قابلت أسامة بن لادن ثلاث مرات وأعرف أن قصصه لم تنته
الاثنين / 5 / صفر / 1443 هـ - 19:43 - الاثنين 13 سبتمبر 2021 19:43
ترجمة : أحمد شافعي -
قبل عشرين سنة، وبعد سبعة أسابيع من 11/9، كنت آخر صحفي يجري حوارًا مع أسامة بن لادن. التقينا في أفغانستان في غمار حملة القصف الأمريكية. ويومها تباهى بن لادن بأنه نصب شركًا سوف ينتهي بالولايات المتحدة إلى المذلة في أفغانستان، مثلما حدث من قبل مع الاتحاد السوفييتي. تنبأ أيضًا بمحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان. بعد عقدين من ذلك يموت بن لادن، وتصدق تلك التنبؤات. ولا تصدق وحدها.
ربما يحق للأمريكيين أن يجدوا عزاء بسيطًا في حقيقة أنهم تمكنوا من الثأر لأنفسهم بقنص بن لادن وقتله. لكن الصورة الكبيرة أقل بعثًا للطمأنينة. فالقاعدة لم تزل باقية في أفغانستان، والجماعات المتفرعة عنها تواصل خوض الحروب في أجزاء أخرى من العالم. ولقد تبين من صعود الدولة الإسلامية أن أفكارًا أشد تطرفا من أفكار بن لادن نفسه لم تزل تجد أتباعًا لها.
ولست واثقًا من استيعاب الولايات المتحدة وبقية بلاد الغرب لهذا الدرس. حينما قابلت ابن لادن للمرة الأولى، في كهف بجبال تورا بورا في أفغانستان سنة 1997، تنبأ بأن الولايات المتحدة عما قريب لن تكون قوة عظمى، وفاجأتني إشارته إلى قيام تحالف بين أفغانستان وباكستان وإيران والصين ضد الولايات المتحدة والهند.
بالطبع لم تزل الولايات المتحدة قوة عظمى. لكن الجزء الثاني من نبوءته يبدو في طريقه إلى أن يصدق فيما أكتب هذه الكلمات. فإيران قدمت عروضًا لحكومة طالبان، فألمحت بدورها للصين بأنها تعتزم أن تغفر الجرائم الصينية في حق مسلمي الأويجور في مقابل الاعتراف والتأييد. وردت الصين بعرضها معونة طارئة بقيمة 31 مليون دولار للحكومة الأفغانية.
فهم ابن لادن أن قوة الولايات المتحدة سوف ترغم أعداءها على توحيد قضيتهم. أي أنه فهم أن قوة أمريكا هي في الوقت نفسه ضعفها.
بعد 11/ 9 قمت بتغطية حربي العراق وسوريا من لبنان إلى فلسطين. اكتسب ابن لادن احترام الكثير من المسلمين، لا بسبب أيديولوجيته الدينية بل بفضل احتلال الولايات المتحدة للعراق ودعم واشنطن لحكومات عميلة في شتى أرجاء العالم الإسلامي. حاورت وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، وكوندوليزا رايس، وهيلاري كلينتن، وجون إف كيري وكثيرًا من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بعد 11/9. فتباهوا كلهم بمزاعم عن نجاحهم في الحرب على الإرهاب، لكنهم بدوا غافلين عن أن الحرب في حقيقتها تفرز المزيد من الإرهاب. وليست الدولة الإسلامية إلا محض مثال على الانتكاس الناجم عن غزو العراق.
ما من شك في أن الولايات المتحدة تمكنت من قنص وقتل الكثير من كبار زعامات القاعدة وطالبان والدولة الإسلامية مستعملة الطائرات الآلية بعد 11/ 9. لكنه صحيح أيضًا أن الأضرار الجانبية الناجمة عن هذه الهجمات أنتجت المئات من التفجيريين الانتحاريين الجدد. ولقد أصبح أولئك الانتحاريون الجدد أمضى سلاح لدى طالبان في مواجهة قوات الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان. بل إن طالبان نفسها تواجه الآن تفجيريين انتحاريين من الدولة الإسلامية.
بوسع القوة العسكرية أن تحل بعض المشكلات، لكنها غالبًا ما تخلق المزيد. فلقد أراد ابن لادن أن يستدرج الولايات المتحدة إلى الاستعمال المكثف للقوة العسكرية؛ لأنه فهم أن من شأن ذلك أن يخلق من المشكلات أكثر مما يحل. غير أن الحرب ليست السبيل الوحيد لسعي أي بلد إلى تحقيق مصالحه.
