مرفأ قراءة... عشر سنوات على رحيله.. درس خيري شلبي
السبت / 3 / صفر / 1443 هـ - 15:43 - السبت 11 سبتمبر 2021 15:43
مع خيري شلبي 2010
- 1 -
عشر سنوات مرت على رحيل الكاتب والروائي خيري شلبي (1938-2011) أو 'العم خيري' كما اشتهر بين أحبائه ومريديه في الوسط الثقافي العربي، الحكاء العمدة الذي كان يتعشق الكتابة ويتنفس أدبًا، وأمضى حياته وهو يتعبد في محرابها، يقدم لها القرابين فمنحته من عطاياها، وأغدقت عليه بما ظلَّ وسيظل مذكورًا خالدًا، نقرأه ويقرأه محبو الأدب وعشاق الكتابة، فلا تنفد المتعة ولا تنقطع الدهشة ولا الفائدة 'الفنية' المتجددة.
توسط خيري شلبي، أو العم 'خيري'، عقد جيله الإبداعي الأشهر، جيل الستينيات الذي ملأ الحياة الأدبية والثقافية إبداعًا وصخبًا، وظل مهيمنًا على خريطة الكتابة المصرية والعربية طوال عقود، متربعًا مكانه ومكانته بين أقرانه؛ إبراهيم أصلان، محمد البساطي، يحيى الطاهر عبد الله، عبد الحكيم قاسم، وجمال الغيطاني، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، وعلاء الديب، وأحمد الشيخ، وجميل عطية إبراهيم.. وآخرين (متع الله الأحياء منهم بالصحة والعافية، ورحم من توفوا منهم).
وربما كان صاحب «رحلات الطرشجي الحلوجي» هو الأغزر إنتاجًا بين كتاب جيله، إن لم يكن أغزرهم على الإطلاق، فلم يدع فنًّا من فنون الكتابة أو ألوان الإبداع إلا مارسه، وساهم فيه بنصيبٍ وافر من الكتب والمؤلفات التي قاربت الـ80 كتابًا.
التقيتُ 'أبو زين' مرات عديدة في مناسباتٍ مختلفة؛ لكن اللقاء الأهم الذي قصدته فيه لإجراء حوارٍ مطول معه حول سيرته الأدبية، ورحلته مع الكتابة، ورؤيته لإبداع الكتاب الجدد كان في صيف العام 2009، وكانت القاهرة قد استقبلت الرئيس الأمريكي الجديد 'آنذاك'، باراك أوباما، حيث ألقى خطابه الشهير في الجامعة..
- 2 -
ذهبت إليه في الموعد الذي حدده في الثامنة مساء في منزله بحي المعادي الراقي، لإجراء الحوار المتفق عليه والذي تحدد محور رئيسي منه حول خطاب أوباما، وتحليله واستكناه دلالاته، كان في استقبالي بثياب المنزل.. «أنا غير مستعد للتصوير الآن»، هكذا بادرني قائلًا، وبعد أن اطمأن إلى أنني وحدي وليس معي مصور، صافحني واصطحبني إلى حجرة مكتبه، فوجئت بأنها في الحقيقة ليست حجرة مكتب بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن، إنما هي مساحة طولية مقتطعة من صالة الاستقبال الفسيحة، جعلها جناحًا فاخرًا شديد التنظيم، مرتبًا بعناية فائقة..
الكتب مرصوصة بجمالٍ يسر الناظرين، كأنها معروضة في أرقى دور عرض للكتب، الإضاءة خافتة بسيطة توحي بأجواء حالمة كأنما تنبعث من ثنايا كتاب «ألف ليلة وليلة»، وعلى الحائط الملاصق للمكتب تتراص عدة صور فوتوغرافية قديمة لكبار مبدعينا؛ نجيب محفوظ، يحيى حقي، صلاح جاهين، وغيرهم.
