هجمات 11سبتمبر.. في سياق السياسة الدولية
الاحد / 4 / صفر / 1443 هـ - 21:34 - الاحد 12 سبتمبر 2021 21:34
11سبتمبر 2001م.. كنا كالعادة مجتمعين لتناول قهوة العصر، ونتابع أخبار «الجزيرة» وتحليلاتها المبهرة، و«الجزيرة» حينها كلها مبهرة؛ جذبت الشارع العربي. وما إن فتحنا التلفاز حتى تسمّرت أعيننا دَهِشةً على شاشته، أمريكا تُغزى في عقر دارها، و«الجزيرة» تنقل الحدث حياً بأدق تفاصيله. يا الله.. الذعر يعمي ويصم قاطني أحد برجَي التجارة بنيويورك بعد أن اخترقت أحشاءه طائرة ركاب مدنية.
قلوبنا تقفز من مواضعها مع تساقط الناس من المبنى؛ سكارى وما هم بسكارى، ولكن الهول أذهب بالعقول، لم نستطع حينها أن نحدد أي موقف، ما الذي يحدث؟ من الذي يهاجم سيدة العالم؟ هل فعلتها «القاعدة»؟ أو جهات أخرى؟ من يجرؤ؟ انقطعت أسئلتنا المتداعية بدون أن تجد إجابة، لتجمد مآقي أعيننا على طائرة أخرى تسبح في السماء كسمكة قرش تريد أن تنقض على فريستها، فإذا بها تستقر في صدر البرج الثاني، فتعلو أفواج البشر بالصريخ، وهم يركضون ذات اليمين وذات الشمال، فيزداد المتساقطون من البرجين. ينهار البرجان الواحد تلو الآخر، بحميم النار الملتهبة؛ كقمعَي آيسكريم أذابتهما القائظة، فتظلم الشاشة بنقع الحطام، فلا يكاد يُرى الناس وقد التحفوا بالغبار هرباً إلى حيث لا يهتدون. تنتقل الكاميرا إلى واشنطن لترصد حركة الطائرة الثالثة المتجهة صوب البنتاجون، وقبل أن تربض على الأرض تشقه نصفين. فتتحول العدسة لتطارد طائرة رابعة ضلت سبيلها، فتسقط بعيداً عن هدفها. كفيلم مرعب أنتجته هوليوود ثم قتلت مخرجه، مشهد.. لم يرَ أحد مثله قبلنا، ولا أظن سيُرى مثله بعدنا. إنها أمريكا حيزوم العالم وشرطيه، تذوقت مرارة الكأس التي تسقي منها من شبّ عن طوقها.
عشرون عاماً.. مرت على الحدث المذهل، ولا زالت الذاكرة تلتهب بوقعه كلما استحضرته، وما أسرع استحضاره! كان مهولاً؛ ليس لأمريكا وحدها، بل للعالم أجمع، أما أمريكا فقد صلم أنفها، وأما العالم فيرقب صولة راعي البقر الذي مُرِّغ وجهه في التراب، حينها.. لم يكن الفاعل معروفاً، لكن العالم يدرك غضبة أمريكا التي ستضرب بمقامع من حديد، لقد فهم أنه سيتحول برمته، ولن يعود كما كان. ومنذ اللحظات الأولى بدأ العالم يدين الهجمات، وفي مقدمته المسلمون؛ بدولهم ومؤسساتهم. كل ذلك.. لا يمكن فهمه إلا في ظل النظام العالمي الجديد.
«النظام العالمي الجديد».. مصطلح كثُر تداوله منذ عام 1990م، مع التحولات المفصلية التي جرت حينذاك، منها: انهيار الاتحاد السوفييتي، وسقوط جدار برلين، وغزو صدام حسين للكويت، حيث بشّرت أمريكا بنهاية الحروب والصراعات، وإحلال السلام في العالم، خاصةً.. منطقتنا، فدشنت إدارة جورج بوش الأب الحوار حول القضية الفلسطينية، بما عرف بـ«اتفاقية أوسلو للسلام». النظام الجديد.. لم يكن وليد تلك الفترة، وإنما ولد مع «اتفاقية سايكس بيكو» عام 1916م، ليظهر المصطلح مع نشأة «عصبة الأمم» عام 1919م. ثم توارى.. ليعود مع انهيار الاتحاد السوفييتي، كمون استعمال المصطلح لم يحصل نسياناً، بل تناسياً؛ لكيلا تسحبه الشيوعية بثوراتها الحمراء لصالحها.
