ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي هو مشهد محبط للأجيال الجديدة حيث نسب البطالة تتعدى الأرقام العالمية خاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية.
الوجع اليمني
في تصوري أن الوضع الكارثي في اليمن بسبب الحرب والتي دخلت عامها السادس هو يلخص المشهد العربي بكل تناقضاته وأوجاعه وعجزه حيث لم يستطع العرب إنقاذ اليمن من هذه الحرب الكارثية، رغم الاعتراف بالجهود السياسية الكبيرة التي قامت بها الدبلوماسية العمانية الحكيمة لإيجاد مخرج سياسي ومع ذلك فإن أنانية الفرقاء في اليمن أدت الى تعقيد الموقف اليمني علاوة على نفس النهج اللبناني، وهي التدخلات الخارجية وليست العربية فقط ولكن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الدول العربية تحتاج الى فكر سياسي واقعي جديد وسلوك مختلف لأن النموذج الحالي خلق أوضاعا كارثية على مدى عقود ضاعت من خلاله فرص حقيقية للتقدم والتنمية الشاملة، كما ضاعت مقدرات كبيرة بسبب الصراعات والحروب والتقدير غير الصحيح في السياسات الخارجية ومشاريع الهيمنة الوهمية.
وعلى ضوء ذلك فإن العرب ،دولا وشعوبا، أمام مرحلة حساسة ودقيقة بما فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة وأن الاستراتيجية الأمريكية تتحدث عن انسحاب تدريجي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتفرغ للعملاق الصيني وهو المواجهة الاستراتيجية فيما تبقى من هذا القرن وهو صراع سياسي واقتصادي واستراتيجي على شواطئ الباسفيك وقد يتحول الى صراع عسكري في مرحلة ما إذا توفرت الظروف الموضوعية أو شعر أحد الطرفين بأنه مهدد استراتيجيا ووجوديا ، وهو أمر محتمل.
إذن المشكلات العربية والخلافات متواصلة وهذا يعطي مؤشرا بأن الأمة العربية تفقد البوصلة وتدخل في مزيد من التعقيد السياسي وبالتالي تفقد المزيد من المقدرات والتي تحتاجها الشعوب بدلا من المغامرات والمشاريع التي ليس لها جدوى، وهنا تظهر من جديد أن هناك أزمة حقيقية في الفكر العربي والعقل العربي تحتاج إلى تشخيص دقيق للوصول إلى منهجية جديدة في التعاطي مع الواقع المعاش.