خطيل الإبل بمحافظة ظفار مشاهد تأسر القلوب وتجذب عشاق الطبيعة
حنين النوق بوادي عربوت بقيرون حيرتي يدوي بأنغام شجية
الاحد / 3 / ربيع الأول / 1443 هـ - 14:48 - الاحد 10 أكتوبر 2021 14:48
محمد السليني
خصوبة المرعى وكثافة الأشجار ملتقى الإبل في الأودية الجبلية وتستمر ٣ أشهر
وادي عربوت - أحمد بن عامر المعشني
بدأ هذه الأيام موسم خطيل الإبل من السهول إلى الأودية في جبال محافظة ظفار، حيث تسرح هذه النوق في العديد من الشعاب والأودية الخصبة التي تتوفر فيها المراعي الخصبة والتغذية الجيدة، وتنعدم المصروفات اليومية التي كانت تثقل كاهل مربي هذه الثروة الحيوانية، حيث إن الإبل تكون حينها تواقة لانجلاء موسم الخريف ليتسنى لها التمخطر في الجبال والأودية، حيث يشكل إياب الإبل من المرعى قبيل المغيب لوحة إبداع متفردة الجمال، حيث خيوط الشمس المنعكسة على بساط الخضرة الذي تتحرك عليه آلاف الإبل وسط غابات من الأشجار في اتزان وانتظام لتصل إلى مباركها دونما عناء.
ولكن من شهد خطلة الإبل هذا العام يلاحظ إضافات جديدة، اتسمت بالانفتاح على الغير وإن ذهبت ببعض الخصوصية التي تعود عليها مالكي الإبل في موسم الخطلة.
رصدت «عمان» تواجد بعض المشاهير من عشاق الطبيعة ورواد المغامرات برفقة أصحاب الإبل، كما ما زال للإعلام المحلي والدولي حضورا نشطا في هذه العادات الموروثة كقناة الجزيرة مثلًا والتي سبق لها وأن غطت الكثير من هذه الفعاليات في أعوام سابقة وفي أماكن متعددة، ولذا امتزجت كثير من الأفكار والعديد من الخلفيات المتنوعة في بوتقة جمال الطبيعة وسحر المناظر في مشاهد تسلب العقول، استطعنا من خلالها فهم تحمل أصحاب الإبل الصعاب وصبرهم على المشقة، حيث يتمتعون بلحظات زهو وعشق تنسي عوارض الرعي وكدره، فقد خرج كل شخص عاش التجربة بتصور ينوع من ثقافته ويثريه في مجال مهنته.
قيرون حيرتي
«عمان» قامت بزيارة إلى وادي عربوت بنيابة قيرون حيرتي بولاية صلالة بمحافظة ظفار وذلك لتغطية جانب من خطلة الإبل الموسمي. وقد استغرق الوصول إلى وسط الوادي ما لا يقل عن ساعة مشيا على الأقدام مرورا وسط الأشجار الكثيفة والحشائش المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وهذا يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا نظرًا لوعورة الطريق وكثرة التشعبات بما فيه من صعود وهبوط، وعند الوصول إلى بطن الوادي سبق إلى سمعي من بعيد حنين النوق، الذي كان يدوي بين جنبات الوادي، ويتردد موسيقى صداه بأنغام شجية، تشعرك بروح الحنان والمحبة، تنبعث من أفئدة هذه الحيوانات الأليفة، بعد سويعات من أخذ قسط من الراحة وتبادل أطراف الحديث مع رعاة الإبل. أجرت «عمان» حوارًا مع أحمد بن محاد عزيبون تبوك الملقب (أحمد بن بله) وهو أحد أبرز مالكي الإبل والمحبين لها حيث يملك حوالي ٢٥٠ رأسا من النوق المحلية من سلالات (ضرقت)، لما تربطه من شجون وحب يرقي إلى حد الجنون، فقد يقضي وحيدا مع الإبل في شقف الجبال وسفوح الوادي لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر دون كلل أو خوف من الوحدة مستأنسا فقط بوجود إبله من حوله غير آبه بما قد يتعرض له من جوع أو عطش أو حتى تهديد من الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة التي تكثر في الوادي.
