نوافذ: عن فيروز.. والضجة.. والتقدير
السبت / 9 / ربيع الأول / 1443 هـ - 14:45 - السبت 16 أكتوبر 2021 14:45
كلّ عدة سنوات تثار ضجة كبيرة في العالم العربي بطلتُها فيروز، دون أن يكون لأسطورة الطرب العربي أي دخل فيها، وربما حتى لم تسمع بها، بل لعلها كانت نائمة ملء جفونها على طريقة المتنبي في حين يسهر الخلق جرّاها ويختصمون. وهذه هي الضريبة التي يدفعها من جعلتهم الأقدار رموزًا لحياتنا الثقافية العربية؛ ألّا يُكتفى بحضور منتوجهم الإبداعيّ الكبير، وإنما يُلاحَق هذا المبدع حتى عقر داره، ومهما زهد في الأضواء فإن هؤلاء المُلاحِقين يجلبونها إليه، وإنْ من الباب الخلفي.
مناسبة هذا الحديث؛ الضجة التي أثارها هذا الأسبوع خبر إقالة مراد بوكرزازة مدير إذاعة قسنطينة المحلية في الجزائر، لسبب يبدو للوهلة الأولى ناجمًا عن تعصّب دينيّ وهو بثّ هذه الإذاعة أغنية 'عيّد الليل' لفيروز، التي بها 'تمجيدٌ للديانة المسيحية'!، كما قيل. والغريب أن الإذاعة الجزائرية انتظرت عدة أيام قبل أن تصدر بيانًا توضيحيًّا تقول فيه إن بوكرزازة لم يُنْه عمله مع الإذاعة، وإنما فقط أُعفِي من مهامه كمدير لإذاعة قسنطينة لأسباب أخرى لا علاقة لها بالأغنية، بل ونفت أيضًا إيقاف مقدمة برنامج 'أغاني الزمن الجميل' الذي بُثَّتْ الأغنية فيه، وإحالة مخرج البرنامج والتقني العامل عليه إلى مجلس تأديبي، وقالت إنهم لم يتعرضوا لأي شكل من أشكال العقوبة. هذا التأخر في النفي جلب لفيروز وبوكرزازة تضامنًا كبيرًا على هيئة مقالات وتغريدات وتدوينات من شتى أنحاء العالم.
هذه الضجة التي تسعى إلى فيروز في عقر دارها تحققتْ حرفيًّا قبل عام، عندما زارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيتها بمنطقة الرابية شمال بيروت في 31 أغسطس 2020، وكرمها بأرفع وسام فرنسي هو وسام جوقة الشرف الفرنسي، ليكون بذلك الرئيس الفرنسي الثالث الذي يمنح الفنانة الكبيرة وسامًا، بعد فرانسوا ميتران عام 1988، وجاك شيراك عام 1998. وبعد نشر صور فيروز في بيتها مع ماكرون أثير جدل كبير مماثل، لأن ثمة من اتهم المطربة اللبنانية بزج نفسها في الألاعيب السياسية، ذلك أن ماكرون هو من كان بحاجة لهذه الزيارة ليتخذها تذكرة عبور إلى قلوب اللبنانيين، واختصر أحد التعليقات الساخرة هذا المعنى بأن فيروز هي التي كرمت الرئيس الفرنسي وليس العكس.
قبل ذلك بسبع سنوات، وتحديدًا في ديسمبر من عام 2013، أَدخل الموسيقار زياد رحباني أمّه فيروز دائرة الجدل من جديد، عندما تبرّع بالتصريح نيابةً عنها، ودون أن تكلّفه بذلك، أنها تُكِنّ للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حبًّا كبيرًا. وقد أثار هذا التصريح غضبًا كبيرًا على فيروز من اللبنانيين، لأنهم اعتادوا منها التزام الحياد عندما يتعلق الأمر بالسياسة، وهي نفسها كانت حريصة على ذلك، وعلى الابتعاد عن الغناء للزعماء السياسيين، مفضّلة بدلًا من ذلك الغناء للأوطان، عبر أغان ما زالت مدويّة إلى اليوم لمكة وبيروت والقدس وعَمّان ودمشق وبغداد.
