صراع الأفكار ومحدداتها
الأربعاء / 28 / صفر / 1443 هـ - 20:31 - الأربعاء 6 أكتوبر 2021 20:31
عبدالله العليان
طرح المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي في بعض مؤلفاته، مشكلة الثقافة، ومشكلة الأفكار، وقضية الصراع الثقافي مع البلاد المستعمرة وغيرها من الكتابات والمؤلفات الفكرية والسياسة والاقتصادية، وقد ركز في بعض هذه المؤلفات على قضية الصراع الثقافي داخل بلده الجزائر، وما نتج عن ذلك من غرس المفاهيم الفكرية للمستعمر الفرنسي، بهدف استتباع هذا البلد لفكر الآخر ونظرته ومنها اللغة التي تعتبر رأس الأفكار وأجلها، وأعطى هذه المسألة مصطلحا متميزا لفهم الهدف الاستعماري، وهي فكرة (القابلية للاستعمار)، بما يستهدفه من تغيير في النظرة النفسية والسلوكية للشعوب التي استهدفت من الدول التي قامت باحتلالها قسرا، وإرغاما في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهذه الأهداف تتوخى كما يرى بن نبي، هو الأخطر من الاستعمار نفسه، لأن ذلك يتعلق بتقبل فكره ونموذجه ليسهل له ما يراه في نجاح خطوته الاستيطانية، لتصبح هذه الشعوب تابعا له في كل توجهاته الفكرية والثقافية، وقابلة بذلك التوجه.
ولا شك أنه في هذا السلوك يرسخ الفكرة الاستعمارية، بأنها تمثل الجانب المشرق في الفكرة التي وضعها الاستعمار بعد احتلاله، ولكي تتقبل المقولة الشهيرة التي يطرحها الاستعمار عندما يدخل بقوة القهر والإجبار والقوة المسلحة، أنه جاء لتحديث هذه البلدان ورقيها وتقدمها، وجعلها في مصاف الدول التي تخلصت من التخلف والتراجع الحضاري والعلمي، مع أن هذا القول مجانب للحقيقة الاستعمارية وآثارها السلبية على الشعوب، مع أنه قالها لتبرير الاحتلال وتسويقه، وهو أنه يستعمل الخداع والمبررات الواهية لتكريس واقع ظالم وكارثي للشعوب الأخرى، وإن كان قد اتخذ بعض المواقف الإيجابية المحدودة لتمرير بعض السياسات في البداية، ومنها فرض لغته وثقافته على البلد المستعمر.
ومالك بن نبي ـ كما يقول د/ سيف الدين عبد الفتاح ـ طرح في العديد من كتبه عن:»الاستعمار والقابلية للاستعمار» وهي كما يراها مقولة ذهبية في توصيف الظاهرة الاستعمارية:»التي تشير إلى معنى الظاهرة والقابلية لها، سواء أكانت الظاهرة سلبية أم إيجابية، فلكل ظاهرة قابلية، للاستبداد كما للحرية؛ للفساد كما للإصلاح، للثورة والتغيير كما للخنوع للأمر الواقع والاستسلام. وكتب بن نبي أيضا في كتابه «الصراع الفكري»: «الاستعمار قد جاء إلى العالم الإسلامي نتيجة مرض أساسي عندنا، هو القابلية للاستعمار.. وهو نتيجة الصراع الفكري الذي خطط له الاستعمار وأحسن إحكام الخطة.. لقد سلط الاستعمار الأضواء على المشكلات الهامشية، بينما ترك في الظلام كل رؤية منهجية سليمة.. تفتح الطريق أمام حركة التاريخ». كما أكد مالك بن نبي على المفهوم نفسه في كتاب «شروط النهضة»، حيث تحدث عما يسمّيه «معاملين» فعلا فعلهما في الإنسان المستعمَر: «المعامل الاستعماري» و«معامل القابلية للاستعمار».
وهذا مشكلة حصلت للبعض نتيجة التأثير الفكري والثقافي في البلاد المستعمرة لعقود طويلة، وخاصة، دول المغرب العربي، لكن هذا لم يتحقق كما أراده المستعمر الذي أراد قطع الجذور تماما، بهدف التغريب، وإحلال ثقافته بدل الثقافة الوطنية.
