ثقافة

كتابات عُمانية مبكرة (47) "رسالة المسجد" في أعدادها المائة الأولى.. ملتقى شعراء ومثقفي الثمانينيات ومجمع للمقالات والقصائد

875
 
875
- مقال الشيخ عبدالله الخليلي عن أبي مُسْلِم البهلاني الرواحي يمثل إضافة نوعية نادرة لهذه للمجلة

- أميرُ البيان العُماني وصف شعر أبي مُسْلِم بشجرة فيها الزهر والثمر والغصن والجذر والورق

- قصائدُ القاضي خالد بن مهنا البطاشي وسالم الكلباني والشيخ سالم بن حمود السيابي نوادر شعرية

(إهداء للشاعرة الباحثة الدكتورة رقية البريدية... ذكرى خطى الجامعة وذلك التوق البحثي وارتياد آفاق الكتابة المبكرة).

ليس أكثر حفظًا للكتابة المبكرة المنشورة من صفحات الصحف والمجلات، فقد اسعفنا الحظُّ بالعددين الأول والثاني من مجلة 'رسالة المسجد' الصادرة فيما كان يُسَمَّى بدائرة المدارس والمساجد بديوان تشريفات جلالة السلطان، وفيهما أقلامُ كتابِ المرحلة ومثقفيها وشعرائها، أمثال: سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، والشيخ سعيد بن حمد الحارثي، والشيخ عبدالله بن علي الخليلي، وشاعر الشرق أحمد بن عبدالله الحارثي، والشيخ إبراهيم بن أحمد الكندي، والقاضي خالد بن مهنا البطاشي، والأستاذ سالم بن محمد بن سالم، ومحفوظ بن حمدان بن عبدالله الفارسي، والشاعر سالم بن علي الكلباني، والشيخ سالم بن حمود السيابي، والشيخ بدر بن سالم العبري، والشيخ أحمد بن سعود السيابي، والأستاذ أحمد الفلاحي كما ضم العددان مقالات لكتاب عرب مقيمين في السلطنة من مثل الشيخ المحدّث محمد أبو الحسن، والدكتور عبدالرحمن رأفت، وفيما بعد مقالات وقصائد أخرى أحصتها الباحثة رقية البريدي في دراستها لها عن مجال الشعر وحده 406 قصائد.

ومن الملاحظ أن العدد الأول لم يشر فيه بوضوح إلى هيئة تحرير المجلة بقدر ما يشير إلى رئيس التحرير المسؤول وهو الشيخ صالح بن أحمد الصوافي وأن هذا العدد الأول يصدر بمناسبة العيد الوطني العاشر ويواكب مطلع القرن الخامس عشر الهجري، فربما كان ذلك من بنات أفكار الإخراج الفني ومصمم المجلة التي كانت تطبع في مطابع العقيدة، وصدر عدد الأول هذا في 26 صفحة من القطع المتوسط، وحدد صدورها في المناسبات الدينية والوطنية.

كانت مناسبة العدد الأول فارقة اقترنت بافتتاح جوامع سلطانية عديدة كجامع نزوى وإلقاء صاحب الجلالة المغفور له السلطان قابوس من على منبر هذا الجامع خطبته الشهيرة الفارقة التي أكد فيها على مسارات كثيرة نابعة من عمق الدين الإسلامي الحنيف..

وقبل أن نتناول محتويات هذا العدد من موضوعات، يجدرُ بنا أن نتناول تاريخ هذه المجلة ذات الصبغة الدينية الثقافية، فقد صدر عددها الأول بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجري، في محرم من عام 1400 / 1980 مفتتحا بكلمة جلالة السلطان قابوس التي ألقاها بمناسبة القرن الخامس عشر الهجري 1401هـ، وفيها قال جلالته ص 4: 'أيّها المُسْلِمون.. إننا إذ نحتفل اليوم بمرور أربعة عشر قرنًا مضت على هجرة الرسول الكريم ونستقبل القرن الخامس عشر، فإننا نذكر أخوتنا المُسْلِمين بما في هذه الهجرة من تعاليم وحكم، ويجب أن يتخذها المُسْلِمون منارًا يهتدون به، ومن أهمها أن الله جلت قدرته قادر بمشيئته أن ينصر رسوله بمكة، ويثبت دينه كما يشاء عز وجل، ولكن مشيئته اقتضت الأخذ بالأسباب والنضال والصبر والمثابرة والجهد المتواصل والعمل الدؤوب الدائم، وتحمل الإهانات، وتجشم المشاق...