يجب على واشنطن ألا تكرر أخطاءها السابقة. ولقد سبق أن تخلى الأمريكيون وحلفاؤهم عن أفغانستان عقب انسحاب القوات السوفييتية سنة 1989، فأفضى ذلك بأفغانستان إلى حرب أهلية، وكانت طالبان هي النتيجة النهائية لتلك الحرب، والآن يقف البلد على شفا التحول مرة ثانية إلى دولة فاشلة.
بوسع الولايات المتحدة أن تثبت خطأ ابن لادن بإرغامها طالبان على تنفيذ اتفاقية الدوحة التي تفاوضت عليها إدارة ترامب. ويجب على الأمريكيين أن يضغطوا على طالبان للوفاء بوعودهم بألا تستعمل أفغانستان قاعدة للهجمات على أي بلد آخر. مفهوم ألا يكون مسؤولو إدارة بايدن سعداء الآن باستيلاء طالبان على السلطة، لكنهم ينبغي أن يدركوا أنه لم يزل لديهم نفوذ حقيقي. لقد جمدت الولايات المتحدة الأصول الأفغانية، وطالبان بحاجة إلى المال لإدارة الدولة، فيجب أن تبذل الولايات المتحدة أقصى الجهد لاستعمال هذه القوة لإرغام طالبان على احتواء النساء والجماعات السياسية المختلفة داخل هياكل السلطة في البلد.
لا يمكن إنكار صحة أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سوف يقوِّي الجماعات الإسلامية المسلحة في كل مكان. لكن إذا فشل الطالبان في تحقيق السلام والأمن في أفغانستان، فقد تكون النتائج أسوأ من هذا. والدول الفاشلة أكثر القواعد جذبا لأمثال أسامة بن لادن الذي انتقل من السودان الضعيف إلى أفغانستان الفاشلة في عام 1996 ثم مضى من هناك إلى التخطيط لـ 11 /9.
لقد قال لي في حوار سنة 1998 إن بوسع الولايات المتحدة أن تقتله لكنها لن تتمكن من القبض عليه حيًا. وكان محقًا في ذلك أيضًا. فليتنا لا نسمح له بأن يكون محقا في أي شيء آخر.
• عن واشنطن بوست
قبل عشرين سنة، وبعد سبعة أسابيع من 11/9، كنت آخر صحفي يجري حوارًا مع أسامة بن لادن. التقينا في أفغانستان في غمار حملة القصف الأمريكية. ويومها تباهى بن لادن بأنه نصب شركًا سوف ينتهي بالولايات المتحدة إلى المذلة في أفغانستان، مثلما حدث من قبل مع الاتحاد السوفييتي. تنبأ أيضًا بمحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان. بعد عقدين من ذلك يموت بن لادن، وتصدق تلك التنبؤات. ولا تصدق وحدها.
ربما يحق للأمريكيين أن يجدوا عزاء بسيطًا في حقيقة أنهم تمكنوا من الثأر لأنفسهم بقنص بن لادن وقتله. لكن الصورة الكبيرة أقل بعثًا للطمأنينة. فالقاعدة لم تزل باقية في أفغانستان، والجماعات المتفرعة عنها تواصل خوض الحروب في أجزاء أخرى من العالم. ولقد تبين من صعود الدولة الإسلامية أن أفكارًا أشد تطرفا من أفكار بن لادن نفسه لم تزل تجد أتباعًا لها.
ولست واثقًا من استيعاب الولايات المتحدة وبقية بلاد الغرب لهذا الدرس. حينما قابلت ابن لادن للمرة الأولى، في كهف بجبال تورا بورا في أفغانستان سنة 1997، تنبأ بأن الولايات المتحدة عما قريب لن تكون قوة عظمى، وفاجأتني إشارته إلى قيام تحالف بين أفغانستان وباكستان وإيران والصين ضد الولايات المتحدة والهند.
بالطبع لم تزل الولايات المتحدة قوة عظمى. لكن الجزء الثاني من نبوءته يبدو في طريقه إلى أن يصدق فيما أكتب هذه الكلمات. فإيران قدمت عروضًا لحكومة طالبان، فألمحت بدورها للصين بأنها تعتزم أن تغفر الجرائم الصينية في حق مسلمي الأويجور في مقابل الاعتراف والتأييد. وردت الصين بعرضها معونة طارئة بقيمة 31 مليون دولار للحكومة الأفغانية.