ولا شك أن التأثير حصل للبعض في فترة من الفترات، التي مكث فيها الاستعمار هذه البلدان، لكن الأمر لم يكن عاما، فقد حصلت تغّيرات فكرية وثقافية للشعوب، نتيجة جهود لبعض المصلحين في الاستمساك برؤية ثاقبة للحفاظ على الهوية، خاصة التعليم على رأسها العربية والتعليم الديني، مع بقاء البعض ممن آثر البقاء على هذه الثقافة لسبب من الأسباب، لكنه لا يمثل السواد الأعظم من هذه الشعوب، ويرى د/ يوسف الشويري، في الكتاب المشترك (الفراكوفونية.. أيديولوجيا. سياسات، تحد ثقافي ـ لغوي)، أن الترويج للغة الفرنسية، لا يزال قائما بوسائل متعددة:»ومع أن لكل من الفرانكفونية والكومنولث أهدافاً مشتركة، فإن التشديد الخاص الذي تصر فرنسا على إيلائه اللغة الفرنسية يمنحها طابعاً يتسم نوعاً من الحدة، وهي خاصة لها علاقة بالتدهور النسبي والمطرد الذي أصاب اللغة الفرنسية نتيجة الصعود المتواصل للغة الانجليزية كلغة عالمية للاقتصاد والدبلوماسية والعلم والثقافة. غير أن هذا الصعود ـ كما يضيف د/ يوسف الشويري ـ كان يعكس إلى حد كبير الهيمنة الأمريكية على الصعيد العالمي. وهي هيمنة كانت تجتهد كل من دولتي الاستعمار القديم للتغلب عليها بوسائل خاصة».
ومع أن الشعوب جاهدت للتخلص من الاستعمار وآثاره، لكنه أي الاستعمار الخفي، لا يزال يحاول أن يراوغ بطرق مختلفة، لإيجاد الذرائع والوسائل للعودة مرة أخرى لإزاحة الثقافات والهويات الأخرى، لتكريس فكره وثقافته، مع أن المعوقات تشتد أمام المنافسات من اللغات الأخرى، كما أشرنا آنفاً، ومنها اللغة لأنجلو سكسونية، أو الأمركة الثقافية كما يسميها الفرنسيون، ومنها إنشاء منظمة الفرانكفونية، لكن الأمر لم يعد كما كان سابقاً، فقد غزت العولمة العالم كله، وجعلت منافستها للفرانكفونية قوياً حتى في فرنسا وجدت منفذا للتأثير، مما جعل هذه الأخيرة، تحذر من الاختراق الثقافي الأمريكي، والإشكالية أن قضية المهاجرين العرب، وغالبيتهم من المغرب العربي، يعانون من اعتبارهم أجانب، بالرغم أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، وأغلبهم وُلد في هذه الدولة (بلد النور والحرية)! ففي كتاب الروائي والكاتب المغربي/ الفرنسي، وعضو في «منظمة الفرانكفونية» الطاهر بن جلون، تحدث بمرارة في كتابه :(العنصرية كما أشرحها لابنتي)، الظواهر العنصرية للأجانب، ومنهم مواطنون عرب، ومن جنسيات إفريقية وآسيوية، وتحدث الطاهر بن جلون عن العنصرية، التي باتت واضحة لكل متابع، لكنه يتحدث بحذر، لكونه يحمل الجنسية الفرنسية، ومما قاله في هذا الكتاب عن تزايد العنصرية في مقدمته:» غالباً ما يشار إلى الغريب على أنه المسؤول عن الشقاء الذي يصيب عائلة ما، والبطالة مثلاً. فمن المستحيل أن تقاس درجة الحمى العنصرية بواسطة هذا النوع من الموازين. لكن وقعت في فرنسا في السنوات الأخيرة أحداث ذات طابع عنصري بينّت مدى تغلغل هذه الآفة التي يمكن تشبيهها بتلك الفيروسات التي بمجرد دخولها جسم الإنسان تتحول وتتنوع». وهذا يبرز معاناة المواطنين الفرنسيين، لمن كان من أصول أخرى، وهذا لا يوجد وفي أحد اللقاءات الصحفية قبل سنوات قال بن جلون للشرق الأوسط اللندنية:» لم تتطور الأمور ـ في فرنسا ـ نحو الأفضل، والسبب الأساسي الذي قاد إلى تفجر أحداث الضواحي ـ في باريس ـ ما زال قائماً، خاصة أنها لم تكن أزمة شبان تائهين خرجوا إلى الشوارع دون سبب، بل هي أزمة تتعلق بالهوية، إذ هؤلاء مواطنون فرنسيون يحملون الجنسية الفرنسية، درسوا في مدارس فرنسية ـ لكن فرنسا ظلت تتعامل معهم كفرنسيين من الدرجة الثانية أو الثالثة وعنف وعنصرية».
