عمان اليوم

تأملات قرانية .. الهجرة في القرآن الكريم

المسجد النبوي
 
المسجد النبوي


عام هجري جديد يطل بأيامه، نستذكر في مطلعه الحدث الإسلامي الأبرز الذي يعتبره المسلمون نصرا في حد ذاته وهو حادثة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، هذا الحدث الذي نقل المسلمين من الاستضعاف أثناء وجودهم في مكة المكرمة على يد كفار قريش إلى عزهم ونصرتهم ومنعتهم في المدينة المنورة، ولو تأملنا في القران الكريم وكيف ذكر قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضوان الله عليه لوجدنا أن القران لم يصرح بلفظ الهجرة في الآية الكريمة من سورة التوبة وإنما ذكر الحدث على انه نصر من الله حيث قال تعالي: ' إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) فهي هجرة أكره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أخرج من مكة أحم البلاد إلى الله حيث قال عليه الصلاة والسلام مخاطبا مكة: ' واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ'.

وإذا أتينا لمسح إحصائي لتقصي ذكر كلمة الهجرة صريحة في القران الكريم لوجدنا أن هذه اللفظة ومشتقاتها ذكرها القران في 22 موضعا مختلفا، في سياقات متنوعة، وهذا يدل على أهمية هذا الحدث على عظم مقام وعلو شأن من قام به واستنه من النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه، حيث رصده القران وأثنى على من قام به، بالإضافة إلى أن القران وضع قواعد وأحكاما تشريعية وفقهية مبنية على هذا الحدث.

ولو حاولنا استظهار بعض السياقات التي ذكر الله فيها الهجرة والمهاجرين نجدها ناضحة بالدلالات والعبر التي تنسج من الحدث نفسه منطلقا يتبعه المؤمنون في سائر العصور.

فنجد القران الكريم يجزل الثواب لمن هاجر في سبيل الله بعد أن أخرج من دياره، وتم إيذاؤهم وقاتلو في سبيل الله وقتلوا وهذا الثواب ذكرته هذه الآية الكريمة في سورة آل عمران: 'فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)'

وقد امتدح الله المهاجرين في آيات كثيرة حيث وصفهم الله بأنهم هم المؤمنون حقا في سورة الأنفال حيث قال تعالى:' وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)'

وقال في حق السابقين منهم في سورة التوبة: 'وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)

كما يقرر القرآن الكريم أن من يهاجر يجد سعة في عيشه ومن هاجر ولم يصل إلى وجهته وذلك لأن الموت أدركه فإن أجره وقع على الله وتقبله الله برحمته ومغفرته حيث يقول الله تعالى في سورة النساء: 'وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)'

وقد قرر القران بعض الأحكام المتعلقة بولاية المسلمين الذين آمنو ولم يهاجروا، وهل يتم نصرتهم وما هي حواجب هذه النصرة في قوله تعالى في سورة الأنفال: 'إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)'

ويقرع القران الكريم على الذين ظلموا أنفسهم ومكثوا في ديار الكفر ولم يستطيعوا الدخول في الدين بحجة أنهم كانوا مستضعفين في تلك الأرض، فقال لهم الله على لسان الملائكة ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها وذلك في سورة النساء حيث يقول الله عز وجل: 'إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)'.

والذي يهاجر في سبيل الله من بعد ظلم وقع عليه فسيفتح الله له في الدنيا سعة ورزقا وسيجد ثمرة هجرته في الآخرة حيث يقول الله تعالى في سورة النحل: 'وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (42)'.

بل وامتدت أحكام الهجرة حتى بلغت مسألة النكاح فلم يحل الله لرسوله أن ينكح بنات خالاته اللاتي لم يهاجرن معه، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: 'يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (50)'.

كما بين القران أن بعض الرسل قاموا بالهجرة ومنهم أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حيث قال الله تعالى في سورة العنكبوت 'فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)'.

وفي سورة الممتحنة نجد الله بنى هذا الامتحان الذي سميت به السورة، بناه على المؤمنات اللاتي أتين مهاجرات من المشركين بأنهن هاجرن ليس لعداوة بينهن وبين أزواجهن أو لأجل أي غرض دنيوي، وان يكون سبب الهجرة خالصا لله ورسوله، فلا تردوهن إلى الكفار حيث يقول الله تعالى :'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)'.

