أعمدة

حياة تفتقرُ إلى البساطة..

omar
 
omar
لو طلبنا من شخصٍ عايش سنوات ما بين السبعينات والثمانينات استحضار صورة الحياة في تلك الفترة ومقارنتها بطبيعة الحياة اليوم لا شك أنه سيتردد كثيرًا قبل إعطاء إجابة مُرضية بل

سيقف محتارًا إزاء الرد ربما لالتباس مفهوم (الأفضلية) ومحددات هذا المفهوم كذلك .

بلا أدنى شك سيكون صاحبنا واقعيًا لدرجة كبيرة فلن يذهب مثلًا إلى امتداح زمنٍ كان الناس فيه فقراء يعانون من عدم وجود أبسط الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والكهرباء والماء والطرق كما أنه لن يُثني بالمطلق على انعدام وسائل التواصل والنقل والترفيه ولن يُشيد كذلك بارتفاع نسبة الأُمية والجهل وافتقار الفرد لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل الإعلام الحديث .

سيتذكر الرجل من باب المقارنة بين ما كان وما هو كائن الآن بساطة الحياة في الماضي ويُسر التعامل وشفافية البشر والراحة الذهنية التي أوجدها انعدام وسائل التواصل المختلفة .. سيتحدث وتنهيدة كبيرة تخرج من صدره عن بركة الرواتب رغم ضعفها وعدم وجود شيء اسمه القروض وعن قرب الناس من الطبيعة وكل ما هو طبيعيّ وعن الكادحين والكادحات الصادقين والصادقات وعن قصص الحُب الخالدة التي يحفظها (الشِياب) ولن ينسى كذلك أن يبكي زمن تربية الأبناء عندما كان أبناء القرية أبناء رجل واحد .. سيقول (أما اليوم إذا نازعت ولد واحد من جيرانك وداك أبوه الادعاء العام) .

لا أشك أنه سيتطرق إلى التعليم التقليدي وهيبة المعلم الذي حفظنا على يده سورا كثيرة من القرآن الكريم وطرق الثواب والعقاب بعيدًا عن تنظيرات مدارس التربية الحديثة وإلى نواحٍ أخرى غاية في الجمال .

رجل تلك المرحلة لن يفوته الحديث عن طبيعة معيشة أهل القُرى حيث لا أسوار عالية تطاول السماء تحيط بالمنازل ولا كاميرات تُوضع في زواياها المختلفة لمراقبتها ليل نهار .. ستطوف بذهنه صورة كيف كان الناس ينامون على سطوح منازلهم في الصيف الملتهب هربًا من حرارة الجو وكيف ينصبون الناموسيات ( شندروات ) اتقاءً لهجوم البعوض يحصل ذلك كله دون أن يتجرأ أحد من جيرانهم على استراق السمع أو التلصص بالمشاهدة .

سيقول إنه كان لكل ثيمةٍ حينها معنى خاص يميزها مثال ذلك رائحة الطعام سيسألك على المثال : هل للأرز الذي تشتريه الآن بقيمة قد تتجاوز 24 ريالًا رائحة كرائحة أرز تلك الفترة عندما كانت عبوة الأرز لا تتعدى 4 ريالات ؟ بل سيفاجئك بسؤال أهم وهو : لماذا اختفت البركة من المال والصحة والأرزاق رغم توفر الأعمال وتطور العلم وسباق الأبحاث الذي لا يتوقف ؟؟؟

بطبيعة الحال لن يبالغ إن قال إن مرجع كل ذلك يعود إلى التلوث القاتل الذي أصاب روح الإنسان الحديث .. اعوجاج تفكيره ونزقه الذي يرفض التوقف عند حد .. تخليه عن بساطته وحالة الزهو التي تلبسته ولا يعرف بل لا يجد للخروج منها سبيلًا.