كتابات عُمانية مُبكرة: قراءة في دفتر ومدونات الشيخ هاشل بن راشد المسكري (1895- 1968م)
الثلاثاء / 2 / ذو الحجة / 1442 هـ - 14:40 - الثلاثاء 13 يوليو 2021 14:40
1694452
- دفتر الشيخ هاشل قيمة وثائقية، وانعكاسٌ لشخصية أدبية تعي قيمة الشعر ودوره
- الدفتر وعاءٌ حافظٌ لنصوص عُمانية نادرة أهمها قصيدة القاضي سليمان بن سالم بن مسعود الكندي
- تناسق الخطوط المنقوشة بأيدي نسَّاخ مهرة سمةُ الدفتر وروحه النابضة بالشعر والنظم معاً
إعداد الدكتور - محسن بن حمود الكندي -
إنَّ الكثرةَ المطلقة من وثائق الشيخ هاشل بن راشد المسكري ومخطوطاته تحيلُ إلى مكانته التاريخية والثقافية والاجتماعية الوطنية ليس في محيطه الاجتماعي ولاية إبراء وما حولها، فحسب وإنما في وطنه العُماني قاطبة، ومهجره الإفريقي خاصة، فالشيخ هاشل شخصية اعتبارية انتجتْ فعلا ثقافياً يمكن تجليته من خلال خطابه الصحفي المبثوث في صحيفة ' الفلق'، أو ثنايا الصحف المهجرية الأخرى، وقد تناولناها مفصلا في كتابنا 'الصحافة العمانية المهاجرة وشخصياتها'.
أمّا ما بقي من إنتاجه المخطوط، فقد وجدناه في مدوناته الخاصة التي تركها في خزائن معاصريه، ولم نعثر عليها إبان تأليفنا لذلك الكتاب الذي صدرت منه حتى الآن طبعتان، ويمكننا استدراكه في هذا المقال الذي سنتناول فيه دفتره الثقافي الذي دوّن فيه كثيراً من المعلومات والتقييدات الخاصة والعامة.
أولا: الإطار المادي الدفتر
حصلنا على نسخة مصوّرة من هذا الدفتر من خزانة الشيخ هاشل قبل عشرين عاماً وتُبدي هيئته وحالته نوعاً من التماسك رغم مرور السنين مع بعض التآكل، وهو دفتر سميكٌ يتكون من مائة وتسعين صفحة من القطع الطويل 'الفلوسكاب'، كُتِب بخطوطٍ مختلفة وبلونين: هما الأسود الغامق، والأحمر القاني، وهذه الخطوط بعضها للشيخ هاشل نفسه، والبعض الآخر لنسّاخ مهرة ومثقفون وشعراء وقراء عُرفوا في ذلك الوقت ومن بينهم: محمد بن سالم الفزاري المسقطي، وسليم بن سالم بن خميس البوسعيدي، والقاضي الشيخ خالد بن مهنا البطاشي إبان إقامته وسكناه في علاية إبراء.
وتفاوتُ خطوطِ هذا الدفتر يَعطي الانطباع عن كونه ليس مكتوبا مرة واحدة بل تناقلته الأيدي قراءة وإضافة وتم بموجبها نسخ مادته تبعاً لمقتضيات الحال ومستوجبات المرحلة وظروف القراءة في تلك الفترة مع حرصِ صاحبه الشيخ هاشل أن يكون دفتره مجوّداً في محتواه وشكله.
ثانيا محتويات الدفتر: يمكن تصنيف المحتويات الدفتر في موضوعات سياسية وأخبار ونصوص شعرية وأراجيز نظمة وجاءت على في الأنماط الآتية:
أولا: تقييدات مجتمعية نحصرها في الأخبار الاجتماعية والسياسية، ونقول الكتب تناولناها مفصلا في كتابنا 'الصحافة العُمانية المهاجرة وشخصياتها'.