وإذا كان أحد أفراد أسرتها سبب الضجة عام 2013، فإن عائلة فيروز هي سببها أيضًا في يوليو من عام 2010، عندما قرر ورثة منصور الرحباني (الركن الثاني في الأخوين رحباني بعد عاصي زوج فيروز الراحل) منع الفنانة الكبيرة من إعادة تقديم أغاني ومسرحيات الأخوين رحباني، ما أثار غضبًا شديدًا لدى جمهورها فتداعَوْا إلى اعتصام سلمي تضامنًا معها في بيروت يوم 26 يوليو 2010، شارك فيه محبوها من كل مكان. وأذكر في هذا الصدد أنني تشرفتُ بإعداد مادة صحفية نُشِرتْ في العدد 14 من ملحق 'نون' الثقافي التابع حينئذ للجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء (في 2 أغسطس 2010) بعنوان: 'المثقفون العُمانيون يتضامنون مع المطربة العربية الكبيرة: ينسون يا فيروز لكننا لا ننسى'، شارك فيها برسائل تضامنية ونصوص أدبية كل من الأدباء عبدالله حبيب وعبدالعزيز الفارسي وآمنة الربيع وبشرى خلفان وفاطمة الشيدي وحسن اللواتي، إضافة إلى الفنّان فتحي محسن، والمذيعَيْن سعيد العميري، وسهى الرقيشي.
اللافت أن فيروز ظلت على الدوام صامتة خلال هذه الزوابع، مترفعة عن التعليق عليها، أو محاولة الدفاع عن نفسها إزاءها، ربما لأنها أدركت بحكمتها الكبيرة أن هذا هو قدرها؛ أن تعيش في محيط عربي مليء بالزوابع والجدل وعدم التقدير، في حين تجد التكريم والاعتراف بأهميتها الثقافية والفنية من أماكن أخرى، غير عربية في الغالب، ليست الأوسمة الفرنسية فقط دليلها، وإنما تكريمات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما فعلتْه مجلة 'فوربس' الأمريكية في عدد يوليو 2018، عندما صنفت نجوم الغناء العرب الموجودين على الساحة العالمية اليوم، فوضعت فيروز في مرتبة فريدة من نوعها فوق التصنيف، وهي مرتبة (All-Time Great) أي 'أعظم نجوم الفن لكل العصور'.
مناسبة هذا الحديث؛ الضجة التي أثارها هذا الأسبوع خبر إقالة مراد بوكرزازة مدير إذاعة قسنطينة المحلية في الجزائر، لسبب يبدو للوهلة الأولى ناجمًا عن تعصّب دينيّ وهو بثّ هذه الإذاعة أغنية 'عيّد الليل' لفيروز، التي بها 'تمجيدٌ للديانة المسيحية'!، كما قيل. والغريب أن الإذاعة الجزائرية انتظرت عدة أيام قبل أن تصدر بيانًا توضيحيًّا تقول فيه إن بوكرزازة لم يُنْه عمله مع الإذاعة، وإنما فقط أُعفِي من مهامه كمدير لإذاعة قسنطينة لأسباب أخرى لا علاقة لها بالأغنية، بل ونفت أيضًا إيقاف مقدمة برنامج 'أغاني الزمن الجميل' الذي بُثَّتْ الأغنية فيه، وإحالة مخرج البرنامج والتقني العامل عليه إلى مجلس تأديبي، وقالت إنهم لم يتعرضوا لأي شكل من أشكال العقوبة. هذا التأخر في النفي جلب لفيروز وبوكرزازة تضامنًا كبيرًا على هيئة مقالات وتغريدات وتدوينات من شتى أنحاء العالم.