أسفلها تصطف أعداد ضخمة من 'الأجندات' و'المفكرات' و'الكراريس' متنوعة الأحجام والأشكال، منها ما هو قديم عتيق ومنها ما هو حديث وعصري، وكلها تختزن خلاصة العمر من القراءات والتدوينات والخلاصات، عرفنا فيما بعد أن لها قصة سيرويها لنا صاحبها تفصيليا، وهي في النهاية تمثل الذخيرة الإنسانية الحية التي عكف على استخلاصها طوال حياته، ومنها انطلق ليؤسس فن كتابة 'البورتريه الأدبي' الذي توازى مع كتاباته الروائية والقصصية، وأخرج لنا عدة مجلدات من الكتابة الرائقة العذبة، من أبدع ما يكون، عن شخصيات ونماذج إنسانية ما كان لأحد أن يذكرها أو يتذكرها إلا بما خطه خيري شلبي عنها..
- 3 -
استمر اللقاء حوالي الساعتين، أسأله وهو يجيب، ويتدفق في الحديث بنبرات صوته المميزة، وفصحاه المتدفقة الرصينة، تطرقنا إلى موضوعاتٍ شتى، من أوباما وخطابه، ومحاولة استجلاء المشهد مع رئيس جديد للقوة الأكبر في العالم إلى التواصل مع الأجيال الأدبية الجديدة، ومن المشهد الروائي المعاصر إلى جيل الأساتذة والرواد، وعن القصة القصيرة وكتابة البورتريه الأدبي الذي برع فيه إلى كتابة المقال النقدي.
كنت مستمتعًا بتدفقه واستفاضته، وإبانته عن تصوراته النظرية للكتابة والإبداع، أسمعه طويلًا ثم أستأذنه في مقاطعته كي أستوضحه تفصيلًا عن كيفية كتابته اللوحات القلمية التي كان ينشرها على مدار أعوام في مجلة (الإذاعة والتليفزيون)، يجيبني قائلًا 'أنا أكتب البورتريه من الذاكرة، يعني لا يوجد أحد ممن كتبت عنهم اعتمادًا على شيء خارجي؛ لأنني لا أكتب عن أي شخص والسلام، إنما الشخص هو الذي يفرض نفسه عليّ لكي أكتب عنه، بحضوره وأعماله وقيمته المتوهجة.. أبدًا لم أقل أنني سأكتب عن فلان، وإنما حضور الشخصية وقيمتها في نفسي وذاكرتي هو الذي يجعلني أكتب عنها'.
كان يرى أن الكاتب الحق، لكي يكون صاحب دور حقيقي في الحياة، لا بد أن يكون في خندق واحد مع الناس يعيش آلامهم وأحلامهم، آمالهم وهمومهم، وتصبح الكتابة في هذه الحالة 'فعل مقاومة'.. أما الكاتب الذي ليس له صلة بالناس أو الذي يتعالى عليهم، فهو كاتب غير موجود أصلًا.. يقول 'دور الكاتب في نظري أن يبصر الإنسان بقواه الخفية، ويضع يد القارئ على جوهر هذه القوى، ويساعده على اكتشافها، والإمساك بها وتطويرها'.
- 4 -
قلت له: إنك حكاء شعبي لا يُبارى مفطور على مخاطبة الجماهير منذ نعومة أظفارك، فياضًا كالشلال إِنْ في كتابتك أو في حواراتك وأحاديثك، ما أن يناوشك أحدهم بفكرة هنا أو مسألة هناك إلا وانطلقت هادرًا كالفيضان غامرًا محدثيك بفيض معارفك وخبراتك وحسك الفني والإنساني العميق.. 'من أين يفيض كل هذا يا عم خيري؟'.
'القراءة يا بني، والعيش وسط الناس'.. أجابني، ثم التقط نفسًا عميقًا، وتابع 'كنت قارئًا نهمًا مستوعبًا هاضمًا لكل التراث الإبداعي السابق علي، كما أعتبر نفسي أيضًا قارئًا ممتازًا لجيلي وللأجيال التالية'، شعرت باعتداده الشديد بهذه الخصلة التي كان يرى أنها لازمة من لوازم الحياة، يزيدني نورا ويقول: 'قرأت جيل الرواد الكبار طه حسين والعقاد وهيكل والمازني، ثم الجيل الذي يليه نجيب محفوظ ويحيى حقي، ومن بعدهم فتحي غانم ويوسف إدريس وسعد مكاوي، ثم جيلنا كله بلا استثناء.. أنا أزعم أنني قارئ لجيلي بالكامل، فليس هناك أحد منهم كتب شيئا لم أقرأه، وكذلك من الأجيال التالية لنا والجديدة'.