ثانيا: قصائد شعرية، دُوّنت في الدفتر لشعراء ينتمون إلى الوسط الثقافي العُماني قاطبة والمهجري خاصة، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ - شعر الشيخ هاشل، ويتنوّع بين محاولاته النظمية، التي أحطنا بها في فصل مستقل من كتابنا السابق، ونشير إلى أن الشيخ هاشل شاعر يقرض الشعر استجابة لرغبات مجتمعه، وشعره جلّه في غرض الإخوانيات والتواصل الاجتماعي، وتبرز فيه نزعات فنية كالمُخَمَّسات والتشطيرات وغير ذلك، ومن نماذجه الفريدة النادرة بيتان غزليان هما:
أني لأهوى الوَصْلَ في كلِّ ساعةٍ
ولستُ أرى عن ذي المقام نُزُوحا
ولكنَّ حجّاباً على كلِّ مصرع ٍ
ولستُ مُجاباً إن أردت فتوحا
وأهم ما يتضمنه هذا الدفتر قصائد مختارة من الشعر العماني، وقد وثقها الدفتر وفق ذوق صاحبه، وترجع أهميتها في تقديرنا إلى كونها كتبت لتقرأ ويستمع إليها المحيط الاجتماعي في سهراته المجتمعية، وهي عادة ما يقرأها قارئ حاذق، ونجملها حسبما وردت في الجدول الآتي:
- بيت قاله ناصر الصبحي في قضية إيقاف صحيفة ' الفلق' الزنجبارية ومحاكمة كتّابها والزج بهم في قضية توقفت إثرها الصحيفة لمدة عام كامل من يونيو 1954م وإلى يونيو 1955م:
قد قامت الحربُ على سَاقِها
حتى الكتّابَ في المحكمة
فأجابه الشيخ أحمد بن حمدون الحارثي:
ما قامتِ الحربُ على سَاقِها
أخشى عليكَ الحَصْرَ والعَلثمة
فاللهُ مع كلِّ امرئ مسلمٍ
والنّصرُ عند الفئة المسلمة
وإن سيفَ الحق في وقفةٍ
يقطعها بضربةٍ مؤلمة
وهكذا شأنُ امرئ همّه
أن تبقى في أمته المكرمة
يا ذلّ الهجمة في قومه
تفديكَ منهم أنفس قيمة
لا زلت في أوجِ العُلى راقيا
توصينا بالوحدةِ والمَرْحَمة
- قصيدة مُخمّسة للشيخ خالد بن هلال الرحبي، بخط الشيخ هاشل، وتقع في خمسة مقاطع وقد خمس فيها قصيدة الشاعر الاندلسي محمد بن هاني أو كما يسميه ' متنبي الغرب '، ومن مقاطعها:
كفّي لحاظك عن كثيب فيكِ
يكفيك ما فعلت به يكفيك
بالله ما أسْطى على باغيكِ
فتكات لحظك أم سيوف أبيك
وكؤوس خمر أم مراشف فيك؟
- قصيدة الشيخ خالد بن هلال الرحبي بمناسبة سفر 'مشام' الجماعة المساكرة إلى وادي 'دما' بشرقية عُمان لإصلاح شأن أهله في قتيل بينهم سنة 1357هـ '، وقصيدة نادرة لأبي مسلم البهلاني، وتبلغ عدد أبياتها اثنين وعشرين بيتا، وتعد هذه القصيدة من نوادر قصائد أبي مسلم إن صحت نسبتها، وطالعها:
سلامٌ على القائم ِالمرتضى
واتحفَهُ الله منه الرضا
- قصيدة طريفة للشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري،و يقول الشيخ هاشل 'إن أبا مسلم ذيلها في ستة أبيات' ومن المعروف حجم العلاقة بين أبي مسلم والشيخ سيف بن سالم، فهما صديقان حميمان وفق ما كشفته المدونة الوثائقية الخاصة بهما ، تقول أبيات هذه القصيدة الغرامية التي تبلغ أبياتها انثي عشر بيتا طالعاها:
مُعذبتي لا تهلكي الصبَّ إنه
خضوع لأحكام الغرام أسيرُ
مُعذبتي في الحب رفقاً فإنني
إلى تلفٍ مما بتليتُ أصيرُ
- ثم شطرها الشيخ محمد بن خميس البرواني قائلا:
مقيمٌ على العهد القديم وإن نأت
معاهد وجدي ما أقام ثبيرُ
أروح وأغدو في هواكم متيماً
فدمعي طليق والفؤاد أسيرُ
وقصائد أخرى في الإخوانيات من مثل قصيدته ' السرّ أخفى برجال السرّ ' التي أرسلها كما ورد في فاتحتها ص 173 ' أنه أرسلها إلى الشيخ مسعود بن سالم بن هاشل المسكري ' وكذلك قصيدة غزلية لأبي مسلم البهلاني، تبلغ أبياتها عشرة أبيات وطالعها، وغيرها من القصائد الكثيرة تضمنها دفتره.
كما وجدنا بهذا الدفتر قصائد غزلية للشيخ عبدالله بن سعيد الخليلي من بينهما: 'أشفي قلبي بكمود' و28 بيتاً، وأخرى لشيخ البيان أبي نذير محمد بن شيخان 'هبّي فقد طلع النهار '25 بيتاً ، وقصيدة 'خليلي ما للنفس هاجَ غرامها' ، و' لا يزال الحق فينا مذهبا' ، وقصيدة 'في نور طلعته أو نار وجنته' ، و قصيدة 'ما القلب إلا من تقلب دائه' وقصيدة 'أطلعة شمس أم مبادي جماله' وقصيدة 'لي جانب السفح أوطارٌ وأوطانُ' و 'وقصيدة' حبُّ الغواني عن البلدان أغناني'.