لمّا كانت أمريكا وهي تمارس مهامها الجديدة، بحشد تحالفها لدحر قوات صَدّام حسين من الكويت، وتأديبه ليكون عبرة للعالمين، وأخذها في رسم خارطة طريق المنطقة، كان فلاسفتها ينظّرون لـ«نهاية العالم»؛ أو بالأحرى.. خاتمية الرأسمالية لتكون نظام حياة أبدي، ويبشرون بفردوس الديمقراطية الموعود، وفعلاً.. سعت أمريكا لفرضها على المنطقة التي عشش فيها الاستبداد. وفي الوقت نفسه.. أخذ فلاسفتها ينظّرون لصِدام الحضارات، فكانت النظريتان يتكاملان بـ«سياسة العصا والجزرة». كلتا النظريتين مع الممارسات الأمريكية من أسباب تصاعد العنف في المنطقة، والذي أعطى «القاعدة» مبرراً لتوجيه هجماتها على المصالح الأمريكية، والتي هزّت أمريكا حتى النخاع، ودفعت بإدارتها إلى اتخاذ خطوات صارمة لفرض التحول الديمقراطي في المنطقة.
الآن.. دعونا ننظر إلى خارطة العالم الجديد، والتي حشدت لها أمريكا فلاسفتها وساستها وقواتها العسكرية وهيمنتها الأممية، وبالذات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى هجمات 11سبتمبر، عقد بأكمله.. هل تقدمت أمريكا في العالم وحققت وحدانية القطب الذي لا شريك له وخاتمية الرأسمالية؟
خلال عقد التسعينات جرى أمران:
الأول: اشتغال أمريكا بحروب المارقين عن النظام العالمي، فقد خاضت حرباً ضروساً في العراق، واستمرت في حصار العراقيين كلَ العقد، وسكتت عن الصراع الدموي في الجزائر، بغية أن تنهك الجماعات العنيفة فيها، وأن ينفر المسلمون من نهجها، فكانت عشرية سوداء؛ لم توهن العنف، بل قوّته. وظلت تناوش الإسلام السياسي، بدءاً بـ«القاعدة» وليس انتهاءً بالسودان، كما أخذت تفرض رؤيتها للسلام فرضاً، وسعت لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي.
الثاني: نهوض التنين الصيني، ونفثه ألهبته الناعمة على العالم، على حساب النفوذ الأمريكي، فقد تمددت الصين في كثير من مناطق آسيا وإفريقيا. كما أخذ الدب الروسي يقف على قدميه بعد الانهيار شبه التام بتفكك الاتحاد السوفييتي. لقد أصبح البَلَدان يهددان نفوذ أمريكا بما يُرهِص بمقاسمتهما إياها للعالم.
لقد أطارت هجمات 11سبتمبر بعقل العم سام، فغضب غضبةً سَّبُعية؛ فهجم على أفغانستان واجتاحها، وعلى العراق فدمره، والنتيجة.. تحول العراق إلى مذبح مقدس، أدت فيه الفتنة المذهبية والطائفية طقوسها الدموية. أمريكا نفسها غاصت في أوحاله، وتورطت بفظائعه، وما سجن أبوغريب عنها بغريب، وخرجت من حمأ هذه الفتنة داعش وأخواتها. وها هي تنسحب من أفغانستان، وتسلّمها لخصمها، وكأن عشرين عاماً لم تهتدِ فيها سبيلاً لتحقيق مآربها هناك. وعلينا ألا ننسى سجن جوانتانامو الرهيب، الذي خرم مصداقية أمريكا الأخلاقية، ولم يروِّض الإرهاب كما أرادت، بل زاده لهيباً، وازداد السجناء تصميماً على السعي لقطع أقدام أمريكا من المنطقة، بل إنها لم تستطع أن تجمّل سمعتها لدى الشعوب، فشاهت صورتها في أعينهم.
