أفكار وآراء

الخطاب السلطاني والوحدة الوطنية

عوض بن سعيد باقوير

أظهرت الحالة المدارية التي ضربت عددا من ولايات السلطنة خاصة في شمال وجنوب الباطنة حجم التعاون والتلاحم الوطني بين أفراد المجتمع العماني من خلال الهبة الشعبية التي شاركت فيها محافظات السلطنة مما عكس مدى اللحمة الوطنية والشعور بالمسؤولية التي اجتاحت البلاد من أقصاها الى أقصاها.

وكان لذلك أثر كبير ليس فقط على صعيد الداخل ولكن امتد تأثيره الى خارج السلطنة من خلال ردود الفعل الإيجابية على كل الأصعدة السياسية والإعلامية وكنموذج يقدمه الشعب العماني وقيادته الحكيمة التي ظهرت من خلال الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة السلطان هيثم بن طارق ، حفظه الله ورعاه ، والذي جسد تلك اللحمة الوطنية في أعلى صورها. وأعطت مفردات الخطاب شحنة وطنية وإحساسا عميقا بمتابعة متواصلة من جلالته لأحداث الحالة المدارية وما خلفته من آثار مما أحدث ارتياحا في صفوف الشعب العماني من خلال التوجيهات السامية بإعلان الصندوق الوطني للحالات الطارئة علاوة على التوجيهات للحكومة بتسريع إعادة الأوضاع الى طبيعتها في أسرع وقت ممكن.

تلاحم الشعب والقيادة

مثلت الحالة المدارية الاخيرة في السلطنة اختبارا كبيرا للإرادة الشعبية وانسجامها مع القيادة خاصة وأن الحدث وأضراره كانت كبيرة في ولايات شمال الباطنة. ومن هنا هب الشعب العماني أفرادا وجماعات وايضا الجهات الحكومية والقوات المسلحة بكل تشكيلاتها لمساعدة الولايات المتضررة وسكانها بكل العون والمساعدة في منظر قلّ ان تراه، وهذا يعكس مدى تلاحم الشعب العماني مع قيادته ويعطي نموذجا فعالا عند حدوث أي حالة مدارية لا قدر الله في المستقبل في ظل التراكم الذي عاشته السلطنة منذ أحداث الحالة المدارية جونو عام ٢٠٠٧ وما تليه من أعاصير وعواصف. وعلى ضوء ذلك فإن التلاحم الشعبي والرسمي يعطي رسالة مهمة للداخل والخارج وهو أن تاريخ عمان البعيد والقريب قد أوجد هذا التلاحم الوطني الذي تكرس على مدى نصف قرن في ظل عهد السلطان قابوس بن سعيد ، طيب الله ثراه ، ويتواصل هذا النهج في ظل القيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق ، حفظه الله ورعاه ، وهو يوجه الخطاب السامي الذي اشعر الجميع بالطمأنينة وان جلالته ،حفظه الله ورعاه ، يتابع كل شاردة وواردة منذ بداية الحالة المدارية حتى ترجع الامور الى وضعها الطبيعي، وهذا يعد من الأمور التي تعطي ذلك الانطباع عن التلاحم بين القيادة والشعب في مرحلة النهضة المتجددة والتي سوف تنقل الوطن بإذن الله الى آفاق أرحب ومزيد من التقدم والازدهار لعمان الإصالة والتاريخ وشعبها الأبي.

إن التاريخ الحديث سوف يسجل تلك الملحمة الوطنية يوم الثامن من أكتوبر وذلك الزحف الشعبي تجاه الولايات المتضررة في شمال وجنوب الباطنة وسهولها الخيرة، وهذا بلا شك يعطي أي قيادة سياسية أريحية في العمل الوطني من خلال ذلك الانسجام الشعبي، ومن خلال تلك الهبة التي قلما تشاهد خلال الكوارث الطبيعية، ومن هنا يعطي الشعب العماني نموذجا واضحا في الاعتماد على الذات من خلال التماسك والثبات المجتمعي الذي جعل السلطنة بكل ولاياتها كخلية نحل لتجاوز محنة الحالة المدارية.