وقد وردت هكذا، وأصلها عن الولدان أغناني 'هذه القصائد الأخيرة كلّها بخط سليم بن سالم بن خميس السالمي، وتشكل حجماً كبيراً من ديوان ابن شيخان المطبوع وهي قصائد معروفة ومشهورة ، ولعلها تبين أن الشيخ هاشل كان إلى شعر ابن شيخان أقرب.
*- تخميسات الشيخ القاضي خالد بن مهنا البطاشي: وهي تخميسات كتبت تلبيةً لطلب الشيخ هاشل وخطّها الشيخ خالد بنفسه بخطه إبان إقامته بعلاية إبراء وتعدّ إضافة نوعية لديوان الشيخ خالد غير المطبوع، وترد في الدفتر بكثافة ودون انقطاع عبر صفحات الدفتر( 157- 159) ونورد منها ما يلي:
الأولى: ثلاثة مقاطع بمناسبة قدوم الشيخ هاشل إلى وطنه إبراء وأصل بيتها الأول لأبي الطيب المتنبي ومنها:
بقدومكم لبست بلادكم الهنا
ابرا فتاهت بهجة وتلوّنا
وغدت من الأفراح راقصة بنا
لما قفلت من السواحل نحونا
قفلت إليها وحشة من عندنا
الثانية: مقطعان بمناسبة طلب الشيخ هاشل تخميس بيتين للشيخ محمد بن عيسى الحارثي
بان وقلبي بالنوى عذْبا
منْ كانَ أُنْسي في زمان الصّبا
بالله برّد لوعتي بالنبا
سألتكَ الله نسيمَ الصَّبا
أين استقرتْ بعدنا زينبُ
الثالثة: خمسة مقاطع نظمها القاضي خالد البطاشي استجابة لطلب الشيخ هاشل منها:
لئن كان بذلُ المالِ في المجد مأثما
فإني بذلتُ الوفرُ فيه تكرّما
لتكفني قوتي متى صرت مُعْدَما
يعيرني بالدين قومي وإنما
ديوني في أشياءٍ تكسبُهنًّ مجدا
الرابعة : عشرة مقاطع يقول الشيخ خالد بتواضع 'أنه نظمها مرتجلا إسعافاً لطلب الشيخ هاشل بن راشد المسكري وإن لم يكن لهذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان' ومنها قوله:
أرى عن هذا الورى لي أسلما
وإن التجافي عنهمُ كيف مغنما
ولما روني عنكم متكتِّما
(يقولون لي فيك انقباض وإنما
روا رجلاً عن موقف الذل أحجما)
- قصائد محاورة ومجاراة بين شعراء زنجبار' حول لبس العمامة واللباس العربي والألبسة الإفرنجية الطارئة على زنجبار، وقد بدأها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الكندي بقصيدته ' القائلة أبياتها:
إن العَمَامةَ تاجُ العُرْب قد وردا عن النبي حديث صحَّ مستندا
وجاء أيضاً حديث الاعتماد بها يزيد في الحلم فاسلك فيه نهج هُدى
واعتمَّ من قبل خير الخلق قاطبة وصحبه أترد الحق حين بدا؟
ملائك النصر في بدرٍ لقد نزلوا لهم عَمائم سيما أمرها حُمِدا
فانعمْ بها لبسة إن كان لابسَها مطهّر القلب شهما حازما جلدا
إن كنتَ متبعُ الحق اقتده بهمُ ولا تجادلْ ببطلٍ واترك اللًّدَدَا
ثم شاركه أبو البركات محمد بن ناصر اللمكي بقصيدة نادرة تبلغ أبياتها خمسة عشر بيتاً، قال عنها الشيخ هاشل :' نقحها الشيخ العلَّامة قسور بن حمود الراشدي '، وجاءت على غير قافية الشيخ الكندي، ومنها قوله:
ما للعمامةُ والأثوابَ تلبسها كلٌّ يرى واضحاً نهجاً من اللقمِ
قد كان تاجاً لذي فضل وذي شمم في الدهر مشعا لهم وضاء للأمم
فالتاجُ علمكمُ والعلمُ تاجكمُ والثوب يلبسكم تاجاً من الوهم
رفقاً خليليَّ من تفنيد قولكما قلباً يقطِّعه التفنيد بالكَلمِ
- كما شاركهم الشاعر صالح بن علي الخلاسي بقصيدة بلغت أبياتها عشرين بيتاً طالعها يقول: -
لبسُ العمامة ما به من باسِ فإذا لبست فأنت خير الناسِ
هي لبسةُ المُختارِ بعد وصحبه والتابعين هنالك الأكياس
ولباس هاتيك الملوك أولي العلى أعني ملوك العرب أهل الباس
- وختم هذه المحاورة الأستاذ سليمان بن عمير الفلاحي بقصيدة وردت في الدفتر بعنوان ' البلاء موكل بالمنطق ' وعدد أبياتها ثمانية وعشرين بيتاً، وجاءت في الرد على علي الشاعر صالح بن علي الخلاسي، وطالعها يقول:
دع الملامَ وخلّ الكأسَ للحاسي واسلكْ هُديت طريقَ الرشدِ للناسِ
وانظر مليّا إلى قولي على مهَلٍ ولا تخصَّ في مقالي غير حسّاسِ
شيخي الخلاسيَّ ترمي بالتجسس مِنْ لم يدره قط أنتَ اليومَ ذو باسِ
ويبدو أن هذه القصائد الأربع غير متسقة القوافي والأبحر، وأن موضوعها مرتبطٌ بالإنكار على شخص معين لبِسَ البطال واستبدله بالعمامةِ التي يعتبرها العرب فخراً لهم، وقد التفت الأستاذ أحمد الفلاحي إلى ذلك في كتابه بطين ص 90 حين تناول قصيدة سليمان بن عمير قائلا ' إن الحوار يدور حول شخص بذاته يرتدي العمامة البيضاء، ويرتكب الأفعال القبيحة، ولهذا أنكر عليه الخلاسي ذلك وأن عليه بالظاهر وليس المخفي، ومن هنا جاءت غضبة الفلاحي لاتهامه بالتجسس '.