وقد بدأ حديثه لنا فقال: بعد مكوث الإبل في السهل ولمدة ثلاثة أشهر وهو موسم الخريف يقرر أصحاب الإبل الإعلان عن موسم الخطيل وكالعادة نحن ملاك الإبل في نيابة قيرون حيرتي بولاية صلالة تكون وجهتنا الرئيسية إلى وادي عربوت لما يتمتع به هذا الوادي من خصوبة المرعى وكثافة الأشجار وتنوعها.
وتابع حديثه قائلا: «وادي عربوت» يعتبر من أكثر الأودية اتساعًا، ويتميز بكثافة الأشجار وخصوبة الأرض، ولا تصل إليه السيارات، ونحن حريصون على عدم المساس بطبيعته، التي تعتبر مرعى وفيرًا للإبل، خاصة في موسم «خطيل الإبل»، الذي يستمر ثلاثة أشهر، تسرح فيه الإبل، وتتم مرافقتها عبر مجموعة من الرعاة، وتنتقل في هذا الوادي الخصيب من مكان إلى آخر، ويسود فيه جو المتعة والترحال، وهو أشبه بالرِّحلات السياحية الخلوية داخل الطبيعة الخضراء، حاملين على ظهورهم مستلزماتهم الضرورية، تاركين صخب الحياة اليومية الاعتيادية، إلى نوع آخر من الحياة الهادئة في أحضان الطبيعة، بمنظر بديع وصور جمالية.
أعراف متفق عليها
كما أكد أحمد عزيبون تبوك أن هناك أعرافا متفق عليها بين ملاك الإبل في محافظة ظفار يتقيد بها الجميع فما أن ينزل أهل الإبل من الجبال إلى السهل (الجربيب) الذي يعتبر الموطن الأصلي للإبل ويؤذن الخريف بالدخول حتى يتجدد قرار منع الرعي تلقائيًا والذي يسمى محليًا (التحديد) أي تحديد مكان وزمان الرعي في الجبال والسهول ذات الكثافة النباتية التي تتساقط فيها الأمطار بغزارة وهو أمر ما زال معمول به إلى اليوم ولهذا يستمر هذا المنع الذي يقره الجميع طيلة فترة الخريف بحيث لا تؤثر عملية الرعي على نمو الأشجار والأعشاب.
ومما أكد لنا من خلال حديثه أهمية الإبل وذكر دورها التاريخي ودورها الحضاري، فقد أدت مهام جليلة وقدمت خدمات جديرة بالاحترام فهي المركوب في الرخاء والشدة، وهي وسيلة النقل الأساسية في الصحاري والسهول والجبال، كما أنها رافد مهم من حيث وفرة اللحوم والألبان إلى غير ذلك من المزايا التي تتمتع بها الإبل.
قصص تراثية
كما نوه بن أحمد تبوك إلى أنه تم تكريمه وأسرته من قبل الدولة تقديرا لجهوده الرعوية ومحافظتهم كأسرة على مهنة الرعي وتشجيعًا لهم من أجل الاستمرار في هذه المهنة وتوارثها وذلك في عهد جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- من قبل اللجنة العليا للاحتفالات بالعيد الوطني السابع عشر المجيد.
هكذا كان الحديث مع أحمد بن محاد عزيبون تبوك شيقًا وذا شجون، لما يحمله الرجل من قصص تراثية وكذلك لما يتسم به من نقاء وصفاء هو أقرب إلى الطبيعة التي لا يفارقها، فهو يتمتع برحابة صدر وكرم ضيافة عالية إضافة إلى العفوية الفطرية التي تنم عن صدق لا تكلف فيه ولا تصنع، تطرق بحنين إلى الماضي، وخاض قليلا في الحاضر، وتمنى مستقبلًا زاهرًا للجميع يبقي على الموروث ويجمع بين الأصالة والحداثة.
ومن الموافقات الحميدة وجود مراسل قناة الجزيرة والرحال الكويتي محمد الميموني والرحال الليبي محمد السليبي المعروف بـ(رحالسيتا) إضافة إلى بعض من هواة التصوير، تم تبادل أطراف الحديث والذي اتضح من خلال دهشة البعض مما رأى واعتبروها رحلة فريدة وتجربة متميزة حملت الكثير من الانطباعات الجميلة التي ستبقى راسخة في الذهب وخالدة في الذاكرة، مما أجمع عليه المشاركون ضرورة اهتمام الجهات ذات الاختصاص بالدولة متمثلة بهيئة البيئة وغيرها من المنظمات والجمعيات الدولية والأهلية الاهتمام أكثر بأسباب جلب السياحة وليس فقط السياحة من الناحية المادية وأهم عنصر بل المرتكز الرئيسي هو الحفاظ على الموروث الطبيعي من جغرافية الأرض وما تحتويه من تنوع نباتي وبيئي لا غنى عنهما.