إذن هذه المحاولات من بعض النخب الفرنسية، ومنها اليمين، وحتى من الوسط، تحاول بطريقة عنيفة للتعامل مع غالبية المهاجرين، وأغلبية من يحمل الجنسية الفرنسية، كما تحدث بن جلون وغيرهم من المثقفين، الذين ينتقدون السياسية الفرنسية تجاه العرب والأفارقة واليهود، وهذه الممارسات، لا توجد مثلا في ألمانيا أو بريطانيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الكتاب الفرنسيين انتقد طريقة التعامل مع المهاجرين، ومن يحمل الجنسية الفرنسية، ومن هؤلاء الكاتب والصحفي « إيدوي بلينيل» الذي تصدى للإقصاء والعنصرية في فرنسا، كما طرح في كتابه «من أجل المسلمين»، وهو هنا نريد كما قال، أن يعيد لفرنسا قيمها التي حددتها في الدستور مثل قيم التسامح، والحرية، والتضامن الأخوي بين الشعوب، يقول إيدوي، من المهم أن:» نلقن شبابنا احترام الأخر، والسلوك المدني البسيط ومنع الشتيمة، والإهانة بالنظر إلى الأصل، أو المظهر أو العقيدة، إذا كان قضاؤنا العمومي، بوسائله الإعلامية وبسياسييه، يقومون وهم راضون عن أنفسهم، ببيداغوجيا معاكسة قائمة على الانتهاك اللامسؤول والهدام لكل نموذج تضامني ولكل قيم الجمهورية المشركة، ولكل جماعة وطنية ؟». ولا شك أن فرنسا تواجه انتقادات كبيرة في الداخل والخارج، وهذه للأسف انعكست على سمعة بلد كبير ومعروف أنه قام على الحرية والتسامح ـ كما قيل عنها ـ فلماذا الانقلاب على قيم ودساتير وضعت من الإخاء، والحرية، والتسامح؟ فإذا كانت مجرد كلمات لا تصنع قيما ثابتة وعامة يلتزم الجميع دون تمييز، فهذه لن تكون قابلة لنموذج يؤسس لمستقبل زاهر ومستقر للجميع.
طرح المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي في بعض مؤلفاته، مشكلة الثقافة، ومشكلة الأفكار، وقضية الصراع الثقافي مع البلاد المستعمرة وغيرها من الكتابات والمؤلفات الفكرية والسياسة والاقتصادية، وقد ركز في بعض هذه المؤلفات على قضية الصراع الثقافي داخل بلده الجزائر، وما نتج عن ذلك من غرس المفاهيم الفكرية للمستعمر الفرنسي، بهدف استتباع هذا البلد لفكر الآخر ونظرته ومنها اللغة التي تعتبر رأس الأفكار وأجلها، وأعطى هذه المسألة مصطلحا متميزا لفهم الهدف الاستعماري، وهي فكرة (القابلية للاستعمار)، بما يستهدفه من تغيير في النظرة النفسية والسلوكية للشعوب التي استهدفت من الدول التي قامت باحتلالها قسرا، وإرغاما في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهذه الأهداف تتوخى كما يرى بن نبي، هو الأخطر من الاستعمار نفسه، لأن ذلك يتعلق بتقبل فكره ونموذجه ليسهل له ما يراه في نجاح خطوته الاستيطانية، لتصبح هذه الشعوب تابعا له في كل توجهاته الفكرية والثقافية، وقابلة بذلك التوجه.
ولا شك أنه في هذا السلوك يرسخ الفكرة الاستعمارية، بأنها تمثل الجانب المشرق في الفكرة التي وضعها الاستعمار بعد احتلاله، ولكي تتقبل المقولة الشهيرة التي يطرحها الاستعمار عندما يدخل بقوة القهر والإجبار والقوة المسلحة، أنه جاء لتحديث هذه البلدان ورقيها وتقدمها، وجعلها في مصاف الدول التي تخلصت من التخلف والتراجع الحضاري والعلمي، مع أن هذا القول مجانب للحقيقة الاستعمارية وآثارها السلبية على الشعوب، مع أنه قالها لتبرير الاحتلال وتسويقه، وهو أنه يستعمل الخداع والمبررات الواهية لتكريس واقع ظالم وكارثي للشعوب الأخرى، وإن كان قد اتخذ بعض المواقف الإيجابية المحدودة لتمرير بعض السياسات في البداية، ومنها فرض لغته وثقافته على البلد المستعمر.