ويحتوي العدد في فاتحة مقالاته على النض الكامل للخطبة التي ألقاها جلالة السلطان قابوس بمناسبة افتتاح جامع قابوس بنزوى، وهي مناسبة تاريخية لها أهميتها الثقافية، وقد انبرى جلالته عتبات المنبر فخطب في الناس خطبة جاء في مقدمتها ص 6: 'الحمدُ لله القوي القادر، العزيز القاهر، الإله الأزلي الفرد الأبدي، أرسل رسله تترا داعين إلى الوحدانية ومبشرين بالفردانية حتى تمم الرسالة وأوضح الدلالة خاتم الأنبياء والمرسلين.. أيها المُسْلِمون: إن الإسلام هو القوة والعزة، وليس الاستسلام... والالحاد الشيوعي لا يكفي في مقاومته الاستنكار والشجب والاحتجاج الشديد، بل لا بدّ من تسخير كل الطاقات لوقف هذا الالحاد، والأهم من ذلك أن يكون الإسلام صخرة عاتية في وجه الالحاد.. إنني أدعو مخلصا جميع المُسْلِمين في كل العالم أن يكونوا كما أحب الله لهم صفًا واحدًا، وأن يوحّدوا كل طاقاتهم علميًّا وعمليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا لدرء هذا المعول الهدَّام.. معول الشيوعية التي لا تعرفُ معنى الإنسانية '.

وبعد هاتين الخطبتين تأتي كلمة رئيس تحرير المجلة التي يحدد فيها سياسة المجلة وأهدافها، ونوعية خطابها، ومضامين فكرها، والخط الذي تسير عليه، وفي ذلك يقول ص 7 ' فانطلاقا من المعاني الكريمة تصدر رسالة المسجد للمساهمة في نشر الوعي الإسلامي بما تتضمنه من مقالات وأبحاث تهدف تعريف المُسْلِمين بأمور دينهم، وتجلية ما غمض عليهم من أحكامه، وتعميق الفهم بما يقوم عليه الإسلام من مبادئ سامية فيها صلاح البشر.. وشيء آخر أن المُسْلِمين اليوم بحاجة إلى الوقوف صفًا أمام الالحاد والكفر بمختلف القوة ومن بينها الجهاد بالقلم، فالكلمة الصادقة لها وقع في النفوس، وفيها غذاء للروح والنهوض بالقيم والأخلاق، وفي الوقت نفسه هي كفاح وجهاد'.

ويعدد رئيس التحرير في كلمته منجزات النهضة في جانبها الديني مشيرًا إلى شروع الدول بفتح الجوامع كجامعي نزوى وروي وبناء جوامع أخرى في الولايات والمناطق، وكذلك بناء المعاهد والمدارس الدينية وغير ذلك الكثير والكثير.

وجدير بالذكر أن رئيس التحرير كان من أوائل الكتاب في الخطاب الديني المنشور في الصحافة والمُذاع في الإعلام المسموع والمرئي، فحضوره يعود إلى مطلع السبعينيات من القرن العشرين، وقد عمل في وظائف مختلفة في وزارة الإعلام، والديوان السلطاني، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقا، وكلية الحقوق، و جامعة السلطان قابوس، وله أحاديثٌ إذاعية وخطبٌ منبرية ومؤلفات دينية متعددة من بينها 'من أعلام عمان: صور مشرقة من حياة الرعيل الأول' والإمام جابر بن زيد العُماني: وآثاره في الدعوة، و'أسس التعليم ومناهجه في ضوء القرآن والسنة'، وتأتي رئاسته لهذه المجلة انبثاقًا من طبيعة عمله ودوره الثقافي في نشر التوعية الدينية.