ويبدو أن سائر الحوار في القصائد كلها يدور حول تأكيد أهمية العمامة ومكانتها لدى الشخصية العربية، وهي انعكاس لسمت الشخصية ونقاء صورتها كما يرى أصحابها.
وبعد : فهذا الدفتر التاريخي يرصد حركة الشعر ويقدّم طريفه ونوادره من منطلق المعاصرة وأحيانا التوارد والسماع والنقل، عاكساً بذلك ذوق صاحبه الأدبي في الانتقاء والاختيار، وله في ذلك آلياته ومحدداه لعل أهمها ما يناسب الذوق الجمعي للقارئ والمستمع، فقصائده كُتبت لتقرأ، وتلقى في منصة اجتماعية هي المجالس التي تعقد فيها ندوات المجتمع اليومية وكانت حوزة السبلة إحدى أهم منصاته، يتأكد ذلك حين نكتشف أن الدفتر يركز على شعراء محليين من دائرة الوسط الاجتماعي من مثل :القاضي خالد بن مهنا البطاشي ،والشيخ محمد بن عبدالله المصلحي، والشيخ جابر بن علي المسكري، والشيخ محمد بن عيسى الحارثي. كما لا تغيب عنه المنصات المهجرية التي يؤمّها الشيخ هاشل ويحظى بقبول فيها، باعتباره شيخا قبلياَ له أهميته في تكوين العلاقات الثقافية بجانب العلاقات الاجتماعية وإقامة مجالس القراءة إحدى أهم تجلياتها، وهو كاتبٌ محرر لصحيفة الفلق، وقلمه سيّال فيها ، لهذا لا نستغرب حين نرى تركيز الدفتر على قصائد لشعراء ينتمون للوسط المهجري الزنجباري شأن: قسور بن الراشدي ،والشيخ عبدالرحمن بن محمد الكندي ،وصالح بن علي الخلاسي، وسليمان بن عمير الفلاحي، أبو البركات محمد بن ناصر اللمكي.وسليمان بن عمير الفلاحي ،.فهؤلاء كلهم من شعراء زنجبار.
وبين هذين الوسطين الجغرافيين - اللذين يدور في فلكهما الدفتر- تحضر القصائد الأشهر للشعراء العمانيين شأن أبو مسلم البهلاني وابن شيخان كونهما مدرستين يتوزع القراء العمانيون في الانتماء إليهما، وإن قلنا تحبيذ إحداهما على الأخرى فلا نجانب الصواب.
الدفتر بما قدَّمه يمثل عصارة وعي ثقافي مبكر، وقيمته تكمن في حفظه للشعر العُماني، وتقديم شعرائه بقصائد نادرة شأن قصيدة أبي مسلم البهلاني التي لم نجد لها ذكراً إلا في هذا الدفتر، ومخمسات القاضي خالد بن مهنا البطاشي وقصيدة القاضي سليمان بن سالم بن مسعود الكندي ،كما لم ينس الدفتر أولئك الذين حظهم من الشهرة لقلة قصائدهم ، فقد عرّف بهم ونمّى مواهبهم وحفزهم على الكتابة الشعرية والإبداع ؛ لإن الدفتر وسيلة إعلام متحركة تتوزع بين الإخبار والإشهار، وتنتقل بين مناطق جغرافية متباعدة وتعبر الأقاصي والأباعد لتصل إلى زنجبار كلها بفعل حركة الدفتر وتداوله بين الأيادي، وقراءته بألسن مجيدة وأصوات حاذقة... وهو في الأخير سجلٌ شعريٌّ حفظَ أنماطاً فريدة ممن الإبداع المعاصر، وضمّ قصائد لشعراء مجهولين وأخرى لشعراء مُقلين، وقد زانه حضورُ النسّاخ العُمانيين بخطوطهم ونقوشهم، فبدا خريدة نفيسة من خرائد الدهر لا تقدر بثمن.
