في الثورة والديمقراطية
الأربعاء / 13 / ربيع الأول / 1443 هـ - 19:17 - الأربعاء 20 أكتوبر 2021 19:17
ارتبطت الديمقراطية بقضية الثورة، على الأقل في أوروبا، حيث انطلقت الحداثة السياسية من خلال الثورة الفرنسية العتيدة 1778م وإذا كانت الظروف والصيرورات التي أدت إلى أن تكون الثورة هي صيغة الخيار الاجتماعي العنيف الذي أدى إليه تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتناقضة بفعل التأثيرات الطبقية الحادة في أوروبا وأصول تلك التناقضات الكامنة في طريقة تفتيت الثروة عبر مفهوم الإرث المسيحي؛ هي أمورٌ أساسية ساهمت في تكوين ومركزة النظام الإقطاعي الأوروبي، حيث كان انفجار الثورة الفرنسية العلامة التاريخية الحادة للإجهاض على الصيغة السياسوية الجائرة التي حكمت علاقات الناس قروناً طويلة، يمكننا القول وفقاً لفكرة كان قد أشار إليها د. عبد الوهاب المسيري، أن الأوضاع بالغة السوء التي أدت إلى التناقضات الاجتماعية الحادة تلك في أوروبا لم تكن بتلك الحدة من التناقضات بالنسبة للعالم الإسلامي التاريخي وفقا للمنظور الحضاري المختلف، حيث كان لمفهوم الوقف أو (الأحباس) تأثيراً مهماً ومختلفاً ساهم في تخفيف حدة تناقضات العلاقات الطبقية والاقتصادية وإن لم يلغها بالطبع كما يقول د. عبد الوهاب المسيري.
ارتباط الثورة بالديمقراطية في الأزمنة الحديثة بدا واضحاً أنه في صميم صيرورة الحداثة السياسية لأوروبا، وهي حداثة أثرّت بعد ذلك مع الحركة الاستعمارية، في جميع أنحاء العالم وغيرت شكله القديم في خارج أوروبا إلى أن أصبح عالمنا الذي نعيش فيه اليوم هو الشكل العام للإطار التاريخي الذي فرضته الحداثة السياسية.
ومن هنا بدا نموذج الثورة الفرنسية الذي انتشر في أوروبا منذ القرن الثامن عشر هو النموذج الملهم لفكرة الاحتجاج على الأوضاع السياسية والاقتصادية غير العادلة، الأمر الذي عكس أيضاً بعض التباينات في خط التطور الثوري حتى في أوروبا ذاتها وإن أصبحت الثورة هي الشكل السياسي الأقرب للتغيير.
في عالمنا العربي اليوم؛ ثمة وعي واضح لدى النخب العربية بأن نجاح الثورة والديمقراطية في أوروبا هو الذي ينعكس اليوم في هوية الاستقرار والتقدم المطرد الذي شهدته بلدان الغرب، رغم الحروب الكبرى التي اعترضت ذلك التقدم، كالحربين العالميتين، لكن الأصول الفكرية والسياسية لسلطة الدولة، وسلطة المعرفة التي كرستها الحداثة ظلت هي الهادية في النماذج الاستعادية لبناء الدولة على الأصول النظرية الناجحة للحداثة السياسية والتي كانت باستمرار تلعب دوراً في النجاة من الانهيار رغم الحروب الكبرى، على ما بدا واضحاً في نهضة ألمانيا بعد الحرب الثانية، وكذلك نجاح خطة مارشال الأمريكية لإعادة بناء أوروبا من جديد بعد تلك الحرب المدمرة، حتى أن ذلك نجح أيضاً في بلورة بدايات حداثة سياسية قطعت مع الأنظمة الاستبدادية القديمة في آسيا بعد الحرب العالمية الثانية على ما دل نموذج اليابان وكوريا الجنوبية.
مع قيام ما سمي بالربيع العربي كأول موجة للانتفاضات السياسية في العالم العربي، بعد نجاح نموذج السبعينيات إسبانيا واليونان، وفي دول أمريكا اللاتينية، مع عقد الثمانينيات من القرن العشرين؛ بدا الوضع مختلفاً في المنطقة العربية، بحيث يمكننا القول: إن ثمة علامات استفهام مشروعة قد تعترض طرق تفكيرنا وتفسير رؤيتنا حيال خط السير ذاته في وارد المقارنة بين ثورات الربيع العربي بالخط الذي سارت عليه الثورات الكلاسيكية في أوروبا نظراً لاختلاف الحقل الحضاري ربما.
فاليوم إذ تبدو حتى دولة مثل تونس، التي كانت نموذجاً للاستثناء السياسي في نجاح تجربتها الثورية (بعكس ثورات الربيع العربي الأخرى في اليمن ومصر وتونس وليبيا) على نحو كشف عن تعقيدات حيال تطورها الديمقراطي منذ الأزمة الدستورية التي تتهددها في الشهور الأخيرة - وإن لم تؤد بالطبع إلى إجهاض التجربة - سنجد كذلك أن النموذج السوداني لثورة 19 ديسمبر 2018 (والسودان دولة رائدة في اجتراح الثورات السياسية منذ ستينات القرن العشرين مع ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985 اللتين أطاحتا بنظامين عسكريين آنذاك) يشهد تجاذبات خطيرة في الشراكة التي بدت في بداياتها صيغةً فريدةً وملهمة للتوافق بين العسكريين والمدنيين، لكنها اليوم تعاني من انسدادات إشكالية لا تزال معالجاتها تشهد احتقاناً بين القوى الثورية المدنية وبين العسكر.