الجانب الشعري

أمَّا جانب الشعر والأدب فنصيب المجلة منه وفير، فقد نشرت المجلة قصيدتين الأولى للشيخ خالد بن مهنا البطاشي، جاء فيها: (البسيط)

هي المسَاجدُ منها النورُ ينتشرُ

ومن ضياءِ سَناها يهتدي البشرُ

كواكبُ الأرضِ قد ضاءتْ منابرُها

من وجهها يُستضاءُ الوعظُ والعِبَرُ

وطالما أطلعت في أفقها قمرًا

فهي المطالعُ منها الشمسُ والقمرُ

منابعُ العلم والعرفان ما برحت

كالبحر يخرجُ من زخَّاره الدررُ

فقفْ بمسجد قابوس الجديد ترى

أجل ما شيّد الماضون أو عمروا

كذاك جامع نزوى بعد جدته

يختال حسنًا ولو طالت به العُصُرُ

أسراره ُحفظ التاريخُ جدتَها

في جبهةِ الدهرِ من تاريخها أثرُ

جوامعٌ أشرقتْ فيها معالمها

بنورها يستضيءُ البدو والحضرُ

هي المناهلُ تعليمًا وتوعيةً

هي النجاةُ ويستكفى بها الضررُ

يُتلى بها الدِّين صفوًا من مناهلِه

بلْ وتحفظُ فيها الآي والسور

وقصيدة أخرى عنوانها 'في رياض الجنة' للشاعر سالم بن علي الكلباني وتتكون من خمسة عشر بيتًا ابتدأها بذكر مناسبتها قائلا: 'إنها بمناسبة بناء مسجد قابوس بروي وإعادة بناء جامع قابوس بنزوى لما لهذين الجامعين من مكانة عالية وإشعاع حضاري وأساس تنويري':

يا موضعَ النجوى الطهورِ سلاما

من مُغْرمٍ بجلال قُدسكَ هاما

يا واحةَ اللقيا بخلاق الورى

ما خاب من أحفى بك الأقداما

يا مسجدًا سَجدَ الوفا لجلاله

اللهُ أكبر مبدأ وختَاما

في روضكَ القدسي ندعو ربنا

طمعًا وخوفًا سجّدًا وقياما

بوركت يا نور الوجود وبوركت

أمم قد اتخذت هُداك إماما

ومن نوادر المقالات المنشورة في هذه المجلة مقالة أدبية لأمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي بعنوان 'أبي مُسْلِم عالم وشاعر؛ إذ يبدأه بديباجة تعبيرية تمثل فاتحة تشويق يقول فيها ص 14' إن الأديب أو الكاتب العُماني الذي أخذ يملأ الصحف من عصارة دماغه معبرًا عن وجهة نظره بصراحة الأعرابي الذي لم يشب طبعه التصنع، ولا خلقه التدليس، ولا قلمه تشوبه الصورة المرسومة في مخيلته أو الإغراء بها، أو طمس معالمها تحت الجزع أو الملق أو المحاباة '.

ثم ينتقل إلى أبي مُسْلِم فيصفه بالقول ص 15' إن أبا مُسْلِم الذي استطاع أن يخلق من شعره في مجال التصوف، والتشبيب بالأوطان، والإشادة برجال الصلاح والعلماء في مجال الاستنهاض اللاهب قلاعًا لا تطاولها شوامخ الدهر'.

ويصف مجمل شعره فيقول ص 15: 'وأمّا شعره ككل فمن حيث الأسلوب والترابط ودقة المعاني ورقة الألفاظ فنجده يبرز في مصاف فحول الشعراء ويأخذ السبق مسيطرًا على الحلبة، ومهيمنًا على المضمار'

ويستطرد في تناول مكامن القوة في شعره، فيقارنه بالنابغة الذبياني تارة، ويصف ص 15' شعر تصوفه بأن جاء فيه بالمعجب وسلك به مسلكا غير مسالك المتصوفين القدامى فقد أضفى عليه خلعًا من خلع الأذكار والتبتل، ولم يلو عنقه لما يشبه الغزل أو التشبيب، فنجده في تصوفه وكأنه حيال محراب ذاكرًا، أو على منبر واعظًا.

