أفكار وآراء

التطور المؤسسي.. أدواته ومؤشراته

يُعد التميز والتطور أحد الغايات الأساسية التي تهدف المؤسسات المختلفة في القطاعين العام والخاص إلى تحقيقها، علاوةً على كونهما مطلبا مجتمعيا، ومن المؤكد أن كافة الأطراف تجني ثمار نجاح المؤسسات في تنفيذ اختصاصاتها وتحقيق الأهداف الموكلة إليها بكفاءة عالية؛ إذ يحصل الأفراد على خدمات نوعية تتوافق مع احتياجاتهم وتوقعاتهم، وفي المقابل تكسب المؤسسات رضا المتعاملين وتفاعلهم الإيجابي مع برامجها وخدماتها، وينعكس ذلك إيجاباً على مستوى الرفاه الاجتماعي والنمو الاقتصادي، فضلاً عن تأثيره على التقارير والمؤشرات المحلية والإقليمية والدولية.

ويتساءل هذا المقال عن أدوات التطوير المؤسسي والمؤشرات الدالةِ عليه، ويمكن القول بأن النجاح المؤسسي يرتبط بطرفين رئيسيين، وهما المؤسسة والموظف. وعليه، سيتم تناول دور كل طرف في منظومة تطوير الأداء المؤسسي، يليه استعراض المؤشرات العامة للتطور المؤسسي.

تعتبر المؤسسة بما تمتلكه من موارد، وما تقوم عليه من تشريعات، وما تتبناه من إجراءات، تعتبر المكون الرئيسي في عملية التطوير، ولكي تقوم المؤسسة بدورها في هذا الجانب بمستوى عالٍ من المهنية والكفاءة فعليها أن تتبنى العديد من المسارات، ومن أبرزها ضمان كفاءة وشمولية التشريعات المنظمة لعملها، ذلك أن التشريعات هي حجر الزاوية في تحديد آليات العمل وتوجيه مساراته، فلا بد من مراجعتها وبيان مدى مواءمتها وتحديد أوجه التطوير والتحسين المرتبطة بها.

كما أن الإدارة الفاعلة للموارد البشرية تسهم في نمو المؤسسة وتعزز من قدرتها على تحقيق أهدافها بفاعلية، ومن متطلبات الكفاءة في إدارة الموارد البشرية تحديد الواجبات والمهام الوظيفية بدقة واختيار الموظف المناسب لأدائها في ضوء كفاياته المعرفية وخبراته المهنية، كما يعتبر التمكين الوظيفي من خلال منح الصلاحيات، فضلاً عن التوجيه والتدريب المستمر وتبني المقترحات والمبادرات، إلى جانب المهنية في قياس وتقييم الأداء الوظيفي والتحفيز، أدوات رئيسية لتعزيز دور الموظف في بيئة العمل بالمؤسسة.

ومن الأدوات المهمة لتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي هو التخطيط؛ ذلك أنه أحد المرتكزات الرئيسية التي يجب على المؤسسة أن توليها العناية التامة، فمن خلال الخطة الاستراتيجية للمؤسسة وما تشتمل عليه من رؤية وأهداف وبرامج، وما ينبثق عنها من خطط تشغيلية مرتبطة بمؤشرات قياس دقيقة وفق إطار زمني محدد، تستطيع المؤسسة توجيه مواردها البشرية والمادية بكفاءة عالية.

ويُعد الاستخدام الفاعل لتقنية المعلومات والاتصالات، وما يرتبط به من أنشطة ومبادرات في جانب التحول الرقمي أداة رئيسة لتطوير الأداء المؤسسي؛ إذ تتيح التقنية من خلال خصائصها المختلفة العديد من المزايا في استرجاع وحفظ وإتاحة المعلومات، الأمر الذي يعزز من آليات التواصل بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد، وتمكين المؤسسات من اتخاذ قرارات دقيقة في الوقت المناسب.

ومن الممارسات المهمة في تطوير الأداء المؤسسي تعزيز التواصل مع الأطراف ذات العلاقة، ومن أبرز الأطراف التي يجب على المؤسسات توثيق الروابط معها هو المجتمع، حيث إن خدماتها وأنشطتها المباشرة أو غير المباشرة تستهدف المجتمع بفئاته المختلفة، وقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً واسعة تعزز من التفاعل الإيجابي بين المؤسسة والمجتمع، فضلاً عن قنوات التواصل المباشر، كما يجب على المؤسسة التواصل مع الجهات الأخرى ذات الصلة بأنشطتها وخدماتها في إطار تعزيز التكامل في العمل المؤسسي.

كما أن كفاءة أنظمة الرقابة الداخلية، وتمكين العاملين في مجالات التدقيق وبناء قدراتهم، فضلاً عن نشر قيم النزاهة وتعزيز المساءلة والمحاسبة، من شأنها أن تسهم بشكل فاعل في كفاءة إدارة الموارد المالية وتحسين مستوى الأداء الوظيفي، الأمر الذي ينعكس على الأداء المؤسسي، جنباً إلى جنب مع تبني أنظمة إدارة الجودة وتطبيقات الحوكمة. أما على مستوى الموظف، فيعتبر تطور الأداء المؤسسي مرتبطاً بدوره في منظومة العمل؛ فمن خلاله يتم اقتراح التشريعات، وإعداد الخطط، والعمل على تقديم الخدمات وتنفيذ الأنشطة، ومن هنا يجب أن يتبنى الموظف القيم المهنية عند أدائه لمهامه الوظيفية، ومن أبرزها مراعاة القوانين والتحلي بالأمانة والإخلاص والإتقان وتبني ممارسات الرقابة الذاتية، إلى جانب الإدارة الفاعلة للوقت وتنفيذ المهام وفق أولويتها، علاوةً على المحافظة على سرية البيانات والوثائق، وحسن استخدام أدوات العمل، بالإضافة إلى التعلم المستمر والمشاركة الفاعلة في فرق العمل.

وبعد استعراض عدد من الأدوات المرتبطة بتطوير الأداء المؤسسي من جانب المؤسسة والموظف، يمكن القول بأن رضا العملاء والموظفين يعد المؤشر الأبرز لتطور الأداء المؤسسي، ذلك أن رضا العملاء يشير إلى حصولهم على مقدار ملائم من الخدمات، ويمكن قياسه من خلال استطلاعات الرأي أو عبر ما يتم تداوله في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الأدوات، كما أن رضا الموظفين يعتبر مؤشر على كفاءة بيئة العمل الداخلية بالمؤسسة. ومن المؤشرات الرئيسية على تطور الأداء المؤسسي تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة، إلى جانب ما تعكسه التقارير والمؤشرات الدولية من أرقام وبيانات حول أداء القطاعات المختلفة.

وفي الختام، يتطلب التطور والتميز تضافر كافة الجهود وفق رؤية واضحة وبمسار محدد، ولا تخلو رحلة التطوير من التحديات، إلا أن التحديات تعزز من قدرة المؤسسة في بناء رصيدها المهني، وتتفاوت المؤسسات في مستويات التطوير بمقدار قدرتها على تحويل الأفكار بعد دراستها إلى مبادرات ومن ثم العمل على تنفيذها على أرض الواقع، جنباً إلى جنب مع التقييم المستمر.