ولا شك أن البيئة اليوم مهددة من قبل التقلبات المناخية وكذلك تدخل الإنسان وما ينتج عن ذلك من متغيرات قد تكون كارثية إن لم يتكاتف الجميع في إيقافها أو على الأقل الحد من أضرارها.
حيث قال الله في محكم كتابه (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ) يكفي الواحد أن يرى الأعداد الطائلة من الإبل وهي تتسابق إلى الوادي ومن حولها الرعيان يحفونها من كل جانب ولسان حالهم يقول. ما أجمل النظر إليكن وما أعظم الإحساس بشعوركن في سيركن إلى أفضل مواقع الرعي، إنه الشعور الذي تصوره الآيتين السابقتين تصويرا بليغا.
انطباعات جميلة
مراسل قناة الجزيرة في سلطنة عمان سمير النمري الذي شارك في خطلة الإبل في وادي عربوت تحدث لـ«عمان» عن شعوره فقال: شعوري جميل جدا، أن تعيش الأجواء نفسها التي يعيشها أبناء المنطقة فتمشي مسافات طويلة على الأقدام وتشرب من لبن الإبل الطازج الذي يتم حلبه في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الاستماع لحكايات كبار السن وقصصهم مع موروثُ الخطلة لعشرات السنين، هذه تجربة فريدة يتمنى الجميع خوضها وأنا كنت محظوظا في المشاركة فيها.
وتابع حديثه قائلا: قناة الجزيرة قد أنتجت عددا من القصص وبثت في الأخبار وأيضًا أنتجت فيلمًا وثائقيًا في الجزيرة الوثائقية حول موروث الخطلة، أما أنا فهي أول تجربة لإنتاج تقرير يبث في النشرات الإخبارية حول الخطلة.
وقال سمير النمري مراسل قناة الجزيرة: لا يعد موروث الخطلة مجرد توفير مرعى للإبل فقط بل يتعدى ذلك إلى كونه عاملًا محفزًا لتطويد الأواصر القبلية وتعزيزها ويحافظ على العادات والتقاليد التي اعتاد أبناء ظُفار على ممارستها منذ مئات السنين.
الخطلة تعمق روح التعاون والتواصل بين أبناء القبيلة وتحمل المسؤوليات ويعد فرصة أيضًا لتدريب الصغار على بعض المهام. والاهتمام الإعلامي المتزايد بهذا الموروث يأتي من كونه فريدا في المنطقة العربية وينبغي المحافظة عليه وتطويره ليكون أشبه بالمهرجان بحيث يطور لجذب السياح في الفترة المخصصة له ويتزامن معه إقامة سهرات وفعاليات شعبية ليلية ومخيمات لتقديم الطعام وتجربة التخييم داخل الأودية التي تقيم بها الإبل.
وأخيرا قال النمري: أتمنى أن لا تطغى الحياة المدنية على المورثات والعادات والتقاليد وأن تكون هناك جهودا حكومية ملموسة لتطويرها والاستفادة منها في جذب السياح.
عادات أصيلة
من جانبه قال محمد السليني المعروف بـ(رحاليستا) من جمهورية لبييا الذي قال: رأيت تشابها كبيرا بين العمانيين والشعب الليبي في العادات الأصيلة من استقبال وكرم وتلك السمات التي لا تندثر مع الزمن.
وأسعدني ترحيب العمانيين الصادق ولكن ما أدهشني هو التنوع الكبير في العادات واللهجات بل أحيانا في اللغات، مثل اللغة الجبالية التي سمعتها من القبائل أثناء خطيل الإبل تلك الظاهرة التي تعبر عن علاقة المعزّة بين الإبل وأصحابها.
حدث يستحق الزيارة إذ أنه لا يوجد في مكان آخر حول العالم.