بعد هجمات 11سبتمبر.. واصلت أمريكا حربها على الإرهاب، وكان عليها أن توجد بديلاً عن الأنظمة المستبدة في المنطقة، بيد أن الساحة لا يوجد فيها إلا الإسلام السياسي، فأخذت تراهن على نُسَخِه الوديعة، فسلكت مسلك قمع جماعات العنف، ومحاولة تمكين «الإسلام المعتدل»، واستقطاب ناشطي الحقوق؛ حيث عقدت لهم المؤتمرات وورش العمل في الديمقراطية، مما خلق احتقاناً بينهم وبين أنظمتهم الحاكمة. أدت هذه السياسة -مع أسباب أخرى- إلى ثورات الربيع العربي التي أدخلت المنطقة في موجة عارمة من الصراع المدمِّر، مما أدى إلى انهيار أنظمة وتحطم دول، وأصبحت المنطقة مسرحاً لتصفية الحسابات الدولية.
لقد خسر الإسلاميون، وذهب كثيرٌ منهم وقوداً للصراع، وضحيةً للسياسات الدولية المخاتلة التي لا تعرف إلا تحقيق أهدافها. كما لم يتفكك الاستبداد في المنطقة، مما يجعلها عرضة لموجات مرتقبة من العنف، ما لم تتغير خارطة العالم؛ سياسياً واجتماعياً بمعالجة الأوضاع على أساس من القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وحرية الشعوب في اتخاذ مواقفها، وعدم استغلال نشر الديمقراطية لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية. أمريكا خسرت في الرهان كثيراً، في حين أن الصين والروس يواصلان مد نفوذهما عالمياً، مما يجعلها في ظرف عقد أو عقدين في منزلة تالية للصين، وربما منزلة ثالثة بعد روسيا.
المنطقة.. كان لها أيضاً نصيب من هذه المتغيرات الجيوسياسية التي أحدثتها السياسة الأمريكية بعد الهجمات، فقد تمكنت تركيا وإيران من تثبيت أقدامهما في المنطقة، والمفارقة.. أن كلا البلدين متدرعان بالإسلام السياسي الذي تحاربه أمريكا. كما تَحْضُر السعودية كقوة ناهضة خارج سياق الإسلام السياسي، لتستقطب العالم العربي والإسلامي وفق بنية جديدة، لا يمكن نكران صعودها المستمر.
أما إسرائيل فقد كان أمرها بين نقيضين؛ انكشافها أمام المقاوِمة، فباتت تحسب حسابها للعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، في حين تمكنت من إقامة علاقات دبلوماسية مع عدة دول في المنطقة.
قلوبنا تقفز من مواضعها مع تساقط الناس من المبنى؛ سكارى وما هم بسكارى، ولكن الهول أذهب بالعقول، لم نستطع حينها أن نحدد أي موقف، ما الذي يحدث؟ من الذي يهاجم سيدة العالم؟ هل فعلتها «القاعدة»؟ أو جهات أخرى؟ من يجرؤ؟ انقطعت أسئلتنا المتداعية بدون أن تجد إجابة، لتجمد مآقي أعيننا على طائرة أخرى تسبح في السماء كسمكة قرش تريد أن تنقض على فريستها، فإذا بها تستقر في صدر البرج الثاني، فتعلو أفواج البشر بالصريخ، وهم يركضون ذات اليمين وذات الشمال، فيزداد المتساقطون من البرجين. ينهار البرجان الواحد تلو الآخر، بحميم النار الملتهبة؛ كقمعَي آيسكريم أذابتهما القائظة، فتظلم الشاشة بنقع الحطام، فلا يكاد يُرى الناس وقد التحفوا بالغبار هرباً إلى حيث لا يهتدون. تنتقل الكاميرا إلى واشنطن لترصد حركة الطائرة الثالثة المتجهة صوب البنتاجون، وقبل أن تربض على الأرض تشقه نصفين. فتتحول العدسة لتطارد طائرة رابعة ضلت سبيلها، فتسقط بعيداً عن هدفها. كفيلم مرعب أنتجته هوليوود ثم قتلت مخرجه، مشهد.. لم يرَ أحد مثله قبلنا، ولا أظن سيُرى مثله بعدنا. إنها أمريكا حيزوم العالم وشرطيه، تذوقت مرارة الكأس التي تسقي منها من شبّ عن طوقها.
