منوعات

الموسيقى التقليدية في موريتانيا.. كشكول يحفظ للبلاد أمجادها وقيمها وتاريخها

المعلومة بنت الميداح
 
المعلومة بنت الميداح
نواكشوط - العمانية: ينقسم المجتمع الموريتاني إلى عدة مكونات من بينها مكونة الموسيقيين التقليديين المنضوين ضمن عائلات معروفة تسمى محليا بـ 'إيكاون'، فهذه المكونة تتوارث الموسيقى كابرا عن كابر، حيث إن كل جيل يُسَلِّمُ المشعل للجيل التالي. وقد جعلت هذه الخصوصية من الموسيقى أو الغناء حكرا على تلك العائلات التي تحظى بتقدير خاص واحترام كبير عرفانا لها بالجميل في حفظ التراث والقيم. وتختلف الموسيقى في موريتانيا عنها في الدول العربية الأخرى لأنها تأثرت بالشق الآخر غير العربي من المجتمع، ألا وهو المكونة الزنجية الإفريقية، وهو ما منحها ثراء وتنوعا كبيرين.

'التيدنيت' و 'آردين'

وقالت نجمة الغناء الموريتانية الشهيرة المعلومة بنت الميداح لوكالة الأنباء العُمانية: 'إن الموسيقى في هذه الربوع تختص بآلاتها الإيقاعية المحدودة جدا بل والمنحصرة في آلتين اثنتين فقط هما (التيدنيت) للرجال و(آردين) للنساء'.

مشيرةً إلى أن المجتمع الموريتاني تَوَزًعَ قديما حسب مهام الحياة التي لا غنى عنها، قائلة: 'فكل مُكَون يؤدي دورا معينا وفق تخصصه'.

وأضافت أيقونة الغناء العربي في بلاد شنقيط: 'نحن الأسر الفنية توارثنا الاهتمام بالموسيقى جيلا عن جيل، والآباء المؤسسون كان لديهم قدر كبير من الاهتمام والعناية بها فابتكروا هذا النمط الفريد منها'.

ووضحت أن الموسيقى الموريتانية تمثل كشكولا يحفظ للبلاد أمجادها وقيمها وتاريخها، مبينة أن 'إيجاون' هم المجموعة الوحيدة التي سمح لها المجتمع بالغناء وتخليد الأمجاد والمآثر عن طريق صنف خاص يعرف بـ 'التهيدين'، وهو التغني شعرا وأداء بالفروسية والشهامة والكرم. وأشارت المعلومة إلى أن الموسيقى الموريتانية يمكن أن تُصَنًفَ ضمن الموسيقى الخماسية التي تشتهر بها دول الساحل وبعض الدول الآسيوية وأمريكا، مبينة أن آلتي العزف فيها لا توجدان عند أي شعب آخر.

وقالت إن الآلة النسائية 'آردين' تسمى أيضا 'جامع آنجاره' لأنها تجمع الطرق الثلاث للموسيقى المحلية. وتتعارف جميع العائلات الفنية في مختلف أنحاء موريتانيا على هذه الطرق ولا تخرج عنها أبدا رغم اختلافها في الفروع أو ما يعرف محليا بـ' الأشوار'.

ونبهت نجمة الموسيقى الموريتانية إلى احتمال وجود تشابه في بعض الإيقاعات مع البلدان المجاورة، خاصة من إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء. وأبرزت المعلومة ضرورة تجديد نظام الموسيقى المحلية الذي لم يتغير منذ عصور ولم يعد يواكب وتيرة الحياة السريعة اليوم، مع المحافظة على الأصل والطابع المميز.

وقد سعت الفنانة بجهدها الخاص خلال مشوارها الحافل إلى تطوير هذا النظام من خلال أغان عديدة مزجت فيها بين الأصالة والمعاصرة فتركت التراث على حاله وأدخلت عليه إيقاعات جديدة من بعض الآلات العصرية مثل القيثارة والبيانو وقدمتها للعالم بشكل مفهوم.

وعبرت صاحبة أغنية 'حبيبي حبيتو' المشهورة في موريتانيا عن قناعتها الراسخة بأن التراث، من أجل تقديمه للعالم، لابد له من لبوس أو شكل يناسب الذائقة المتجددة للبشر، لكن من دون المساس بلبه، 'فالتراث مقدس' كما تقول. وأوردت كمثال على ذلك إحدى أغانيها التي مزجت فيها بين مقطوعة قديمة لوالدها مع كلمات للشاعر الموريتاني الكبير الراحل 'محمد ولد أحمد يوره' بأدائها الشخصي وبلحن عصري.

واختتمت قائلة: 'هكذا في نظري يكون التجديد'.

البيئة الصحراوية

أما الفنان 'سدوم ولد أيده' فيرى أن الموسيقى هي لغة الشعوب في التعبير عن قيمها والمحافظة على عاداتها ومُثُلِها العليا.

وقال في تصريح لوكالة الأنباء العمانية: 'إن لكل شعب موسيقاه التي تميزه عن باقي الشعوب'، مؤكدا أن للموسيقى الموريتانية مجموعة من الخصائص تجعل منها مزيجا بين الموسيقى العربية والموسيقى الإفريقية الزنجية. ووضح سدوم أن هذه الخصائص تتمثل في بعض اللمسات الإيقاعية المتأثرة بالبيئة الصحراوية التي يعيش فيها المجتمع. واعتبر أن الموسيقى الموريتانية، بمقاماتها الخمسة، كأنها تحكي سيرة الإنسان من طفولته إلى شيخوخته مرورا بعنفوانه، مبرزا أن هذه المقامات تتماشى مع حالات الإنسان في تطوره العمري وتقلبه النفسي. وأضاف الرجل أن الفنان الموريتاني يشكل بمفرده أوركسترا متكاملة: فهو، من خلال آلتي 'التيدنيت ' و 'آردين'، يقوم بعزف كل الألحان في جميع المقامات، وهذه ميزة يختص بها عن نظرائه في البلدان الأخرى. حيث إن الواحد منهم يقضي شطرا كبيرا من حياته وهو يدرس العزف على آلة واحدة ويتخصص فيها ويظل مشتغلا بها وحدها طول حياته، أما 'إيغيو' (الفنان الموريتاني) فهو يلحن ويغني ويعزف ويضبط الإيقاع ويرتجل الألحان بل ويقرض الشعر المرتجل أثناء الغناء.