- الدفتر وعاءٌ حافظٌ لنصوص عُمانية نادرة أهمها قصيدة القاضي سليمان بن سالم بن مسعود الكندي
- تناسق الخطوط المنقوشة بأيدي نسَّاخ مهرة سمةُ الدفتر وروحه النابضة بالشعر والنظم معاً
إعداد الدكتور - محسن بن حمود الكندي -
إنَّ الكثرةَ المطلقة من وثائق الشيخ هاشل بن راشد المسكري ومخطوطاته تحيلُ إلى مكانته التاريخية والثقافية والاجتماعية الوطنية ليس في محيطه الاجتماعي ولاية إبراء وما حولها، فحسب وإنما في وطنه العُماني قاطبة، ومهجره الإفريقي خاصة، فالشيخ هاشل شخصية اعتبارية انتجتْ فعلا ثقافياً يمكن تجليته من خلال خطابه الصحفي المبثوث في صحيفة ' الفلق'، أو ثنايا الصحف المهجرية الأخرى، وقد تناولناها مفصلا في كتابنا 'الصحافة العمانية المهاجرة وشخصياتها'.
أمّا ما بقي من إنتاجه المخطوط، فقد وجدناه في مدوناته الخاصة التي تركها في خزائن معاصريه، ولم نعثر عليها إبان تأليفنا لذلك الكتاب الذي صدرت منه حتى الآن طبعتان، ويمكننا استدراكه في هذا المقال الذي سنتناول فيه دفتره الثقافي الذي دوّن فيه كثيراً من المعلومات والتقييدات الخاصة والعامة.
أولا: الإطار المادي الدفتر
حصلنا على نسخة مصوّرة من هذا الدفتر من خزانة الشيخ هاشل قبل عشرين عاماً وتُبدي هيئته وحالته نوعاً من التماسك رغم مرور السنين مع بعض التآكل، وهو دفتر سميكٌ يتكون من مائة وتسعين صفحة من القطع الطويل 'الفلوسكاب'، كُتِب بخطوطٍ مختلفة وبلونين: هما الأسود الغامق، والأحمر القاني، وهذه الخطوط بعضها للشيخ هاشل نفسه، والبعض الآخر لنسّاخ مهرة ومثقفون وشعراء وقراء عُرفوا في ذلك الوقت ومن بينهم: محمد بن سالم الفزاري المسقطي، وسليم بن سالم بن خميس البوسعيدي، والقاضي الشيخ خالد بن مهنا البطاشي إبان إقامته وسكناه في علاية إبراء.
وتفاوتُ خطوطِ هذا الدفتر يَعطي الانطباع عن كونه ليس مكتوبا مرة واحدة بل تناقلته الأيدي قراءة وإضافة وتم بموجبها نسخ مادته تبعاً لمقتضيات الحال ومستوجبات المرحلة وظروف القراءة في تلك الفترة مع حرصِ صاحبه الشيخ هاشل أن يكون دفتره مجوّداً في محتواه وشكله.
ثانيا محتويات الدفتر: يمكن تصنيف المحتويات الدفتر في موضوعات سياسية وأخبار ونصوص شعرية وأراجيز نظمة وجاءت على في الأنماط الآتية:
أولا: تقييدات مجتمعية نحصرها في الأخبار الاجتماعية والسياسية، ونقول الكتب تناولناها مفصلا في كتابنا 'الصحافة العُمانية المهاجرة وشخصياتها'.