ومالك بن نبي ـ كما يقول د/ سيف الدين عبد الفتاح ـ طرح في العديد من كتبه عن:»الاستعمار والقابلية للاستعمار» وهي كما يراها مقولة ذهبية في توصيف الظاهرة الاستعمارية:»التي تشير إلى معنى الظاهرة والقابلية لها، سواء أكانت الظاهرة سلبية أم إيجابية، فلكل ظاهرة قابلية، للاستبداد كما للحرية؛ للفساد كما للإصلاح، للثورة والتغيير كما للخنوع للأمر الواقع والاستسلام. وكتب بن نبي أيضا في كتابه «الصراع الفكري»: «الاستعمار قد جاء إلى العالم الإسلامي نتيجة مرض أساسي عندنا، هو القابلية للاستعمار.. وهو نتيجة الصراع الفكري الذي خطط له الاستعمار وأحسن إحكام الخطة.. لقد سلط الاستعمار الأضواء على المشكلات الهامشية، بينما ترك في الظلام كل رؤية منهجية سليمة.. تفتح الطريق أمام حركة التاريخ». كما أكد مالك بن نبي على المفهوم نفسه في كتاب «شروط النهضة»، حيث تحدث عما يسمّيه «معاملين» فعلا فعلهما في الإنسان المستعمَر: «المعامل الاستعماري» و«معامل القابلية للاستعمار».
وهذا مشكلة حصلت للبعض نتيجة التأثير الفكري والثقافي في البلاد المستعمرة لعقود طويلة، وخاصة، دول المغرب العربي، لكن هذا لم يتحقق كما أراده المستعمر الذي أراد قطع الجذور تماما، بهدف التغريب، وإحلال ثقافته بدل الثقافة الوطنية.
ولا شك أن التأثير حصل للبعض في فترة من الفترات، التي مكث فيها الاستعمار هذه البلدان، لكن الأمر لم يكن عاما، فقد حصلت تغّيرات فكرية وثقافية للشعوب، نتيجة جهود لبعض المصلحين في الاستمساك برؤية ثاقبة للحفاظ على الهوية، خاصة التعليم على رأسها العربية والتعليم الديني، مع بقاء البعض ممن آثر البقاء على هذه الثقافة لسبب من الأسباب، لكنه لا يمثل السواد الأعظم من هذه الشعوب، ويرى د/ يوسف الشويري، في الكتاب المشترك (الفراكوفونية.. أيديولوجيا. سياسات، تحد ثقافي ـ لغوي)، أن الترويج للغة الفرنسية، لا يزال قائما بوسائل متعددة:»ومع أن لكل من الفرانكفونية والكومنولث أهدافاً مشتركة، فإن التشديد الخاص الذي تصر فرنسا على إيلائه اللغة الفرنسية يمنحها طابعاً يتسم نوعاً من الحدة، وهي خاصة لها علاقة بالتدهور النسبي والمطرد الذي أصاب اللغة الفرنسية نتيجة الصعود المتواصل للغة الانجليزية كلغة عالمية للاقتصاد والدبلوماسية والعلم والثقافة. غير أن هذا الصعود ـ كما يضيف د/ يوسف الشويري ـ كان يعكس إلى حد كبير الهيمنة الأمريكية على الصعيد العالمي. وهي هيمنة كانت تجتهد كل من دولتي الاستعمار القديم للتغلب عليها بوسائل خاصة».