فهم ابن لادن أن قوة الولايات المتحدة سوف ترغم أعداءها على توحيد قضيتهم. أي أنه فهم أن قوة أمريكا هي في الوقت نفسه ضعفها.
بعد 11/ 9 قمت بتغطية حربي العراق وسوريا من لبنان إلى فلسطين. اكتسب ابن لادن احترام الكثير من المسلمين، لا بسبب أيديولوجيته الدينية بل بفضل احتلال الولايات المتحدة للعراق ودعم واشنطن لحكومات عميلة في شتى أرجاء العالم الإسلامي. حاورت وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، وكوندوليزا رايس، وهيلاري كلينتن، وجون إف كيري وكثيرًا من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بعد 11/9. فتباهوا كلهم بمزاعم عن نجاحهم في الحرب على الإرهاب، لكنهم بدوا غافلين عن أن الحرب في حقيقتها تفرز المزيد من الإرهاب. وليست الدولة الإسلامية إلا محض مثال على الانتكاس الناجم عن غزو العراق.
ما من شك في أن الولايات المتحدة تمكنت من قنص وقتل الكثير من كبار زعامات القاعدة وطالبان والدولة الإسلامية مستعملة الطائرات الآلية بعد 11/ 9. لكنه صحيح أيضًا أن الأضرار الجانبية الناجمة عن هذه الهجمات أنتجت المئات من التفجيريين الانتحاريين الجدد. ولقد أصبح أولئك الانتحاريون الجدد أمضى سلاح لدى طالبان في مواجهة قوات الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان. بل إن طالبان نفسها تواجه الآن تفجيريين انتحاريين من الدولة الإسلامية.
بوسع القوة العسكرية أن تحل بعض المشكلات، لكنها غالبًا ما تخلق المزيد. فلقد أراد ابن لادن أن يستدرج الولايات المتحدة إلى الاستعمال المكثف للقوة العسكرية؛ لأنه فهم أن من شأن ذلك أن يخلق من المشكلات أكثر مما يحل. غير أن الحرب ليست السبيل الوحيد لسعي أي بلد إلى تحقيق مصالحه.
يجب على واشنطن ألا تكرر أخطاءها السابقة. ولقد سبق أن تخلى الأمريكيون وحلفاؤهم عن أفغانستان عقب انسحاب القوات السوفييتية سنة 1989، فأفضى ذلك بأفغانستان إلى حرب أهلية، وكانت طالبان هي النتيجة النهائية لتلك الحرب، والآن يقف البلد على شفا التحول مرة ثانية إلى دولة فاشلة.
بوسع الولايات المتحدة أن تثبت خطأ ابن لادن بإرغامها طالبان على تنفيذ اتفاقية الدوحة التي تفاوضت عليها إدارة ترامب. ويجب على الأمريكيين أن يضغطوا على طالبان للوفاء بوعودهم بألا تستعمل أفغانستان قاعدة للهجمات على أي بلد آخر. مفهوم ألا يكون مسؤولو إدارة بايدن سعداء الآن باستيلاء طالبان على السلطة، لكنهم ينبغي أن يدركوا أنه لم يزل لديهم نفوذ حقيقي. لقد جمدت الولايات المتحدة الأصول الأفغانية، وطالبان بحاجة إلى المال لإدارة الدولة، فيجب أن تبذل الولايات المتحدة أقصى الجهد لاستعمال هذه القوة لإرغام طالبان على احتواء النساء والجماعات السياسية المختلفة داخل هياكل السلطة في البلد.
لا يمكن إنكار صحة أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سوف يقوِّي الجماعات الإسلامية المسلحة في كل مكان. لكن إذا فشل الطالبان في تحقيق السلام والأمن في أفغانستان، فقد تكون النتائج أسوأ من هذا. والدول الفاشلة أكثر القواعد جذبا لأمثال أسامة بن لادن الذي انتقل من السودان الضعيف إلى أفغانستان الفاشلة في عام 1996 ثم مضى من هناك إلى التخطيط لـ 11 /9.
لقد قال لي في حوار سنة 1998 إن بوسع الولايات المتحدة أن تقتله لكنها لن تتمكن من القبض عليه حيًا. وكان محقًا في ذلك أيضًا. فليتنا لا نسمح له بأن يكون محقا في أي شيء آخر.
• عن واشنطن بوست