- 5 -
توقفت قليلًا أمام ما قال، وحدثتني نفسي بمصارحته بأن ليس كل الكتّاب هكذا (خجلتُ من أن أذكر له وقائع وشواهد على أن الكثيرين لا يقرؤون لا إنتاج غيرهم ولا إنتاج أي أحد! وإن ادَّعوا غير ذلك!)، لكنه لم يتركني لنفسي كثيرًا، ووجدته يقول 'الكاتب الذي لا يقرأ جيله يحكم على نفسه بالموت؛ لأن من لا يقرأ جيله جيدًا، سيظل معتمدًا على إمكانياته الذاتية إلى أن تضمر؛ وقراءة الآخر هي منبع من منابع الإشعاع للكاتب، ولأنها أيضًا تستفز ملكاته الإبداعية لكي يقدم الجديد والمختلف والمغاير عن كل هؤلاء، ويحاول أن يتفوق على أقرانه'.
حينها، وبعد أن ألقى في وجهي بدرسه الذهبي، تذكرت أنني توقفتُ أمام التنوع اللافت في أشكال الكتابة التي تعددت وتنوعت في إنتاج السارد الحكاء الكبير، وحاولتُ تفسير هذه الغزارة (راجع مثلًا: «الأوباش»، «الوتد»، «فرعان من الصبار»، «بطن البقرة»، «وكالة عطية»، «صالح هيصة»، «موت عباءة»، «العراوي»، «رحلات الطرشجي الحلوجي»، و«الأمالي»، و«منامات عم أحمد السماك»، «نعناع الجناين»، «لحس العتب»، «إسطاسية».. إلخ)، وفهمت حينها كيف أنجز ما أنجز.. (فهل يستوعب المقبلون الجدد الدرس؟!).. أتمنى!
عشر سنوات مرت على رحيل الكاتب والروائي خيري شلبي (1938-2011) أو 'العم خيري' كما اشتهر بين أحبائه ومريديه في الوسط الثقافي العربي، الحكاء العمدة الذي كان يتعشق الكتابة ويتنفس أدبًا، وأمضى حياته وهو يتعبد في محرابها، يقدم لها القرابين فمنحته من عطاياها، وأغدقت عليه بما ظلَّ وسيظل مذكورًا خالدًا، نقرأه ويقرأه محبو الأدب وعشاق الكتابة، فلا تنفد المتعة ولا تنقطع الدهشة ولا الفائدة 'الفنية' المتجددة.
توسط خيري شلبي، أو العم 'خيري'، عقد جيله الإبداعي الأشهر، جيل الستينيات الذي ملأ الحياة الأدبية والثقافية إبداعًا وصخبًا، وظل مهيمنًا على خريطة الكتابة المصرية والعربية طوال عقود، متربعًا مكانه ومكانته بين أقرانه؛ إبراهيم أصلان، محمد البساطي، يحيى الطاهر عبد الله، عبد الحكيم قاسم، وجمال الغيطاني، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، وعلاء الديب، وأحمد الشيخ، وجميل عطية إبراهيم.. وآخرين (متع الله الأحياء منهم بالصحة والعافية، ورحم من توفوا منهم).
وربما كان صاحب «رحلات الطرشجي الحلوجي» هو الأغزر إنتاجًا بين كتاب جيله، إن لم يكن أغزرهم على الإطلاق، فلم يدع فنًّا من فنون الكتابة أو ألوان الإبداع إلا مارسه، وساهم فيه بنصيبٍ وافر من الكتب والمؤلفات التي قاربت الـ80 كتابًا.