وتابع حديثه قائلا: فكرة الخطلة جميلة ونزول الإبل في الخريف إلى السهول وعودتها للجبل في الصرب يدل على عناية أصحاب الإبل بها كذلك احتفالهم بالخطلة وكأنها عيد مليء بالأهازيج والسعادة، فقد لفت انتباهي الطبيعة الساحرة في ظفار من شلالات متدفقة وبغزارة شديدة يصل بعضها إلى البحر، بالإضافة إلى مناطق خضراء ومناخها الاستوائي الذي سمح بتوفر أصناف لذيذة من الفواكه التي اعتدت رؤيتها فقط في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
وادي عربوت - أحمد بن عامر المعشني
بدأ هذه الأيام موسم خطيل الإبل من السهول إلى الأودية في جبال محافظة ظفار، حيث تسرح هذه النوق في العديد من الشعاب والأودية الخصبة التي تتوفر فيها المراعي الخصبة والتغذية الجيدة، وتنعدم المصروفات اليومية التي كانت تثقل كاهل مربي هذه الثروة الحيوانية، حيث إن الإبل تكون حينها تواقة لانجلاء موسم الخريف ليتسنى لها التمخطر في الجبال والأودية، حيث يشكل إياب الإبل من المرعى قبيل المغيب لوحة إبداع متفردة الجمال، حيث خيوط الشمس المنعكسة على بساط الخضرة الذي تتحرك عليه آلاف الإبل وسط غابات من الأشجار في اتزان وانتظام لتصل إلى مباركها دونما عناء.
ولكن من شهد خطلة الإبل هذا العام يلاحظ إضافات جديدة، اتسمت بالانفتاح على الغير وإن ذهبت ببعض الخصوصية التي تعود عليها مالكي الإبل في موسم الخطلة.
رصدت «عمان» تواجد بعض المشاهير من عشاق الطبيعة ورواد المغامرات برفقة أصحاب الإبل، كما ما زال للإعلام المحلي والدولي حضورا نشطا في هذه العادات الموروثة كقناة الجزيرة مثلًا والتي سبق لها وأن غطت الكثير من هذه الفعاليات في أعوام سابقة وفي أماكن متعددة، ولذا امتزجت كثير من الأفكار والعديد من الخلفيات المتنوعة في بوتقة جمال الطبيعة وسحر المناظر في مشاهد تسلب العقول، استطعنا من خلالها فهم تحمل أصحاب الإبل الصعاب وصبرهم على المشقة، حيث يتمتعون بلحظات زهو وعشق تنسي عوارض الرعي وكدره، فقد خرج كل شخص عاش التجربة بتصور ينوع من ثقافته ويثريه في مجال مهنته.
قيرون حيرتي
«عمان» قامت بزيارة إلى وادي عربوت بنيابة قيرون حيرتي بولاية صلالة بمحافظة ظفار وذلك لتغطية جانب من خطلة الإبل الموسمي. وقد استغرق الوصول إلى وسط الوادي ما لا يقل عن ساعة مشيا على الأقدام مرورا وسط الأشجار الكثيفة والحشائش المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وهذا يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا نظرًا لوعورة الطريق وكثرة التشعبات بما فيه من صعود وهبوط، وعند الوصول إلى بطن الوادي سبق إلى سمعي من بعيد حنين النوق، الذي كان يدوي بين جنبات الوادي، ويتردد موسيقى صداه بأنغام شجية، تشعرك بروح الحنان والمحبة، تنبعث من أفئدة هذه الحيوانات الأليفة، بعد سويعات من أخذ قسط من الراحة وتبادل أطراف الحديث مع رعاة الإبل. أجرت «عمان» حوارًا مع أحمد بن محاد عزيبون تبوك الملقب (أحمد بن بله) وهو أحد أبرز مالكي الإبل والمحبين لها حيث يملك حوالي ٢٥٠ رأسا من النوق المحلية من سلالات (ضرقت)، لما تربطه من شجون وحب يرقي إلى حد الجنون، فقد يقضي وحيدا مع الإبل في شقف الجبال وسفوح الوادي لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر دون كلل أو خوف من الوحدة مستأنسا فقط بوجود إبله من حوله غير آبه بما قد يتعرض له من جوع أو عطش أو حتى تهديد من الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة التي تكثر في الوادي.
وقد بدأ حديثه لنا فقال: بعد مكوث الإبل في السهل ولمدة ثلاثة أشهر وهو موسم الخريف يقرر أصحاب الإبل الإعلان عن موسم الخطيل وكالعادة نحن ملاك الإبل في نيابة قيرون حيرتي بولاية صلالة تكون وجهتنا الرئيسية إلى وادي عربوت لما يتمتع به هذا الوادي من خصوبة المرعى وكثافة الأشجار وتنوعها.