عشرون عاماً.. مرت على الحدث المذهل، ولا زالت الذاكرة تلتهب بوقعه كلما استحضرته، وما أسرع استحضاره! كان مهولاً؛ ليس لأمريكا وحدها، بل للعالم أجمع، أما أمريكا فقد صلم أنفها، وأما العالم فيرقب صولة راعي البقر الذي مُرِّغ وجهه في التراب، حينها.. لم يكن الفاعل معروفاً، لكن العالم يدرك غضبة أمريكا التي ستضرب بمقامع من حديد، لقد فهم أنه سيتحول برمته، ولن يعود كما كان. ومنذ اللحظات الأولى بدأ العالم يدين الهجمات، وفي مقدمته المسلمون؛ بدولهم ومؤسساتهم. كل ذلك.. لا يمكن فهمه إلا في ظل النظام العالمي الجديد.
«النظام العالمي الجديد».. مصطلح كثُر تداوله منذ عام 1990م، مع التحولات المفصلية التي جرت حينذاك، منها: انهيار الاتحاد السوفييتي، وسقوط جدار برلين، وغزو صدام حسين للكويت، حيث بشّرت أمريكا بنهاية الحروب والصراعات، وإحلال السلام في العالم، خاصةً.. منطقتنا، فدشنت إدارة جورج بوش الأب الحوار حول القضية الفلسطينية، بما عرف بـ«اتفاقية أوسلو للسلام». النظام الجديد.. لم يكن وليد تلك الفترة، وإنما ولد مع «اتفاقية سايكس بيكو» عام 1916م، ليظهر المصطلح مع نشأة «عصبة الأمم» عام 1919م. ثم توارى.. ليعود مع انهيار الاتحاد السوفييتي، كمون استعمال المصطلح لم يحصل نسياناً، بل تناسياً؛ لكيلا تسحبه الشيوعية بثوراتها الحمراء لصالحها.
لمّا كانت أمريكا وهي تمارس مهامها الجديدة، بحشد تحالفها لدحر قوات صَدّام حسين من الكويت، وتأديبه ليكون عبرة للعالمين، وأخذها في رسم خارطة طريق المنطقة، كان فلاسفتها ينظّرون لـ«نهاية العالم»؛ أو بالأحرى.. خاتمية الرأسمالية لتكون نظام حياة أبدي، ويبشرون بفردوس الديمقراطية الموعود، وفعلاً.. سعت أمريكا لفرضها على المنطقة التي عشش فيها الاستبداد. وفي الوقت نفسه.. أخذ فلاسفتها ينظّرون لصِدام الحضارات، فكانت النظريتان يتكاملان بـ«سياسة العصا والجزرة». كلتا النظريتين مع الممارسات الأمريكية من أسباب تصاعد العنف في المنطقة، والذي أعطى «القاعدة» مبرراً لتوجيه هجماتها على المصالح الأمريكية، والتي هزّت أمريكا حتى النخاع، ودفعت بإدارتها إلى اتخاذ خطوات صارمة لفرض التحول الديمقراطي في المنطقة.
الآن.. دعونا ننظر إلى خارطة العالم الجديد، والتي حشدت لها أمريكا فلاسفتها وساستها وقواتها العسكرية وهيمنتها الأممية، وبالذات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى هجمات 11سبتمبر، عقد بأكمله.. هل تقدمت أمريكا في العالم وحققت وحدانية القطب الذي لا شريك له وخاتمية الرأسمالية؟
خلال عقد التسعينات جرى أمران:
الأول: اشتغال أمريكا بحروب المارقين عن النظام العالمي، فقد خاضت حرباً ضروساً في العراق، واستمرت في حصار العراقيين كلَ العقد، وسكتت عن الصراع الدموي في الجزائر، بغية أن تنهك الجماعات العنيفة فيها، وأن ينفر المسلمون من نهجها، فكانت عشرية سوداء؛ لم توهن العنف، بل قوّته. وظلت تناوش الإسلام السياسي، بدءاً بـ«القاعدة» وليس انتهاءً بالسودان، كما أخذت تفرض رؤيتها للسلام فرضاً، وسعت لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي.