كما أثنى الله على المهاجرين في آيات كثير نستعرض بعضها:

'إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218) البقرة'

'لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) التوبة'

'ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) النحل'

'وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) الحج'

'النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) الأحزاب'

'لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر'

'وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) النور'

فتاوى لفضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عام السلطنة

السائل يقول:

في سورة البقرة قال الله تعالى: 'وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً' تقرر أن الله أراد أن يكون هذا الإنسان خليفة في الأرض، ثم قال بعدما وسوس الشيطان لهما: 'قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا' كيف نوفق بين الآيتين، خلق آدم لإعمار الأرض، خلقه الله في الجنة وبسبب وسوسة الشيطان أنزله إلى الأرض، لنفترض أنه إذا لم يوسوس الشيطان لآدم هل سيمكث في الجنة؟

الجواب

الله تبارك وتعالى خلق آدم عليه السلام ليكون خليفة في الأرض، اريد له أن يكون خليفة في الأرض وأن تكون ذيته من بعده خلفاء في هذه الأرض وكانت المرحلة في الجنة مرحلة إعداد وتربية وتكوين لآدم عليه السلام، وكانت علامة بلوغه حد الاستحقاق لأداء ما خلق لأجله في هذه الأرض أن يحصل تأثير الوسوسة فيه، فبعد ما علمه ربنا تبارك وتعالى الأسماء كلها وبعدما حصل له ما حصل من إعداد وتكوين وتهيئة وتربية جاء التوقيت الذي يصلح فيه آدم عليه السلام الإنتقال إلى مرحلة التكليف في هذه الأرض، وكانت علامة هذا التوقيت الوسوسة من إبليس لآدم عليه السلام وتأثر آدم عليه السلام في تلك المرحلة بتلك الوسوسة، فكان في هذا إيذان بأن آدم عليه السلام وزوجه حواء عليهما السلام صارا مؤهلين للإضطلاع بحقيقة الخلافة في الأرض، والدليل على ذلك في سورة البقرة ربنا سبحانه وتعالى يقول: 'قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا' وهذا هو الأمر بالإهباط إلى الأرض بعدما حصل من تأثير الوسوسة فيهما، 'قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ'، وفي طه قال ربنا تبارك وتعالى: 'قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ' إذن أريد لآدم عليه السلام أن يكون خليفة في الأرض وأن تكون ذريته من بعده مضطلعة بواجب الخلافة مكلفة بعمارة هذه الأرض وبطاعته وعبادته، وكانت علامة الاستحقاق بالاضطلاع لهذه الأمانة والتحمل لهذا التكليف أن يبلغ درجة النضج والكمال في مرحلة الإعداد والتربية والتكوين بأمارة تأثره أو تأثير الوسوسة فيه فأصبح مهيئا وجديرا بإرادة حرة مختارة، وبعلم علمه اياه ربه تبارك وتعالى، وبهدى سيأتيه مصاحبا لإهباطه إلى الأرض وبقاعدة عامة ' فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ' والله تعالى أعلم.

السائل يقول:

هل دعاء 'اللهم اجبرني جبرا يليق بك' من الأدعية المأثورة؟

الجواب

لا.. بهذه الصيغة ليس هذا من الأذكار المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أذكر أنني رأيته منسوبا إلى أحد من السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تابعيهم في القرون الأولى رضوان الله عليهم، الدعاء بصيغة جبر المصاب فهذا ثابت فقد ورد في بعض الآثار ومنها الدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 'اللهم اغفر لي وارحمني 'واجبرني' واهدني وعافني وارزقني' ورد في بعض الروايات، فالدعاء بأن يجبر الداعي ثابت في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن هذه الزيادة 'جبرا يليق بك' هذه الزيادة التي وردت في السؤال لم تثبت، وتركها أولى إذ لو أردنا ان نقيس لكان مثل هذه الصيغة محتاجا إليها في كل دعاء، مثل 'مغفرة تليق بجلالك، ورحمة تليق بجلالك، وعافية تليق بجلالك' فلا حاجة إلى هذا فالأصل في الدعاء والذكر أن يكون مما ورد في كتاب الله عز وجل، أو ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، او ما استنبطه او استخرجه علماء أمناء عارفون من هذه الأصول، مما يتناسب مع معانيها ودلالاتها وضوابطها، وليس منها هذه الزيادة المسؤول عنها، وفيما ورد صحيحا وثابتا غنية وكفاية بإذن الله عز وجل لا سيما وأن مثل هذه الزيادات واضح أنها من صنع جهلة، حتى وإن لبسو لبوس العلم والدعاء والمعرفة، ولكن لا يظهر أنها من أقوال الراسخين في العلم، وتجنبها أولى والاقتصار على ما هو وجود في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما أثر كما قلت مما يندرج في هذه الأصول هو الأولى، هذا والله تعالى أعلم.