ثانيا: قصائد شعرية، دُوّنت في الدفتر لشعراء ينتمون إلى الوسط الثقافي العُماني قاطبة والمهجري خاصة، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ - شعر الشيخ هاشل، ويتنوّع بين محاولاته النظمية، التي أحطنا بها في فصل مستقل من كتابنا السابق، ونشير إلى أن الشيخ هاشل شاعر يقرض الشعر استجابة لرغبات مجتمعه، وشعره جلّه في غرض الإخوانيات والتواصل الاجتماعي، وتبرز فيه نزعات فنية كالمُخَمَّسات والتشطيرات وغير ذلك، ومن نماذجه الفريدة النادرة بيتان غزليان هما:
أني لأهوى الوَصْلَ في كلِّ ساعةٍ
ولستُ أرى عن ذي المقام نُزُوحا
ولكنَّ حجّاباً على كلِّ مصرع ٍ
ولستُ مُجاباً إن أردت فتوحا
وأهم ما يتضمنه هذا الدفتر قصائد مختارة من الشعر العماني، وقد وثقها الدفتر وفق ذوق صاحبه، وترجع أهميتها في تقديرنا إلى كونها كتبت لتقرأ ويستمع إليها المحيط الاجتماعي في سهراته المجتمعية، وهي عادة ما يقرأها قارئ حاذق، ونجملها حسبما وردت في الجدول الآتي:
- بيت قاله ناصر الصبحي في قضية إيقاف صحيفة ' الفلق' الزنجبارية ومحاكمة كتّابها والزج بهم في قضية توقفت إثرها الصحيفة لمدة عام كامل من يونيو 1954م وإلى يونيو 1955م:
قد قامت الحربُ على سَاقِها
حتى الكتّابَ في المحكمة
فأجابه الشيخ أحمد بن حمدون الحارثي:
ما قامتِ الحربُ على سَاقِها
أخشى عليكَ الحَصْرَ والعَلثمة
فاللهُ مع كلِّ امرئ مسلمٍ
والنّصرُ عند الفئة المسلمة
وإن سيفَ الحق في وقفةٍ
يقطعها بضربةٍ مؤلمة
وهكذا شأنُ امرئ همّه
أن تبقى في أمته المكرمة
يا ذلّ الهجمة في قومه
تفديكَ منهم أنفس قيمة
لا زلت في أوجِ العُلى راقيا
توصينا بالوحدةِ والمَرْحَمة
- قصيدة مُخمّسة للشيخ خالد بن هلال الرحبي، بخط الشيخ هاشل، وتقع في خمسة مقاطع وقد خمس فيها قصيدة الشاعر الاندلسي محمد بن هاني أو كما يسميه ' متنبي الغرب '، ومن مقاطعها:
كفّي لحاظك عن كثيب فيكِ
يكفيك ما فعلت به يكفيك
بالله ما أسْطى على باغيكِ
فتكات لحظك أم سيوف أبيك
وكؤوس خمر أم مراشف فيك؟
- قصيدة الشيخ خالد بن هلال الرحبي بمناسبة سفر 'مشام' الجماعة المساكرة إلى وادي 'دما' بشرقية عُمان لإصلاح شأن أهله في قتيل بينهم سنة 1357هـ '، وقصيدة نادرة لأبي مسلم البهلاني، وتبلغ عدد أبياتها اثنين وعشرين بيتا، وتعد هذه القصيدة من نوادر قصائد أبي مسلم إن صحت نسبتها، وطالعها:
سلامٌ على القائم ِالمرتضى
واتحفَهُ الله منه الرضا
- قصيدة طريفة للشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري،و يقول الشيخ هاشل 'إن أبا مسلم ذيلها في ستة أبيات' ومن المعروف حجم العلاقة بين أبي مسلم والشيخ سيف بن سالم، فهما صديقان حميمان وفق ما كشفته المدونة الوثائقية الخاصة بهما ، تقول أبيات هذه القصيدة الغرامية التي تبلغ أبياتها انثي عشر بيتا طالعاها:
مُعذبتي لا تهلكي الصبَّ إنه
خضوع لأحكام الغرام أسيرُ
مُعذبتي في الحب رفقاً فإنني
إلى تلفٍ مما بتليتُ أصيرُ
- ثم شطرها الشيخ محمد بن خميس البرواني قائلا:
مقيمٌ على العهد القديم وإن نأت
معاهد وجدي ما أقام ثبيرُ
أروح وأغدو في هواكم متيماً
فدمعي طليق والفؤاد أسيرُ
وقصائد أخرى في الإخوانيات من مثل قصيدته ' السرّ أخفى برجال السرّ ' التي أرسلها كما ورد في فاتحتها ص 173 ' أنه أرسلها إلى الشيخ مسعود بن سالم بن هاشل المسكري ' وكذلك قصيدة غزلية لأبي مسلم البهلاني، تبلغ أبياتها عشرة أبيات وطالعها، وغيرها من القصائد الكثيرة تضمنها دفتره.
كما وجدنا بهذا الدفتر قصائد غزلية للشيخ عبدالله بن سعيد الخليلي من بينهما: 'أشفي قلبي بكمود' و28 بيتاً، وأخرى لشيخ البيان أبي نذير محمد بن شيخان 'هبّي فقد طلع النهار '25 بيتاً ، وقصيدة 'خليلي ما للنفس هاجَ غرامها' ، و' لا يزال الحق فينا مذهبا' ، وقصيدة 'في نور طلعته أو نار وجنته' ، و قصيدة 'ما القلب إلا من تقلب دائه' وقصيدة 'أطلعة شمس أم مبادي جماله' وقصيدة 'لي جانب السفح أوطارٌ وأوطانُ' و 'وقصيدة' حبُّ الغواني عن البلدان أغناني'.
وقد وردت هكذا، وأصلها عن الولدان أغناني 'هذه القصائد الأخيرة كلّها بخط سليم بن سالم بن خميس السالمي، وتشكل حجماً كبيراً من ديوان ابن شيخان المطبوع وهي قصائد معروفة ومشهورة ، ولعلها تبين أن الشيخ هاشل كان إلى شعر ابن شيخان أقرب.