وتابع حديثه قائلا: «وادي عربوت» يعتبر من أكثر الأودية اتساعًا، ويتميز بكثافة الأشجار وخصوبة الأرض، ولا تصل إليه السيارات، ونحن حريصون على عدم المساس بطبيعته، التي تعتبر مرعى وفيرًا للإبل، خاصة في موسم «خطيل الإبل»، الذي يستمر ثلاثة أشهر، تسرح فيه الإبل، وتتم مرافقتها عبر مجموعة من الرعاة، وتنتقل في هذا الوادي الخصيب من مكان إلى آخر، ويسود فيه جو المتعة والترحال، وهو أشبه بالرِّحلات السياحية الخلوية داخل الطبيعة الخضراء، حاملين على ظهورهم مستلزماتهم الضرورية، تاركين صخب الحياة اليومية الاعتيادية، إلى نوع آخر من الحياة الهادئة في أحضان الطبيعة، بمنظر بديع وصور جمالية.
أعراف متفق عليها
كما أكد أحمد عزيبون تبوك أن هناك أعرافا متفق عليها بين ملاك الإبل في محافظة ظفار يتقيد بها الجميع فما أن ينزل أهل الإبل من الجبال إلى السهل (الجربيب) الذي يعتبر الموطن الأصلي للإبل ويؤذن الخريف بالدخول حتى يتجدد قرار منع الرعي تلقائيًا والذي يسمى محليًا (التحديد) أي تحديد مكان وزمان الرعي في الجبال والسهول ذات الكثافة النباتية التي تتساقط فيها الأمطار بغزارة وهو أمر ما زال معمول به إلى اليوم ولهذا يستمر هذا المنع الذي يقره الجميع طيلة فترة الخريف بحيث لا تؤثر عملية الرعي على نمو الأشجار والأعشاب.
ومما أكد لنا من خلال حديثه أهمية الإبل وذكر دورها التاريخي ودورها الحضاري، فقد أدت مهام جليلة وقدمت خدمات جديرة بالاحترام فهي المركوب في الرخاء والشدة، وهي وسيلة النقل الأساسية في الصحاري والسهول والجبال، كما أنها رافد مهم من حيث وفرة اللحوم والألبان إلى غير ذلك من المزايا التي تتمتع بها الإبل.
قصص تراثية
كما نوه بن أحمد تبوك إلى أنه تم تكريمه وأسرته من قبل الدولة تقديرا لجهوده الرعوية ومحافظتهم كأسرة على مهنة الرعي وتشجيعًا لهم من أجل الاستمرار في هذه المهنة وتوارثها وذلك في عهد جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- من قبل اللجنة العليا للاحتفالات بالعيد الوطني السابع عشر المجيد.
هكذا كان الحديث مع أحمد بن محاد عزيبون تبوك شيقًا وذا شجون، لما يحمله الرجل من قصص تراثية وكذلك لما يتسم به من نقاء وصفاء هو أقرب إلى الطبيعة التي لا يفارقها، فهو يتمتع برحابة صدر وكرم ضيافة عالية إضافة إلى العفوية الفطرية التي تنم عن صدق لا تكلف فيه ولا تصنع، تطرق بحنين إلى الماضي، وخاض قليلا في الحاضر، وتمنى مستقبلًا زاهرًا للجميع يبقي على الموروث ويجمع بين الأصالة والحداثة.
ومن الموافقات الحميدة وجود مراسل قناة الجزيرة والرحال الكويتي محمد الميموني والرحال الليبي محمد السليبي المعروف بـ(رحالسيتا) إضافة إلى بعض من هواة التصوير، تم تبادل أطراف الحديث والذي اتضح من خلال دهشة البعض مما رأى واعتبروها رحلة فريدة وتجربة متميزة حملت الكثير من الانطباعات الجميلة التي ستبقى راسخة في الذهب وخالدة في الذاكرة، مما أجمع عليه المشاركون ضرورة اهتمام الجهات ذات الاختصاص بالدولة متمثلة بهيئة البيئة وغيرها من المنظمات والجمعيات الدولية والأهلية الاهتمام أكثر بأسباب جلب السياحة وليس فقط السياحة من الناحية المادية وأهم عنصر بل المرتكز الرئيسي هو الحفاظ على الموروث الطبيعي من جغرافية الأرض وما تحتويه من تنوع نباتي وبيئي لا غنى عنهما.
