أفكار وآراء

من لمسلمي الهند...؟!

اضطهادُ المسلمين في الهند ليس جديدًا، الجديد أنه أصبح الآن معلنًا وممنهجًا بعد أن ازدادت وتيرته، خاصةً بعد وصول حزب «باراتيا جاناتا» الهندوسي المتعصب إلى سدة الحكم. ولكن ما أثار هذا الموضوعَ هذه الأيام، هو جريمة قتل شاب مسلم والاعتداء على جثته بوحشية من قبل القوات الهندية، حيث انتشر على مواقع التواصل مقطع يُظهر قوات الشرطة الهندية، وهي تطلق النار باتجاه أحد الفلاحين المسلمين، ثم قامت بالاعتداء عليه بوحشية بالعصيّ عند سقوطه على الأرض، وشاركها مصور صحفي بالقفز والدوس على جثة القتيل أكثر من مرة، وذلك خلال تهجير آلاف المسلمين في ولاية آسام. وأكيد أنّ تلك اللقطة مؤلمة لكلّ إنسان يحمل ضميرًا حيًا، إلا أنّ من إيجابياتها أنها أظهرت للعالم معاناة مسلمي الهند، تحت سمع وبصر السلطة الهندية والمتطرفين الهندوس، علمًا بأنّ مسلمي الهند هم أساسًا مسالمون، إلا أنّ ذلك لم يمنع وقوع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى منهم خلال السنوات الماضية، وكذلك تهجيرهم من أماكنهم. والملاحظ أن وتيرة العداء للمسلمين اشتدت منذ عام 2014، مع بدء ولاية ناريندرا مودي رئيس الوزراء الحالي.

وتعود قضية قتل الشاب المسلم عندما قررت السلطات الهندية بشكل متعسف وقسري منذ 20 من سبتمبر 2021، تهجير نحو 20 ألف شخص، هم أكثر من 800 عائلة مسلمة في ولاية أسام، وإزالة مساكنهم البسيطة المصنوعة من الصفيح، التي يقيمون فيها منذ 50 عامًا، بحجة أنها مقامة على أرض مملوكة للدولة. وتظلّم هؤلاء المسلمون أمام المحكمة العليا، وأبدوا استعدادهم للانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، لكن السلطات فاجأتهم في الصباح الباكر يوم 25 سبتمبر بقوةٍ تتكون من 1500 جندي وشرطي، و14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجدين ومدرسة دينية؛ وحين احتج الأهالي أطلق الجنود النيران عليهم، فقتلوا رجلا وطفلا، وجرحوا 20 شخصًا، وكانت هذه الحادثة - حسب موقع الجزيرة نت - حلقة في سلسلة تم فيها تهجير 6 قرى في المنطقة بالأسلوب نفسه. ويؤكد المسلمون أنّ الجهات الرسمية لم تخطرهم بقرار الإخلاء إلا ليلة البدء في تنفيذه، ليصبحوا مجبرين فجأة على مغادرة منازلهم، دون وجهة بديلة. ولم تمر على القرار سوى ساعات قليلة، حتى بدأت السلطات بهدم المنازل وتسويتها بالأرض. وأمام وضع كهذا لم يكن أمامهم خيار غير الاحتجاج والتصدي لحفّارات البلدية، على أمل التوصل إلى حلّ عبر التفاوض، لكن الشرطة واجهت المحتجين بالنار، ولم يشاهد العالم كيفية معاملة الشرطة للمحتجين، ولكن مشهد مقتل الشاب الثلاثيني ودهس جثته بتلك الطريقة الوحشية، الذي انتشر في العالم، كان كفيلا لتفجير موجة غضب المسلمين في كلّ مكان - وإن كان غضبًا إلكترونيًا فقط - وسط تأكيد المسؤولين الهندوس على المضي قدمًا في قرار الإخلاء، إذ صرح هيمانتا بيسوا سارما رئيس وزراء ولاية أسام «أنّ حملة الإخلاء ستستمر.. والشرطة تقوم بواجبها. فرغم أنّ الناس هاجموا الشرطة بالمناجل والحراب وأشياء أخرى، إلا أنّ عمليات الإخلاء ما زالت مستمرة» حسب قوله.

يتعامل المسؤولون الهندوس مع المسلمين في الهند بغطرسة، لأنّ صوت العالم الإسلامي معدومٌ وغائبٌ تمامًا عن التأثير في الساحة العالمية، عوضًا عن الدفاع عن المسلمين المضطهَدين في كلّ مكان، ممّا جرّأ الكلّ على اضطهاد المسلمين، ومنهم ناريندرا مودي وحزبه «بهاراتيا داناتا».