الخطاب السلطاني

جاء الخطاب السلطاني ليعطي دفعة كبيرة للمسار الشعبي المنطلق بكل قوه لتجاوز أزمة الحالة المدارية من خلال التوجيهات السامية والتي كان من أهمها إطلاق الصندوق الوطني للحالات الطارئة والتي سوف يكون بمثابة المرجعية لدعم أي حالات كوارث طبيعية لا قدر الله تحدث في أي منطقة بالسلطنة، وهذا أمر مهم في ظل تحولات المناخ في العالم خاصة في منطقة المحيط الهندي وبحر العرب. كما ان هذا الصندوق الوطني سوف يساهم في رفد الخطط والجاهزية، خاصة في مجال إعادة رسم هندسة الطرق التي تشكلت من خلال اللجنة المشتركة وحتى موضوع مسارات الأودية، مرورا بالتخطيط العمراني وغيرها من الامور التي تحتاج الى إعادة نظر خاصة وأن السلطنة شهدت عدة حالات مدارية خلال العقد والنصف الأخير.

لقد جاء الخطاب السامي للسلطان هيثم بن طارق ، حفظه الله ورعاه ، ليعطي نظرة شمولية ومتابعة دقيقة من لدن جلالته لأحوال شعبه وسلامة الوطن من أي مكروه ، وهذا يعطي رسالة للداخل وايضا الخارج بأن الوطن يملك أهم ثروة وهي شعبه الأبي الذي نجح في الرهان الأخير كما نجح دوما على مر الازمان. كما أشار الخطاب السامي في إحدى فقراته فالشعب العماني عرف عبر تاريخه الطويل والمجيد الثبات والتلاحم وتقديم صورة ناصعة وحضارية ليس فقط على مستوى الداخل ولكن على صعيد مساعدة الأشقاء. ومن هنا جاء خطاب جلالته ليعطي ذلك الإحساس بأن هناك متابعة لكل إعادة الاعمار في الولايات المتضررة من الحالة المدارية، وأن هناك متابعة شخصية من المقام السامي لأعمال اللجنة الوزارية حتى تعود الأمور الى طبيعتها وفي أسرع وقت ممكن.

نموذج يحتذى

إن اعصار شاهين المداري كان من الاعاصير الخطيرة التي ضربت عددا من ولايات شمال الباطنة بشكل مباشر ولابد من الدروس المستفادة كما تمت الاشارة في مقال الاسبوع الماضي خاصة هندسة الطرق ومسارات الأودية في السلطنة وايضا التخطيط العمراني وضرورة وجود خطط لتنفيذ قنوات تصريف المياه عند حدوث حالات مدارية لا قدر الله . ومن هنا فإن النموذج الشعبي والرسمي العماني هو نموذج حقيقي تسوقه عمان للعالم وهو الاعتماد على الذات وإظهار القدرات الكامنة من خلال العمل التطوعي. ونحن هنا ندعو الى إشهار أكبر جمعية للعمل التطوعي والتي سوف تكون عونا وسندا للدولة وهذا شيء مهم موجود في بعض الدول لأن الذي شاهدناه من نموذج الهبة الشعبية وآلاف المتطوعين من الرجال والنساء وحتى الاطفال لهو جدير بإشهار تلك الجمعية المهمة في مجال التطوع الوطني وسوف يكون ذلك من اهم نتائج ذلك النموذج الذي ظهر من آلاف من المتطوعين ومن كل ولايات السلطنة مما جعل العالم في حالة إعجاب من ذلك النموذج الفريد على الساحة العمانية.

وفي المحصلة الأخيرة، لابد من تحية للإعلام العماني وشبكات التواصل الاجتماعي وكل من ساهم في تلك الملحمة الوطنية التي أظهرت معدن الانسان العماني الاصيل الذي يتلاحم دوما مع وطنه وقيادته في كل الظروف وسوف يكون المستقبل محملا بالخير لعمان وشعبها الأصيل وتطورا في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية في ظل السلطان هيثم بن طارق المعظم. وحفظ الله عمان وشعبها من كل مكروه انه سميع مجيب الدعاء.

*صحفي ومحلل سياسي