رأي عُمان

المجتمع القوي يكبر أمام التحديات

 
الهبة الوطنية الإنسانية التي تتحرك من كل ولايات السلطنة باتجاه الولايات المتضررة جراء الإعصار المداري «شاهين» لا تخفف نقص المستلزمات الضرورية التي أحدثتها آثار الإعصار فقط، إنها ترمم وتعوض جانبا قد يكون أهم بكثير وهو الجانب النفسي. ما تسببه الكوارث الطبيعية يُحدث جرحا عميقا في النفس الإنسانية يشبه ذلك الذي يحدث عند فقدان الإنسان لعزيز عليه، فيكون اجتماع الناس إلى جواره ومن حوله مدعاة إلى تعويض ذلك النقص قدر الإمكان وترميمه. والإنسان عند حدوث الكارثة يحتاج إلى من يقف إلى جواره ويواسيه على فقده. وعندما تخرج القوافل من كل ولايات عمان باتجاهه فإن مصيبته تتصاغر كثيرا ويكبر أمامها؛ لأنه يشعر بقوة مكتسبة من الجمع الذي يحيط به ومن الدولة التي تجند كل طاقاتها من أجله. وعندما يجد الإنسان أن عشرات لا يعرفهم من قبل يتطوعون لمساعدته في تنظيف بيته وفي إخراج أطنان الطين والطمي المتراكم فيه تتضاءل مأساته وينسى كل ما فقد. وهذا الأمر ليس جديدا في المجتمع العماني، إنه مبدأ من مبادئ الحياة، وجزء أصيل من التكافل الذي تأسس عليه المجتمع وإذا كانت حركة المجتمع نحو التمدن قد غيرت في بعض التفاصيل فإن هذه الأحداث الكارثية تثبت أن المبدأ موجود ومتأصل ويظهر في اللحظة التي تكون الحاجة عليه ماسة.

وهذا الأمر دليل على قوة المجتمع وتماسكه وتلاحم نسيجه الاجتماعي، كما يدل على أن التغيرات التي شهدها المجتمع لا تنسيه المبادئ التي تتوارث جيلا بعد جيل وإن كانت الصورة التي يظهر عبرها المبدأ قد تغيرت مواكبة لتغير المجتمع نفسه وتطوره.

ولمّا كان المجتمع بهذه القوة وبهذا التماسك والترابط وبهذه المبادئ فإن إعصارا بقوة الإعصار الذي عبر هذا الأسبوع على بعض ولايات السلطنة لا يستطيع أن يكسر المجتمع العماني ولن تمضِ أيام حتى تعود الحياة إلى طبيعتها وتتعاظم قوة المجتمع الذي يختبر نفسه أمام هذه التحديات. كما أن الدولة تزداد قوة لأن أهم مؤسساتها قوية ومتماسكة وهي مؤسسة المجتمع.