أمّا عتابه فناهيك به، ولعلك لو مشيت معي في رائيته النهروانية وثقفتها متبينا معالمها ورسومها سالكا إياها من بداية مقدمتها التي بدأها بندائه العذب الرقراق:

سميري وهل للمستهامِ سَمِيرُ

تنامُ وبرقُ الأبرقين سَهيرُ

تمزقُ أحشاءَ الرَّبابِ نصالهُ

وقلبي بهاتيكً النِّصالِ فَطيرُ

وبالنسبة لاستنهاضه الذي أرسى دعائمه على صحف نونيته المطولة.. فقد 'ترى اهاباته فيها أكثر وضوحًا من الهاباته كما أن حقيقته قد لا تتجلى فيه تجليها في تشبيبه وعتابه وشكواه وتصوفه.. ولك أن تصف شعره بشجرة فيها الزهر والثمر والغصن والجذر والورق والعرق ولكل جزء منها أهميته'.

وفيما يتصل بنثره فيراه أشبه ما يكون 'بسلسلة مرصّعة بالجواهر اللامعة والأحجار الكريمة كما يبدو عليه طابع التصوف ومسحة الفقه وكأنه فلسفة حياة وتحليل رموز، وكتابه 'نثار الجوهر' سبق فيه الأولين وبهر فيه الآخرين'.

وأخيرًا يقول الخليلي: إن أبا مُسْلِم نبغ في عهد قد ازدهر فيه العلم والمعرفة ولقي العلماء والأدباء من الحكام أبناء الإمام أحمد بن سعيد كل حفاوة وتكريم مما شجع هؤلاء العلماء والأدباء في شق طريقهم إلى ما بلغوا إليه من الأوج والرقي'.

ويدعو الخليلي في نهاية مقالته الأجيال الشعرية إلى الاقتداء بهذا الشاعر الكبير الذي أرسى دعائم غير مسبوقة في الشعر العربي، وأوجد مناخات له تذكر بفحول الشعراء العرب القدامى ولو قدر له الظهور في لكان أشعر شعراء العربية.

المقالات الدينية

وفيما يتصلُ بالمقالات الدينية فقد استأثرت بخطاب المجلة اتساقًا مع طبيعتها، وحضرت منها أربع مقالات:

أولاها: مقال افتتاحي لسماحة الشيخ أحمد الخليلي؛ إذ تنشر المجلة خطبتيه لصلاة الجمعة بجامع السلطان قابوس بروي، ويدور موضوعهما حول تنشئة الأجيال وتربية وإعدادهم للمستقبل وفق نسق لا يخرج عن تعاليم الدين وأصوله ومعرفة بفروعه واغراسا لرؤاه ' وفي ذلك يقول سماحته: 'فيا عباد الله، إن الأمة التي تحلم بغدٍ سعيدٍ ومستقبلٍ مشرق يجبُ عليها أن تعدَّ العدة لذلك، وأهم هذه العدة اللبنات الصالحة لبناء المستقبل.. هذه اللبنات هي الشباب الصالحون الذين هم بارقة الأمل وإشراقة الرخاء... والشباب هم مقياس تقدم الأمة أو تأخرها ومعيار رقيها أو انحطاطها...'

وثانيهما: مقال لفضيلة الشيخ سعيد بن حمد الحارثي في الحث على صلاة الجماعة وبيان أحكامها فقها وشرعًا، ولا يخرج مضمونه عن كونه درسًا في الموعظة الحسنة والدعوة على إقامة هذا الركن الأساس من ركائز الإسلام وتبصرة النشء بطرق أدائها، وأهميتها في حياة المُسْلِم، والمقال غزير في طرحه غني بأدلته، وهو يستحضر فيه كمًا كبيرًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وهو دليل على عمق كاتبه وسعة إدراكه وسلاسة لغته وانسيابية طرحه.

وثالثهما: مقال للشيخ إبراهيم الكندي بعنوان 'الخمر وأضراره في المجتمع' وفيه تناول الشيخ إبراهيم الكندي مباحث فقهية من مثل حقيقة الخمر، وموقف المجموعة البشرية منه، وأداة تحريمها، والأضرار الصحية الناجمة عنها، والوقاية والعلاج، ويشير المعنى اللغوي للخمر وأنها كلمة عربية يرجح أنها مستعارة من الأراجبة.