ولا شك أن البيئة اليوم مهددة من قبل التقلبات المناخية وكذلك تدخل الإنسان وما ينتج عن ذلك من متغيرات قد تكون كارثية إن لم يتكاتف الجميع في إيقافها أو على الأقل الحد من أضرارها.
حيث قال الله في محكم كتابه (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ) يكفي الواحد أن يرى الأعداد الطائلة من الإبل وهي تتسابق إلى الوادي ومن حولها الرعيان يحفونها من كل جانب ولسان حالهم يقول. ما أجمل النظر إليكن وما أعظم الإحساس بشعوركن في سيركن إلى أفضل مواقع الرعي، إنه الشعور الذي تصوره الآيتين السابقتين تصويرا بليغا.
انطباعات جميلة
مراسل قناة الجزيرة في سلطنة عمان سمير النمري الذي شارك في خطلة الإبل في وادي عربوت تحدث لـ«عمان» عن شعوره فقال: شعوري جميل جدا، أن تعيش الأجواء نفسها التي يعيشها أبناء المنطقة فتمشي مسافات طويلة على الأقدام وتشرب من لبن الإبل الطازج الذي يتم حلبه في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الاستماع لحكايات كبار السن وقصصهم مع موروثُ الخطلة لعشرات السنين، هذه تجربة فريدة يتمنى الجميع خوضها وأنا كنت محظوظا في المشاركة فيها.
وتابع حديثه قائلا: قناة الجزيرة قد أنتجت عددا من القصص وبثت في الأخبار وأيضًا أنتجت فيلمًا وثائقيًا في الجزيرة الوثائقية حول موروث الخطلة، أما أنا فهي أول تجربة لإنتاج تقرير يبث في النشرات الإخبارية حول الخطلة.
وقال سمير النمري مراسل قناة الجزيرة: لا يعد موروث الخطلة مجرد توفير مرعى للإبل فقط بل يتعدى ذلك إلى كونه عاملًا محفزًا لتطويد الأواصر القبلية وتعزيزها ويحافظ على العادات والتقاليد التي اعتاد أبناء ظُفار على ممارستها منذ مئات السنين.
الخطلة تعمق روح التعاون والتواصل بين أبناء القبيلة وتحمل المسؤوليات ويعد فرصة أيضًا لتدريب الصغار على بعض المهام. والاهتمام الإعلامي المتزايد بهذا الموروث يأتي من كونه فريدا في المنطقة العربية وينبغي المحافظة عليه وتطويره ليكون أشبه بالمهرجان بحيث يطور لجذب السياح في الفترة المخصصة له ويتزامن معه إقامة سهرات وفعاليات شعبية ليلية ومخيمات لتقديم الطعام وتجربة التخييم داخل الأودية التي تقيم بها الإبل.
وأخيرا قال النمري: أتمنى أن لا تطغى الحياة المدنية على المورثات والعادات والتقاليد وأن تكون هناك جهودا حكومية ملموسة لتطويرها والاستفادة منها في جذب السياح.
عادات أصيلة
من جانبه قال محمد السليني المعروف بـ(رحاليستا) من جمهورية لبييا الذي قال: رأيت تشابها كبيرا بين العمانيين والشعب الليبي في العادات الأصيلة من استقبال وكرم وتلك السمات التي لا تندثر مع الزمن.
وأسعدني ترحيب العمانيين الصادق ولكن ما أدهشني هو التنوع الكبير في العادات واللهجات بل أحيانا في اللغات، مثل اللغة الجبالية التي سمعتها من القبائل أثناء خطيل الإبل تلك الظاهرة التي تعبر عن علاقة المعزّة بين الإبل وأصحابها.
حدث يستحق الزيارة إذ أنه لا يوجد في مكان آخر حول العالم.
وتابع حديثه قائلا: فكرة الخطلة جميلة ونزول الإبل في الخريف إلى السهول وعودتها للجبل في الصرب يدل على عناية أصحاب الإبل بها كذلك احتفالهم بالخطلة وكأنها عيد مليء بالأهازيج والسعادة، فقد لفت انتباهي الطبيعة الساحرة في ظفار من شلالات متدفقة وبغزارة شديدة يصل بعضها إلى البحر، بالإضافة إلى مناطق خضراء ومناخها الاستوائي الذي سمح بتوفر أصناف لذيذة من الفواكه التي اعتدت رؤيتها فقط في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.