السائل يقول:

ما صحة هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار' فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: 'انه كان حريصا على قتل صاحبه' كيف يكونا في النار سواء قاتلا ومقتولا من كان يدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله؟

الجواب

أولا الحديث صحيح لا مطعن فيه، فالحديث رواه الشيخان في صحيحيهما وطائفة من أصحاب السنن والمسانيد، وأما معناه الذي أشكل على السائل ، فإن المقصود به، أي إذا التقى المسلمان جورا وبغيا وظلما وعدوانا من كل واحد منهما فيس المقصود الحالات التي أمر الشارع فيها بالدفاع عن النفس أو العرض أو الحوزة فهذا خارج معنى الحديث ودلالته، المقصود أن تكون إرادة كل واحد من هين المتقاتلين الظلم والبغي والاحتراب دون سبب معتبر شرعا، فكل واحد منهما حريص على قتل صاحبه، فيقتل أحدهما الآخر ظلما وفتكا وبغيا وعدوانا، والآخر كان يعامله بالمثل، لكن كانت كانت إرادة الله عز وجل أن يقتل أحدهما صاحبه، ولذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فلما سأله أصحابه قيل هذا القاتل فما بال المقتول، فقال عليه الصلاة والسلام: 'إنه كان حريصا على قتل صاحبه، فهو يعامله بالمثل بالبغي والعدوان والرغبة في إزهاق الدم دون سبب معتبر شرعا، أما حالة الدفاع عن النفس أو العرض أو المال أو الحوزة فإن قصد المدافع في المقام الأول الدفاع، ويصنع ذلك لأن الله تبارك وتعالى أمره بذلك وشرع له هذا الفعل، وهو مأجور على فعله ذلك فلا يدخل في هذه الصورة، فأن يرد بغي الباغي على سبيل المثال فهذا أمر أباحه الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، فقال: 'وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ' وكذلك جاءة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بالأمر بالدفاع عن هذه المحرمات، لكن قصد المدافع حين إذ ليس هو العدوان على الآخر أو الظلم والبغي لكن هو كف العدوان ومنع البغي وردع هذا الظالم، فهذا هو مقصود لا يقصد أن يفتك به دون سبب معتبر شرعا فهذا هو الفارق، والحديث صحيح، وهذا هو معناه، والله تعالى أعلم.

السائل يقول

هل المشاركة في الاكتتاب العقاري حلال أم حرام؟

الجواب

هذا سؤال فيه غموض وإجمال، ما نوع هذا الاكتتاب، ما شروطه، ما صيغته، ولنبين أكثر ما معنى الاكتتاب، وهو مصطلح معاصر مأخوذ من الكتابة، ويراد به تسجيل تملك شخص لحصص في شركة أو عقار او مشروع معين، ويوثق ذلك كتابة، وهذه المرحلة أخذ منها هذا الوصل للعملية كلها، إذا ما الذي يكتتبون فيه ما استعمال هذا العقار، ما هي شروط تملك هذه الحصص، وكيف سيكون التخارج من بعد، كل هذه الأمور لا بد ان نعرفها كي يقال يجوز الاكتتاب العقاري او لا يجوز؟

والأصل فيه أنه يجوز، لأنه تمل لحصص، لنفترض أن عقارا كان مملوكا لشخص أو لجهة ولغرض ما احتاج إلى سيولة فأتى معه بملاك لحصص بحسب ما يشترون في هذا العقار، ما هي هذه الاشتراطات التي بينهم وما نوع هذه الشركة التي ينشؤونها، كل هذه الأمور لا بد من بيانها لمعرفة الحكم الشرعي والله تعالى أعلم.