ورابعها: مقال لشاعر الشرق الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي الذي بين فيه دور المسجد في حياة المجتمع، فهو ركيزة الإسلام ومنبع ازدهاره وغلب على مقاله المسحة الثقافية مستثمرًا ثقافته الدينية مدعمًا إياه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة ملخصًا دور المساجد في بناء الحضارة كمنارات إشعاع ودور علم وثقافة ومنها خرجت جحافل الجيوش الجرارة فاتحة معززة الإسلام وأهله، ويطل الشيخ الحارثي بعد مقدمته النظرية على جامع السلطان قابوس بروي واصفًا إياه بأنه 'أشهر من نار على علم في الديار العمانية سعة وبهاء وجودة بناء وحسن تصميم..'.

والحقيقة أن هذا العدد كبير الفائدة نادر لكونه مثّل التقاء كبار كتاب وشعراء المرحلة ففيه بأقلام أدبية وفقهية وشعرية تعد من أهم خطابات المرحلة، وقد بذل فيها رئيس التحرير جهدًا في الانتقاء بما يتناسب والطابع الرسمي الذي هدفت إليه المجلة وكرسته.

العدد الثاني

أمّا العدد الثاني فلم يكن ليختلف من حيث الموضوعات عن سياق العدد الأول فهو محقق لرؤية رئيس التحرير نحو توجيه خطاب ديني بمقالات مختصرة تتناول موضوعات ثقافية تقع في دائرة الإعلام الديني، فالعدد احتوى على كلمة لرئيس التحرير أكد فيها 'أن هذا العدد سيجد القارئ فيه ما يفهمه في أمور دينه، ويبصره بأمور دنياه، ويجلو له ما تشرق به نفسه من حديث التاريخ الإسلامي المجيد، وسيرة رسوله المصطفى.. 'تلتها مقالة للشيخ عبدالله الخليلي بعنوان 'الإسلام دين الفطرة وفتح ملف' الدعوة إلى الله بمقالين، كما حوى على قصيدة للشيخ سالم بن حمود داء فيها:

سَرّحِ الطرفَ في رياضِ المَعَالي

وزِنِ الأمَر وزنَ حُرٍّ مُوالي

وافتكرْ في الأمورِ كيف تراها

واعتمدْ ما حييتَ أسَّ الكمالِ

وعلى جامعِ المليكِ المُفدَّى

قفْ قليلاً تجدْ جميلَ الفعالِ

مَلِكٌ شادَ للديانةِ صَرْحًا

قد علا شأنُهُ على كلِّ حالِ

جامعُ الجُمعةِ العزيزةِ في نزوى

له منكَ غايةُ الاحتفالِ

إن نزوى بنضرةٍ منك تزدادُ

جمالا يفوقُ كلَّ الجَمالِ

وعلى كل حال ظلت هذه المجلة على هذا النسيج من الكتابة الثقافية، والدينية واستشرفت طوالع التغيير في أعدادها اللاحقة، وقد استقرأت الباحثة الدكتورة رقية البريدية مسارات ذلك التطور ورصدته في بحث مبكر بإشرافنا إبان كانت طالبة نبيهة في قسم اللغة العربية عام 2005 حيث تناولت خلال ثمانين عددًا منها (20 – 100) نشأتها وتاريخها وأهدافها وبداياتها ومدى تجسيدها للمناسبات الدينية والوطنية في قطرنا العُماني، مبينة أسماء رؤساء التحرير الذين قاموا على تحريرها وتعاقبوا عليها، على رأسهم السيد محمد بن أحمد البوسعيدي المشرف العام لهذه المجلة، والدكتور صالح الصوافي المؤسس، والأستاذ جمعة بن محمد الوهيبي فالأستاذ سعيد بن راشد الناعبي والأستاذ أحمد بن سالم الحارثي، وكلهم يعملون في ذلك الوقت في مديرية العامة للمساجد والمدارس بديوان البلاط السلطاني، حيث مكان صدور المجلة، وهي لسان حالها الناطق بنشر الثقافة الإسلامية الخالية من التعقيد كما تقول الباحثة.