الثاني: نهوض التنين الصيني، ونفثه ألهبته الناعمة على العالم، على حساب النفوذ الأمريكي، فقد تمددت الصين في كثير من مناطق آسيا وإفريقيا. كما أخذ الدب الروسي يقف على قدميه بعد الانهيار شبه التام بتفكك الاتحاد السوفييتي. لقد أصبح البَلَدان يهددان نفوذ أمريكا بما يُرهِص بمقاسمتهما إياها للعالم.
لقد أطارت هجمات 11سبتمبر بعقل العم سام، فغضب غضبةً سَّبُعية؛ فهجم على أفغانستان واجتاحها، وعلى العراق فدمره، والنتيجة.. تحول العراق إلى مذبح مقدس، أدت فيه الفتنة المذهبية والطائفية طقوسها الدموية. أمريكا نفسها غاصت في أوحاله، وتورطت بفظائعه، وما سجن أبوغريب عنها بغريب، وخرجت من حمأ هذه الفتنة داعش وأخواتها. وها هي تنسحب من أفغانستان، وتسلّمها لخصمها، وكأن عشرين عاماً لم تهتدِ فيها سبيلاً لتحقيق مآربها هناك. وعلينا ألا ننسى سجن جوانتانامو الرهيب، الذي خرم مصداقية أمريكا الأخلاقية، ولم يروِّض الإرهاب كما أرادت، بل زاده لهيباً، وازداد السجناء تصميماً على السعي لقطع أقدام أمريكا من المنطقة، بل إنها لم تستطع أن تجمّل سمعتها لدى الشعوب، فشاهت صورتها في أعينهم.
بعد هجمات 11سبتمبر.. واصلت أمريكا حربها على الإرهاب، وكان عليها أن توجد بديلاً عن الأنظمة المستبدة في المنطقة، بيد أن الساحة لا يوجد فيها إلا الإسلام السياسي، فأخذت تراهن على نُسَخِه الوديعة، فسلكت مسلك قمع جماعات العنف، ومحاولة تمكين «الإسلام المعتدل»، واستقطاب ناشطي الحقوق؛ حيث عقدت لهم المؤتمرات وورش العمل في الديمقراطية، مما خلق احتقاناً بينهم وبين أنظمتهم الحاكمة. أدت هذه السياسة -مع أسباب أخرى- إلى ثورات الربيع العربي التي أدخلت المنطقة في موجة عارمة من الصراع المدمِّر، مما أدى إلى انهيار أنظمة وتحطم دول، وأصبحت المنطقة مسرحاً لتصفية الحسابات الدولية.
لقد خسر الإسلاميون، وذهب كثيرٌ منهم وقوداً للصراع، وضحيةً للسياسات الدولية المخاتلة التي لا تعرف إلا تحقيق أهدافها. كما لم يتفكك الاستبداد في المنطقة، مما يجعلها عرضة لموجات مرتقبة من العنف، ما لم تتغير خارطة العالم؛ سياسياً واجتماعياً بمعالجة الأوضاع على أساس من القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وحرية الشعوب في اتخاذ مواقفها، وعدم استغلال نشر الديمقراطية لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية. أمريكا خسرت في الرهان كثيراً، في حين أن الصين والروس يواصلان مد نفوذهما عالمياً، مما يجعلها في ظرف عقد أو عقدين في منزلة تالية للصين، وربما منزلة ثالثة بعد روسيا.
المنطقة.. كان لها أيضاً نصيب من هذه المتغيرات الجيوسياسية التي أحدثتها السياسة الأمريكية بعد الهجمات، فقد تمكنت تركيا وإيران من تثبيت أقدامهما في المنطقة، والمفارقة.. أن كلا البلدين متدرعان بالإسلام السياسي الذي تحاربه أمريكا. كما تَحْضُر السعودية كقوة ناهضة خارج سياق الإسلام السياسي، لتستقطب العالم العربي والإسلامي وفق بنية جديدة، لا يمكن نكران صعودها المستمر.
أما إسرائيل فقد كان أمرها بين نقيضين؛ انكشافها أمام المقاوِمة، فباتت تحسب حسابها للعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، في حين تمكنت من إقامة علاقات دبلوماسية مع عدة دول في المنطقة.