السائل يقول

ما هو الحكم الشرعي في البطاقات الإئتمانية التي تقدمها المصارف الإسلامية؟

الجواب

أولا أبشره بأن معيارا جديدا من هيئة المعايير والمحاسبة على المؤسسات الإسلامية المالية سيصدر قريبا، هذا المعيار شامل لكل الاشتراطات والضوابط والأحكام لبطاقات الدفع التي تصدرها المصارف الإسلامية، لا شك أن المسألة من حيث أصلها مسألة معقدة حتى نعترف بذلك، وكان هنالك معيار قديم عملت به أغلب المؤسسات المالية الإسلامية من المصارف والنوافذ أخذت به، وأفتت الهيئات الشرعية فيها، ولذلك الأصل فيه أنها جائزة بالشروط التي كانت ملزمة لاسيما فيما يتعلق بالاستيفاء، وبأحوال التعثر والعجز عن الوفاء، لكن مع ذلك فهي إلى الآن، مبنية على المعيار القديم الذي رآه علماء اجتهدوا وعملوا لدراسة هذه البطاقات ومحاولة تخليصها من الشوائب الموجودة في البطاقات التقليدية وألزموا أيضا المصارف بأنواع من الضوابط والاشتراطات، فأغلب ما هو موجود الآن ومتاح قائم على ذلك المعيار، فلا إشكال فيه، المعيار الجديد هو أكثر انضباطا وأكثر إحكاما وأوسع تناولا لمختلف الأحوال ولأنواع البطاقات التي تصدرها المصارف الإسلامية، هذا والله تعالى أعلم.

السائل يقول

وقف قام به أهالي قبيلة معينة وهي مجموعة من النخيل قليلة العدد متفرقة لا تؤتي أكلها، المغرم يكاد يساوي المردود أو يفوق عنه، كلما زرعنا مفاسلها ماتت كأننا ندور في حلقة مفرغة، ناهيك من شح الراغبين في متابعتها، أرشدونا إلى ما فيه الخير.

الجواب

إن كانت على هذه الصفة، من نها مفرقة، وأن مغارمها أعظم من مغانمها، وأنها لا تحقق مقصود الوقف، فيمك أن ينظر في بيع هذه الأصول التي تعطلت منافعها على أن يشتى بالثمن أصل وقفي آخر، كأن يجمع في مكان واحد، ويكون أكثر ريعا، وأحسن غلة، وأيسر إدارة، فهذا لا مانع منه، لأن فيه مراعات لمصلحة الوقف، على أن يلتزم بشرط الواقف، فإن كانت هذه الأوقاف المتفرقة كانت موقوفة على جهات متنوعة سيكون الوقف الجديد البديل موجها إلى الجهات الموقوف عليها في الأوقاف القديمة، وإن كانت الأوقاف القديمة موزعة أو مفرقة، موقوفة على جهة واحدة فهذا سيجعل الأمر أسهل وأيسر ، فحين إذ لا بد من مراعات أن يكون الوقف الجديد جاريا على الموقوف عليه أصلا من الأوقاف القديمة المبدل منها، ولا ينبغي أيضا الصيرورة إلى بيع هذه الأصول الوقفية المتفرقة، إلا وهنالك إعداد للبديل بحيث لا تطول المدة الزمنية بين بيع الأصول القديمة وشراء أصل وقفي جديد، فلا بد أن يكون عندهم تصور لبديل العوض، وكيف سيعمر، ومتى يتوقعون أن يكون منه الريع والغلة ومن الذي سيشرف عليه، وهل ستكفي الأموال أو لا تكفي فينبغي لهم أن يأخذو في الحسبان كل هذه الأمور قبل أن يصيروا إلى بيع الأصول الوقفية إن لم يمكن إصلاحها وتعظيم منافعها، فحين إذن تقدم مصلحة الوقف، وفي ظني رأينا كثيرا من النخيل المفرقة التي تكون في وسط مزارع الناس أنها تهمل، ويصعب على وكيل الوقف أن يدخل في أملاك خاصة لإصلاح هذه النخيل والقيام برعايتها ولجني ثمارها كما يجد صاحب المزرعة مشقة وتصيبه مذمة في وجود بعض نخيل الوقف في وسط ماله، أو مزرعته فحين إذ يكون هذا التصرف محققا لمصالح كل الأطراف، والمصلحة المقدمة هنا لا شك هي مصلحة الوقف، وهي مصلحة راجحة في مثل هذه الصور، لكن اتخاذ مثل هذا الإجراء ينبغي أن يكون بعد الإيعاز إلى الجهات المعنية، هذا والله تعالى أعلم.