نوافذ: شراب العصاة
الأربعاء / 6 / ربيع الأول / 1443 هـ - 15:35 - الأربعاء 13 أكتوبر 2021 15:35
بشرى خلفان-01
ربما لا أستطيع ادعاء أني من 'عشاق' القهوة، فلي في ذلك أحوال ومواسم، أما الكاتب السعودي عبدالله الناصر فله شأن مختلف، إذ يبدو لي أنه قد تجاوز ذلك، فلم يكتف بتعلم صنعتها من تحميص وطحن وتنعيم واستخلاص بل قام بما هو أكثر من ذلك، إذ تتبع سيرتها، منذ ميلادها الأول في مهد البشرية في الحبشة، حتى تفرق نسغها في بلاد العالم: زراعة، وصناعة، ومقاهي وحكايات، وسفرا وآلاما وغربة.
ومن هذه المعايشة الحميمة مع القهوة، خرج كتابه 'قهوة نامه' إلى الوجود، الذي يحيلنا منذ العتبة الأولى، أي العنوان، إلى المكانة التي بلغتها القهوة في قلب صاحبها، فيوازي بينها وبين كتاب الملوك، أو 'الشهنامة'، فيلتقي الملوك العظام والقهوة في السير، ولا أدعي هنا أن كل الملوك سواء، أو أن كل السير سواء، إلا أن القهوة -خمرة المتصوفين- جديرة بأن يخلع عليها الألقاب، الواحد تلو الآخر.
'تأسرني فكرة الشجرة التي لم يزرعها الإنسان الأول بنفسه لكنها وجدت إلى جانبه وأينعت في روحه كثمرة صوفية وطهورية'، هذا ما يقوله عبدالله الناصر، فتعجبني فكرة التجاور، بين الإنسان والشجرة، وفكرة الوجود الذي لا يستغني فيه الإنسان عما يعزز يقظته، ويعمق انتباهه ويثير حساسيته.
بلغة مليئة بمجسات تذوق مرهفة، يذهب بنا عبدالله الناصر في رحلة تاريخية لنتذوق القهوة، ونشم رائحتها، ولنفهم تاريخ العلاقات السرية بين تلك الشجرة وفاكهته، وحروبها، وآلامها، ومعاناتها، وبين صناع لذتها وعشاقها السريين.
يقول عبدالله الناصر إنه 'كان لا بد للقهوة أن تتعلم العصيان مع إنسان ما قبل التاريخ كي تصبح مشروب العصاة والمبدعين والثوار والموسيقيين والمتصوفين'.
ولفكرة العصيان علاقة مباشرة برفض هذا المشروب تاريخيًا، من قبل السلطتين الدينية والسياسية، في الشرق والغرب، بل وإنكارها من قبل الطبقات البرجوازية في أوروبا، واعتبارها مشروبًا مهددًا للثقافة الأم.
ولعله بسبب فكرة العصيان الحاضرة في مخيال الدول الهشة، يتم الربط بين صورة المثقف وكتابه وفنجان قهوته، وربما لهذا السبب عينه يتم تشويه هذه الصورة، فالتهكم على القهوة والكتب، صارت رمزًا لصراع سري بين كلمة مثقف، أقصد تلك التي كان جوبلز يتحسس مسدسه لسماعها، وبين الذين يرومون تسطيحها.
لذا فإن الدول العاجزة عن إدراك معنى اليقظة، تعمد إلى تسطيح دور المثقف، بتعمد السخرية منه، أو تصويره كشخص لا ديني، متغرب، لا ينتمي لثقافة مجتمعه، ساعية إلى خلخلة دوره، وتحويل مساره من الإسهام في إشعال وعي المجتمع، إلى ترس في ماكينة جاهلة، عاجزة عن تبين مواطن ضعفها، ومذعورة من فكرة اكتشاف سر قوتها الحقيقي في الجديد والمختلف والمتولد من التدافع المعرفي.
ومن هذه المعايشة الحميمة مع القهوة، خرج كتابه 'قهوة نامه' إلى الوجود، الذي يحيلنا منذ العتبة الأولى، أي العنوان، إلى المكانة التي بلغتها القهوة في قلب صاحبها، فيوازي بينها وبين كتاب الملوك، أو 'الشهنامة'، فيلتقي الملوك العظام والقهوة في السير، ولا أدعي هنا أن كل الملوك سواء، أو أن كل السير سواء، إلا أن القهوة -خمرة المتصوفين- جديرة بأن يخلع عليها الألقاب، الواحد تلو الآخر.
'تأسرني فكرة الشجرة التي لم يزرعها الإنسان الأول بنفسه لكنها وجدت إلى جانبه وأينعت في روحه كثمرة صوفية وطهورية'، هذا ما يقوله عبدالله الناصر، فتعجبني فكرة التجاور، بين الإنسان والشجرة، وفكرة الوجود الذي لا يستغني فيه الإنسان عما يعزز يقظته، ويعمق انتباهه ويثير حساسيته.
بلغة مليئة بمجسات تذوق مرهفة، يذهب بنا عبدالله الناصر في رحلة تاريخية لنتذوق القهوة، ونشم رائحتها، ولنفهم تاريخ العلاقات السرية بين تلك الشجرة وفاكهته، وحروبها، وآلامها، ومعاناتها، وبين صناع لذتها وعشاقها السريين.
يقول عبدالله الناصر إنه 'كان لا بد للقهوة أن تتعلم العصيان مع إنسان ما قبل التاريخ كي تصبح مشروب العصاة والمبدعين والثوار والموسيقيين والمتصوفين'.
ولفكرة العصيان علاقة مباشرة برفض هذا المشروب تاريخيًا، من قبل السلطتين الدينية والسياسية، في الشرق والغرب، بل وإنكارها من قبل الطبقات البرجوازية في أوروبا، واعتبارها مشروبًا مهددًا للثقافة الأم.
ولعله بسبب فكرة العصيان الحاضرة في مخيال الدول الهشة، يتم الربط بين صورة المثقف وكتابه وفنجان قهوته، وربما لهذا السبب عينه يتم تشويه هذه الصورة، فالتهكم على القهوة والكتب، صارت رمزًا لصراع سري بين كلمة مثقف، أقصد تلك التي كان جوبلز يتحسس مسدسه لسماعها، وبين الذين يرومون تسطيحها.
لذا فإن الدول العاجزة عن إدراك معنى اليقظة، تعمد إلى تسطيح دور المثقف، بتعمد السخرية منه، أو تصويره كشخص لا ديني، متغرب، لا ينتمي لثقافة مجتمعه، ساعية إلى خلخلة دوره، وتحويل مساره من الإسهام في إشعال وعي المجتمع، إلى ترس في ماكينة جاهلة، عاجزة عن تبين مواطن ضعفها، ومذعورة من فكرة اكتشاف سر قوتها الحقيقي في الجديد والمختلف والمتولد من التدافع المعرفي.