هوامش...ومتون: بحثا عن (المتنبّي) في الرياض
الأربعاء / 6 / ربيع الأول / 1443 هـ - 15:27 - الأربعاء 13 أكتوبر 2021 15:27
عبدالرزاق الربيعي-01
حين مضت بنا الشاعرة هيفاء الجبري بجولة راجلة في جادّة واجهة الرياض المحاذية للمقرّ الجديد الذي أقيم به معرض الرياض الدولي للكتاب لترينا واجهة أنيقة، تنتشر فيها المقاهي، والمحال التجاريّة، والمطاعم، والأشجار، لنمضي بعض الوقت خارج المعرض، والناشرين، وزوّاره، ووسائل الإعلام التي تبحث عن صيد سمين في أجنحته، فجأة، وجدنا أنفسنا نسير في واحة من الجمال، وفي نهاية الشارع رأينا نافورة من المياه الممزوجة بالأضواء الملوّنة، ووسط أجواء غاية في الشاعريّة، شاهدنا سبع لوحات كتبت عليها مقاطع من المعلقات السبع، لتمكين الزائر من استعادة المعلقات الشهيرة، وبالوقت نفسه، يمتّع بصره بشلالات الأضواء الممزوجة بخرير المياه، وخلال ذلك تناهت لمسامعنا معزوفات الموسيقية، لعازفين سعوديّين شباب، احتلّ كل واحد منهم ركنا بزاوية، جالسا على منصّة أنيقة، محاطة بالأضواء، تصطفّ أمامها الكراسي، التي يسترخي عليها جمهور من مختلف شرائح المجتمع، مصغيا باهتمام بالغ، كلّ تلك التفاصيل، تعرض صورة لمشهد جديد ينطلق من رؤية جديدة رسمتها قيادة شابّة، ترجمتها عبر العديد من المفردات التي لم تكن، بالنسبة لي، مألوفة، في زياراتي السابقة للرياض التي بدأت عام 1984 خلال مشاركتي في مهرجان الشباب العربي السادس الذي احتضنته الرياض، وكنت لم أزل طالبا في المرحلة الثانويّة، وليس انتهاء بآخر زيارة لها مشاركا في مهرجان الجنادرية عام ٢٠١٣، ويومها واجهت اعتراضا عندما جلست إلى جوار الدكتورة سعيدة بنت خاطر، التي كانت مشاركة هي الأخرى، في القاعة، ولا في المطعم، تلك الصورة لم يعد لها وجود، كما لمستُ في زيارتي الأخيرة، مشاركا في المعرض، وأزيلت القيود المبالغ بها التي كانت مفروضة على المرأة في الملبس، وقيادة السيّارة، وكلّ ما يحدّ من حريّة حركتها، هذا من الناحية الاجتماعيّة، ولم تخصّص إدارة المعرض أيّاما للنساء، وأخرى للرجال، أمّا من الناحية الثقافيّة، فقد اختفت ظاهرة الكتب الممنوعة، التي كان يشكو منها الناشرون خلال مشاركاتهم السابقة، ويعاني منها المؤلفون، واختفت معها الخطوط الحمراء التي تضع الفكر في قالب معين، بل على العكس، وجدت دار نشر سعودية اسمها (معنى) للنشر والتوزيع، متخصّصة بالإصدارات، والمطبوعات الفلسفية، ومن بين مطبوعاتها مجلّة عنوانها (الفلسفة الآن)، وقد خصّصت العدد الأول من النسخة العربية لـ (الزمن والهوية، وحريّة الإرادة)، ومجلة أخرى عنوانها (الفيلسوف الجديد) بإشراف بدر الحمود وسارة الراجحي، وقد تحدّثت مع الأخيرة، فحاورت عقلا نيّرا يسابق الزمن، وقد بهرني حضور المرأة الفاعل في المعرض، مساهمة في تسيير العمل، بكل المجالات، وتمارس دورها بثقة عالية، وقدرة إدارية، جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل، ومثال على ذلك دعتني أكاديميّة سعوديّة لصعود سيارتها، لنمضي في جولة بجامعتها، ومن المتون إلى الهوامش، حيث اللقاءات الثقافية الموازية، التي من بينها دعوة د.عبدالله السفياني مدير موقع (أدب) ذي الحساب المليوني (تجاوز متابعوه المليونين و١٠٠ متابع) لزيارة (القرية النجديّة) وإحياء أمسية جمعتني بنخبة من الشعراء العرب، من بينهم: د.عارف الساعدي، وأحمد بخيت، وسعيد الصقلاوي، وجاسم الصحيّح، ومحمد يعقوب إبراهيم، وطالب عبد العزيز، ود.وليد الصراف ود.حمد دوخي، وفي جولة بشوارع العاصمة التي من مفاجآتها وجود شارع يحمل اسم المتنبي، يقع بين شارعي جرير وعمر عبدالعزيز، طوله حوالي ألف كيلومتر، كان البعض يطلق عليه تسمية (شانزلزيه الرياض) في زمن إزهاره خلال الثمانينيات، ذكّرني بشارع (النهر) المحاذي لنهر دجلة ببغداد، ولم يتبق منه اليوم سوى محلات تتحدّث عن زمن غابر، واليوم يحاول مثقفون سعوديون استعادته، عبر دعوات أطلقوها لتحويله إلى شارع لبيع الكتب الحديثة، والقديمة على غرار شارع المتنبي ببغداد، والأزبكية في القاهرة، لكنني حين عدت للمعرض بعد انتهاء جولتنا وجدت الشارع البغدادي قد انتقل إلى جادّة الرياض من خلال استضافة الجهة المنظّمة (هيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة السعودية) للعراق ليكون ضيف شرف الدورة، لتمتين الروابط الثقافية بين الأشقاء العرب، وتمكين الثقافة من ممارسة دورها في مدّ جسور المحبّة، والأخوّة، وتأكيد حضور الكتاب العراقي الذي تلقّفته أيدي زوّار المعرض الذين خضعوا لإجراءات وقائية مشدّدة للحدّ من انتشار الوباء، وضمان عودة آمنة للأنشطة الثقافية، ومعارض الكتب بعد عامين من توقفها بسبب تفشي كوفيد١٩، فنجحت في ذلك، من الناحية التنظيمية، رغم الظروف التي واجهتها، وكونها تسند إليها المهمّة للمرّة الأولى، بعد أن كانت تقوم بعمليّة التنظيم وزارة الإعلام، ولابدّ من عثرات بسيطة، لكن الهيئة التنظيمية تجاوزتها، وقد سعدنا بظهور جيل جديد من القيادات الثقافية التي تعمل برؤية جديدة، دون أن تنقطع عن الجذور، وكانت لوحات المعلقات ثيمة رمزية، تؤكّد الصلة القائمة بين الأصالة، والمعاصرة، لذا، لم أجد صعوبة في العثور على (شارع المتنبي) في الرياض.