وإذا كانت الحكومات العربية والإسلامية غائبةً عن المشهد، فإنّ ما يثير الدهشة أنّ علماء المسلمين يسجلون أيضًا غيابًا إلا ما ندر، ومن هنا نقدّر موقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة الذي دعا في تغريدة إلى موقف دولي إسلامي تجاه استهداف المسلمين في الهند، لأنّ «ما يجري في الهند من عدوان سافر على المواطنين المسلمين بأيدي جماعات متطرفة تسانده الهيئات الرسمية، يستوقف كلّ ذي ضمير إنساني». ولا يمكن أن يقال عن تغريدة الشيخ أحمد إنها سياسية، بل هي تعبير إنسان مسلم، رأى ما يعانيه إخوانه المسلمون في الهند، فعبّر عن رأيه الإنساني قبل أن يكون دينيًا.

تفاعل المسلمون مع وسم «الهند تقتل المسلمين»، الذي أطلقه نشطاء مسلمي الهند، وانتشرت دعواتٌ كثيرة لمقاطعة البضائع الهندية، - وهي الدعوات نفسُها التي تنتشر في الأمة مع كلّ حدث، ولا تلبث أن تخبو - ومع الإيمان بالنية الصادقة لمثل هذه الدعوات، إلا أنها عاطفية أكثر ممّا ينبغي، لأنّ المنطق يقول إنّ أمة تعتمد في أكلها وشربها وملبسها وكلّ احتياجاتها اليومية على غيرها لن تصمد يومًا واحدًا في حياتها؛ فكان الأولى أن تخطط هذه الدول لبناء قاعدة صناعية وزراعية وإنتاجية، بدلا من الاعتماد على الغير. ولا يخفى على الهند وعلى مودي وحزبه أنّ هذه مجرد شعارات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يخفى على شخص مثل مودي أنّ الأمة العربية والإسلامية في أضعف حالاتها، وإلا لما أقام علاقات مميزة مع الكيان الصهيوني على حساب العلاقات التاريخية العربية الهندية التي بناها رجلان عظيمان هما جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو، الذي آمن أنّ الكيان الإسرائيلي دولة آسيوية يجب أن تنضم إلى حركة عدم الانحياز، إلا أنّ موقف عبد الناصر المتشدد أحبط المحاولة في مهدها.

حسب موقع قناة « TRT عربي»، فإنّ الأرقام التي كشفت عنها التقارير الاستقصائية لجرائم الكراهية في الهند، تشير إلى تجاوز الضحايا من المسلمين تحديدًا، خلال العشر سنوات الماضية، نسبة 90%. وفي الوقت الذي تدين فيه القوانين الدولية، مرتكبي جرائم الكراهية في العالم، تكافئ السلطات الهندية المتورطين في أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة هناك، ولا تلاحقهم بأيّ نوع من العقوبة، لتكون الهند بذلك عنوانًا لأبشع أنواع معاداة الإسلام في العالم، كما يصفها ناشطون وحقوقيون. وتقول القناة: «تورطت أغلب مكونات المجتمع الهندوسي في ارتكاب الفظائع والانتهاكات الجسيمة ضد المسلمين، بشكل مستمر، حيث إنّ التجييش المستمر لوسائل الإعلام، فاقم من حالة الحنق ضد المسلمين، وزاد في تأليب المتطرفين ضدهم، والذين تمكنوا بدورهم وبتفويض رجال الشرطة أو بمساعدتهم، من الاعتداء على المسلمين الذين أصبحوا في غياب الحماية القانونية والقضائية، مساغًا سهلًا لهم».

ظلت الهند تتباهى بديمقراطيتها وبعلمانيتها التي حمت مسلمي الهند أمام التطرف الهندوسي - حسب الادعاءات -؛ لكن الهند الحديثة فقدت تلك الديمقراطية، وتخلت عن علمانيتها لحساب التعصب الهندوسي، وليس أدل على ذلك من إقرار المحكمة الهندية العليا، أحقية الهندوس في أرض مسجد بابري التاريخي، وذلك في حكمها الصادر يوم 9 نوفمبر 2019، إذ تبنّت المحكمة، وجهةَ نظر الطرف الهندوسي على حساب الطرف المسلم. أما فيما يتعلق بالديمقراطية، فقد شهدت حرية الصحافة في الهند تراجعًا، حيث تحتل حاليًا المرتبة 142 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، وكثّفت الحكومة الهندية حملتها القمعية ضد الصحفيين، خاصة من المسلمين، ممّا دعا منظمة «فريدوم هاوس» غير الحكومية، التي تتخذ من أمريكا مقرًا لها، إلى تخفيض تصنيف الهند للديمقراطية من «حرة» إلى «حرة جزئيا»، مشيرة إلى أنّ الهجمات التي طالت حرية الصحافة ساهمت في ذلك.

من لمسلمي الهند...؟ لقد هُدّمت مساجدهم، وأحرقت بيوتهم، وهُجّروا من أراضيهم، وتُنفّذ فيهم إعداماتٌ ميدانية، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، لم يجدوا لهم نصيرًا {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ} {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. ولكن يبقى أن نقول في النهاية {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.