ولعل نجاح هذين النموذجين؛ التونسي والسوداني لصيغة الثورة - لا الإصلاح - (وهما نموذجان لا يزالان قيد الصيرورة) سيكشف لنا في المستقبل؛ إلى أي مدى يمكن أن تكون الثورة في الحقل الحضاري للمنطقة العربية نموذجاً يمكن أن يؤدي إلى الديمقراطية وصيرورة التقدم المطرد كما في النموذج الغربي الحديث؟
ارتباط الثورة بالديمقراطية في الأزمنة الحديثة بدا واضحاً أنه في صميم صيرورة الحداثة السياسية لأوروبا، وهي حداثة أثرّت بعد ذلك مع الحركة الاستعمارية، في جميع أنحاء العالم وغيرت شكله القديم في خارج أوروبا إلى أن أصبح عالمنا الذي نعيش فيه اليوم هو الشكل العام للإطار التاريخي الذي فرضته الحداثة السياسية.
ومن هنا بدا نموذج الثورة الفرنسية الذي انتشر في أوروبا منذ القرن الثامن عشر هو النموذج الملهم لفكرة الاحتجاج على الأوضاع السياسية والاقتصادية غير العادلة، الأمر الذي عكس أيضاً بعض التباينات في خط التطور الثوري حتى في أوروبا ذاتها وإن أصبحت الثورة هي الشكل السياسي الأقرب للتغيير.
في عالمنا العربي اليوم؛ ثمة وعي واضح لدى النخب العربية بأن نجاح الثورة والديمقراطية في أوروبا هو الذي ينعكس اليوم في هوية الاستقرار والتقدم المطرد الذي شهدته بلدان الغرب، رغم الحروب الكبرى التي اعترضت ذلك التقدم، كالحربين العالميتين، لكن الأصول الفكرية والسياسية لسلطة الدولة، وسلطة المعرفة التي كرستها الحداثة ظلت هي الهادية في النماذج الاستعادية لبناء الدولة على الأصول النظرية الناجحة للحداثة السياسية والتي كانت باستمرار تلعب دوراً في النجاة من الانهيار رغم الحروب الكبرى، على ما بدا واضحاً في نهضة ألمانيا بعد الحرب الثانية، وكذلك نجاح خطة مارشال الأمريكية لإعادة بناء أوروبا من جديد بعد تلك الحرب المدمرة، حتى أن ذلك نجح أيضاً في بلورة بدايات حداثة سياسية قطعت مع الأنظمة الاستبدادية القديمة في آسيا بعد الحرب العالمية الثانية على ما دل نموذج اليابان وكوريا الجنوبية.
مع قيام ما سمي بالربيع العربي كأول موجة للانتفاضات السياسية في العالم العربي، بعد نجاح نموذج السبعينيات إسبانيا واليونان، وفي دول أمريكا اللاتينية، مع عقد الثمانينيات من القرن العشرين؛ بدا الوضع مختلفاً في المنطقة العربية، بحيث يمكننا القول: إن ثمة علامات استفهام مشروعة قد تعترض طرق تفكيرنا وتفسير رؤيتنا حيال خط السير ذاته في وارد المقارنة بين ثورات الربيع العربي بالخط الذي سارت عليه الثورات الكلاسيكية في أوروبا نظراً لاختلاف الحقل الحضاري ربما.
فاليوم إذ تبدو حتى دولة مثل تونس، التي كانت نموذجاً للاستثناء السياسي في نجاح تجربتها الثورية (بعكس ثورات الربيع العربي الأخرى في اليمن ومصر وتونس وليبيا) على نحو كشف عن تعقيدات حيال تطورها الديمقراطي منذ الأزمة الدستورية التي تتهددها في الشهور الأخيرة - وإن لم تؤد بالطبع إلى إجهاض التجربة - سنجد كذلك أن النموذج السوداني لثورة 19 ديسمبر 2018 (والسودان دولة رائدة في اجتراح الثورات السياسية منذ ستينات القرن العشرين مع ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985 اللتين أطاحتا بنظامين عسكريين آنذاك) يشهد تجاذبات خطيرة في الشراكة التي بدت في بداياتها صيغةً فريدةً وملهمة للتوافق بين العسكريين والمدنيين، لكنها اليوم تعاني من انسدادات إشكالية لا تزال معالجاتها تشهد احتقاناً بين القوى الثورية المدنية وبين العسكر.
ولعل نجاح هذين النموذجين؛ التونسي والسوداني لصيغة الثورة - لا الإصلاح - (وهما نموذجان لا يزالان قيد الصيرورة) سيكشف لنا في المستقبل؛ إلى أي مدى يمكن أن تكون الثورة في الحقل الحضاري للمنطقة العربية نموذجاً يمكن أن يؤدي إلى الديمقراطية وصيرورة التقدم المطرد كما في النموذج الغربي الحديث؟