*- تخميسات الشيخ القاضي خالد بن مهنا البطاشي: وهي تخميسات كتبت تلبيةً لطلب الشيخ هاشل وخطّها الشيخ خالد بنفسه بخطه إبان إقامته بعلاية إبراء وتعدّ إضافة نوعية لديوان الشيخ خالد غير المطبوع، وترد في الدفتر بكثافة ودون انقطاع عبر صفحات الدفتر( 157- 159) ونورد منها ما يلي:
الأولى: ثلاثة مقاطع بمناسبة قدوم الشيخ هاشل إلى وطنه إبراء وأصل بيتها الأول لأبي الطيب المتنبي ومنها:
بقدومكم لبست بلادكم الهنا
ابرا فتاهت بهجة وتلوّنا
وغدت من الأفراح راقصة بنا
لما قفلت من السواحل نحونا
قفلت إليها وحشة من عندنا
الثانية: مقطعان بمناسبة طلب الشيخ هاشل تخميس بيتين للشيخ محمد بن عيسى الحارثي
بان وقلبي بالنوى عذْبا
منْ كانَ أُنْسي في زمان الصّبا
بالله برّد لوعتي بالنبا
سألتكَ الله نسيمَ الصَّبا
أين استقرتْ بعدنا زينبُ
الثالثة: خمسة مقاطع نظمها القاضي خالد البطاشي استجابة لطلب الشيخ هاشل منها:
لئن كان بذلُ المالِ في المجد مأثما
فإني بذلتُ الوفرُ فيه تكرّما
لتكفني قوتي متى صرت مُعْدَما
يعيرني بالدين قومي وإنما
ديوني في أشياءٍ تكسبُهنًّ مجدا
الرابعة : عشرة مقاطع يقول الشيخ خالد بتواضع 'أنه نظمها مرتجلا إسعافاً لطلب الشيخ هاشل بن راشد المسكري وإن لم يكن لهذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان' ومنها قوله:
أرى عن هذا الورى لي أسلما
وإن التجافي عنهمُ كيف مغنما
ولما روني عنكم متكتِّما
(يقولون لي فيك انقباض وإنما
روا رجلاً عن موقف الذل أحجما)
- قصائد محاورة ومجاراة بين شعراء زنجبار' حول لبس العمامة واللباس العربي والألبسة الإفرنجية الطارئة على زنجبار، وقد بدأها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الكندي بقصيدته ' القائلة أبياتها:
إن العَمَامةَ تاجُ العُرْب قد وردا عن النبي حديث صحَّ مستندا
وجاء أيضاً حديث الاعتماد بها يزيد في الحلم فاسلك فيه نهج هُدى
واعتمَّ من قبل خير الخلق قاطبة وصحبه أترد الحق حين بدا؟
ملائك النصر في بدرٍ لقد نزلوا لهم عَمائم سيما أمرها حُمِدا
فانعمْ بها لبسة إن كان لابسَها مطهّر القلب شهما حازما جلدا
إن كنتَ متبعُ الحق اقتده بهمُ ولا تجادلْ ببطلٍ واترك اللًّدَدَا
ثم شاركه أبو البركات محمد بن ناصر اللمكي بقصيدة نادرة تبلغ أبياتها خمسة عشر بيتاً، قال عنها الشيخ هاشل :' نقحها الشيخ العلَّامة قسور بن حمود الراشدي '، وجاءت على غير قافية الشيخ الكندي، ومنها قوله:
ما للعمامةُ والأثوابَ تلبسها كلٌّ يرى واضحاً نهجاً من اللقمِ
قد كان تاجاً لذي فضل وذي شمم في الدهر مشعا لهم وضاء للأمم
فالتاجُ علمكمُ والعلمُ تاجكمُ والثوب يلبسكم تاجاً من الوهم
رفقاً خليليَّ من تفنيد قولكما قلباً يقطِّعه التفنيد بالكَلمِ
- كما شاركهم الشاعر صالح بن علي الخلاسي بقصيدة بلغت أبياتها عشرين بيتاً طالعها يقول: -
لبسُ العمامة ما به من باسِ فإذا لبست فأنت خير الناسِ
هي لبسةُ المُختارِ بعد وصحبه والتابعين هنالك الأكياس
ولباس هاتيك الملوك أولي العلى أعني ملوك العرب أهل الباس
- وختم هذه المحاورة الأستاذ سليمان بن عمير الفلاحي بقصيدة وردت في الدفتر بعنوان ' البلاء موكل بالمنطق ' وعدد أبياتها ثمانية وعشرين بيتاً، وجاءت في الرد على علي الشاعر صالح بن علي الخلاسي، وطالعها يقول:
دع الملامَ وخلّ الكأسَ للحاسي واسلكْ هُديت طريقَ الرشدِ للناسِ
وانظر مليّا إلى قولي على مهَلٍ ولا تخصَّ في مقالي غير حسّاسِ
شيخي الخلاسيَّ ترمي بالتجسس مِنْ لم يدره قط أنتَ اليومَ ذو باسِ
ويبدو أن هذه القصائد الأربع غير متسقة القوافي والأبحر، وأن موضوعها مرتبطٌ بالإنكار على شخص معين لبِسَ البطال واستبدله بالعمامةِ التي يعتبرها العرب فخراً لهم، وقد التفت الأستاذ أحمد الفلاحي إلى ذلك في كتابه بطين ص 90 حين تناول قصيدة سليمان بن عمير قائلا ' إن الحوار يدور حول شخص بذاته يرتدي العمامة البيضاء، ويرتكب الأفعال القبيحة، ولهذا أنكر عليه الخلاسي ذلك وأن عليه بالظاهر وليس المخفي، ومن هنا جاءت غضبة الفلاحي لاتهامه بالتجسس '.