التقيتُ 'أبو زين' مرات عديدة في مناسباتٍ مختلفة؛ لكن اللقاء الأهم الذي قصدته فيه لإجراء حوارٍ مطول معه حول سيرته الأدبية، ورحلته مع الكتابة، ورؤيته لإبداع الكتاب الجدد كان في صيف العام 2009، وكانت القاهرة قد استقبلت الرئيس الأمريكي الجديد 'آنذاك'، باراك أوباما، حيث ألقى خطابه الشهير في الجامعة..
- 2 -
ذهبت إليه في الموعد الذي حدده في الثامنة مساء في منزله بحي المعادي الراقي، لإجراء الحوار المتفق عليه والذي تحدد محور رئيسي منه حول خطاب أوباما، وتحليله واستكناه دلالاته، كان في استقبالي بثياب المنزل.. «أنا غير مستعد للتصوير الآن»، هكذا بادرني قائلًا، وبعد أن اطمأن إلى أنني وحدي وليس معي مصور، صافحني واصطحبني إلى حجرة مكتبه، فوجئت بأنها في الحقيقة ليست حجرة مكتب بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن، إنما هي مساحة طولية مقتطعة من صالة الاستقبال الفسيحة، جعلها جناحًا فاخرًا شديد التنظيم، مرتبًا بعناية فائقة..
الكتب مرصوصة بجمالٍ يسر الناظرين، كأنها معروضة في أرقى دور عرض للكتب، الإضاءة خافتة بسيطة توحي بأجواء حالمة كأنما تنبعث من ثنايا كتاب «ألف ليلة وليلة»، وعلى الحائط الملاصق للمكتب تتراص عدة صور فوتوغرافية قديمة لكبار مبدعينا؛ نجيب محفوظ، يحيى حقي، صلاح جاهين، وغيرهم.
أسفلها تصطف أعداد ضخمة من 'الأجندات' و'المفكرات' و'الكراريس' متنوعة الأحجام والأشكال، منها ما هو قديم عتيق ومنها ما هو حديث وعصري، وكلها تختزن خلاصة العمر من القراءات والتدوينات والخلاصات، عرفنا فيما بعد أن لها قصة سيرويها لنا صاحبها تفصيليا، وهي في النهاية تمثل الذخيرة الإنسانية الحية التي عكف على استخلاصها طوال حياته، ومنها انطلق ليؤسس فن كتابة 'البورتريه الأدبي' الذي توازى مع كتاباته الروائية والقصصية، وأخرج لنا عدة مجلدات من الكتابة الرائقة العذبة، من أبدع ما يكون، عن شخصيات ونماذج إنسانية ما كان لأحد أن يذكرها أو يتذكرها إلا بما خطه خيري شلبي عنها..
- 3 -
استمر اللقاء حوالي الساعتين، أسأله وهو يجيب، ويتدفق في الحديث بنبرات صوته المميزة، وفصحاه المتدفقة الرصينة، تطرقنا إلى موضوعاتٍ شتى، من أوباما وخطابه، ومحاولة استجلاء المشهد مع رئيس جديد للقوة الأكبر في العالم إلى التواصل مع الأجيال الأدبية الجديدة، ومن المشهد الروائي المعاصر إلى جيل الأساتذة والرواد، وعن القصة القصيرة وكتابة البورتريه الأدبي الذي برع فيه إلى كتابة المقال النقدي.
كنت مستمتعًا بتدفقه واستفاضته، وإبانته عن تصوراته النظرية للكتابة والإبداع، أسمعه طويلًا ثم أستأذنه في مقاطعته كي أستوضحه تفصيلًا عن كيفية كتابته اللوحات القلمية التي كان ينشرها على مدار أعوام في مجلة (الإذاعة والتليفزيون)، يجيبني قائلًا 'أنا أكتب البورتريه من الذاكرة، يعني لا يوجد أحد ممن كتبت عنهم اعتمادًا على شيء خارجي؛ لأنني لا أكتب عن أي شخص والسلام، إنما الشخص هو الذي يفرض نفسه عليّ لكي أكتب عنه، بحضوره وأعماله وقيمته المتوهجة.. أبدًا لم أقل أنني سأكتب عن فلان، وإنما حضور الشخصية وقيمتها في نفسي وذاكرتي هو الذي يجعلني أكتب عنها'.
