أفكار وآراء

أيام الأعياد العظيمة

محمد جميل أحمد -

يأتي العيد؛ لاستعادة الفرح وتجديده، ففي الأعياد ليس بوسع الناس الفرح فحسب، بل وكذلك صناعة هذا الفرح من العدم، حتى في غيابه عن أحوال الناس؛ كحال هذه الأزمنة التي تعيش فيها كثير من بلدان المنطقة العربية أزمات متلاحقة، وغياباً للاستقرار، ومواعيد مع حروب محتملة، وأخرى متجددة!

صناعة الفرح في العيد قيمة تهب المحبطين روحاً، فعلى الأقل، هناك فرحة مستحقة للعيد نراها في عيون أطفالنا لتكون حافزاً لنا للفرح، ففرح الأطفال هو سر الأعياد، ومعنى المسرات العابر منذ أن تجلى في اللحظة التأسيسية لعيدي المسلمين مع بدئها العظيم (عيد الفطر، وعيد الأضحى)، فأيام العيد المتجددة في التاريخ كانت من القوة والعنفوان، بحيث جعلت أثرها العظيم طاقة متجددة، تجدد مهرجانَ الفرح الأعيادي متلألئا في أشد الأوقات حلكة وظلمة.

لقد كان العيد- ومازال- موعداً مع الفرح باتجاه الفرح، مهما كانت الأحزان عامة وقاتمة، لهذا فهو طاقة أمل لابد منه لاستمرار الحياة في أحلك الأوقات.

والعيد، في تشريعه الديني هو كذلك طقس دنيوي بامتياز؛ لأن إرادة حب الحياة والتفنن في إعلان ألوان العيش فيها مقصودة لذاتها، فإذا كان عيد الفطر تعبيرا عن فرح الصائم لعودة الحياة الطبيعية في الاحتفاء بالأكل والشرب الدائمين بعد صيام شهر كامل، وإعلان الفرح بعودة الأكل والشرب في الحياة إلى طبيعتهما، فإن عيد الأضحى، هو إضافة في ألوان العيش وزيادة فيها مع إشاعة لروح التعاون والتكافل، فعيد الأضحى هو بمثابة لحظة عامة للحياة والعيش فيها بألوان زائدة من الأكل والشرب فيه مقصودين لذاتهما، كما جاء في الحديث النبوي، عن أيام التشريق بأنها «أيام أكل وشرب وذكر لله».

إن عيد الأضحى، بصورة من الصور، تذكيرٌ بحياة مشتركة في الأكل والشرب وإشاعة لها بأسلوب الاحتفال وروح التعاون، ولهذا فهو بكونه طقساً اجتماعياً وذكرى متجددة للأيام العظيمة التي عاش فيها المسلمون أكبر لحظات الفرح، سيكون باستمرار طاقة دافعة ومحفزة لاستجلاب ذلك الفرح من أعماق الحزن، واستنهاض الأمل من غياهب الإحباط. في كل عيد معجزة صغيرة للفرح، فرح اللحظة، أو فرح المشاركة الوجدانية للأطفال، أو فرح الذكرى المستعادة من أيام ماضية لزمن جميل في الأعياد، فالفرح بكل وجوهه هو الذي يطرد عنا غبار الأحزان ولو للحظات. إن العيد، بحسبانه دعوة سعيدة لتجديد الاحتفال بالعادات اليومية للحياة في الأكل والشرب، هو في وجه من الوجوه دعوة لاستمرار الحياة ذاتها باعتبارها قيمة تستحق أن تعاش مع كل ألوان البلاء، حتى ولو كانت الحياة في أشد لحظاتها حلكةً وقسوة واكتئاباً. فعظمة الأعياد ليست في كونها دعوة لاستعادة الذكريات السعيدة فحسب، بل هي كذلك دعوة لاجتراحها حتى في أسوأ الظروف وأشدها حرجاً، لهذا فإن قوة الأعياد وطاقاتها المعبأة بالفرح هي ضرورة لتوازن الحياة، واستعادة زمامها واستئناف مشروعها في الحرص على الثبات والتمسك بصناعة القيم العليا للحياة، القيم التي تليق بإنسانية الإنسان، مهما بدت تلك القيم، في بعض الأحوال والأزمنة بعيدة المنال وعصية عن التحقق!

العيد وعد بعودة مستمرة للفرح، وأيام في تاريخ الإنسان مخصصة للمسرات المطبوعة والمصنوعة، و مهما كانت هذه المسرات غائبة عن الحياة، تذكرنا الأعياد بأن حياتنا العابرة تستحق الفرح حتى ولو كان هذا الفرح غائباً عن يوميات حياتنا الراهنة في مرحلة من مراحلها، فحياة الإنسان في هذه الأرض بوصفها ألواناً مستمرة من البلاء تستحق مرور الأعياد عليها لتذكير الإنسان دائماً بأن هناك فرحا عظيما كان في حياته وسيكون.

المسرات والأحزان من لوازم الحياة، بل هي ألوان لا يمكننا أن نعرف حقيقة الحياة بدونها، فلن يعرف طعم الفرح من لم يمر بالحزن، ولا يعرف طعم الحزن من لم يدرك الفرح؛ إذ تمر بنا -بالضرورة- فهي تختبر قدراتنا على مواجهة الظروف مهما كانت صعبةً وقاسيةً ومحبطة.

الحياة هبة عابرة، والإنسان فيها إن لم يكن منتجاً للمعنى فلن يكون لوجوده قيمة مضافة، وإنتاج المعنى مرتبط، وجوداً وعدماً، بتحقيق القيم العليا لإنسانيته؛ لهذا تأتي الأعياد لتذكرنا بأن يوميات حياتنا قيمة في ذاتها ما دمنا حريصين على التمسك بالقيم العليا وتجديدها؛ حتى في أحلك الظروف، تلك هي قيمة: كرامة الإنسان!