ويبدو أن سائر الحوار في القصائد كلها يدور حول تأكيد أهمية العمامة ومكانتها لدى الشخصية العربية، وهي انعكاس لسمت الشخصية ونقاء صورتها كما يرى أصحابها.
وبعد : فهذا الدفتر التاريخي يرصد حركة الشعر ويقدّم طريفه ونوادره من منطلق المعاصرة وأحيانا التوارد والسماع والنقل، عاكساً بذلك ذوق صاحبه الأدبي في الانتقاء والاختيار، وله في ذلك آلياته ومحدداه لعل أهمها ما يناسب الذوق الجمعي للقارئ والمستمع، فقصائده كُتبت لتقرأ، وتلقى في منصة اجتماعية هي المجالس التي تعقد فيها ندوات المجتمع اليومية وكانت حوزة السبلة إحدى أهم منصاته، يتأكد ذلك حين نكتشف أن الدفتر يركز على شعراء محليين من دائرة الوسط الاجتماعي من مثل :القاضي خالد بن مهنا البطاشي ،والشيخ محمد بن عبدالله المصلحي، والشيخ جابر بن علي المسكري، والشيخ محمد بن عيسى الحارثي. كما لا تغيب عنه المنصات المهجرية التي يؤمّها الشيخ هاشل ويحظى بقبول فيها، باعتباره شيخا قبلياَ له أهميته في تكوين العلاقات الثقافية بجانب العلاقات الاجتماعية وإقامة مجالس القراءة إحدى أهم تجلياتها، وهو كاتبٌ محرر لصحيفة الفلق، وقلمه سيّال فيها ، لهذا لا نستغرب حين نرى تركيز الدفتر على قصائد لشعراء ينتمون للوسط المهجري الزنجباري شأن: قسور بن الراشدي ،والشيخ عبدالرحمن بن محمد الكندي ،وصالح بن علي الخلاسي، وسليمان بن عمير الفلاحي، أبو البركات محمد بن ناصر اللمكي.وسليمان بن عمير الفلاحي ،.فهؤلاء كلهم من شعراء زنجبار.
وبين هذين الوسطين الجغرافيين - اللذين يدور في فلكهما الدفتر- تحضر القصائد الأشهر للشعراء العمانيين شأن أبو مسلم البهلاني وابن شيخان كونهما مدرستين يتوزع القراء العمانيون في الانتماء إليهما، وإن قلنا تحبيذ إحداهما على الأخرى فلا نجانب الصواب.
الدفتر بما قدَّمه يمثل عصارة وعي ثقافي مبكر، وقيمته تكمن في حفظه للشعر العُماني، وتقديم شعرائه بقصائد نادرة شأن قصيدة أبي مسلم البهلاني التي لم نجد لها ذكراً إلا في هذا الدفتر، ومخمسات القاضي خالد بن مهنا البطاشي وقصيدة القاضي سليمان بن سالم بن مسعود الكندي ،كما لم ينس الدفتر أولئك الذين حظهم من الشهرة لقلة قصائدهم ، فقد عرّف بهم ونمّى مواهبهم وحفزهم على الكتابة الشعرية والإبداع ؛ لإن الدفتر وسيلة إعلام متحركة تتوزع بين الإخبار والإشهار، وتنتقل بين مناطق جغرافية متباعدة وتعبر الأقاصي والأباعد لتصل إلى زنجبار كلها بفعل حركة الدفتر وتداوله بين الأيادي، وقراءته بألسن مجيدة وأصوات حاذقة... وهو في الأخير سجلٌ شعريٌّ حفظَ أنماطاً فريدة ممن الإبداع المعاصر، وضمّ قصائد لشعراء مجهولين وأخرى لشعراء مُقلين، وقد زانه حضورُ النسّاخ العُمانيين بخطوطهم ونقوشهم، فبدا خريدة نفيسة من خرائد الدهر لا تقدر بثمن.