لقد بذلت البحثة قصارى جهدها في تقصي مادة هذه المجلة وكانت حصيلتها أرقامًا تعطي في نظرنا مؤشرًا دقيقًا لحضور خطابات هذه المجلة، فقد بلغت القصائد التي قدمتها المجلة في خطابها الأدبي 113 قصيدة منها 19 قصيدة لشعراء عمانيين والبقية للشعراء العرب، وجاء الشعر الديني فيها 47.7 % تلاه الشعر الوطني بنسبة 33% ثم شعر الوعظ والنصح والإرشاد بنسبة 10% مما يدل على كثافة الشعر مقابل الخطابات الفقهية والثقافية الأخرى.

والمجلة بقدر إحاطتها بالجوانب الثقافية لم تكن بمعزل البتة عن هدفها الديني القار ممثلا في خطب المفتي العام وكلمات المشايخ العلماء ومقالاتهم ومواعظهم إذ أنها كما تقول الباحثة: 'تعدُّ سجلاً أدبيًّا ضخمًا جمع بين دفتيه روائع الشعر العربي وحكمه وكثير من المقالات الاجتماعية والتربوية والدينية والأدبية والعلمية، وأنها رصدت مسيرة التقدم الحضاري في عُمان من خلال عرضها لأهم المنجزات والتطورات التي حدثت في السلطنة '.

ورغم أن هذه المجلة ابتدأت ثقافية وعنيت بخطاب الأدب أكثر من غيره إلا أنها كما تقول الباحثة بدءًا من العدد العشرين أصبحت ذات طابع عام ينهل من مصادر المعرفة في كافة مستوياتها وعبر صفحات أعدادها المائة التقى شعراء المرحلة أمثال الشيخ سالم بن سليمان الذي عدته الدراسة أكثر شاعر حاضر فيها، والشيخ سليمان بن خلف الذي نشر فيها قصيدته 'هو العيد' والشيخ ناصر بن سالم الرواحي الذي نشر فيها قصائد في السراء والمعراج والمولد النبوي، والشيخ سعيد بن خلف الخروصي، والشيخ عبدالله بن ماجد العبري، والشيخ الربيع بن المر الذي نشر فيها قصيدة في وصف عُمان، وشاعر الشرق الذي نشر فيها همزيته الشهيرة في الأسرى والمعراج، والشيخ موسى بن على العبري والشيخ محمد بن عبدالله القاسمي، والشيخ إبراهيم بن أحمد الكندي.

كما لم يغب عنها شعر المراحل العُمانية السابقة، فهي ترد مقطعات وأبيات مختارة من قصائد كالستالي والنبهاني الحبسي ونور الدين السالمي وأبو مسلم.

كما تغيب عنها كذلك قصائد من جيل الشباب الواعدين في ذلك الوقت أمثال الدكتور خميس الصَّباري الذي نشر فيها قصيدته 'حب الربى'.

ومن الملاحظ أن المجلة تنحاز لتقليدي الشعر فلم تنشر قصائد من شعر التفعيلة ولا النثر، بمثل أنها لم تنشر لشاعرات وكاتبات عدا الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسية التي نشرت لها قصيدة 'الفتاة العُمانية' واقتصرت على ما يلائم توجهات محرريها وطبيعتها الدينية، ولعل هذا ما يؤخذ عليه اتساقًا مع طبيعة الانغلاق لخطابها الذي أرادت أن توصله للمتلقي.

وأخيرًا هذه هي مجلة 'رسالة المسجد' مدونة شعرية، وخطاب ثقافة لا غنى عنها لدراسي الثقافة العُمانية، وما قدّمناه عنها هو قدرَ إحاطة مركزة على الأدب والشعر، وفيها لا شك خطابات أخرى أكثر عمقًا واتساعًا... ويبقى حضورها معادلاً موضوعيًّا لمجلات عُمانية أخرى شهادتها الساحة الثقافية في مرحلة النصف الأخير من القرن العشرين وفيها حضر كبار الكتاب أيضًا.