هذه الضجة التي تسعى إلى فيروز في عقر دارها تحققتْ حرفيًّا قبل عام، عندما زارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيتها بمنطقة الرابية شمال بيروت في 31 أغسطس 2020، وكرمها بأرفع وسام فرنسي هو وسام جوقة الشرف الفرنسي، ليكون بذلك الرئيس الفرنسي الثالث الذي يمنح الفنانة الكبيرة وسامًا، بعد فرانسوا ميتران عام 1988، وجاك شيراك عام 1998. وبعد نشر صور فيروز في بيتها مع ماكرون أثير جدل كبير مماثل، لأن ثمة من اتهم المطربة اللبنانية بزج نفسها في الألاعيب السياسية، ذلك أن ماكرون هو من كان بحاجة لهذه الزيارة ليتخذها تذكرة عبور إلى قلوب اللبنانيين، واختصر أحد التعليقات الساخرة هذا المعنى بأن فيروز هي التي كرمت الرئيس الفرنسي وليس العكس.
قبل ذلك بسبع سنوات، وتحديدًا في ديسمبر من عام 2013، أَدخل الموسيقار زياد رحباني أمّه فيروز دائرة الجدل من جديد، عندما تبرّع بالتصريح نيابةً عنها، ودون أن تكلّفه بذلك، أنها تُكِنّ للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حبًّا كبيرًا. وقد أثار هذا التصريح غضبًا كبيرًا على فيروز من اللبنانيين، لأنهم اعتادوا منها التزام الحياد عندما يتعلق الأمر بالسياسة، وهي نفسها كانت حريصة على ذلك، وعلى الابتعاد عن الغناء للزعماء السياسيين، مفضّلة بدلًا من ذلك الغناء للأوطان، عبر أغان ما زالت مدويّة إلى اليوم لمكة وبيروت والقدس وعَمّان ودمشق وبغداد.
وإذا كان أحد أفراد أسرتها سبب الضجة عام 2013، فإن عائلة فيروز هي سببها أيضًا في يوليو من عام 2010، عندما قرر ورثة منصور الرحباني (الركن الثاني في الأخوين رحباني بعد عاصي زوج فيروز الراحل) منع الفنانة الكبيرة من إعادة تقديم أغاني ومسرحيات الأخوين رحباني، ما أثار غضبًا شديدًا لدى جمهورها فتداعَوْا إلى اعتصام سلمي تضامنًا معها في بيروت يوم 26 يوليو 2010، شارك فيه محبوها من كل مكان. وأذكر في هذا الصدد أنني تشرفتُ بإعداد مادة صحفية نُشِرتْ في العدد 14 من ملحق 'نون' الثقافي التابع حينئذ للجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء (في 2 أغسطس 2010) بعنوان: 'المثقفون العُمانيون يتضامنون مع المطربة العربية الكبيرة: ينسون يا فيروز لكننا لا ننسى'، شارك فيها برسائل تضامنية ونصوص أدبية كل من الأدباء عبدالله حبيب وعبدالعزيز الفارسي وآمنة الربيع وبشرى خلفان وفاطمة الشيدي وحسن اللواتي، إضافة إلى الفنّان فتحي محسن، والمذيعَيْن سعيد العميري، وسهى الرقيشي.
اللافت أن فيروز ظلت على الدوام صامتة خلال هذه الزوابع، مترفعة عن التعليق عليها، أو محاولة الدفاع عن نفسها إزاءها، ربما لأنها أدركت بحكمتها الكبيرة أن هذا هو قدرها؛ أن تعيش في محيط عربي مليء بالزوابع والجدل وعدم التقدير، في حين تجد التكريم والاعتراف بأهميتها الثقافية والفنية من أماكن أخرى، غير عربية في الغالب، ليست الأوسمة الفرنسية فقط دليلها، وإنما تكريمات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما فعلتْه مجلة 'فوربس' الأمريكية في عدد يوليو 2018، عندما صنفت نجوم الغناء العرب الموجودين على الساحة العالمية اليوم، فوضعت فيروز في مرتبة فريدة من نوعها فوق التصنيف، وهي مرتبة (All-Time Great) أي 'أعظم نجوم الفن لكل العصور'.