كان يرى أن الكاتب الحق، لكي يكون صاحب دور حقيقي في الحياة، لا بد أن يكون في خندق واحد مع الناس يعيش آلامهم وأحلامهم، آمالهم وهمومهم، وتصبح الكتابة في هذه الحالة 'فعل مقاومة'.. أما الكاتب الذي ليس له صلة بالناس أو الذي يتعالى عليهم، فهو كاتب غير موجود أصلًا.. يقول 'دور الكاتب في نظري أن يبصر الإنسان بقواه الخفية، ويضع يد القارئ على جوهر هذه القوى، ويساعده على اكتشافها، والإمساك بها وتطويرها'.
- 4 -
قلت له: إنك حكاء شعبي لا يُبارى مفطور على مخاطبة الجماهير منذ نعومة أظفارك، فياضًا كالشلال إِنْ في كتابتك أو في حواراتك وأحاديثك، ما أن يناوشك أحدهم بفكرة هنا أو مسألة هناك إلا وانطلقت هادرًا كالفيضان غامرًا محدثيك بفيض معارفك وخبراتك وحسك الفني والإنساني العميق.. 'من أين يفيض كل هذا يا عم خيري؟'.
'القراءة يا بني، والعيش وسط الناس'.. أجابني، ثم التقط نفسًا عميقًا، وتابع 'كنت قارئًا نهمًا مستوعبًا هاضمًا لكل التراث الإبداعي السابق علي، كما أعتبر نفسي أيضًا قارئًا ممتازًا لجيلي وللأجيال التالية'، شعرت باعتداده الشديد بهذه الخصلة التي كان يرى أنها لازمة من لوازم الحياة، يزيدني نورا ويقول: 'قرأت جيل الرواد الكبار طه حسين والعقاد وهيكل والمازني، ثم الجيل الذي يليه نجيب محفوظ ويحيى حقي، ومن بعدهم فتحي غانم ويوسف إدريس وسعد مكاوي، ثم جيلنا كله بلا استثناء.. أنا أزعم أنني قارئ لجيلي بالكامل، فليس هناك أحد منهم كتب شيئا لم أقرأه، وكذلك من الأجيال التالية لنا والجديدة'.
- 5 -
توقفت قليلًا أمام ما قال، وحدثتني نفسي بمصارحته بأن ليس كل الكتّاب هكذا (خجلتُ من أن أذكر له وقائع وشواهد على أن الكثيرين لا يقرؤون لا إنتاج غيرهم ولا إنتاج أي أحد! وإن ادَّعوا غير ذلك!)، لكنه لم يتركني لنفسي كثيرًا، ووجدته يقول 'الكاتب الذي لا يقرأ جيله يحكم على نفسه بالموت؛ لأن من لا يقرأ جيله جيدًا، سيظل معتمدًا على إمكانياته الذاتية إلى أن تضمر؛ وقراءة الآخر هي منبع من منابع الإشعاع للكاتب، ولأنها أيضًا تستفز ملكاته الإبداعية لكي يقدم الجديد والمختلف والمغاير عن كل هؤلاء، ويحاول أن يتفوق على أقرانه'.
حينها، وبعد أن ألقى في وجهي بدرسه الذهبي، تذكرت أنني توقفتُ أمام التنوع اللافت في أشكال الكتابة التي تعددت وتنوعت في إنتاج السارد الحكاء الكبير، وحاولتُ تفسير هذه الغزارة (راجع مثلًا: «الأوباش»، «الوتد»، «فرعان من الصبار»، «بطن البقرة»، «وكالة عطية»، «صالح هيصة»، «موت عباءة»، «العراوي»، «رحلات الطرشجي الحلوجي»، و«الأمالي»، و«منامات عم أحمد السماك»، «نعناع الجناين»، «لحس العتب»، «إسطاسية».. إلخ)، وفهمت حينها كيف أنجز ما أنجز.. (فهل يستوعب المقبلون الجدد الدرس؟!).. أتمنى!