ومع أن الشعوب جاهدت للتخلص من الاستعمار وآثاره، لكنه أي الاستعمار الخفي، لا يزال يحاول أن يراوغ بطرق مختلفة، لإيجاد الذرائع والوسائل للعودة مرة أخرى لإزاحة الثقافات والهويات الأخرى، لتكريس فكره وثقافته، مع أن المعوقات تشتد أمام المنافسات من اللغات الأخرى، كما أشرنا آنفاً، ومنها اللغة لأنجلو سكسونية، أو الأمركة الثقافية كما يسميها الفرنسيون، ومنها إنشاء منظمة الفرانكفونية، لكن الأمر لم يعد كما كان سابقاً، فقد غزت العولمة العالم كله، وجعلت منافستها للفرانكفونية قوياً حتى في فرنسا وجدت منفذا للتأثير، مما جعل هذه الأخيرة، تحذر من الاختراق الثقافي الأمريكي، والإشكالية أن قضية المهاجرين العرب، وغالبيتهم من المغرب العربي، يعانون من اعتبارهم أجانب، بالرغم أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، وأغلبهم وُلد في هذه الدولة (بلد النور والحرية)! ففي كتاب الروائي والكاتب المغربي/ الفرنسي، وعضو في «منظمة الفرانكفونية» الطاهر بن جلون، تحدث بمرارة في كتابه :(العنصرية كما أشرحها لابنتي)، الظواهر العنصرية للأجانب، ومنهم مواطنون عرب، ومن جنسيات إفريقية وآسيوية، وتحدث الطاهر بن جلون عن العنصرية، التي باتت واضحة لكل متابع، لكنه يتحدث بحذر، لكونه يحمل الجنسية الفرنسية، ومما قاله في هذا الكتاب عن تزايد العنصرية في مقدمته:» غالباً ما يشار إلى الغريب على أنه المسؤول عن الشقاء الذي يصيب عائلة ما، والبطالة مثلاً. فمن المستحيل أن تقاس درجة الحمى العنصرية بواسطة هذا النوع من الموازين. لكن وقعت في فرنسا في السنوات الأخيرة أحداث ذات طابع عنصري بينّت مدى تغلغل هذه الآفة التي يمكن تشبيهها بتلك الفيروسات التي بمجرد دخولها جسم الإنسان تتحول وتتنوع». وهذا يبرز معاناة المواطنين الفرنسيين، لمن كان من أصول أخرى، وهذا لا يوجد وفي أحد اللقاءات الصحفية قبل سنوات قال بن جلون للشرق الأوسط اللندنية:» لم تتطور الأمور ـ في فرنسا ـ نحو الأفضل، والسبب الأساسي الذي قاد إلى تفجر أحداث الضواحي ـ في باريس ـ ما زال قائماً، خاصة أنها لم تكن أزمة شبان تائهين خرجوا إلى الشوارع دون سبب، بل هي أزمة تتعلق بالهوية، إذ هؤلاء مواطنون فرنسيون يحملون الجنسية الفرنسية، درسوا في مدارس فرنسية ـ لكن فرنسا ظلت تتعامل معهم كفرنسيين من الدرجة الثانية أو الثالثة وعنف وعنصرية».
إذن هذه المحاولات من بعض النخب الفرنسية، ومنها اليمين، وحتى من الوسط، تحاول بطريقة عنيفة للتعامل مع غالبية المهاجرين، وأغلبية من يحمل الجنسية الفرنسية، كما تحدث بن جلون وغيرهم من المثقفين، الذين ينتقدون السياسية الفرنسية تجاه العرب والأفارقة واليهود، وهذه الممارسات، لا توجد مثلا في ألمانيا أو بريطانيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الكتاب الفرنسيين انتقد طريقة التعامل مع المهاجرين، ومن يحمل الجنسية الفرنسية، ومن هؤلاء الكاتب والصحفي « إيدوي بلينيل» الذي تصدى للإقصاء والعنصرية في فرنسا، كما طرح في كتابه «من أجل المسلمين»، وهو هنا نريد كما قال، أن يعيد لفرنسا قيمها التي حددتها في الدستور مثل قيم التسامح، والحرية، والتضامن الأخوي بين الشعوب، يقول إيدوي، من المهم أن:» نلقن شبابنا احترام الأخر، والسلوك المدني البسيط ومنع الشتيمة، والإهانة بالنظر إلى الأصل، أو المظهر أو العقيدة، إذا كان قضاؤنا العمومي، بوسائله الإعلامية وبسياسييه، يقومون وهم راضون عن أنفسهم، ببيداغوجيا معاكسة قائمة على الانتهاك اللامسؤول والهدام لكل نموذج تضامني ولكل قيم الجمهورية المشركة، ولكل جماعة وطنية ؟». ولا شك أن فرنسا تواجه انتقادات كبيرة في الداخل والخارج، وهذه للأسف انعكست على سمعة بلد كبير ومعروف أنه قام على الحرية والتسامح ـ كما قيل عنها ـ فلماذا الانقلاب على قيم ودساتير وضعت من الإخاء، والحرية، والتسامح؟ فإذا كانت مجرد كلمات لا تصنع قيما ثابتة وعامة يلتزم الجميع دون تمييز، فهذه لن تكون قابلة لنموذج يؤسس لمستقبل زاهر ومستقر للجميع.